الجامعات الأمريكية فضحتنا أمام العالم


محمود يوسف بكير
الحوار المتمدن - العدد: 7966 - 2024 / 5 / 3 - 00:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

العالم كله في حالة اندهاش من اندلاع الحركات الاحتجاجية للطلبة في العديد من أرقى الجامعات الأمريكية، لأنهم شباب تفصلهم عن غزة ألاف الأميال ولن تؤثر مألات ما يحدث هناك أيا كانت على تحصيلهم العلمي أو المستقبل المشرق الذي ينتظرهم بعد التخرج. ومع هذا وبدون الحاجة لأي مواعظ دينية حتى يتحرك ضميرهم وحسهم الإنساني تفاعلوا بشكل غير متوقع مع العدوان الإسرائيلي من خلال ما شاهدوه من أخبار والفيديوهات المرعبة التي تبث من غزة كل يوم ليخرجوا في مظاهرات احتجاجية ضد العدوان الهمجي الذي تقوم به إسرائيل ضد المدنيين العزل في غزة. مع العلم بأن هؤلاء الطلاب وهم من البنين والبنات يمرون هذه الأيام بمرحلة حرجة في دراساتهم، فهم إما على وشك بدء الامتحانات أو التخرج، بمعنى أنهم يعرفون أنهم يغامرون بمستقبلهم، ولكنهم لم يبالوا وكانت النتيجة أن تعرض الكثيرون منهم للضرب والاعتقال والفصل من الجامعة. والحقيقة أن العالم كله في غاية الفخر بهم وبأساتذتهم الذين يتظاهرون معهم ويدافعون عنهم أمام مجالس وأعضاء هيئات التدريس بجامعاتهم. ولأول مرة في حياتي أشعر بالفخر من أنني أحد خريجي جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك، حيث تمثل كولومبيا المركز الأساسي للاحتجاج الذي ألهم الجامعات العالمية الأخرى داخل وخارج أمريكا للتظاهر ضد حكومة السفاحين الحالية في إسرائيل وضد اللوبي الصهيوني الذي جعل من الحكومة الأمريكية الحالية دمية يتلاعب بها كيفما شاء. وكم كنت أتمنى أن أكون مع طلابنا في كولومبيا ولكن عزائي هو أنني وزوجتي شاركنا في مظاهرات لندن وكانت واحدة منها من أكبر المظاهرات في تاريخ هذه المدينة وكانت حافزاً للمظاهرات التي خرجت لاحقا في العديد من الدول الأوروبية الأخرى.وفي هذا فقد كنت في شبابيي من هواة المظاهرات وكدت أن أعتقل وأنا طالب في جامعة القاهرة عندما خرجنا في الانتفاضة الشعبية ضد قرارات السادات برفع الأسعار وهي الانتفاضة الشهيرة التي أراد السادات تشويهها بذكائه المعهود فأطلق عليها أسم إنتفاضة الحرامية.
وعودة لمظاهرات الطلبة و الطالبات الأمريكان والتي تدعي إسرائيل وشبكة فوكس نيوز ومعظم الاعضاء الجمهوريين في الكونجرس الاميركي بأنها معادية للسامية ومناصرة لحماس، ولكن تم تكذيب هذه الادعاءات بواسطة الكثير من الطلاب والمفكرين والأكاديميين والسياسيين اليهود، وأخص بالذكر بيرني ساندرز وهو من زعماء الحزب الديموقراطي في الكونجرس و جيفري ساكس وهو واحد من كبار الاقتصاديين التطبيقيين في جامعة كولومبيا والعالم، بيرني ظهر على شبكة CNN وجيفري ظهر على محطة الجزيرة الإنجليزية، والاثنان أدنا بشدة ما تفعله إسرائيل وقالوا إن المتظاهرين لم يرفعوا شعارا واحدا مكتوبا عليه حماس وإنهم فقط يطالبون بوقف فوري للاعتداءات الوحشية الاسرائيلية وأن تتوقف الحكومة الاميركية عن تأييد إسرائيل وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لقتل المزيد من الفلسطينين وتدمير قطاع غزة بالكامل حتى يرحلوا عنه، وهم يطالبون أيضا جامعاتهم بوقف التعامل والاستثمار في الشركات الاسرائيلية وكل الشركات آلتي تستفيد من هذه الحرب. وأكثر من هذا فقد أكد الاثنان أنه من العبث أن يتهم كل من يدين أفعال إسرائيل وانتهاكاتها المتكررة للقوانين الدولية وحقوق الشعب الفلسطيني بإنه معاد للسامية وقالوا إن الحكومة الاسرائيلية الحالية هي حكومة صهيونية من اليمين المتطرف. والصهيونيه كما نعرف جميعًا هي خلط للديانة اليهودية بالسياسة من أجل مصالح شخصية وسياسية واقتصادية وهي تتشابه في هذا مع الإسلام السياسي الذي خرب بلادا عديدة في منطقتنا العربية. في البداية كانت المظاهرات سلمية في كل الجامعات الأمريكية، ولكن اللوبي الصهيوني أصيب بالفزع من سرعة انتشارها وبسرعة شديدة قامت أحد لجان الكونجرس التي يسيطر عليها الجمهوريون المؤيدون لإسرائيل باستدعاء رؤساء أكبر أربع جامعات أمريكية وهي هارفارد وMIT وبنسلفانيا وكولومبيا للتحقيق معهم. اعتذرت د. نعمات شفيق رئيسة كولومبيا لدواعي السفر وهي باحثة اقتصادية مصرية عالمية وكانت من قبل رئيسة مدرسة "جامعة" لندن للاقتصاد وقبلها كانت تعمل في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. كانت لجنة الكونجرس الجمهورية في غاية الشراسة والعنف مع رؤساء الجامعات الثلاث وتم اتهامهم جميعا بأنهم تهاونوا مع الطلبة المحتجين وبعض أساتذتهم وإنه كان من الواجب فصلهم من الجامعات لأنهم يهددون حياة الطلبة اليهود. بعد الجلسة بعدة إيام تم فصل رئيسة هارفارد وبنسلفانيا. وبعدها تم استدعاء د. نعمات شفيق أمام نفس اللجنة ليتكرر نفس السيناريو معها، ولكن بشكل أعنف خاصة وأنها كانت بمفردها وبحسب معرفتنا بها في لندن فهى إنسانة هادئة ومسالمة وعلى ما يبدوا فإنها لم تتوقع هذا الكم من الاهانات والهجوم بغرض دفعها للاستقالة. وكان من المستغرب إن يسألها أحد أعضاء اللجنة وهو يعلم أنها مسلمة علمانية عما إذا كانت تعلم بوجود آية في العهد القديم تقول بإن الله يلعن كل من يسيئ لليهود، وسألها هل تريدين إن يلعن الله جامعة كولومبيا؟! واللعنة التي كان هذا الجمهوري الضحل يضمرها ليست لعنة الله، ولكنها لعنة المليارادات اليهود الذين يتبرعون بمئات الملايين لكولومبيا كل عام. والخلاصة أنني أسفت على طريقة إدارة لجنة الاستماع الهابط وعلى فشل د. نعمات في الدفاع عن حقوق طلبة جامعتها العريقة في حرية التعبير عن رأيهم وحق التظاهر السلمي وبدلا من هذا بدأت بعد لجنة الاستماع في معاقبة الكثير من الطلاب والأساتذة واستدعاء البوليس إلي حرم الجامعة لفض المظاهرات والاعتصامات بعنف غير مسبوق رغبة منها في البقاء في منصيها كرئيسة لهذه الجامعة العريقة. وبالرغم من كل ما تفعله الآن إلا أنني وبكل أسف لا أتوقع أن تستمر في منصبها بعد يوليو القادم. أقول هذا لمعرفتي من خلال الدراسة والعمل في أمريكا بمدى قوة ونفوذ وتغلغل اللوبي الصهيوني في قطاعات المال والإعلام، والسياسة والثقافة والجامعات. وعلى سبيل المثال وقبل ساعات قليلة من كتابتي لهذا المقال اليوم الخميس، تحدّث الرئيس بادين لأول مرة عن المظاهرات الطلابية في الجامعات وقد بدأ حديثه بشكل محايد من خلال تأييده لحق التعبير والتظاهر السلمي، ولكنه أيضا أدان العنف والإضرار بممتلكات الجامعات، وهذا شيء طيب ولكنه اختتم حديثه بإدانة أعداء السامية والطلاب الذين يقوموا بتهديد الطلاب اليهود! وقد فعل هذا خوفا من أذى اللوبي الصهيوني ونيتنياهو خاصة وأن الانتخابات الأمريكية على الأبواب، ولكنه بالتأكيد يعلم أن إسرائيل أصبحت عبئا ثقيلا على أمريكا وعلى مكانتها وسمعتها في العالم أجمع، ولكنه تصرف كما تصرفت د. نعمات. ولكنهم نسوا أن ما فعله الطلبة الإمريكان سيبقى في ذاكرة أمريكا والعالم كله، وهناك الآن وعي غير مسبوق في الغرب بالظلم الذي يتعرض له الفلسطينيون عبر أكثر من سبعة عقود والذي وصل إلى مرحلة خطيرة تتمثل في تجويع وإبادة شعب بالكامل تحت أنظار العالم أجمع وبتأييد فاضح من أمريكا. ولكن علينا أن ندرك أن اللوبي الصهيوني خرج من حرب غزة ومظاهرات الجامعات الإمريكية وهو منهك ومفضوح وملعون أمام العالم كله وأن تحرر أمريكا من نفوذه أصبح مسألة وقت. وأخيرا وكما ألمحت في بداية المقال بأنه عندما كنت طالبا في جامعة القاهرة في منتصف السبعينات أيام الرئيس السادت كنا نخرج في مظاهرات احتجاجية داخل وخارج الحرم الجامعي ضد أي شيء من كامب دايفيد إلى غلاء الأسعار إلى المطالبة باستقلال النقابات المهنية …الخ وكانت زميلاتنا يخرجن معنا ووقتها لم يكن محجبات. وعلى ما يبدو فإن الحجاب جاء بعد ذلك ليحجب ليس فقط الأجساد، بل والعقول. الآن وكما إوضحنا في المقال، تندلع المظاهرات في أكبر وأرقى الجامعات الأمريكية وتشارك فيها الطالبات أيضاً احتجاجاً على ما تقوم به إسرائيل من من مذابح ودمار داخل قطاع غزة المحاصر. وفي المقابل لم نسمع عن أي مظاهرات احتجاجية في أي جامعة من جامعات العالم العربي ضد العدوان الإسرائيلي على فلسطين والتي يعتبرها العالم كله جزءا من العالم العربي ولكن أصبح واضحا أن للعالم العربي رأي آخر، ويبدوا أن شبابنا أيضا نسي هذه القضية أو أنه أيضا مثل الشعوب العربية أصبح مغلوباً على أمره أو مشغولا بالسوشيال ميديا وكان الله في عونهم.

مستشار اقتصادي