الانتخابات والفساد الجماعي أي واقع وأية آفاق؟.....5


محمد الحنفي
الحوار المتمدن - العدد: 6988 - 2021 / 8 / 14 - 11:45
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية     

الجماعات الترابية ونتيجة الفساد الانتخابي:

4) ويمكن اعتبار الفساد، مترتبا عن الفساد الانتخابي، الذي يشمل ثلاثة أنواع من الفساد:

ا ـ فساد الناخب الذي يبيع ضميره.

ب ـ فساد سماسرة الانتخابات، أو تجار الضمائر الانتخابية.

ج ـ فساد المرشحين، الذين يحولون حملاتهم الانتخابية، إلى وسيلة لشراء ضمائر الناخبين، من تجار ضمائر الناخبين، أو بطرقة مباشرة، إذا كانت هناك جماعة من السكان، في دائرة انتخابية معينة، مشهورة ببيع ضمائرها إلى مرشح معين، يعرفها، وتعرفه، وليس في حاجة إلى واسطة (سمسار، أو تاجر الضمائر الانتخابية)، حتى يحصل على أصوات الناخبين، الذين يقفون وراء وصول الفاسدين إلى مراكز القرار الجماعي الترابي.

وقد يكون الفساد الجماعي الترابي، كممارسة يومية للجماعات الترابية، لا علاقة له بالفساد الانتخابي، من منطلق، أن فساد الأعضاء الجماعيين، حتى وإن لم يشتروا ضمائر الناخبين، وفساد العاملين في الإدارة الجماعية، له علاقة بطبيعة الجماعة الترابية، الفاسدة أصلا، خاصة، وأن الإدارة المغربية، وفي جميع القطاعات، هي إدارة فاسدة، ولا يمكن أن نستثني منها الإدارة الجماعية، إلا أن الفساد في الإدارة الجماعية، هو فساد مضاعف، لكون العاملين في الإدارة الجماعية، أتوا، في معظمهم، عن طريق الإرشاء، والارتشاء، الذي قد يتجاوز الملايين، إذا كان يهدف إلى تحقيق مكاسب غير مشروعة.

وسواء كان الفساد الانتخابي، سببا في الفساد الجماعي، نظرا لكونه يصعد إلى المسؤولية الجماعية، أعضاء فاسدين.

ومهما يكن، فإن الفساد الجماعي الترابي، هو فساد أصيل في الجماعات الترابية؛ لأن المسؤوليات الجماعية الترابية الأساسية، لا يتولاها إلا الفاسدون. والفاسدون لا يمكن أن يسعوا إلا إلى الفساد، الذي يتمثل في الأصل في:

ا ـ فساد الأعضاء، الذين لا يهتمون إلا بمصالحهم الخاصة: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، من خلال قيام كل عضو بالوساطة، بين أصحاب المصالح، وبين الرئيس، أو بينهم، وبين رئيس أي لجنة، من اللجان، التي يكونها المجلس، وبينهم، وبين أي موظف جماعي، من أجل الإرشاء، والارتشاء، ليصبح الرئيس، أو الموظف، مرتشيا، على أن يتقاضى كل عضو وسيط، عمولته من الراشي، ومن المرتشي، سواء كان رئيسا للجماعة، أو عاملا في إحدى المصالح، أو الأقسام.

ب ـ فساد الرئيس، الذي يعتبر، حسب القانون المنظم للجماعات الترابية، هو المتحكم في مسار الجماعة، وهو الآمر الناهي، وهو المتصرف رقم 1، في كل أمور الجماعة: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا. وإليه يرجع الأمر كله، في علاقة الجماعة بالوافدين عليها، من السكان، ومن غير السكان، ممن تربطهم علاقة بالجماعة: عقاريا، أو اجتماعيا، أو ثقافيا، أو سياسيا. وهو الذي يتفاوض باسم الجماعة، وعلى يده يمكن أن تتقدم الجماعة، أو تتطور، وعلى جميع المستويات، ومهما كانت هذه المستويات مرتفعة، أو متدنية، فلا شيء يسير في الجماعة، بدون إرادته، ولا شيء يمكن أن يتحرك، بدون إرادته، ولا أحد يمكن أن يفتح ببتا جديدا، أو يمتلك سكنا، إلا بإذنه.

ومن الرؤساء الجماعيين، من يعتبر الجماعة، التي يرأسها، ومنذ البداية، بمثابة ضيعة يمتلكها، يسخر كل إمكانياتها المادية، والمعنوية، لخدمة مصالحه: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، يتلقى المزيد من الإرشاء، والارتشاء، وينهب المزيد من الثروات، التي يدفع منها رشوة إلى السلطة الوصية، المباشرة، التي تسكت عن الفساد الانتخابي، وفساد الرئيس، وفساد الجماعة، وفساد الأعضاء، وفساد الإدارة الجماعية، ونهب ثروات الجماعة، كما تسكت عن الفساد الإداري، الذي يعشش في صفوف الأجهزة الجماعية، التي تصبح، ككل أشكال الفساد الأخرى، الذي يترتب عنه السطو على حقوق الآخرين.

وفي بعض الأحيان، نجد أن الرئيس نفسه، قد لا يكون على علم بطبيعة الفساد، الذي يجري في دهاليز الإدارة الجماعية.

والأعضاء الجماعيون، وخاصة منهم المقربون من الرئيس، يعملون ليل نهار، على القيام بالوساطات، بين أصحاب المصالح، وبين الرئيس من جهة، وبينهم وبين العاملين في الإدارة الجماعية الترابية، من جهة أخرى، مما يدل على أن الأعضاء الجماعيين، مؤصلون من الفساد. وأصبحوا أعضاء في الجماعة الترابية، على أساس الفساد الانتخابي، ويمارسون في العمل الجماعي، كل أشكال الفساد، ومن كان، أصلا، من الفساد، لا يمكن أن يكون إلا فاسدا، ومن كان فاسدا، لا يمكن أن يمارس إلا الفساد، ولا ينتج في إطار الجماعة الترابية، إلا الفساد.

وقد يكون من بين الأعضاء الجماعيين، من لا علاقة له بالفساد، ولا يمارس الفساد، بل يحاربه، ويتصدى له، بما توفر لديه من إمكانيات مادية، ومعنوية.

كما قد يكون من بين الرؤساء الجماعيين، من ليس فاسدا، ولا يمارس الفساد، بل يحاربه، بكل ما توفر لديه من إمكانيات مادية، ومعنوية، سواء تعلق الأمر بممارسته كرئيس، أو في إطار علاقته بالأعضاء الجماعيين، أو في إطار إشرافه على الإدارة الجماعية.

إلا أن صلاح العضو، أو الرئيس، وعدم محاربتهما للفساد، وعدم إنتاجهما للفساد، لا يرفع كلا منهما إلى مستوى القديس، في الكنيسة المسيحية؛ بل يجدان نفسيهما غارقين، من هامة كل منهما، إلى أخمص قدميهما، في الفساد، الذي لا يتوقف في دهاليز الإدارة الجماعية، لاعتبارات نذكر منها:

الاعتبار الأول: أن مجمل الأعضاء، أفرزهم الفساد الانتخابي، وكل من أفرزه الفساد الانتخابي، لا يمكن أن يكون إلا فاسدا.

والاعتبار الثاني: أن مجمل موظفي الجماعات الترابية، أفرزهم فساد التوظيف، في الجماعات الترابية، التي تحضر فيها المحسوبية، والزبونية، والإرشاء، والارتشاء، عن طريق الوساطات. وحسب ما يصلنا: أن معظم موظفي الجماعات الترابية، صاروا موظفين بالجماعات الترابية، بعد دفعهم الملايين إلى الرؤساء الجماعيين، والتي قد تصل، في بعض الأحيان، إلى عشرة ملايين سنتيم.

والاعتبار الثالث: أن كل من أفرزه الفساد، لا يمكن أن يتصور الجماعة الترابية، إلا فضاء لممارسة الفساد، وأن يجلب المزيد من الثروات إلى الأعضاء، والفاسدين، وإلى العاملين الفاسدين، في إدارة الجماعة الترابية.

الاعتبار الرابع: مقاومة الفاسدين، لكل من لا يمارس الفساد من الأعضاء، في إطار الجماعة الترابية، ولكل من يسعى إلى محاربة الفساد؛ لأن الفساد له علاقة بالمصالح: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

وما دام الأمر كذلك، فإن الفاسدين، من أعضاء الجماعات الترابية، ومن العاملين في إدارة أي جماعة ترابية، لا يمكنهم أن يحققوا الاستجابة لمصالحهم المختلفة، ويحققوا تطلعاتهم الطبقية، إذا كانت الجماعة ذات موارد محدودة، وكان سكانها، أو المتعاملون معها، لا يستطيعون الاستجابة لما يسعى إليه الأعضاء الفاسدون.

والطريق الوحيد، المؤدي إلى جعل الفسادين، يقلصون من مساحة ممارستهم للفساد، هو:

أولا:الفضح الإعلامي، الذي يجعل ممارسة الفساد الجماعي، في إطار أي جماعة ترابية، معروفا، ويجري على كل لسان، وموضوعا للاستنكار من مختلف الأحزاب، والجمعيات الحقوقية، وغيرها من الجمعيات، التي لها علاقة بمحاربة الفساد، بأوجهه المختلفة، في أي جماعة ترابية، في أفق جماعات ترابية، بدون فساد.

ثانيا: القيام بالإجراءات القانونية، في حق الفاسدين من الأعضاء، وفي حق الموظفين الجماعيين الفاسدين، في أفق إحالتهم على المحاكم، متلبسين بممارسة الفساد الجماعي، الذي أصبح وسيلة لتحقيق التطلعات الطبقية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

ثالثا: العمل على إنجاز الفضح الإعلامي، والقيام بالإجراءات الضرورية، لإحالة الفاسدين على المحاكم، ليقول القضاء كلمته فيهم، من أجل الحد من فساد الأعضاء الجماعيين، وفساد العاملين في الإدارة الجماعية، في أفق تحقيق جماعات، بدون فساد.