أليست إنسانية الإنسان، هي الأصل في الواقع الاجتماعي؟


محمد الحنفي
الحوار المتمدن - العدد: 7923 - 2024 / 3 / 21 - 14:23
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية     

إن المجتمع، أي مجتمع، كيف ما كان نوعه، وأينما كان، عندما لا تحترم فيه حقوق الإنسان، يصير مجتمعا من الوحوش البشرية، يفترس فيها القوي الضعيف وينتهك فيه إنسانية الإنسان، التي لا تتحقق بولادته، ولا بكونه سيدا، أو إقطاعيا، أو بورجوازيا كبيرا، أو حتى بورجوازيا صغيرا، يسعى إلى تحقيق تطلعاته الطبقية، أو حتى عاملا في مصنع ما، يمارس العمالة الطبقية، تجاه رب العمل. فهؤلاء، جميعا، إنما هم مجرد وحوش صغيرة، تسعى إلى أن تصير وحوشا كبيرة، ومن تجدهم أمامها من البشر، الذين لا حول لهم، ولا قوة، ولا يملكون إلا بيع قوة عملهم، وبأجور لا تسمن، ولا تغني من جوع، تعتبرهم غير إنسانيين؛ فيتعامل معهم الأسياد، أو الإقطاعيون، أو البورجوازيون، كعبيد، أو كعبيد الأرض، أو كعمال، أو كأجراء، أو ككادحين، لا حقوق لهم، إلا أن يكونوا في خدمة الأسياد، أو في خدمة أرض الإقطاع، أو في خدمة مصالح البورجوازية.

وعلى العكس مما رأينا، فإن المجتمع يصير إنسانيا، إذا صار الناس يتمتعون فيه بحقوقهم الإنسانية. وما دام الناس لا يتمتعون بحقوقهم الإنسانية، وما دام العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، لا يتمتعون بحقوق الشغل، فإن هذا المجتمع، في حاجة إلى بذل مجهود كبير، حتى ينتزع جميع أفراد المجتمع ،حقوقهم الإنسانية، وحتى ينتزع العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، حقوق الشغل التي لا يتمتعون بها.

ذلك، أن الأصل في الإنسان، أن يتمتع بحقوقه، وأن يحيا متمتعا بحقوقه الإنسانية، التي تناسب العصر الذي يعيش فيه، كما تناسب الوسط الذي يتحرك فيه: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، حتى يعيش حياة كريمة، على جميع المستويات، مهما كانت الشروط، وكيفما كانت، لأن طبيعة الإنسان، أن يميل إلى التمتع بحقوقه الإنسانية، كما يراها الإنسان، في إطار النظام القائم، وانطلاقا من الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.

فإنسانية الإنسان، وأينما كان، لا تتم إلا بتحقق حقوقه الطبيعية، يالإضافة إلى حقوقه الإنسانية، والشغلية، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق الشغل، التي تعتبر مقياسا لاحترام إنسانية الإنسان، في داخل الوسط الذي يعيش فيه، وفي خارج الوسط الذي يعيش فيه، وفي الوسط الذي يشتغل فيه كعامل، أو كأجير، أو ككادح، خاصة، وأن حقوق الشغل، تعتبر في مجال العمل، كامتداد لحقوق الإنسان المختلفة. فإذا احترمت حقوق الشغل، فإن ذلك لا يعني إلا التمتع بالحقوق الإنسانية، في مجال العمل. وإذا لم يتمتع بالحقوق الإنسانية، فإن ذلك، لا يعني إلا أن حقوق الشغل منتهكة، ولا تحظى بالاهتمام اللازم. وهذا التأثير، يبرز في غالب الأحيان، في حرمان العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من الحقوق الشغلية، كامتداد للحرمان من الحقوق الإنسانية.

ونحن، عندما نرتبط بتكون الحقوق الإنسانية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، نجد أنها جاءت مرتبطة بالتطور الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، الذي تعرفه البشرية في تاريخها، وخاصة عندما ظهرت التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية، والثقافية، والسياسية الرأسمالية، التي مارست صراعها ضد الإقطاع الأوروبي، الذي كان يستغل عبيد الأرض، أو الأقنان، ويحرمهم من كل حقوقهم الإنسانية، من أجل أن يتحرك العبيد، المرتبطون بالأرض، من أجل التمتع بالإنسانية، التي تنتشر بين الناس، الذين يتمتعون بالحقوق الإنسانية، مما يجعل منهم شاهدين على أن حقوق الإنسان، تقف وراء تنشئة الأجيال الصاعدة، على التشبع بالقيم الإنسانية، المتشبعة بالتربية على احترام الحقوق الإنسانية، والعمل على التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية، التي تقف وراء تجسيد الحقوق الإنسانية، التي يحضر، معها، احترام كرامة الإنسان، كقيمة من القيم، التي تجعل حقوق الإنسان، التي يتم بثها في الواقع الإنساني، الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي؛ لأنه، بدون الحقوق الإنسانية، لا تنتشر بين الناس الحقوق الإنسانية النبيلة، التي تكسب المجتمع، وجها آخر، وخاصة، إذا كان الناس يتمتعون بالحقوق الإنسانية، في ظل المجتمع الاشتراكي، ومن وجهة نظر اشتراكية.

وإذا كان المجتمع الرأسمالي، أو الرأسمالي التبعي، لا يعترف بحقوق الإنسان، إلا بعد ممارسة الضغط الاجتماعي، والدولي، ولا يعمل على حماية الناس منها، إلا بعد ممارسة الضغط من الجهات الداخلية، والخارجية، ولا يعمل على ملاءمة القوانين المعمول بها، في جميع المجالات، وعلى مستوى كافة القطاعات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، إلى أن صار البلد قريبا من البلدان اللا إنسانية، والمتخلفة عن المجتمعات البشرية، بسبب عدم ملاءمة القوانين المختلفة، مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية، المتعلقة بحقوق الإنسان، حتى يصير التمتع بالحقوق الإنسانية، قانونيا، يضطر المستغلون إلى الالتزام بالقيام به، انطلاقا من القانون المعمول به.

وإذا كان المستغل، لا يلتزم بالقوانين المتلائمة مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية، المتعلقة بحقوق الإنسان، التي نرى: أنه من الضروري، أن تتلاءم معها مدونة الشغل، أو قوانين الشغل، حتى يطمئن العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، على مستوى مدونة الشغل، أو على مستوى قوانين الشغل، التي تحكم ممارسة المشغل، تجاه العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين. وإلا، فإن العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، سيحتجون عليه، وأمام الجهات المعنية، بالحرص على احترام القوانين المتلائمة، مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق الشغل.

أما إذا كان المجتمع إقطاعيا، فلا مجال للحديث عن حقوق الإنسان؛ لأن على المجتمع، أن يعمل على تحرير الإنسان، من عبودية الأرض، التي يملكها الإقطاعي، قبل الحديث عن حقوق الإنسان، الذي لا يكون إنسانا، إلا إذا كان متحررا. أما إذا لم يكن متحررا، فإن على المجتمع، أن يعمل على تحريره، على جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى يصير الإنسان أهلا للمجتمع، بالحقوق الإنسانية، بما في ذلك، في المجتمع الإقطاعي، الذي قد أخذ من الوعي الحقوقي: الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي؛ ليخرج من عنق زجاجة الإقطاع، حتى يصير متحررا: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، ليساهم في بناء المجتمع، وليتسلح بالفكر الموجه للممارسة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، على أساس بناء المجتمع المتحرر، والديمقراطي، والاشتراكي، دونما حاجة، إلى المرور من المجتمع الرأسمالي، أو الرأسمالي التبعي، أو مجتمع التحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف، الذي يبرهن، على أن البورجوازية القائمة، هي بورجوازية صنيعة الحكم البورجوازي الإقطاعي المتخلف، القائم على أساس الاحتلال الأجنبي للمغرب، أو على أساس الحكم المخزني، اللذين يعملان على صناعة البورجوازية، وعلى صناعة الإقطاع، معا، وجعلهما يتحالفان، ضد كل من يسعى إلى التحرير، وإلى الديمقراطية، وإلى العدالة الاجتماعية، بمضمون التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية، في أفق الاشتراكية.

ولذلك، نجد أن الطبقات المستغلة، التي تعاقبت على الحكم في المغرب، سواء في عهد الاحتلال الأجنبي، أو في عهد الحكم المخزني، لا تعترف بحقوق الإنسان، بمضامينها: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، ولا تسعى إلى تحرير الإنسان من العبودية، ولا ترغب في أن تصير الديمقراطية، بمضامينها: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، قائمة على أرض الواقع، ولا تقبل بأن تصير العدالة الاجتماعية، بمضمون التوزيع العادل، للثروة المادية، والمعنوية، في أفق الاشتراكية، وتسعى إلى أن يستمر الاستغلال الهمجي للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ودون اعتراف لهم، لا بالحقوق الإنسانية، ولا بالحقوق الشغلية، ولا تعمل، أبدا، على أن تستحضر إنسانية الإنسان، في العلاقات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، مما يجعلنا، لا نستطيع العمل على التقدم، وعلى التطور، على جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية. مما يجعل المجتمع يعرف جمودا مستداما، لا تتغير فيه الوضعية الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، للبورجوازية، وللإقطاع، وللتحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف. أما الشعب المغربي الكادح، والجماهير الشعبية الكادحة، بمن فيها: العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، فيبقون خاضعين للاستغلال الهمجي، المادي، والمعنوي، ولا يفكرون، أبدا، حتى في العمل على تحسين أوضاعهم المادية، والمعنوية، بما في ذلك: حرمانهم من الحقوق الإنسانية، والشغلية.

وهكذا، نصل إلى أن التشكيل الطبقي في المغرب، بالمفهوم الصحيح للتشكيل الطبقي، وأن هذا التشكيل، ومنذ القدم، تجسد في الحكام، الذين يملكون كل شيء، وفي الشعب، الذي لا يملك أي شيء. وأن عليه أن يخضع خضوعا مطلقا للحكام، وأن يستجيب لأوامرهم، وأن ينتج الخيرات المادية، والمعنوية، لصالحهم، وأن لا يفكر، أبدا، في مخالفة رأيهم. وإلا، كان مآله قطع رأسه، ليصير ذكرى غير محمودة، في نظر الحكم. لذلك لا نتكلم عن التشكيل الطبقي، لا في عهد الأدارسة، ولا في عهد أي دولة من الدول المتعاقبة، إلى أن دخل الاحتلال الأجنبي، الذي جلب معه البورجوازية الأوروبية، التي تشتغل في الزراعة، وفي التجارة، وفي الصناعة، وفي استخراج المعادن، وغير ذلك، مما يؤدي، بالضرورة، إلى قيام الاحتلال الأجنبي، بالاستغلال، لأي شيء، لصالحه، أو لصالح حاجته إلى تمتيع العملاء، بالريع الاستعماري، الذي متع عملاءه: باقتطاع الأراضي التي يريدون، ونصبهم على قبائل معينة، وعلى جهات معينة، ليصبحوا إقطاعيين، وحكاما، ومالكين لإقطاعياتهم، في نفس الوقت، ويتخذون لهم، من القوات الخاصة، ومن قوات الاحتلال الأجنبي، التي تصير مساعدة لهم، وفي خدمتهم. الأمر الذي حول عهد الاحتلال الأجنبي، إلى مجوعة من الممالك، التي تخضع، وتخلص للاحتلال الأجنبي، وتأتمر بأمره، وتنتهي عند نواهيه، وتحرص على أن يصير المحكومون، في الأراضي التي يحكمها الإقطاعيون، رهن إشارة الاحتلال الأجنبي.

والإقطاعيون، ينوبون عن الاحتلال الأجنبي، في التخلي عن كل من لا يرضى عن ممارسة الإقطاعيين، وعن عمالتهم للحكم الأجنبي، وعن تحولهم إلى إقطاعيين كبار، باستغلالهم للأراضي، التي يرغم مالكوها على بيعها لهم، حفاظا على أرواحهم. وإلا، تم التخلص منهم، وأخذ الأرض، بدون مقابل. هذه الأراضي، التي أصبحت تباع بالملايير، ثم، بعد ذلك، شرع الحكم الاستعماري، في إيجاد بورجوازية حضرية، عن طريق مدها بالامتيازات الريعية، وجعلها تحكم الحواضر، التي تشاء، بالعادات، والتقاليد، والأعراف، التي تراها مناسبة للحكم، الذي تشاء؛ لأن الإقطاعيين، الذين أصبحوا حكاما، قائمين، على يد الاحتلال الأجنبي، في إقطاعياتهم، والبورجوازيين الذين أصبحوا حكاما، على يد الاحتلال الأجنبي، في الحواضر، أصبحوا كذلك مساعدين للاحتلال الأجنبي، لا يعرفون: لا القراءة، ولا الكتابة، ويعتمدون في إصدار أحكامهم، على العادات، والتقاليد، والأعراف. والحكم المخزني المغربي، بعد الاستقلال الشكلي، صار يقتدي بالحكم الأجنبي، في تدبير شؤون المغاربة.