الطائرة الروسية


خليل كلفت
الحوار المتمدن - العدد: 4981 - 2015 / 11 / 10 - 13:35
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان     

- اخر مقال للراحل خليل كلفت -

يمكن القول إن ردّ الفعل المصرى إزاء الطائرة الروسية تبلور فى اتجاهين. وكان ولا يزال هناك احتمال أن يؤثر الحدث فى اقتصادنا من خلال توجيه ضربة قوية محتملة إلى قطاع السياحة. وكان هناك، من ناحية أخرى، هجوم على الدولة لأنها عجزت عن منع هذه الكارثة.
وكان ما حدث للطائرة أحد أمرين: عطلٌ فنى أدى إلى سقوطها، أو، عمل إرهابى من المنظمات الإسلامية الإرهابية المتعددة فى سيناء، واتجه التفكير إلى داعش بالذات باعتبارها أقواها.

وسرعان ما تم استبعاد إسقاط الطائرة بصاروخ أرض جو من داعش، لأن من المستبعد أن يكون لدى داعش مثل هذا الصاروخ الذى يمكن أن يصيب طائرة تطير على مثل هذا الارتفاع الشديد. ومع استبعاد احتمال أن يكون لدى المنظمات الإرهابية مثل هذا الصاروخ، بدا أن الاحتمال الوحيد هو العطل الفنى. وسرعان ما ظهر احتمال ثالث هو أن تكون داعش قد زرعت قنبلة داخل الطائرة قُبَيْلَ إقلاعها من مطار شرم الشيخ؟ وكان هناك سؤال: مَنْ زرع القنبلة؟

وأمام هذه الاحتمالات، ومع إعلان مبكر ٍمن داعش بأنها المسئولة عن تفجير الطائرة، ومع تأكيدات غربية بأننا إزاء عمل إرهابى، ومع اتخاذ إجراءات من جانب دول غربية، ومن جانب شركات طيران غربية للحدّ من، أو لمنع، السفر إلى شرم الشيخ بصفة مؤقتة إلى أن تظهر نتائج التحقيقات التى قد تطول، أخذت تتبلور أبعاد خطيرة. فبالإضافة إلى كارثة إزهاق أرواح 224 روسيا، بدأت الدولة تُدرك خطورة ما حدث، مع احتمالات سلبية كبيرة على الاقتصاد والمجتمع.

وكان الاتجاه العام للدولة هو استبعاد العمل الإرهابى، وظلت تُجاهر بهذا الاستبعاد، وتدعو إلى الكفّ عن الحديث عن الطائرة إلى أن تظهر نتائج التحقيقات التى يقوم بها خبراء كبار فى هذا المجال من دول متعددة. أما هى فكانت لا تكُفُّ عن الحديث مستبعدةً الاحتمال الداعشى ومركِّزة على احتمال العطل الفنى.

غير أنه كان لا مفرّ من وضع الاحتمال الإرهابى فى الاعتبار، مع مواصلة الهجوم على كل مَنْ لا يستبعد هذا الاحتمال. غير أنك لا تستطيع أن تُطالب الناس بأن يكُفُّوا عن التفكير فى مسألة يمكن أن تؤثر على حياتهم تأثيرا بالغا، بإضافة عبء كبير إلى أعبائهم المتفاقمة.

وكالدبة التى قتلت صاحبها أخذ مسئولون كبار وكذلك أكثر الإعلاميين يرجِّحون احتمال العطل الفنى على الاحتمال الآخر. وبالطبع فإن التحقيقات لم تكتمل إلى الآن وقد تستغرق وقتا طويلا. غير أن الموضوعية مفقودة، ويُغامر كل مَنْ يفقدها بفقدان المصداقية. ذلك أن المسئولية الحقيقية تكمن فى الموضوعية، ولأننا لا نعلم ما حدث علم اليقين، فإن الموقف السليم يتمثل فى عدم استبعاد أىّ احتمال.

ومع أن العُطل الفنى ليس مستبعدا فإن الاحتمال الآخر ليس مستبعدا كذلك. وإذا كان العطل الفنى احتمالا لا يؤيده سوى عدم الانتباه إلى إمكان أن تفجير الطائرة كان من داخلها، فإن الاحتمال الآخر ليس مستبعدا بل تؤيِّده كثرة من القرائن القوية.

ومن هذه القرائن موقف دولٍ وشركات طيران غربية، ومنها قرار روسيا بمنع السفر، ومنها تصريحات أمريكية مثل الضوء الذى سجله قمر صناعى أمريكى فى مكان وزمان تفجير الطائرة، ومنها تصريح منسوب إلى رئيس المخابرات الأمريكية يقول فيه إنه كان على علم بما سيحدث، فقد سمع إليكترونيا حديثا بين أفراد من داعش يستهدف هذه الطائرة الروسية، ومنها إعلان داعش مسئوليتها عن تفجير الطائرة، فى وقت مبكر.

وعندما بدا أن الاحتمال الإرهابى وارد بقوة أخذت دعاية الدولة تركِّز على الحديث عن حوادث الطائرات الكثيرة فى العالم بسبب عطل فنى أو بسبب حالة نفسية خاصة للطيار قد تؤدى إلى انتحاره بالطائرة مُصطحبا معه رُكابها.

وهنا ارتفع حديث الشكوى من الدول التى لم تساعد مصر ضد الإرهاب، وربما كان وزير خارجيتنا يعلِّق على حديث رئيس المخابرات الأمريكية. وبالطبع فإن الجميع فى مصر يدركون الأبعاد السلبية الكبيرة للغاية على مصر منذ الآن، وفى المستقبل إذا تأكد نهائيا أن ما حدث هو تفجير الطائرة من داخلها بقنبلة زمنية.

وكان من الواجب أن تكفّ الدولة عن الصراخ ضد كل احتمال آخر غير ما يُبعد عنها المسئولية، وليس من الوارد أن الدولة لم تُدرك مختلف الاحتمالات غير أنها اختارت عدم الشفافية، وإلقاء اللوم على آخرين لإبعاد المسئولية عن نفسها.

وبالطبع فإن مسؤليتها كبيرة إذا تأكَّد الاحتمال الداعشى، فزارع القنبلة فى هذا المكان سيكون من العاملين فى المطار لا محالة.

وتتحدد مسئولية الدولة فى حالة ثبوت الاحتمال الداعشى فى تقصيرها الأمنى فى مكان بالغ الأهمية.

وبالطبع فإن هذا النوع من التقصير ليس حكرا على مصر بل هو تقصير عام فى كل الدول ومنها الدول الغربية المتقدمة، وماذا يكون إسقاط الطائرة الروسية بالمقارنة مع اقتحام البُرجين فى نيويورك؟!

وهذا درس كبير يجب أن تتعلم منه الدولة وأجهزة دعايتها.