نحن والإخوان المسلمون


خليل كلفت
الحوار المتمدن - العدد: 5391 - 2017 / 1 / 3 - 10:00
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان     

نحن والإخوان المسلمون
بقلم: خليل كلفت
لعب الإخوان المسلمون فى تطورات وتداعيات ثورتنا المجيدة دورًا سلبيًّا على طول الخط. ويسترشد هذا الدور فى الممارسة بنظرية خط فقهى بعينه. وتنفخ الحياة فى كلٍّ من الممارسة والنظرية مصالحُ اقتصادية سياسية تطمح إلى السيطرة على الاقتصاد والسلطة. وكانت وما تزال الغاية المنشودة لصالح تحويل قطاع يمثل أقلية لها وزنها من رأسماليتنا التابعة إلى طبقة مالكة وحاكمة تحلّ محلّ الطبقة الرأسمالية الحالية، وإنْ اكتفت بالشراكة فى مرحلة من مراحل التكوين.
ويريد الإخوان السيطرة على الاقتصاد والسلطة، مدفوعين إلى الانفراد بهما والالتفاف حول الأيديولوچيا السياسية الدينية المميزة التى يتبنَّونها، حيث لا غنًى عن أيديولوچيا جرانيتية من نوع ما تصنع ارتباطا متينًا مُحْكَمًا بين الحكام والمحكومين وتتميَّز عن الأيديولوچيا القومية الپراجماتية السائدة، بعيدا عن الصراع الحتمى مع شركاء آخرين.
وتنشأ الأيديولوچيا السياسية الدينية، بطبيعة الحال، فى غياب طبقة تتبناها، ثم تتشكل حولها حركة سياسية طبقية ناشئة لها أهدافها المتمثلة فى التحوُّل إلى طبقة مالكة وحاكمة، ولها وسائلها الخاصة للوصول إلى سلطة الدولة، ويتمسك بهذه الأيديولوچيا قادة وجماهير هذه الحركة، وحكامها ومحكوموها؛ ببساطة لأنهم اندمجوا فى هذه الأيديولوچيا، فامتزجت بدمهم، وشكَّلت عقلياتهم، واعتنقوها كعقيدة راسخة، وصارت نظرتَهم إلى العالم وعقلهم. وككل أيديولوچيا سياسية يفهمها قادة الإخوان ومفكروها وتظل جماهيرها وقواعدها محرومة من فهمها بشيء من العمق، حيث يعيشون فى زمن التلاعب بالعقول، وحَيْونة البشر، والهبوط بهم إلى مستوى السائمة.
وإذا بدأنا بنظرة استعادية نجد أن غاية حركة جماعة الإخوان المسلمين تمثلت فى الاقتصاد والسلطة، كما نجد أن وسائل بلوغ تلك الغاية تمثلت، بعد التراكم الاقتصادى والسياسى والأيديولوچى الكافى، فى وسائل انقلابية بطبيعتها مع الاستناد إلى تغلغلها بين الجماهير الشعبية.
وتشير دلائل عديدة إلى أنهم كانوا يستعدون بعد تراكم استمر قرابة قرن من الزمان للانقضاض على نظام مبارك على غرار الثورة الإيرانية، وفى هذه الحالة كان لا مناص من أن تكون الإطاحة بهم معضلة كبرى باعتبارهم صنّاع التغيير دون منازع. وتشير إلى هذا تأكيدات لبعض قادتهم، وتقارير للسفارة الأمريكية، وتسريبات للويكيليكس، ومخاوف مبارك نفسه، وسلوكهم أثناء اغتيال السادات، ومحتوى توثيقهم لعلاقاتهم مع الغرب بقيادة الولايات المتحدة التى تأكَّد تشجيعها ورعايتها لهذا الاتجاه.
ولم ينقذنا من هذا التطور الخطير الذى كان سيأتى بالدولة الدينية من باب واسع سوى ثورتنا الشعبية ضمن إنجازاتها الكبيرة.
وبعد انطلاق الثورة بأيام نزل الإخوان والسلفيون الجهاديون، من كل نوع، إلى الميدان مدعوِّين للتفاوض على شروط الشراكة مع اللواء عمر سليمان، وهو الموقف الذى اعتمده المجلس العسكرى الأعلى للقوات المسلحة بعد إطاحته ﺑ مبارك، تلك الإطاحة التى أنقذتنا من عصابة مبارك التى كادت تدفن المصريين أحياءً.
وكان إسقاط مبارك بابا آخر لإسقاط قوى الدولة الدينية. فقد تحالف المجلس الأعلى مع الإخوان والسلفيين الجهاديين تحالفا أبعد ما يكون عن زواج كاثوليكى حيث كان كل طرف منهما يعمل على أساس خطة كاملة للإطاحة بالطرف الآخر فى الوقت الملائم. وكان أساس تحالف الجيش معهم هو تفادِى حرب أهلية يشعلها الإخوان متحالفين مع قوى الثورة تحالفا خداعيًّا، فى حالة عدم إشراكهم فى الحكم.
وبعد اكتساحهم لمجلسىْ الشعب والشورى ولجان تعديل الدستور ومختلف الاستفتاءات والانتخابات، وبعد "الانتخاب غير المستحق" للرئيس السابق محمد مرسى رئيسا للجمهورية، والصراع المرير بينه وبين الجيش، أسقطه الجيش بعد عام واحد مستندا إلى موجة ثورية جديدة جرت تعبئتها إلى حد الانفجار. وكان هذا فى آن واحد معًا إسقاطا لمشروع الدولة الدينية وتفاديًا من جديد لحرب أهلية كانت قد صارت وشيكة. وقد عجَّلت الأخونة السريعة المحمومة بالإطاحة بهم وبمشروعهم، لأن غاية الأخونة كانت إحلال دولة الإخوان المسلمين وجيشهم ورجال اقتصادهم محل نظائرها فى الحكم الجديد.
ورغم الضربة الحاسمة التى وجهتها حركة 30 مارس و 3 يوليو 2013 إلى الإسلام السياسى فى مصر والمنطقة والعالم، بحيث يتجه إلى التدهور، جاء رد فعل جماعة الإخوان المسلمين بتحالف واسع النطاق وبالغ العنف مع فروعها وامتداداتها بدعم الولايات المتحدة وتوابعها فى الغرب والشرق، إلى درجة فرض حصار محكم على مصر من كل الجهات ومن الداخل.
ويضعنا كل هذا أمام لحظة حاسمة نكون فيها أو لا نكون وفقا لمدى سلامة رؤيتنا وممارستنا.
والحقيقة أن قوة الإخوان كانت نتيجة مباشرة لسياسات الدولة ورؤسائها جميعا معهم. فقد استهترت الدولة حتى بمصالحها وتركت ظواهر بالغة الضرر تنمو إلى أن شكَّلت خطرا قاتلا على الدولة والشعب. وما ينبغى أن يُحاكم عليه مبارك يتمثل، قبل كل شيء، فى أن الحصار الذى يحيط بنا الآن من كل الجهات من صُنع حكمه، ولكن دولتنا لم تسمع عن شيء اسمه العدالة الانتقالية لا مع مبارك وعصابته ولا مع مرسى وجماعته الإرهابية.
وقد فتحت الدولة ورؤساؤها ورجالها الأبواب واسعة أمام الإخوان من طريقين: خلْق تربة خصبة لنمو جماعتهم بحكم تدهور أوضاع الشعب، ووضع قيود استبدادية ثقيلة على الحريات التى تقتضيها المواجهة الفكرية.