النسوية - أندرو ڤنسنت


خليل كلفت
الحوار المتمدن - العدد: 6160 - 2019 / 3 / 1 - 09:43
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات     

النسوية
تأليف: أندرو ڤنسنت
ترجمة: خليل كلفت
(الفصل السابع من كتاب الأيديولوچيات السياسية الحديثة
الذى يصدر قريبا عن المركز القومى للترجمة بالقاهرة)
 
على العكس من أيديولوچيات أخرى بعينها – على سبيل المثال، المحافَظة أو اللِّيبرالية – تُسَبِّب كلمة Feminism (النسوية) قليلا من المشكلات الإيتيمولوچية([i]) etymological نظرا لأن معناها البديهى شفاف نسبيا. وتدل هذه الكلمة، بمعناها الأبسط، على استقصاء وفهم التمييز ضد النساء واضطهادهن وبالتالى محاولة إلغاء مثل هذه السيطرة وعلى هذا النحو تنمية دور النساء وتحرُّرهن فى كل المجالات. وحتى هذه الفكرة الأساسية كان بوسعها أن تظلّ تسبب قدرا كبيرا من الجدال والنقد، جزئيا بسبب رسالتها التقدمية التحررية. على أن مجموعة مختلفة من المشكلات مرتبطة بالنسوية تتعلق بالهوية الواعية بالذات للحركة. وهذه المشكلات التى سنتناولها بإيجاز فى الصفحات التالية، يمكن أن ترجع جزئيا إلى واقع أن النسوية قد تحركت عبر مجموعة معقدة من المجادلات المتشابكة مع أيديولوچيات أخرى، مثل الماركسية والليبرالية. بالإضافة إلى أن الكثير من هذه المجالات قد تغيَّر بصورة ملحوظة على مدى العقود الأربعة الأخيرة. ولدينا الآن حتى ظاهرة ما بعد النسوية postfeminism الأكثر إلغازا، وهى اللفظة التى جرى نَحْتُها لمجموعة من الأسباب. وفى رأى البعض، على سبيل المثال، صار مفهوم نوع الجنسيْن gender أو الطابع الجنسى sexuality اتجاها سائدا فى المجادلات السياسية إلى حد أنه لم تَعُدْ هناك تقريبا حاجة إلى أيديولوچيا نسوية قوية – وهذه فكرة ما كان يمكن أن تكون قابلة للتفكير حتى فى منتصف تسعينيات القرن العشرين. كذلك فإن الكثيرين ممن شاركوا فى ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين فى برامج الدراسات النسوية صاروا يشغلون الآن مراكز رئيسية فى النفوذ والسلطة فى الوكالات العامة والإدارات الحكومية. ولا يعنى هذا أن قضايا نوع الجنسين قد جرى حلُّها – بالعكس – غير أن طبيعة الجدال قد تغيرت فى الواقع من حيث خصائصها. وعلى سبيل المثال، سيكون من الصعب فى سياق أمريكى أو أوروپى إدارة جدال ناجح فى السياسة بشأن المواطنة، والتوظيف، والمساواة، وما إلى ذلك، حيثما لم يتمّ دمج نوع الجنسين فيها باعتباره بُعْدًا أساسيا.
على أن دراسة النسوية ما تزال موضوعا للتفكير العميق المكثف، غير أن المجادلات تغيرت الآن إلى حد ما من حيث بؤرة تركيزها منذ ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين(1). وتبقى النسوية حركة ذات توجُّه نضالىّ/عملىّ بصورة عميقة. ويظلّ هذا المظهر النضالى/العملى على مستوى ما فريدا نسبيا، لأن التحدى الذى يمثله لا يكون فقط على المستوى الأكاديمى أو السياسى، بل هو موجَّه أيضا نحو معتقدات يجرى اعتناقها بعمق بشأن الطابع الخاص لمجتمعنا، ونماذجنا الفكريَة، وأجسامنا، وعلاقاتنا الشخصية والأكثر حميمية. وفى حالة نسويات feminists حديثات بارزات مثل چوديث بتلر Judith Butler، يبقى هذا التحدى أساسيا (Butler 1997 and 2004). وقد نفذ هذا النقد المحايث إلى كل مجال: كل أبعاد الإبداع الفنى. والعلوم الاجتماعية، والإنسانيات، والعلوم الطبيعية. وبالفعل فما يزال البعض يؤكدون أنه يهزّ استقرار أسس الثقافة الغربية. غير أن النسوية، من نواحٍ أخرى، ظلت مع هذا أيديولوچيا ناجحة بصورة ملحوظة كما أن منجزاتها لصالح النساء فى مجال السياسة ينبغى فى آن معا الإقرار بها وفى بعض الحالات الاحتفاء بها عن حق.
وفيما يتعلق بتاريخ النسوية على مدى العقود الأربعة السابقة كان هناك، فى بعض الأحيان، طابع منعزل إلى حد ما لبعض المساهمات النظرية. وبدا أن كثيرا من الكاتبات النسويات والمجلات، والصحف، خلال ثمانينيات وأوائل تسعينيات القرن العشرين، تخاطب نسويات أخريات فقط أو حتى النساء بوجه عام. وكان هناك مع هذا، منطق متماسك تماما يفعل فعله داخل هذه العزلة الظاهرة. ووفقا للُّغة الأيديولوچية لذلك الزمن فإنه إذا كان الرجال هم المشكلة، وإذا كان فى مصلحتهم أن يقمعوا النساء، فلماذا تتمّ مخاطبة الرجال بأىّ شيء أو إعارة أىّ انتباه إلا بصورة عدائية إلى كتاباتهم؛ فالرجال، حسب وجهة النظر هذه، إما أنهم لن يفهموا وإما أنهم يحاولون تدمير النساء، عن وعى أو عن غير وعى. وإذا كانت هذه اللغة (التى تشمل اللغات الاصطلاحية لمختلف الفروع الأكاديمية) قد جَسَّدَتْ أشكالا مرهفة من الطاقة الجنسية والسيطرة، فكيف يمكن حقا مخاطبة الرجال؟ وإذا كانت المرأة النسوية حاولت التعبير عن وجهة نظرها فى مثل تلك اللغة فإنها تكون قد أقرت بخضوعها هى وتكون قد خسرت المناظرة من أوّل كلمة (Spender 1980). وكانت لهذه النظرة نظائر مع موقف كثير من اللّادولتيِّين–السينديكاليِّين، واللّادولتيِّين، والمفكرين العضويِّين الجرامشيِّين بشأن مسألة اللغة، والفكر، والاضطهاد. وكانت الفكرة الأكثر عمومية لهذه المجموعات الأخيرة هى أن العمال أو الفلاحين بحاجة إلى تطوير برامجهم التعليمية وأشكال فكرهم. وحالما جرى تبنِّى نماذج منهجية من الفكر البرچوازى، جرت تقريبا خسارة  المناظرة والثورة. والواقع، كما أكد جرامشى، أنه يجب على الپروليتاريِّين أن يسعوا إلى السلطة الهيمنية حتى داخل المعايير المعتمدة للُّغة والإدراك العام. وبصورة مماثلة. قاومت النساء الثيمات القضيبية Phallic الپطريركية الهيمنية داخل اللغة والإدراك العام. وكانت توجد هنا أيضا أسباب لتطوير شكل جديد من الخطاب النسوى، وهى نقطة سنعود إليها. وتمثلت قضية متصلة هنا ببعض نسويات ثمانينيات القرن العشرين فى واقع أن النساء عانَيْنَ من كثير من المشكلات والصدمات، والمصاعب، مثل الولادة، والحيض، وبقية قضايا النساء. ولم يكن من الممكن أن يَفْهَمَهُنَّ الرجال تماما، وكانوا، حقا، يجعلون منهن مُحَرَّمات (تابوهات) فى كثير من الأحيان. وكانت مثل هذه القضايا جانبا من تجربة فريدة للنساء ولم يكن من الممكن أن يعانيها إلا نساء أخريات. غير أنه، وراء وجهات النظر هذه كان هناك اقتناع بأن النساء هُنَّ على السواء فريدات ويملكن طبيعة أساسية وشاملة. وقامت كاتبات نسويات أخريات بتفنيد هذه القضية، مشيرات إلى الاختلافات فيما بين النساء بالإضافة إلى الطابع المركَّب من كلٍّ من الاختلاف والتماثل.
وتمثلت صعوبة أخرى مع الزعم الوجودى فيما يتعلق بالنساء (وعلى وجه الخصوص النسويات الراديكاليات فى سبعينيات القرن العشرين) فى أنه بدا فى كثير من الأحيان أن العالم يتوقع ببساطة نسوية راديكالية، وأن "الحقيقة" المستقبلية للتاريخ تكمن فى هذا الميدان. ولم تكن النسوية الراديكالية بحال من الأحوال بمفردها فى هذه الوجودية الغائية: معظم الأيديولوچيات الراديكالية عرفتْ إحساسا أوّليًّا بهدفها الميسيانى [الخلاصى] messianic. كما أنه نظرا لأن الرجال كانوا يتولون إلى وقت قريب نسبيا، كتابة الجانب الأكبر من التاريخ والفلسفة، كانت النسويات الراديكاليات ينظرن إلى مثل هذا العمل فى كثير من الأحيان على أنه مشكوك فيه بصورة جوهرية. ومع أنه كان من السهل تماما فَهْم التفكير الماثل وراء هذا الموقف فقد بدا إلى حد ما أشبه بالمزاعم الماركسية المبتذلة من فترة الأممية الثانية بأن كل الفكر غير الماركسى أيديولوچيا برچوازية و "وَعْىٌ زائف" ويمكن تجاهله إلى حد كبير. وقد اتجه مثل هذا النوع من التفكير الراديكالى إلى الاضمحلال بنفس الطريقة التى اضمحلت بها النظرة الماركسية المبتذلة.
وفيما وراء الوصف المعمَّم دون شك لنسوية ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين الذى قدمناه منذ قليل – وكان تقريبا اهتماما باستقصاء اضطهاد النساء وفهمهن وتنميتهن – يصير فى الحال من الصعب جدا اقتراح تعريف أكثر جوهرية لهذا التعبير. ويجب أن نشير هنا إلى أن بعض النسويات قد طرحن البحث عن أىّ تعريف كهذا، خاصة أولئك اللاتى بَحَثْنَ طابع اللغة ذاته، سواء من وجهة نظر ما بعد بنيوية poststructuralist أو بنيوية structural، أو بالتناوب، لأن أبعادا أخرى للمعرفة تمثل النموذج الأنثوى للفكر بصورة أوثق من صياغة المفاهيم العقلانية. وقد أكدت نسويات كثيرات ذوات إلهام بعد حداثىّ postmodernist أنه حتى التعارض الثنائى بين تعبيريْن مثل "أنثوىّ" féminine و "ذكورى" masculine مشكوك فيه، بقدر ما يقدِّمان حكاية كبرى grand narrative عن مفاهيم من المفترض أنها شاملة، هى فى الواقع تراكيب ثقافية ولغوية عالية النوعية. وفى أعقاب هجوم فوكو Foucault على مقولات فكر التنوير، وكما عبَّر أحد الكُتّاب: "يميل التحليل النسوى إلى النظر إلى التضادات الثنائية الغربية بين الذات والموضوع، العقل والجسد، الذهن والعاطفة... كلها بمعناها المتعلق بنوع الجنسين والتوافق المشبوه مع التقسيم الهيراركىّ للذكر والأنثى... كل هذه الأشياء وسائل للسلطة" (Aladjem 1991, 278- also Coole in Freeden ed. 2001- Butler 1990 and 2004- Lioyed 2007)(2). 
وإذا تركنا هذه المسألة جانبا الآن، يظل من الجلىّ، إذا جرى فحص تاريخ النسوية كحركة على مدى الأربعين سنة الأخيرة، أن النسوية كانت تمثل بكل وضوح عندئذ أفكارا كثيرة مختلفة وأحيانا متعارضة كليا. وارتبطت أشكال من النسوية بكلٍّ من ترويج العفة وإتاحة فرص العلاقات الجنسية الحرة، مدعومة بمنع الحمل المتوفر مجانا. وأيدت بعض النسويات علاقات غيرية (مع الجنس الآخر) heterosexual أكثر انفتاحا وأكثر حرية وأيدت أخريات اللّيسبية([ii]) lesbianism السياسة. واحتفى بعضهن باختلاف النساء وفرادتهن بينما ذهبت أخريات بعيدا إلى حد ترويج الخنوثة androgyny (خنوثة hermaphroditism تطورية تقريبا). ونظرا للتفاسير التى جرى تقديمها لأيديولوچيات أخرى إلى الآن فإن هذا التنوع الداخلى لا ينبغى أن يسبب دهشة كبيرة للقارئ. فقد اتَّصفت النسوية بنفس التشابك والازدواج فى قيمها الأساسية مثل أغلب الأيديولوچيات.
وينعكس هذا الالتباس فى كل التعريفات التى جرت محاولتها. ويتمثل أوسع مفهوم فى أن النسوية تنتهجها "أىّ مجموعة تحاول تغيير وضع النساء أو الأفكار عن النساء" (Banks 1981, 3). وهذا يفتح الشبكة أوسع مما ينبغى فى نظر البعض، إذْ إنه يمكن أن يشمل أيضا المعادين للنسوية anti-feminists. وتكلم آخرون عن أن جوهر النسوية يتعلق بالوصول إلى "قيمة متساوية مع الرجال من حيث طبيعتهم المشتركة كأشخاص أحرار" (Charvet 1982, 1). وهذا التعريف قريب من الفكرة التى مؤداها أن النسوية تدور فى نهاية المطاف حول العدالة الجنسية. وتوجد النسوية، وفقا لهذه القراءة، لتصحيح المظالم المنهجية التى عانتها النساء بسبب الجنس (Radcliffe–Richards 1982, 13–14- Nussbaum 1999a and 2001). وقد ينظر البعض إلى هذا على أنه تضييق للبؤرة أكثر مما ينبغى ليغدو مفهوما ذا طابع قانونى شكلى. والنسوية، فى نظر آخرين، "نقد عام للعلاقات الاجتماعية للسيطرة الجنسية والخضوع الجنسى" (Bouchier 1983, 2) أو "معارضة لأىّ شكل من أشكال التمييز الاجتماعى، أو الشخصى، أو الاقتصادى، الذى تعانيه النساء بسبب جنسهن" (Randall 1991, 514). ومن شأن هذه التعريفات أن تُوَسِّع مصطلحات هذا النقد. وفى نظر كثيرات من النسويات، يحدث جانب كبير من أخبث الاستغلال للنساء والسيطرة عليهن فى مجالات تحت سطح العلاقات السياسية والاقتصادية الرسمية فى المجتمع. غير أن نسويات ما بعد بنيويات أحدث يقاومن هذا الجهد بكامله للتعريف باعتباره محاولة معيبة أخرى لميتا-حكاية metanarrative كبرى، أىْ، محاولة تثبيت وإغلاق نَسَق للفكر (Coole in Freeden ed. 2001, 160ff)(3). ولا توجد أىّ مُطْلَقات أو أُسُس صلبة للتعريف.
والواقع أن كثيرا من التعريفات التى أوردناها أعلاه تمثل خيوطا متمايزة تماما من الحركة النسوية ككل خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين. ورغم واقع أنه يوجد دافع أكثر عمومية وراء النسوية، يتعلق بتحسين أوضاع النساء ومقاومة الاضطهاد، هناك مدارس مختلفة للفكر النسوى تقدم تحليلات مختلفة جدا لهذه العملية.
جذور الفكر النسوى
ترتبط المجادلات حول جذور النسوية ارتباطا وثيقا بالمجادلات الأساسية بشأن الأيديولوچيات ذاتها، مع أنه يجدر بالملاحظة أن الكثير من هذه المجادلات التى دارت فى ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين قد تضاءلت أهميتها الآن إلى حد ما(4). وكانت هناك فى البداية حساسية ذات وزن بشأن مسألة الجذور التاريخية للحركة. ولأن الرجال كانوا يتولون الكتابة التاريخية ويسيطرون عليها، كان هناك قدر كبير من النقد لتهميش تاريخ النساء. وكان يجرى، فى هذا السياق، تأكيد أن النساء يكتب عنهن رجال، وأن الرجال يميلون إلى أن يكونوا، بصورة واعية أو غير واعية، منحازين لنوعهم بصورة منهجية. ولهذا فإنه كان ينبغى قيام النساء بإعادة اكتشاف تاريخ النساء من أجل النساء. وهذه الحساسية إزاء الجذور التاريخية، بالإضافة إلى واقع أن التاريخ ذاته كفرع معرفىّ يمكن النظر إليه على أنه جزء من النظام الذكورىّ الپطريركىّ، جعل النساء الكاتبات فى البداية أكثر حساسية بكثير إزاء تفاسير الحركة النسوية(5). ومن نواحٍ عديدة تغيَّر الموقف الآن بصورة ملحوظة: صارت الحركة النسوية، منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادى والعشرين الاتجاه السائد، مع أساس أكاديمى بالغ الرسوخ فى فرع التاريخ.
وتمثلت صعوبة أخرى حدثت فى العقود الأخيرة من القرن العشرين فى مسألة ما إذا كان أىّ اهتمام بقضايا النساء يُساوى أيديولوچيا نسوية. وقد تبدو هذه نقطة صغيرة، غير أنه كان يُنْظَر إليها على أنها مهمة. وهكذا كان هناك كثير من النساء والرجال الذين اهتموا بتناول النساء فى الأسرة، والتعليم، والعمل، والذين أيدوا المساواة التامة فى كل هذه المجالات، والذين كان يمكن أن يجدوا من الغريب أن يُسَمّوا نسويِّين. وبالإضافة إلى هذا، كان هناك عدد من النساء اللاتى نادَيْن بتغييرات فى المواقف إزاء النساء وطالبن بإصلاحات عملية: على سبيل المثال، مُصلحات بريطانيات فى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين مثل السيدة همفرى وارد Mrs. Humphery Ward، أو أوكتاڤيا هيل Octavia Hill، أو بياتريس ويب Beatrice Webb. غير أنه سيكون من المفارقات التاريخية أن نُلَقِّبَهُنَّ بأنهن نسويات. وكانت الاثنتان الأخيرتان، على سبيل المثال، حتى مُعادِيات لحق الاقتراع للنساء.
وبصفة عامة، ينقسم الجدال الخاص بجذور الفكر والممارسة النسويَّيْن إلى أربع فئات. وتفترض الثلاث الأولى أن المفهوم يسبق الكلمة. وتؤكد الأولى، بالفعل، أن تاريخ النسوية يرجع إلى فجر الوعى البشرى. وكانت "مسألة النساء" دائما معنا. ذلك أن نفس الأنثى فريدة، وغير متغيرة، ومختلفة كليا عن الذكر. والواقع أن بعض النسويات أَشَرْنَ إلى أن الأنثى متفوقة على الذكر فى قدراتها الإيكولوچية الفطرية وأن تاريخ النوع البشرى قد ضل الطريق بطريقة كارثية بسبب سيطرة الذكور. وتؤكد سوزان جريفِّين Susan Griffin، من وجهة نظر إيكولوچية–نسوية eco–feminist، أن النساء أقرب إلى الطبيعة من الرجال. وميزت هوية الأصوات الرئيسية لكتابها، Women and Nature [النساء والطبيعة]، على أنها "الچوقة الكبرى  للمرأة والطبيعة، التى سوف تتضخم مع الزمن" (Griffin 1978, xvii)(6). وهذا المفهوم الأكثر لا تاريخية، والمستمد من عوالم الحدس البيولوچى، والتحليل النفسى، والتأمل الدينى، والنماذج الأصلية اليونجية Jungian، لا ينبغى أن يعوقنا (also Daly 1984, ch. 2).
ورغم واقع أن البعض يلتفتون إلى الوراء إلى نسوية أفلاطون، تتمثل نقطة الأصل الثانية الأكثر اعتيادا فى أوائل العقد الأول من القرن الخامس عشر. ويجرى التركيز هنا على شخص كريستينا ده پيزان Christina de Pisan. ولعلنا نأخذ فى اعتبارنا، مع هذا، تحذير ديل سپيندر Dale Spender من أن "أىّ امرأة نختارها تقريبا باعتبارها ’بداية‘ ستكون لها سوالف" (Spender 1983, 33). وقد أنتجت كريستينا ده پيزان عملا وهو، Book of the city of the Ladies (1405) [كتاب مدينة السيدات]، الذى كتبت الأكاديميات النسويات عنه الكثير. وهناك جدل لم يُحْسَم هنا يتعلق بما إذا كانت ده پيزان معنية بشيء يمكن أن يُسمَّى النسوية بصورة حقيقية. وبكلمات أخرى، هل تنطوى محاولتنا فرض الحالة الراهنة لفكرنا على الماضى على مفارقة (Hawkesworth 1988, 425–3- Brown–Grant 2003)؟ ويمكن أيضا طرح سؤال مماثل بشأن شخصية يجرى الاستشهاد بها كثيرا جدا من القرن السادس عشر باعتبارها المرحلة الثالثة للجذور - أفرا بين Aphra Behn (1680–1640)([iii]). وكانت شخصية دينامية وفقا لكل الآراء، واجتازت حياتها القصيرة نسبيا تجارب دراماتيكية. فقد شاركت فى تمرُّدٍ فى جزر الهند الغربية، وتجسّسَتْ لبلاط تشارلز الثانى Charles II ضد الهولنديِّين، وكانت مؤلفة غزيرة الإنتاج، إذْ كتبتْ سبع عشرة مسرحية وثلاث عشرة رواية. كما يبدو أنها عززتْ بفعالية فكرة المساواة للنساء(7).
وأخيرا، تمثلت نقطة الانطلاق الأكثر شعبية – وربما الأكثر صحة – لبحث نسوية أكثر وعيا بالذات فى أواخر القرن الثامن عشر، وبصفة خاصة كنتيجة مباشرة للثورة الفرنسية. ومثل أغلب الأيديولوچيات     الأخرى، تجد النسوية الغربية جذورها هنا، رغم خطوط فكرية بعينها تسبق الثورة. وبطبيعة الحال فإن الحركة السياسية الحالية نتاجٌ أحدث كثيرا. وكان الحدث الأكثر مغزى لتاريخ الفكر النسوى فى فترة الثورة هو نشر كتاب مارى وولستونكرافت Mary Wollstonecraft: A Vindication of the Rights of Woman [دفاع عن حقوق المرأة]، فى 1792. وقد لاحظت ميريام كرامنيك Miriam Kramnick أن "مارى وولستونكرافت كانت النسوية الرئيسية الأولى، ويمثل "دفاع عن حقوق المرأة" ...، إعلان الاستقلال النسوى" (Kramnick introduction to Wollstonecraft 1985, 7- also Bryson 1992, 19ff- Tomalin 1992). وقد جرى الإقرار على نطاق واسع بهذا التفوق ﻟ مارى وولستونكرافت – التى قدمت أول عرض منهجى لمنظور نسوى – فى الفكر النسوى لأواخر القرن العشرين.
وإذا ركزنا انتباهنا على هذه الفترة الأخيرة، التى شهدت أغلب الإنتاج الغزير فى الكتابة النسوية، والتحريض السياسى، والوعى الذاتى، فإنه ينبغى الإشارة إلى عدد من التقسيمات الفرعية. والتقسيم الأكثر تقليدية بين موجتين: الموجة الأولى التى امتدت فى الفترة 1830–1920 والموجة الثانية من 1960 إلى الوقت الحاضر. وفى العادة يؤكد هذا التقسيم إلى فترات أن الفترة الفاصلة 1920-1960 كانت فترة من الركود النسبى. ولا تتبع كل الكاتبات النسائيات هذه التقسيم بدقة. ويجرى تقسيم الموجة الثانية فرعيا من جديد إلى طوريْن وحتى خمسة أطوار. وتؤكد بعض الكاتبات أن النسوية بعد الحداثية تمثل موجة ثالثة (Dietz 1985, 19- Coole in Freeden ed. 2001, 163ff)(8).
وإذا تتبَّعْنا تفسير الموجتين الاثنتين الأكثر تقليدية، فإن خلفية الموجة الأولى تكمن فى منظور الحقوق الليبرالية الكلاسيكية والاستخدام الواسع الانتشار للُّغة اللوكية([iv]) فى أوائل القرن التاسع عشر. وكان لهذا المنظور تأثيره الأكثر مباشرة فى أمريكا وتمثلَ إطاره الأعمّ فى الاندفاع العنيف نحو منح الإناث حق الاقتراع العام وامتداد الحقوق المدنية والسياسية الطبيعية إلى النساء. وفى الولايات المتحدة الأمريكية كانت خلفية مثل هذه البرامج تكمن فى الحركات الدينية القوية المنشقَّة، والمنتمية إلى الطبقة الوسطى فى كثير من الأحيان، والتى شجعت النساء على أن يَصِرْنَ فعّالات اجتماعيا فى الحملات الخاصة بقضايا مثل الاعتدال فى شرب الخمر وتنظيم البغاء. وبصورة لا يمكن تفاديها طوَّرت تلك النساء مساهماتهن الفكرية الإيجابية الخاصة إلى جدالات اجتماعية بعينها. وفى الوقت نفسه كان نمو التصنيع والتحديث يقوم بالفعل بجلب مزيد من النساء إلى قوة العمل. وهذا وحده منح بعض النساء استقلالا أكبر.
والأهم فى الوضع الأمريكى هو اشتراك النساء فى حركات مناهضة العبودية وحق الاقتراع العام للقرن التاسع عشر. وجادل خطاب تلك الحركات ضد الخلفية الدستورية "المبنية على الحقوق" لإعلان الاستقلال الأمريكى. وكانت لغة مثل ذلك النقد متاحة بسهولة فى الوثائق الدستورية الأمريكية. وقد طُرح هذا الجدال للمرة الأولى فى المحيط العام فى مؤتمر سينيكا فولز الأمريكى الشهير فى عام 1848، American Seneca Falls Convention، الذى نظمته إليزابيث كادى ستانتون Elizabeth Cady Stanton و لوكريشيا مُوتْ Lucretia Mott. وقد أصدر المؤتمر إعلان استقلالٍ بديلا يعيد صياغة الإعلان الأول سطرا سطرا، ولكنْ مع دَمْج النساء فى الوثيقة. وكانت المحصلة النهائية مجموعة من مطالب تحقيق المساواة فى فُرص الملكية والتعليم وفتح أبواب المهن، وجرى التعبير عن كل هذا عبْر لغة الحقوق الطبيعية (Banks 1981, 29). وبعد الحريق المدمر للحرب الأهلية الأمريكية، حصل الذكور السود على حقوق الاقتراع العام فى 1866. وصدم هذا كثيرات من النساء الناشطات اللاتى كُنَّ قد عملن من قبل ضد العبودية وفى سبيل الاقتراع العام للسود، أثناء وبعد الحرب الأهلية، باعتبار أن من غير اللائق مطلقا أن يَكُنَّ قد ناضلن فى سبيل الحقوق السياسية الأساسية للرجال السود، التى كان من الجلىّ عندئذ أنه تم إنكارها على النساء. وكان التناقض واضحا بصورة صارخة بالنسبة للكثيرين. ومن 1878 فصاعدا، جرى تقديم "تعديل أنتونى" التاسع عشر Nineteenth “Antony Amendment” فى الكونجرس الأمريكى كل عام إلى أن تمّ قبوله فى 1920(9). وقد ساعدت على تحقيق حق الاقتراع العام منظمات مثل جمعية حق الاقتراع العام النسائية الأمريكية القومية National American Women’s Suffrage، التى تكونت فى 1890 للقيام بحملات فى سبيل حق التصويت على مستوى فيدرالى.
وفى بريطانيا وفرنسا، من ثلاثينيات القرن التاسع عشر، طرح الاشتراكيون اليوتوپيون فى المدرستين السان–سيمونية Saint–Simonian والأوينية Owenite مسألة مساواة الإناث. وبطبيعة الحال، كانت مارى وولستونكرافت قد ناقشت الفكرة من قبل. كذلك طرحت هذه المسألة أيضا هارييت تيلور Harriet Taylor و چون ستيورات ميل فى الجدال الليبرالى العام. وكانت هناك مشاركة نسائية فى حركات مثل رابطة مناهضة قانون الحبوب Anti–Corn Law League، والتحريض فى سبيل إصلاح قانون الملكية، والحملات فى سبيل الفرص المهنية والتعليمية والتوظيفية. وكان هناك أيضا. كما فى أمريكا، اشتراك قوى فى حركات العمل الخيرى والاجتماعى والإصلاح الأخلاقى على مدى القرن التاسع عشر. وكان أول سَعْى فعّال سياسيا فى سبيل حق الاقتراع العام فى الاتحاد الاجتماعى السياسى للنساء ﻟ مسز پانكهيرست Mrs Pankhurst’s Women’s Social and Political ----union----، الذى أنشئ فى 1903.
على أنه مع تحقيق حق الاقتراع العام للنساء فى عشرينيات القرن العشرين، يرى كثير من الكتاب حول النسوية فترة الركود النسبى، بصرف النظر عن حملات مناهضة الحرب Pacifism. وقد استوعب الكساد الكبير وفترات الحرب جانبا كبيرا من اهتمام النساء وطاقتهن. وتمثلت القضايا التى نُوضِل بشأنها فى هذه الفترة فى اهتمامات رفاهية عملية ومباشرة، أىْ، دعم ومساندة وحدة الأسرة. وجرى النضال بنشاط حول أفكار بشأن مِنَح الأُسَر، والرعاية الصحية الكافية، والوجبات المدرسية، وإعانات الأمومة، على مدى ثلاثينيات القرن العشرين وصارت آخر الأمر جزءا من السياسة العامة المنتظمة فى بريطانيا ما بعد 1945، على الأقل حتى ثمانينيات القرن العشرين. كما شهدت فترة ما بعد الحرب، وخاصة خمسينيات القرن العشرين، نموا سريعا نسبيا فى اقتصادات بريطانيا وأمريكا. وعرفت نِسَبٌ كبيرة من سكان كلا البلدين زيادة فى الوفرة. وكانت سياسة التقارب، والإجماع على قِيَمٍ ليبرالية پراجماتية، وجدال "نهاية الأيديولوچيا"، واللامبالاة السياسية، سمات مميزة لخمسينيات القرن العشرين. وعلى هذا النحو غاصت قضايا النساء لفترة فى مجموعة من اهتمامات الرفاهية والمطامح المادية.
ووفقًا لأغلب التقديرات، بدأتْ الموجة الثانية فى ستينيات القرن العشرين. وجرى تقديم عدد من الأسباب لهذا النهوض للاهتمام بالنسوية. وكان قد حدث نموٌّ واسع الانتشار فى تعليم النساء عبر أوروپا وأمريكا، وبصورة خاصة منذ أربعينيات القرن العشرين. وكانت النساء يكتسبن بصورة متزايدة مؤهلات للدخول فى مختلف المهن التى كان يسيطر عليها الرجال من قبل – مع أن هذه كانت عملية طويلة ومتواصلة إلى الآن، وفضلا عن هذا فإن عددا من التغيرات الاجتماعية والقانونية خلال ستينيات القرن العشرين – التشريع بشأن الإجهاض، والأجر المتساوى، والحقوق المدنية، وتطبيق تنظيم النسل المتاح على نطاق واسع، وبوجه خاص حبوب منع الحمل – يَسَّرَتْ حرية أوسع فى الاختيار للنساء فى كلٍّ من المجالين العام والخاص".
وخلال هذه الفترة كان الأدب الذى يركِّز على قضايا النساء يبدأ ببطء فى التوسع. وكان كتاب سيمون دو بوڤوار Simone de Beauvoir: The Second Sex [الجنس الثانى] (المنشور أصلا فى 1952، والذى صار كتابا شعبيا بغلاف ورقى فى 1961 وكتاب بيتى فريدان Betty Friedan: The Feminine Mystique (1965) [اللغز النسوى] مجرد التدشين لهذه العملية. وفى بريطانيا جعل إنتاج چيرمين جريير Germaine Greer و چولييت ميتشيل Juliet Mitchel (والأولى بوجه خاص) من النسوية تعبيرا مألوفا فى البيوت (Greer 1971)(10). وبالإضافة إلى هذا، كانت هناك مواقف اجتماعية متغيرة إزاء الزواج، والطلاق، والعمل. ذلك أن النساء كُنَّ يَصِرْنَ عندئذ بصورة تدريجية أكثر استقلالا، ماليا، واجتماعيا، وأخلاقيا، عن مؤسسات مثل الأسرة. وأخيرا، بدأ عدد من المجموعات النسائية فى الاستفادة من هذه التطورات. وفى أمريكا على وجه الخصوص، وبصرف النظر عن الجمعيات الشهيرة والأكثر مؤسسيَّة مثل المنظمة القومية للنساء National Organization for Women، كان هناك انفجار حقيقى للمجموعات النسائية فى أواخر ستينيات وأوائل سبعينيات القرن العشرين.
وبِغَضِّ النظر عن المطالب الموجَّهة إلى الحقوق الليبرالية العادية الأكثر مؤسسيَّة، كانت لأوائل سبعينيات القرن العشرين مكوِّنات مهمة أخرى. فبالتوازى مع تجربة النساء الراديكالية المناهضة للعبودية فى القرن التاسع عشر، بدأت أعداد النساء اللاتى سبق أن عملن فى حملات الحقوق المدنية، وحركات مناهضة حرب ڤيتنام والسلام فى ستينيات القرن العشرين فى تحويل اهتماماتهن، لمجموعة متنوعة من الأسباب، إلى التحريض النسوى. وكان السبب الرئيسى لهذا التغيير فى بؤرة الاهتمام يتمثل فى انقشاع الأوهام فيما يتعلق "بالتمييز الضمنى ضد النساء على أساس الجنس" sexism  عند المجموعات الراديكالية فى ستينيات القرن العشرين. وفى كثير من الأحيان أحسَّت نساءٌ بازدراء الرجال لهن فى هذه المجموعات وإحالتهن إلى أدوار مساعدة. وبالتالى أخذن معتقداتهن الماركسية – الاشتراكية واليسارية – التحررية إلى النسوية. وفى أمريكا اتخذ العنصر اليسارى التحررى شكلا أكثر حيوية بكثير. وفى أوروپا، كانت للمكوِّن الاشتراكى سمة مميزة أعلى بكثير.
وفى العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين نمتْ الحركة النسوية نموًّا كبيرا فى أوروپا وأمريكا الشمالية. كما تضخمت الأدبيات بسرعة هائلة ونشأت أعداد من المجلات المتخصصة والصحف النسائية(11). ورغم التعزيز الفكرى والعملى الكبير، كانت ثمانينيات القرن العشرين ما تزال فترة دقيقة للنسوية. وواصلت الأدبيات النمو فى كل الحقول، وبدأت تزدهر دورات فى الدراسات النسوية فى التعليم العالى، وتواصل ارتفاع الوعى بالقضايا النسائية. غير أن ثمانينيات القرن العشرين شهدت أيضا تفوُّق اليمين الجديد فى أوروپا وأمريكا، وإعادة تأكيد الأسرة الپطريركية التقليدية، والهجمات على تشريع الإجهاض والحقوق المدنية، بالإضافة إلى الضغوط المتزايدة التى أدخلتها التهجمات الأيديولوچية على دولة الرفاهية. وفضلا عن هذا، زادت البطالة أثناء ذلك العقد. ولم يكن اليمين الجديد متعاطفا مع الحركة النسوية. وكان هناك احتمال لبعض التعاطف الهامشى لدى الجناح الليبرالى الكلاسيكى والتحررى الموجَّه إل السوق من اليمين الجديد، غير أن هذا كان مرفوضا من جانب اتجاهات الحركة النسوية الاشتراكية والتحررية-اليسارية الأكثر تفوُّقا فى ذلك الحين. وأخيرا فإن من المفارقات أن الفترة الأخيرة جدا من ثمانينيات وأوائل تسعينيات القرن العشرين شهدت تحولا للاهتمامات الفكرية فى الحركة النسوية بعيدا عن القضايا السياسية والاقتصادية المباشرة نحو سياسات الهوية والشواغل الثقافية والسيكولوچية واللغوية. وازدهر التنظير الأخير فى أواخر تسعينيات القرن العشرين، وبوجه خاص مع الاندفاع التمهيدى للاهتمام بالكتابة النسوية الفرنسية، وما بعد-بنيوية فوكو Foucauldian poststrucutalism ونظرية التفكيك deconstruction. غير أن هذا القدر الكبير من التنظير بعد الحداثى توافق مع إدراك متذمِّر للمأزق الاجتماعى والاقتصادى للنساء فى كلٍّ من العالم النامى وداخل المجموعات الأقلية والإثنية فى مجتمعات متقدمة، مما أدى إلى انشقاقات أيديولوچية داخلية ضمن الفكر النسوى (Nussbaum and Glover 1995- Nussbaum 2001)(12).
طبيعة النسوية
تأثرت النسوية، مثل كل الأيديولوچيات التى كنا نبحثها، ببعض التقاليد التاريخية وتفاعلت وتشابكت مع عدد من الأيديولوچيات الأخرى. وظل تشديد التنوير على لغة العقل، والهجوم على المعتقدات الخرافية، والمحرَّمات (التابوات)، والأحكام المسبقة، يمثل ثيمة مؤثرة. كما كانت تجربة الثورة الفرنسية والخطاب القوىّ بشأن الحقوق الديمقراطية حاسميْن بالنسبة للمراحل المبكرة للجدال النسوى. وكان تأثير پروتستناتيةٍ أكثر إنجيلية مُهِمًّا فى تشجيع نساء كثيرات على الدخول فى العمل الاجتماعى النشيط والاشتراك فى قضايا اجتماعية وسياسية. وكان [المسيحيون] الموحِّدون/التوحيديون Unitarians شهيرين بصورة خاصة بإيمانهم بدور النساء. كما كان تأثير الاشتراكيِّين اليوتوپيِّين كبيرا، وبصورة خاصة تلاميذ سان-سيمون، و شارل فورييه Charles Fourier، و روبرت أوين Robert Owen، الذين قاموا جميعا، بطرقهم المتباينة، بالهجوم على مؤسسة الزواج والأسرة النووية البرچوازية، وتعزيز مساواة الإناث، ونادوا بعلاقات جنسية أكثر حرية وترتيبات جماعية لرعاية الأطفال.
وفى لغة حركة النسوية، من الصعب تمييز مجموعة متماسكة من الاهتمامات، إلا بطريقة شكلية للغاية. والمبادئ الكثيرة الملتبسة والمتناقضة فى كثير من الأحيان والتى يمكن أن نلاحظها فى أيديولوچيات مثل الاشتراكية يمكن أن نجدها أيضا فى النسوية. وقد تشظت النسوية إلى عدد من المدارس الفكرية المختلفة، التى تعكس فى كثير جدا من الأحيان تأكيدات ومذاهب مختلفة للغاية. وقد عبَّرت بعض النسويات عن استيائهن من هذا التشظى، رغم أن هذا احتجاج بائس. وقد علقت روزاليند ديلمار Rosalind Delmar، على سبيل المثال، بأن هذا "يشير إلى تَصَلُّبٌ فى الحركة" (Delmar in Mitchell and Oakly eds 1986, 3). ومثل هذا التصلُّب، إذا كان تصلُّبًا حقا، جانب من كل أيديولوچيا من أيديولوچيات القرنين التاسع عشر والعشرين.
وبحلول أوائل تسعينيات القرن العشرين، اكتسبت المدارس الرئيسية داخل النسوية مكانة تتفق مع التقاليد فى الأدبيات. وكانت النسوية الليبرالية، والنسوية الماركسية–الاشتراكية، والنسوية الراديكالية، المدارس الحقيقية الرئيسية الثلاث التى يجرى الاستشهاد بها فى كثير من الأحوال. ومع هذا فإن من المألوف الآن تماما (فى أىّ نظرة عامة تاريخية) إدراج وجهات نظر النسويات ما بعد الحداثيات باعتبارها نوعا مستقلا، جزئيا لأن هذه خلقتْ فى البداية مثل ذلك الاهتمام الشديد فى منتصف وأواخر تسعينيات القرن العشرين (Nicholson 1989- Flax 1990). وهذه الحركة الأخيرة، رغم تأثيرها الذى تواصل حتى فى العقد الأول من القرن الحادى والعشرين عند بعض الكاتبات النسويات المهمات، مثل چوديث بتلر Judith Butler، و موارا جاتنز Moira Gatens، و ديانا كول Diana Coole، وآيريس ماريون يانج  Iris Marion Young، اتجهت بصورة غير متوقعة إلى الاضمحلال إلى حد ما فى مغزاها الكلى. ومع هذا فإن هذا الفقدان للأهمية مشترك بصورة خاصة مع النسوية الراديكالية والماركسية فى العقد الأول من القرن الحادى والعشرين.
ورغم هيمنة هذه المدارس على مدى العقدين الماضيين من القرن العشرين، كان يجرى، على أطراف الحركة النسوية، تأكيد أنه يجب أن يكون هناك إقرار بعناصر أخرى. وزعمت النسويات السود استقلالا نقديا، مؤكداتٍ فى الواقع أن نسويات أخريات كُنَّ "عمياوات–عرقيا" race–blind. كذلك اعتقدت النسويات اللَّادولتيات فى اختلافهن الفريد، مفترضات وجهات نظر مناهضة للسلطوية يمكن التسليم بها. وتمثَّل عنصر مرتبط ارتباطا وثيقا باللَّادولتية فى الإيكولوچية–النسوية، خاصة فى أمريكا فى إنتاج كتّاب مثل كارولين ميرشانت Carolyn Merchant و دولوريس لاشابيلّ Dolores La Chapelle (Devel and Sessions 1985,  229–31 and 247–50). وكانت الپطريركية ترتبط بموضوعات دمار وتلوث البيئة العالمية، على حين أن النساء كُنّ مرتبطات باهتمام بالطبيعة والأرض. وأخيرا، كانت هناك بعض المجادلات حول "التفكير الأمومى" وأخلاقيات الرعاية" التى يصعب تصنيفها. وكانت هناك أيضا أولئك اللاتى عارضن "النسوية المواطنية" ﺑ"النسوية الأمومية". واكتسبت بعض مظاهر النسوية الأمومية عنوانا مدهشا هو "النسوية المحافظة الموالية للأسرة" Conservative pro–family feminism. وسوف نتفحص هذه المجادلات الأخيرة بإيجاز فى نهاية هذا القسم.
وتنتقل المناقشة الآن إلى مدارس مختلفة بمزيد من التفصيل. والنسوية الليبرالية هى الفعالة بصورة أكثر عملية وهى (على السطح) شكل النسوية الأكثر إقناعا، رغم أن أحد الانتقادات المباشرة هنا يتمثل فى أنه لم يكن هناك اهتمام كافٍ بالتنوع الداخلى ضمن الفكر الليبرالى ويُفترض فى كثير من الأحوال أنه يوجد إجماع على المعتقدات حول الليبرالية، الأمر البعيد عن الحقيقة.
ولِلُغَة الليبرالية جاذبية دائمة فى نظر بعض النسويات، وخاصةً لغة العقود والحقوق التى تمثل سلاحا عاجزا فى الاستعمال ضد التقاليد الپطريركية(13). ويلتزم الليبراليون شكليا بقيم العقلانية، والمساواة الإجرائية، والحرية، والفردية - وتشمل بعض المعتقدات القوية بشأن الملكية العقارية الفردية –، وسلطة التعليم، والديمقراطية التمثيلية، وإمكان الإصلاح القانونى العقلانى. كذلك، إذا أخذنا معتقدا آخر أساسيا لجانب كبير من الفكر الليبرالى الكلاسيكى، وهو الاقتصاد الحر، يغدو من الجلى أن الجميع (بصرف النظر عن الجنس) يجب أن يتمتعوا بالوصول المتساوى إلى التنافس فى السوق. والاحتكارات سواء كانت خاصة، أو عامة، أو مرتبطة بنوع الجنسيْن، مشبوهة جوهريا. فالاحتكار الذكورى غير المبرَّر، مثل أىّ كارتل اقتصادى، غير مقبول من جانب منطق نظرية السوق. وتعنى الأسواق الحرة أفرادا أحرارا، يشملون النساء، يمكنهم أن يتنافسوا بشروط متساوية. على أن موضوع الرأسمالية النسوية الصريحة لم يجر مطلقا فى الواقع تطويرها ضمن الأيديولوچيا، وبالتأكيد ليس إلى نفس المدى مثل الرأسمالية المحافظة، أو اشتراكية السوق، أو الرأسمالية الخضراء. وكان هذا يرجع جزئيا إلى واقع نسويات كثيرات ربطن خصائص منافسة السوق، والفردية، والمصلحة الذاتية، بالپطريركية والذكورية.
وكانت الكاتبات النسويات الاشتراكيات والراديكاليات أقل تفاؤلا بشأن مستقبل النسوية الليبرالية ويشتكين من أن الليبرالية كانت، فى الواقع، مستوعَبة بصورة عميقة فى ثقافتنا إلى حد أنها كانت قد صارت فى نهاية الأمر غير مرئية. وكان يُنْظر إلى الليبرالية، من جانب تلك الكاتبات، على أنها "أيديولوچيا نوعية تسعى إلى حماية وتعزيز علاقات المجتمع الپطريركى والرأسمالى" (Eisenstein 1981, 5).
ويقدم التراث الليبرالى، وفقا للتاريخ الذى يمكنك تحديده لابتدائه، عددا من البدايات للنقد والجدل النسويَّيْن، خاصة فى شكل عقده الاجتماعى (Elshtain ed. 1982- Pateman 1988- Nash 1997). ويبدأ تراث العقد الاجتماعى عند هوبس Hobbes، على سبيل المثال، بتجريد البشر وصولا إلى دوافعهم الأساسية، فى سبيل بناء صورة للكومونولث [= للدولة]. واستعارة البشر الذين جرى تفكيكهم deconstructed humans خالية من نوع الجنسين بصفة جوهرية (فى المظهر). ويمثل الإدراج اللاحق من جانب هوبس للأسرة والسلطة الأبوية، والحكام الذكور، فى نظر بعض المعلقات النسويات إضافة غير مبرَّرة إلى الجدال. ويقدم جدال العقد الاجتماعى، ما لم يجر إدماج الأعراف فيه، بيئة للحديث عن مساوة البشر. كذلك فإن كُتاب العقد الاجتماعى، مثل لوك، هاجموا الحق الإلهى والنظرية الأبوية التقليدية. وهناك، كإمكانية كامنة. امتداد منطقى من نقد الپطريركية فى السيادة السياسية إلى نقدها داخل الأسرة (Okin 1979, 200). ولم يتخذ لوك هذه الخطوط مطلقا، رغم أنها مقتضًى ضمنىٌّ لوجهة نظره. وتدور المجالات المتعلقة بالعقد الاجتماعى حول فكرة أفراد أحرار ومتساوين مستقلين، وليس حول ذكور أو إناث. وأخيرا فإن سياسات نظرية العقد مبنية على أسس العقل، وليس العرف أو التراث. ومن جديد يمثل هذا تحديا محتملا "للنظام الطبيعى" المفترض للپطريركية. على أنه، مع بعض الاستثناءات، لم يأخذ معظم المنظِّرين الليبراليِّين فى البداية هذه الإمكانات الكامنة بجدية كبيرة (Figes, 1970)(14).
وتستشهد ديل سپيندر، فى Women of Ideas (1983) [نساء صاحبات أفكار]، بعدد من الكاتبات الإناث اللاتى كُنَّ يستكشفن الحقل الليبرالى فى القرن التاسع عشر، وإنْ لم يكن ذلك بصورة منهجية مثل مارى وولستونكرافت(15). وبين أولئك اللاتى يبرزن كنسويات ليبراليات هارييت تيلور Harriet Taylor، و چون ستيورات ميل، و مارجاريت فولر Margaret Fuller، و هارييت مارتينو Harriet Martineau – بالإضافة إلى فريق أمريكى كبير يشمل ناشطات مثل لوكريشيا موت Lucretia Mott، و إليزابيث كادى ستانتون. وفى عقود ما بعد 1945 كان أحد الكتب التى خلقت معظم الاهتمام من وجهة النظر الليبرالية، خلال المرحلة المبكرة من الموجة الثانية، هو كتاب بيتى فريدان اللغز النسوىّ The Feminine Mystique (1965) ومنذ تسعينيات القرن العشرين كانت بعض الممثلات الأكثر بروزا واستنارة سوزان موللر أوكين Susan Muller Okin و مارثا نوسباوم.
وقبل الانتقال إلى المدارس الأخرى للنسوية من المهم أن نلفت الانتباه إلى واقع أنه كانت هناك تنويعات كبيرة داخل المناظرة الليبرالية. وقد تمثل أحد أهم هذه التنويعات بالنسبة للنسوية الليبرالية المبكرة فى ذلك الذى كان بين الحقوق الطبيعية والحجج المبنية على المنفعة، غير القابلة للتوفيق تقريبا فى بعض الأشكال. وهذا ما يفصل المجادلات الليبرالية ﻟ چون ستيورات ميل و مارى وولستونكرافت. وبالإضافة إلى هذا فإن علاقة النسوية بالتطورات اللاحقة للِّيبرالية مع دخول القرن العشرين، كما بحثناها فى الفصل 2، لم يكن قد جرى استكشافها منهجيا من جانب كاتبات نسويات. أما الليبرالية الاشتراكية ذات الإلهام الأكثر رولسية Rawlsian([v]) التى نجدها عند نسويات ليبراليات مثل چانيت رادكليف ريتشاردز Janet Radcliffe Richards، أو سوزان موللر أوكين، أو مارثا نوسباوم فقد كانت فى نزاع مع كلٍّ من الحقوق الطبيعية ﻟ وولستونكرافت و چون ستيورات ميل وبنفس القدر مع الليبرالية الكلاسيكية ﻟ هايك(16).
والمدرسة الرئيسية الثانية هى النسوية الاشتراكية ورغم الفصل الذى يعقد أحيانا فى الأدبيات بين النسوية الاشتراكية والنسوية الماركسية، سيجرى النظر إلى الماركسية على أنها نوع species ضمن جنس genus الاشتراكية. وكما أكدنا فى الفصل 4 فإن الماركسية ليست بالتأكيد مجموع الاشتراكية. وهناك ثيمات نسوية قوية تتخلل أعمال الكثير من الكتاب الاشتراكيين المبكرين: على سبيل المثال، فورييه، والسان-سيمونيين (أكثر من سان–سيمون مباشرة)، و روبرت أوين، و ويليام تومپسون، و آن هويلر Ann wheeler. وفى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين أَتَتْ بعض المساهمات النظرية الأكثر أهمية من فريديريك إنجلس، و آوجوست بيبيل، و أليكسندرا كولونتاى Alexandra Kollontai و كلارا زيتكين Clara Zetkin.
وقد افترض كل من فورييه والسان–سيمونيِّين تحقيق الاشتراكية على أساس مساواة وحرية النساء. وكان التقدم يقاس بالتحسينات فى أوضاع وحرية النساء. وفى حالة السان–سيمونيِّين كانت الاشتراكية ترتبط أيضا بعبادة الأم الكبرى Great Mother، التى كان يُنظر إليها على أنها مخلِّصة ميسيانية للبشرية (Markham introducation to Saint–Simon 1964 xxxvii–xxxix). وعند فورييه كان ينبغى أن تتمتع النساء بحيوات ممتلئة ومتحققة بالتساوى فى مبنى الفالانسترى([vi])Phalansterie  مثل الرجال، كما نظر كلًّ من فوريه والسان–سيمونيِّين إلى الزواج على أنه شيء عتيق. وعند فورييه، بصفة خاصة، كان ينبغى تشجيع الحب الحر، والجنس الثنائى، واللّيسبية، وتعدد الزوجات/الأزواج فى المجتمع اليوتوپى. كما نادى بالمطابخ الكوميونية، والعمل المنزلى، والتربية المشتركة للأطفال.
ورغم عدم اهتمامه بالتجريب الغرامى عند فورييه، دعا أوين، خلال نقده لعلاقات الملكية والدين فى New Moral World (1842) [العالم الأخلاقى الجديد]. إلى إلغاء الزواج. وفى نظر أوين، كان الزواج قيدا مصطنعا على الأحاسيس الطبيعية وسببا للرذيلة والبؤس، مؤديا إلى اللامساويات الاجتماعية والفقر. والواقع أن المِحَن الثلاث كانت مترابطة فى عقله. الدين يدعم الزواج وهذا، بدوره، يشجع على اقتصاد تنافسى يؤدى إلى الفقر. والواقع أن أوين آمن بالتفوق الطبيعى للنساء على الرجال من حيث قدراتهن على التعاطف والحنوّ. وآمن أيضا، مثل فورييه، بالتربية، والإنتاج، والأكل، ورعاية الأطفال بصورة مشتركة داخل المجتمع اليوتوپى.
وكان هناك ما حفز معجَبا ﺑ أوين، وهو ويليام تومپسون (1835–1785)، على أن يكتب بصورة مباشرة عن مسألة النساء بعد قراءة فقرة من مقال چيمس ميل James Mill : Essay on government  [مقال عن الحُكْم]. وفى سياق نقاشه لحقِّ الاقتراع العام، كان ميل قد دمج مصالح النساء فى مصالح الرجال. وحاول تومپسون أن يُثْبِت فى أعمال مثل: An Appeal of One Half of the Human Race, Women, against the Pretensions of the Other Half, Men (1825) [رَدّ من نصف الحق البشرى، النساء، ضد دعاوى النصف الآخر، الرجال] أن النساء يجب أن يتمتعن بمساواة الحقوق مع الرجال. فكل البشر مؤهلون بصورة متساوية للتمتع بالسعادة فى مجتمع اشتراكى تعاونى فى المستقبل. كما تحدى الأسرة الأحادية الزواج والتقسيمات القائمة فى العمل. وجرى تطوير ثيمات مماثلة فى كتابات آن هويلر، مع أنها كانت متأثرة بصورة أكثر مباشرة بالسان–سيمونيِّين (Taylor 1983, 22).
ولم يقل ماركس و إنجلس، فى سنواتهما المبكرة، سوى القليل جدا بشأن مسألة النساء. وبدا أن ماركس يفترض أن النساء سيتمّ تحريرهن فى ظل الاشتراكية. ويُدْمج التحرير الذى توقَّعه فى مقاله "حول المسألة اليهودية" (1843) تحرير النساء. والحقيقة أن الكثير من أفكار ماركس و إنجلس بشأن النساء كانت مستمدة من اليوتوپيِّين. وعند إنجلس، بوجه خاص، يوجد بُعْدٌ مضاف للمهفوم المادى للتاريخ، وكذلك وضعه الماهية الإنسانية فى العمل. كما يشير إنجلس إلى أن العائلة كوحدة اجتماعية، والعمل المنزلى، ووضع المرأة، لم تكن من الناحية الجوهرية جزءًا من الطبيعة بل كانت ترجع بالأحرى إلى ظرفيْن متغيريْن، وتاريخييْن، ومادييْن، العمل وطابع الملكية. وكان الرأى الرئيسى هو أن اضطهاد النساء يعود بجذوره إلى منطق لاشخصى للرأسمالية والملكية الخاصة، رغم أن إنجلس قدم أيضا الافتراض المشئوم فى نظر كثيرات من النسويات اللاحقات المتمثل فى افتراض بعض التقسيم الطبيعى للعمل. وطوَّر إنجلس، بخلاف ماركس، هذه الأفكار فى عمله الشهير: أصل العائلة، والملكية الخاصة والدولة (1884).
واتبع آوغوست بيبيل (1913–1840)، وهو شخصية رئيسية ومؤسس مشارك للحزب الاشتراكى الديمقراطى الألمانى، نفس مسار إنجلس تقريبا، غير أن عمله Women under socialism [النساء فى ظل الاشتراكية] كان، فى زمن نشره فى 1878، أكثر شعبية بصورة واضحة(17). وأكد بيبيل، رغم بعض التعاطف مع چون ستيورات ميل و مارى وولستونكرافت، أن الإصلاح الليبرالى البرچوازى كان فى النهاية غير فعّال (Coole 1988, 208ff). وحاول بيبيل أن يقدم العوامل الاقتصادية التى تشكل أساس اللامساواة الاجتماعية والقانونية. ففى الزواج البرچوازى، تكون الملكية الخاصة أساسية. وفى نظر بيبيل، تحتاج النساء إلى التحرير من كلِّ من الملكية البرچوازية وما يلازمها، العبودية المنزلية. وعلاوة على هذا فإنهن يحتجن، لتحقيق التحرير الحقيقى، إلى أن ينخرطن فى النضال التاريخى للپروليتاريا ككل. وكما لاحظ عدد من المعلقين، كانت النتيجة النهائية لتأملات بيبيل أكثر خيالية من عمل إنجلس. فعند بيبيل يكون لدينا فورييه بدون شهوانية. وكان متأثرا بعمق بمعرض شيكاجو فى 1892، خاصةً الأدوات الكهربائية الموفرة للوقت للمطبخ والأسرة. وكانت رؤيته تتعلق بمجتمع مُدار، بقدر كبير من وقت الفراغ، والفن، والعلم، والطعام المنخفض التكلفة، والسفر الجوى، وأكداس الأجهزة الكهربائية. وسيصير الأطفال مسئولية عامة. على أن علاقات الزواج الأحادى ستظل قائمة، إذا تم اختيارها بحرية على أساس الحب.
وقد استمرت ألكسندرا كولونتاى، و كلارا زيتكين، و شارلوت بيركنز چيلمان Charlotte Perkins Gillman بالإطار الماركسى فى القرن العشرين، خاصةً كولونتاى فى سياق الثورة الروسية. وإلى حد بعيد، كانت التفاسير الاشتراكية الأكثر أرثوذكسية لدور النساء، من 1920 إلى أواخر خمسينيات القرن العشرين، مندمجة فى إطار يوتوپى أو ماركسى–إنجلسى. وشهدت أواخر ستينيات وأوائل سبعينيات القرن العشرين بعض الرفض المعتدل لهذا الإطار الأقدم، خاصة إنجلس، ومحاولة لصياغة نسوية اشتراكية جديدة. غير أن هذه الحركة لم تتحرك بعيدا جدا عن مرحلة التقييم السلبى للماركسية التقليدية. وقد علَّقتْ أليسون چاجر Alison Jaggar على هذا فى ثمانينيات القرن العشرين: "النسوية الاشتراكية اتجاه سياسى حديث جدا وهى ما تزال غير متطورة، عمليا ونظريا على السواء. ولهذا السبب، لا نستطيع أن نتجه إلى وثيقة موجودة لنظرية منهجية... وبدلا من هذا، يجب أن نحاول أن نستنبط نظرية منهجية من الشذرات الحالية" (Jaggar 1983, 304- also Eisenstein ed. 1979, 1, Tong, 1989). وما يزال هذا الجدل حول الماركسية والنسوية تتواصل فى بعض الأوسط إلى يومنا هذا (Bryson 2004).
ولا شك فى أن مدرسة النسوية الراديكالية كانت أكثر من أىّ شيء تطورا أمريكيا. وقد قامت بغارات قليلة داخل النسوية الأوروپية، رغم أن البعض حاولوا تمييز هويتها على أنها المكوِّن الرئيسى "للموجة الثانية". وقد بدأت النسوية الراديكالية فى أواخر ستينيات وأوائل سبعينيات القرن العشرين. وكان لهذا التعبير نفسه معنى متغير. حيث نظرت إليها بعضهن على أنها الأمل العظيم للنسوية؛ ونظرت إليها أخريات، مثل بيتى فريدان، على أنها كعب أخيل (نقطة الضعف). وكانت بعضهن ينظرن إلى التطرفات الجلية للراديكالية على أنها ردّ فعل على انعطاف السياسة نحو اليمين فى ثمانينيات القرن العشرين، مع أن جذور الراديكالية تسبق فى الحقيقة نشوء ظاهرة اليمين الجديد.
وكانت النسوية الراديكالية حركة نخبوية إلى حد ما. وقد تطورت، كما لاحظت أليسون چاجر، من "التجارب الخاصة بمجموعة صغيرة نسبيا ممن كُنَّ فى أغلبهن من البيض، والطبقة الوسطى، والنساء الأمريكيات المتعلمات جامعيا" (Jaggar 1983, 83). وكان لهذه النخبوية والغربة الفكرية العرضية تأثير اغترابى على نساء كثيرات. وفى البداية، نشأت الراديكالية من علاقة نقدية فظة بالماركسية فى أواخر ستينيات القرن العشرين. وبمعنى من المعانى، كانت تمثل رفضا لليسار الجديد. وأكدت الراديكاليات، بقوة أكثر كثيرا من النسويات الاشتراكيات لسبعينيات القرن العشرين، أن الماركسية "عمياء جنسيا" sex–blind. غير أن مجادلاتهن استفادت من كلٍّ من التحليل النفسى الفرويدى الراديكالى وأشكال من النظرية النقدية التى تحمل سمة مميزة واضحة من بعض كُتّاب النظرية النقدية المبكرين، مثل ڤيلهيلم رايش و هربرت ماركيوز (Firestone 1971- Greer 1971- Millett 1970).
ومن الصعب أن نقرِّر ما إذا كانت هناك نظرية صريحة تفعل فعلها داخل المنظور الراديكالى. وقد علَّقت چاجر بأن النسويات الراديكاليات "لا يتميزن بسمة الالتزام بنظرية سياسية صريحة ومنهجية" (Jaggar 1983, 84). وكان بوسع قراء الأدبيات الراديكالية أن يصادفوا أىّ شيء من بوذية الزين Zen Buddhism إلى التنجيم. وفى هذا السياق كان من الصعب أن يوجد تماسك فى الأفكار. وكان هناك سببان لهذا. كان التماسك العقلانى ذاته موضوعا للجدال النقدى داخل التفكير النسوى الراديكالى. وكان يجرى تأكيد أن العقلانية الديكارتية مظهر آخر للسيطرة الذكورية(18). وفضلا عن هذا فإنه مع الإدراك المتأخر كان من المشكوك فيه ما إذا كانت هناك أىّ قِيمَ أساسية داخل النسوية الراديكالية؛ وكان هناك بالأحرى خليط من وجهات النظر غير المتناسبة والتأثيرات الفكرية.
ورغم هذا الإبهام، تبرز بعض السمات المميزة فى نظر مراقبى ونقاد النسوية الراديكالية. وعلى خلاف النسوية الماركسية، قامت راديكاليات كثيرات بصياغة أفكارهن بطريقة لا تاريخية. وكان هذا يرجع جزئيا إلى واقع أن كثيرا من أفكارهن كانت راسخة الجذور فى تشديد إما على البيولوچية أو السيكولوچية. وقد أكَّدْنَ فى كثير من الأحيان، على سبيل المثال، أنه توجد سمات مميزة شاملة "جوهرية" لكل النساء. وفضلا عن هذا، لم تُعانِ الراديكاليات أىّ عناء مثل النسويات الاشتراكيات بشأن قضايا الجنس والطبقة. وكان هذا غائبا تقريبا عن كتاباتهن. ورغم الحجم الصغير نسبيا للمجموعة الراديكالية، بسبب التزامهن الصريح بأفكار بعينها، فقد حققن فى البداية شهرة أكثر من مدارس نسوية أخرى. وقد ميَّزتْ الحركة بعض الأفكار الخادعة، والمتعارضة فى كثير من الأحيان: على سبيل المثال، اهتمامٌ بالهجوم على كل أشكال البطريركية والتمييز ضد النساء على أساس النوع sexism، واعتقادٌ فى كل من الخنوثة والاختلاف، وتركيزٌ قلق على جدال الجنس والنوع، واللّيسبية السياسية، وتربية الأم للأطفال، والدراسات الردايكالية بشأن طبيعة الاغتصاب وعلى مستقبل العائلة.
وتمثلت قضية ثانوية ميزتْ المجادلات لفترة قصيرة فى أواخر سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن العشرين فى العلاقة بين النسوية الاشتراكية والنسوية الراديكالية. وكانت هناك مزاعم بأن أمام نسوية اشتراكية جديدة تقوم على النقد الذاتى (وهى تختلف عن الأشكال الماركسية الأقدم عهدا) إمكانية لتكوين نظرية منهجية واحدة مع الراديكالية. فيما رأت أخريات (ما سُمِّىَ فى ذلك الحين ﺑ) تطوير "نسق مزدوج" بين الاثنتين. غير أن أخريات أنكرن بشدة أنه كان يمكن أن تقوم أىّ علاقة على الإطلاق بين الراديكالية والاشتراكية (Bryson 2004).
وشهدت أواخر ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين نموًّا مطردا للاهتمام النسوى بما بعد البنيوية، ونظرية التكفيك، وما بعد الحداثة، فى البداية من مجالات النقد الأدبى والثقافى. وكان ديريدا Derida، و ليوتار Lyotard، و لاكان، و فوكو، هم المؤثرين الفكريِّين الأساسيِّين، حيث احتل فوكو مكان الصدارة. وكان أول من طور هذا الشكل من التنظيم هو العنصر الفرنسى المنشأ المتمثل فى النسوية التحليلية النفسية بعد البنيوية، خاصة كتابات چوليا كريستيڤا Julia Kristeva، و هيلين سيكسو Hélène Cixous، و لوس إيريجاريه Luce Irigaray (Moi ed. 1987). كما كان هناك بعض الدعم الأمريكى الشمالى فى تسعينيات القرن العشرين لبعض هؤلاء الكاتبات.
وتمثلت قضية رئيسية فى أن اللغة تجسِّد إحساسنا بالواقع. وهذ الفكرة مستمدة فى الأصل من إنتاج فيردينان سوسير Ferdinand Saussure. فالكلام كمجموعة من العلامات كانت تشكل أساسَها اللغة، التى كانت مفهومة على أنها نسق شكلى من اصطلاحات أساسية. وتشكل قوانين اللغة بنية عميقة للكلام، ومثل هذه الأبنية يمكن دراستها علميا. وقد أثَّرت هذه الفكرة البنيوية فى عدد من المنظِّرين مثل كلود ليڤى ستروس Claude Lévi Strauss و رولان بارت Rolan Barthes. وكانت الثيمة المشتركة هى أن هذه الأبنية العميقة الأساسية للمعنى تشكلها تضادات ثنائية أساسية بعينها، مثل نيئ/مطبوخ أو رجل/امرأة. ولا تعمل العلامات من تلقاء نفسها بل بالأحرى فى سياق شبكة من التباينات أو التعارضات، أو الاختلافات، التى تشكل لغةً. وفكرة أننا نتشكل بالأبنية الأساسية لِلُغة طورها أيضا المنظِّر التحليلى النفسى الفرنسى چاك لاكان. كذلك فإن التوازى بين، من ناحية، سطح الكلام والبنية العميقة الأساسية للاصطلاحات، ومن ناحية أخرى، المفهوم التحليلى النفسى للوعى واللاوعى، أساسىّ بالنسبة لتفكير لاكان. وفى نظر لاكان، تشكل الأبنية اللاواعية هويتنا. ويمثل الكشف عن اللغة عبر اللغة جوهر التحليل النفسى اللاكانى Lacanian. ويمثل هذا أحد مفاتيح فكّ شفرة النظريات النسوية الفرنسية.
وقد تحدَّتْ ما بعد بنيوية فوكو وتفكيك ديريدا التضادات الثنائية التأسيسية الأساسية التى كشف عنها البنيويون. وبصورة رئيسية عرض فوكو چينيولوچيًّا "السلطة" التى تشكل أساس كل معرفتنا ولغتنا(19). وجرى تجريد كل الافتراضات الفكرية الأساسية للفكر الغربى من امتيازها الإيپيستيمىّ [المعرفى]، والتى تشمل مفاهيم العقلانية والفعالية البشرية. وكما جرت الإشارة، يستعمل فوكو المفهوم النيتشوى عن الچينيولوچيا لفك هذه التضادات. وتكشف الچينيولوچيا فى كثير من الأحيان عن الدوافع العشوائية، والضغوط، والسلطة المعقدة التى تشكل أساس عقلانيتنا المزعومة (Squires 2000, 35ff). ويجرى إثبات أن كل علومنا ومعارفنا (ما يسميه فوكو "تكويناتنا الخطابية") مجموعات متحجرة من العناصر قبل المفاهيمية وغير المعقلنة التى تشكل النسق السائد للحقيقة فى مجتمع.
وكما يشير عنوان عمله (1972) Margins of Philosophy [هوامش الفلسفة]، عملت فكرة تفكيك ديريدا بطريقة سياسية أقل صراحة. ذلك أنه لم يكن مهتما ﺑ "عرض" السلطة التى تشكل أساس المعرفة أو التكوينات الخطابية. فقد حاول، بالأحرى بقراءة دقيقة للغاية للنصوص، أن يفحص الأعراف، والمعتقدات، والتضادات الأساسية، اللاوعية فى كثير من الأحيان داخل النصوص لكى يكشف عن اعتباطيتها أو إبهامها. وفى نظر ديريدا كانت الاستعارات، أو إشارات أسفل الصفحات، أو الهوامش، العرضية للنص هى الجانب الأكثر بَوْحًا حتى فى أعمال الفلسفة. وكما يلاحظ أحد الكُتّاب: "التفكيك، بأبسط معانيه، يتمثل فى قراءة نص بصورة دقيقة جدا إلى حد أن يجرى إظهار فشل التمييزات المفاهيمية، التى يعتمد عليها النص بسبب التوظيف غير المتماسك والظاهرى التناقض لتلك المفاهيم ذاتها فى سياق النص ككل. وعلى هذا النحو يُفْهَم أن النص يسقط بمعاييره هو" (Lawson 1985, 93). ولهذا صار من الصعب تماما تقرير المعنى، فى نظر ديريدا. وببساطة فإنه لم يكن موجودا مطلقا فى أىّ نص. وكان المعنى مُرْجَأً deferred ويبقى من المستحيل فهمه بالضبط، لاعبا بلانهاية ضمن الشبكة المعقدة للعلامات اللغوية. وهكذا لم يكن هناك معنى خالص يميز شيئا موضوعيا فى العالم. كذلك لم يكن هناك شيء خارج "العلامة" ولا معنى مفردا محددا لعلامة. وكان هذا جوهر لفظة ديريدا الجديدة différence ]الإرجاء[. وكان ينظر إلى معنى علامة على أنه مبعثر فى كل مواضع مجموعة من الدالات signifiers. وعلى هذا النحو، كان أىّ معنى نهائى ممتنعا. وهكذا كان التفكيك يمثل عملية امتناع دائما. وظللنا بصفة دائمة معلقين بين بدائل. وكانت محاولة الاستقرار على معنى محدد، سماه ديريدا "مركزية اللغة" Logocentrism، محكوما عليها بالفشل(20).
وفى النظرية الاجتماعية والسياسية، يؤكد ما بعد الحداثيِّين أنه لا وجود لأىّ سلطات ممتازة. ليوتار، على سبيل المثال يتكلم بطريقة رائعة عن الحالة ما بعد الحداثية على أنها "الشك فى الميتا-حكاية metanarrative" (Lyotard 1984, xxiv). وكل ما نملك خطابات تخييلية متعددة مبنية اجتماعيا. وعلى هذا النحو يلعب ويتهكم المنظِّرون ما بعد الحداثيِّين بين هذه التخييلات، رافضين تشييء أىٍّ منها. ولهذا فإنهم يعارضون كل إغلاق ومحو للاختلاف. وهم لا يؤمنون بأىّ حقيقة، أو عقلانية، أو معرفة، أو إيپيسيتمولوچيا متماسكة نهائية. والنفس البشرية ببساطة سلسلة من الدالات السطحية بلا أىّ عمق. والتناقض والاختلاف متعانقان. ولهذا تتمثل مهمة ما بعد الحداثى فى هدم كل محاولات الوصول إلى اليقين أو الإغلاق النظرى. فليس هناك أىّ يقين بل هناك الشك.
وقد تبنَّت النسويات الفرنسيات بعض هذه العناصر، حيث قرأن الإنتاج التحليلى النفسى ﻟ لاكان من خلال عيون ما بعد بنيوية. وأكَّدْنَ أنه لا يوجد شيء خارج اللغة –  no hors texte[لا شيء خارج النص]. وكما أعلنت سيكسو، "كل شيء الكلمة، كل شيء الكلمة فقط" (quoted in Stanton in Eisenstein and Jardineeds 1990, 73). كان العالم نصًّا، أو سلسلة من النصوص، تجسد الأنساق الرمزية المبنية على بعض التضادات الثنائية الأساسية للذات والموضوع، والعقل والعاطفة، والصحة والزيف. وباستعمال، ولكنْ مع تعديل، ما بعد البنيوية الأكثر فوكووية، حاولت النسويات الفرنسيات إثبات أن السلطة الذكورية تشكل أساس هذه التضادات فى اللغة. وكما لاحظت مارى هوكسويرث Mary Hawkesworth: "مكان اكتساب الفرد للغة وأصل كل ثقافة وحياة اجتماعية، يتميز بأنه ذو بعد أحادى فقط بما يتفق مع “I’hom(m)o sexualité” [الجنس الذكورى (المثلى)]... لأن اللغة هى التى تنظم الجنس حول التعابير الذكورية ضمن أنساق وعى، وتصير لإشكالية اللغة وإشكالية الجنس حدود مشتركة بالنسبة للنساء" (Hawkesworth 1988, 449). ومتبعة وصف ديريدا للإغلاق بأنه "مركزية اللغة"، أشارت لوس إيريجاريه إلى أن هذا الإغلاق الذكورى Male closure الأساسى فى اللغة كان "مركزية القضيب" Phallocentrism، التى مثلت شكلا من الپطريركية اللغوية العميقة. وكانت هذه الأخيرة شكلا من الاضطهاد لم يكن مدركا من قبل. وما اعتقدنا أننا أدركناه كواقع كان فى الحقيقة نظاما رمزيا أنشأه الرجال.
وكان هناك عدد من الإستراتيچيات التى كان يمكن تبنِّيها هنا. أولا، نادت إيريجاريه بتمزيق أو تفكيك الخطاب الذكورى، لمقاومة كل المحاولات الذكورية الرامية إلى المنهجة و "لاستنطاق الأوضاع التى تكون المنهجة ممكنة فى ظلها"وبالتالى للتركيز على استعارات، وهوامش، وشفرات الخطاب الذكورى (Irigaray 1985, 74). ومثل العلاج النفسى المتوجِّه لغويا عند لاكان، نظرت النسويات الفرنسيات إلى اللغة على أنها مجال للتجديد العلاجى. وفى هذا السياق، جرى اقتراح إستراتيچية ثانية، أىْ إنشاء لغة وكتابة للمرأة. وعلى هذا النحو يمكن للنساء أن يتكلمن ويعبِّرن عن أعماقهن. وعلى هذا النحو نَحَتَتْ إيريجاريه تعبير Ie Parler Femme  [الحديث النسائى] ونَحَتتْ سيكسو تعبير écriture feminine (الكتابة الأنثوية). ومن شأن هذه العملية أن تسمح للنساء بالتعبير عن طابعهن الفريد أو "تجسيد الجنس"، الذى من شأنه بدوره أن يحرِّرهن من الپطريركية اللغوية المركزية القضيب.
ولا تتوافق الأفكار الواردة أعلاه بصورة كلية مع ما بعد الحداثة، رغم أن من الجلى أنه توجد تشابكات. والكثيرات ممن جرى النظر إليهن على أنهن نسويات ما بعد حداثيات كُنَّ فى الحقيقة نصيرات للمنظِّرين الفرنسيِّين. وتقاوم ما بعد الحداثيات كاملات النضج كل إغلاق. وبعد أن جَعَلْنَ جِنِّىّ التفكيك يخرج من القنِّينة، يغدو كل خطاب ممزَّقا وليس فقط الخطاب الذكورى، أىْ أن العقل يغدو مختلا بصورة كاملة ويضيع كل يقين أو امتياز، بما فى ذلك الكتابة الأنثوية، فى تلاعب تخييلىّ للُّغة. والحقيقة أن أولئك اللاتى نظرنَ إلى أنفسهن على أنهن نسويات ما بعد حداثيات، مثل چين فلاكس Jane Flax أو كريستين سيلڤيستر Christine Sylvester، خلقنَ مشكلات أكثر مما قَدَّمْنَ حلولا. وفى هذا السياق، تصير النسوية ذاتها يقينا آخر مشكوكا فيه يحتاج إلى تمزيق(21).
ولم يكن من المدهش أن النسويات الفرنسيات (بتوجيه الاهتمام إلى التفكيك) كُنَّ مرتابات إزاء عنوان "نسوىّ"، لأن له دلالات "حكاية كبرى" grand narrative بصورة أكثر صراحة. ومع هذا كانت هناك مشكلات مع وجهات نظر النسوية الفرنسية التى سوف نُلِمّ بها فيما بعد، على الأقل فى نظر نسويات كثيرات لأنها جذبت الانتباه من جديد إلى اختلاف النساء، بإضفاء طابع جوهرى محتمل على الأنوثة/النسوية. كما أنها كانت نخبوية بصورة عميقة، وكانت تميل إلى التنظير عن اللغة على حساب الاهتمامات الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية. وبالتالى ما يزال مفهوم ما بعد الحداثة النسوية غير واضح. بل إن بعض الناقدات النسويات نظرن إليها على أنها عدمية عابثة، وأفيونا للمثقفين. وهذه الأشياء، ونقاط أخرى، تجعل من الصعب معالجة مفهوم النسوية ما بعد الحداثية إلى يومنا هذا.
ودار عدد من المجالات الأخرى فى النسوية فى ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين حول مسألة التفكير الأمومى والرعاية الأمومية. ونشأ عن العمل التحليلى النفسى ﻟ نانسى تشودوروف Nancy Chodorow و كارول چيليجان Carol Gilligan حول الصفات المميزة لشخصية الأنثى افتراض أنه، لأن النساء كُنَّ قد تربَّيْنَ فى مجتمع على أساس النوع (تقوم فيه النساء برعاية الأطفال)، كانت لهن بالتالى نظرة أخلاقية مختلفة عن العالم. وفى نظر چيليجان، بصورة خاصة، فإن للنساء نَهْجًا "قائمًا على الرعاية": إنهن أكثر غيرية، ورعاية، وتضحية بالنفس. وربطت چيليجان هذا الميل ﺑ "أخلاق رعاية"، قابلتْها ﺑ "أخلاق عدالة" أكثر توجُّها للذكور (Chodorow 1978, Gilligan 1982, also Mackay 2001). ولهذا كانت الأخلاق الخاصة بالنساء مهتمة بالميل إلى الرعاية، والعناية بالمسئوليات والصلات، أكثر مما بالوصول إلى المبدأ الصحيح أو الأفضل، باتباع قواعد والتركيز على الحقوق والعدل، هذه الأمور التى كان يُنظر إليها على أنها السمة المميزة لأخلاق العدالة. كما أكدت كاتبات أخريات، مثل سارا راديك Sara Ruddick وچين بيث إليشتين Jean Beth Elshtain، أن النساء مرتبطات بصورة رئيسية بتربية الأطفال وحماية حياتهم؛ غير أنهن، على خلاف چيليجان، اعتقدن أن فكرة كهذه سيكون لها تأثير هائل على إعادة هيكلة المجال العام. واعتقدت رادريك و إليشتين بصفة خاصة أن "المفكرات الأموميات اللاتى يجعلن المسئولية عن الأطفال والعائلات التزامهن الرئيسى يمكنهن إصلاح القيم العامة إصلاحا جذريا، ويمكنهن حتى أن يخلقن ’سياسة أخلاقية‘ مكرسة لسياسةٍ للتعاطف" (Boling 1991, 608). وعلى هذا النحو اعتقدن أن هذه النظرة يمكن أن يكون لها تأثير درامى على السياسة.
ونتج عن هذا الجدال المحدد تطوران إضافيان. أولا جرى تفنيد حجة "التفكير الأمومى" بعنف من جانب منظور "نسوى مدنى". ومن المحتمل أن إنتاج مارى دييتز Mary Dietz كان الأكثر منهجية. فقد اتخذت موقفا نسويا أكثر تقليدية، وتقريبا أكثر ليبرالية، مؤكدة أن النساء والرجال، كمواطنين، "يمكن بصورة جماعية وحصرية أن يرتبطوا ببعضهم البعض... كمتساوين يصدرون أحكاما بشأن أمور ذات أهمية مشتركة، ويتشاورون بشأن قضايا ذات اهتمام مشترك، ويعملون فى انسجام مع بعضهم البعض" (Dietz 1985, 28). وقدمت دييتز حجة نسوية اجتماعية ليبرالية تضفى قوة جديدة على المساواة وأنكرت بالتالى أن يكون اختلاف الذكر والأنثى واردا. وتمثلَ التطور الثانى فى موقف التفكير الأمومى الذى اتخذته إليشتين و رادريك (ولكنْ ليس چيليجان بالضرورة)، الذى سُمِّىَ "النسوية المحافظة الموالية للعائلة" (Elshtain 1981 and 1985- Ruddick 1980)(22). ولم يحدث تَلَقِّى هذا الانقسام الأخير بصورة جيدة من جانب قطاعات أخرى من الحركة النسوية. ونُظِرَ إليه على أنه خطوة إلى الوراء بالعودة إلى القولبة الأقدم عهدا لاختلاف النساء إلى أدوار ترتبط بالنوع (Flax 1986- Boling 1991, 608ff)(23).
ونظرا لتنوُّع الفكر النسوى يغدو من الصعب تمييز بواعث واضحة داخل الحركة النسوية. على أن من الممكن تمييز ثيمات شكلية عريضة بعينها كانت تمثل الجوهر المشترك للكثير من التفكير النسوى. وكانت الاستجابة فى حد ذاتها لهذه الثيمات متنوعة تماما. والثيمات التى سنتناولها فى باقى هذا الفصل هى: الجنس والنوع، وطبيعة الاضطهاد والإخضاع، وقضية المساواة والاختلاف، والشخصى بوصفه السياسىّ.
الجنس والنوع
يتناول هذا القسم بإيجاز الموضوع الأكثر تقليدية المتمثل فى الطبيعة البشرية. وفى حالة النسوية، ترتبط الطبيعة البشرية بواحدة من القضايا الأساسية للنقاش الأيديولوچى ولهذا يجب بحثها بطريقة غير مباشرة إلى حد ما. وفى بعض الأحيان يجرى تأكيد أن النسوية "لا تستتبع أىّ نظرة محدَّدة للطبيعة البشرية" (Levitas in Forbes and Smith eds 1983, 116). ورغم هذه النقطة، هناك تفاسير تقدمها بعض الكاتبات النسويات، وهى تفاسير تتشابك مع أيديولوچيات أخرى مثل الليبرالية. وتهتم أخريات بصورة أكبر بمسألة علاقة الجنسية (الذكورة والأنوثة) ونوع الجنسين بالطبيعة البشرية. وفى هذا السياق فإن قضية الطبيعة البشرية ليست غائبة بل هى بصورة طفيفة أكثر تعقيدا وصعوبة على المَفْصَلة.
وكان لمشكلة الجنس والنوع تشابهات مع المجادلات حول الطبيعة والرعاية. والقضية الرئيسية هنا هى ما إذا كانت طبيعة النساء محدَّدة بيولوچيًّا أم منظمة اجتماعيًّا. والإجابة المعتادة لهذا هى تأكيد أن النوع خدعة منظمة اجتماعيًّا، على حين أن الجنس بيولوچىّ. فقد جرى "حَشْر" النساء فى أدوار بعينها و "كأن" هذه الأدوار طبيعية أو محدَّدة بيولوچيًّا لهن. ومثل هذه الأدوار ليس فيها أىّ شيء طبيعى فى الحقيقة. فقد حدَّد الرجال سيكولوچيا النساء. ولهذا فإن مهمة النسوية تتمثل فى جَعْل النساء مدركات لهذه الحقيقة.
ويمكن أن نجد وجهة النظر المحدَّدة هذه فى شكل مختلف لدى النسويات الليبراليات المبكرات مثل مارى وولستونكرافت. وكانت إحدى دعاواها الرئيسية أنه لا يجب تحديد هوية النساء على أنهن كائنات جنسية، بل على أنهن بالأحرى كائنات بشرية. والمصطلحات مختلفة هنا اختلافا طفيفا عن جدال الجنس والنوع، غير أنها قريبة بما يكفى لبعض المقارنات. ذلك أن وولستونكرافت كانت تستعمل مفهوم "جنس" sex بوصفه معادلا تقريبا لمفهوم "نوع" gender، مع أنها كانت تؤكد أيضا أنه حتى الجانب البيولوچى للنساء لم يكن يمثل حقا نقطة اختلاف مهمة. وكما أكدتْ فإن: "الموضوع الأول للطموحات الجديرة بالثناء هو الحصول على طابع ككائن بشرى، بِغَضِّ النظر تمييز الجنس" (Wollstonecraft 1985, 82). وتمثلت النقطة المهمة فى أن العلامة الفارقة للبشر، مقابل "المخلوقات غير العاقلة"، هى العقل البشرى. أما الصفة الجنسية فإنها ليست مهمة جدا. وكان العقل مفهوما على أنه "القدرة البسيطة على التحسين؛ أو على الأصح، على إدراك الحقيقة" (Wollstonecraft 1985, 142). وكما أكدت وولستونكرافت: "يجب تقييم كمال طبيعتنا وقدرتنا على السعادة بدرجة العقل" (Wollstonecraft 1985, 91). ولهذا تمثل الواجب الأول لامرأة فى أن تفكر. وفى الحقيقة فإن أىّ واجب قد تكون تطلبته لأداء العقل المطلوب، لأنه "كيف يمكن أن نتوقع أن تتعاون امرأة ما لم تعرف لماذا كان عليها أن تكون فاضلة؟" (Wollstonecraft 1985, 86, 156). والحقيقة أن هدف نقد الكثير من مناقشة وولستونكرافت كان روسو. وقد عادت إليه كثيرا خلال سياق نصها. ذلك أن روسو كان قد شدَّد، فى أعمال مثل Émile [إميل]، على الطبيعة الجنسية للنساء. وقد أسهب الحديث حول خضوعهن للرجال، وتبعيتهن، وشهوانيتهن، وتسليتهن، لهم. وعلاوة على هذا، كان روسو يقابل المساواة المدنية مع النظام الطبيعى للأسرة، وأكّد على الاختلاف بين الجنسين. فالنساء، بسبب طبيعتهن، ظهرن غير مناسبات للدور العام المستقل للمواطنين. وفى نظر وولستونكرافت،  كانت هذه الفكرة عن الاختلاف الجنسى عند روسو خدعة مدمرة وخطرة.
كما تستعمل وولستونكرافت حججا تقوم على وجود ربٍّ عاقل يدعم أطروحتها فيما يتعلق بالطبيعة البشرية. وهى تؤكد، باختصار، أن رَبًّا عاقلا لا يمكن أن يخلق نصف الجنس البشرى، أىْ النساء غير عاقلات تقريبا. وكان معلِّمها الدينى الخاص، ريتشارد پرايس، قد أكد أن كل البشر متساوون ومسئولون أمام الرب. فلماذا، إذن، يمكن إقصاء المرأة؟ وكما أكدت وولستونكرافت: لماذا يجب أن يمنحنا ينبوع الحياة السخىّ العواطف، والقدرة على التفكير، فقط لينغِّص أيامنا ويلهمنا مفاهيم خاطئة عن السموّ؟" (Wollstonecraft 1985, 94).
وبغضّ النظر عن الثيمة اللاهوتية، رجَّع چون ستيوارت ميل صدى وجهة النظر هذه فى سياق مختلف. ويجرى النظر من جديد إلى الطبيعة الجنسية للنساء على أنها خدعة جرى إضفاء طابع اجتماعى عليها. يقول ميل: "أنا أنكر أن أىّ شخص يعرف، أو يمكن أن يعرف، طبيعة الجنسين... وما يسمى الآن طبيعة المرأة شيء مصطنع بكل معنى الكلمة – إنها نتيجة القمع المفروض" (Mill 1989, 138)(24). وفى نظر ميل فإن من الجلى أننا نجهل الشروط التى يجرى فيها تكوين الطباع؛ والواقع أنه يبدو أن أغلب الرجال يجهلون بوضوح فيما يتعلق بالنساء؛ غير أن ميل تطلَّع بالفعل إلى إمكان علم طباع فى المستقبل. وسمَّاه إيثولوچيا ethology. ووفقا ﻟ ميل، يمكن القول إن النساء يقبلن استعبادهن بوصفه طبيعيا. وهن ينظمن الحملات فى سبيل حق الاقتراع العام، والتعليم، وما شابه. وفى أغلب الأحوال تكون عادات الذكور غير العقلانية هى التى تُبْقِى النساء فى مثل هذه العبودية. وإذا استطاعت النساء أن يتطوَّرْن وينمون، فإنه لن يكون هناك عندئذ أىّ أساس للنظر إليهن بوصفهن أقل شأنا. وهكذا فإن تحرير النساء، فى نظر ميل، ليس سوى مسألة وقت. وبنفس الطريقة التى تحرّر بها العبيد، والتُّبَّع vassals، والسود، ستتحرر النساء أيضا. وكما يعبر ميل فإن: "الخضوع الاجتماعى للنساء يبرز على هذا النحو بوصفه واقعا معزولا فى المؤسسات الاجتماعية الحديثة" (Mill 1989, 137).
وفى التفاسير الماركسية المبكرة، تتكون طبيعتا النساء والرجال نتيجة الظروف التاريخية والاقتصادية، ومع هذا فإن تلك الظروف الخاصة يمكن أن تُمْلِى أدوارا مختلفة بصورة ملحوظة للجنسين. وكما قرر ماركس و إنجلس فى "الأيديولوچيا الألمانية" (1845)، "أول تقسيم للعمل هو ذلك الذى بين الرجل والمرأة لتربية الأطفال" (Marx and Engels, 1969, 503). وقام إنجلس فى كتابات لاحقة بتطوير هذه الأطروحة. والنساء والعائلة راسخة الجذور، على الأقل عند إنجلس، فى الشروط الاقتصادية للحياة. ويترك الزواج الأحادى معظم النساء فى وضع الإماء (العبدات) المنزليات. فالرجل يكسب أجر العائلة (على الأقل عند الطبقات المالكة) وتعمل زوجته فى البيت. وكما لاحظ إنجلس: "فى العائلة، هو يمثل البرچوازى؛ وتمثل الزوجة الپروليتاريا" (Engels in Marx and Engels 1968, 510).
وتكمن صعوبة الحديث عن الطبيعة البشرية فى الماركسية فى تحوليتها. وسيكون من الصعب الخروج بحجة مقنعة واضحة لصالح شمولية خصائص غير متغيرة للطبيعة البشرية ضمن هذا الجدال. فالطبيعة الظاهرة للبشر ليست ثابتة، بل تتغير عبر الظروف التاريخية. وعلى هذا النحو تجد النسوية الماركسية بعض المساندة النظرية الحازمة لدعوى أن الكثير من الطبيعة الجنسية/النوعية للنساء نتاجٌ لشروط تاريخية واقتصادية محددة للحياة. ويمنح هذا تصديقا أكثر لدعوى أن الخدعة تفعل فعلها. وفى التحليل الأخير، قد يقود هذا إلى استنتاج أنه لا وجود لاختلافات ذات شأن بين الرجال والنساء. ويمكن أن يؤدى كلٌّ من الجنسين كل دور تقريبا.
ورغم الاستنتاج النظرى المذكور أعلاه، ما يزال يبدو أن كثيرين من الكتاب الماركسيِّين الذكور المبكرين يقبلون الدور الأكثر منزلية للنساء. وهذا الاتجاه الأخير انتقدته نسويات اشتراكيات منذ أواخر ستينيات القرن العشرين. كما قَبِلْنَ بعض جوانب تحليل الراديكاليات، أىْ أنه بالإضافة إلى الشروط التاريخية والاقتصادية كانت هناك أيضا جوانب بيولوچية وسيكولوچية لاستغلال النساء. وكما أكدت أليسون چاجر، انتهى الأمر إلى النظر إلى الماركسية التقليدية على أنها حل وسط حيث "تعنى اختلافات بيولوچية غير محددة بين الرجال والنساء أنه لا يمكن مطلقا أن يوجد إلغاء كامل لتقسيم العمل على أساس الجنس" (Jaggar 1983, 69).
وكان مستقبل الطبيعة البشرية فى هذا الشكل من أشكال النسوية الاشتراكية لا نوعيا ولا جنسيا تقريبا. ولهذا كان المثل الأعلى للنسويات الاشتراكيات "أن المرأة (والرجل) سيختفيان كمقولتين متكونتين اجتماعيًّا" (Jaggar 1983, 132). وسوف يتسارع تقدم هذه العملية إذا تطورت التكنولوچيات إلى نقطة يمكن فيها تحرير النساء من كلٍّ من الحمل والولادة.
وكان الكثير من مختلف عناصر الراديكالية، التى استعملت حجة الجنس/النوع بصورة مستقيمة انتقادية بعمق مع ذلك لكلٍّ من المنظورين الاشتراكى–الماركسى والليبرالى. وكما علقت كاتبة راديكالية أولى، كاثرين ماكينون Catherine Mackinnon، فإن الراديكالية
تقف إزاء الماركسية موقف الماركسية إزاء الاقتصاد السياسى الكلاسيكى: استنتاجها النهائى ونقدها الأساسى. وبالمقارنة مع الماركسية فإن مكانة الفكر والأشياء فى المنهج والواقع يجرى قلبها إلى استيلاء على السلطة التى تتغلغل فى الذات والموضوع والنظرية مع الممارسة. وفى حركة مزدوجة، تقلب النسوية الماركسية بطنا لظهر وعلى رأسها (Mackinnon in Keohane et al. eds 1982, 30).
وكانت الاشتراكية الماركسية تدل دائما، وفقا لهذا التفسير، على نوع بعينه من المنهج، حددته ماكينون على أنه المادية الجدلية. وكانت النسوية الحقيقية (التى تعنى بها ماكينون النسوية الراديكالية) مهتمة كبديل بمنهج لإيقاظ الوعى مختلف للغاية، وصفته بأنه "إعادة التكوين النقدية الجماعية لمعنى التجربة الاجتماعية للمرأة" (Mackinnon in Keohane et al. eds 1982, 29). وعلى هذا النحو، أكدت أن المنهجين غير قابلين بصورة جوهرية للتوفيق.
ورغم كل هذه الثقة بالنفس فى تحليل الراديكاليات، لا يكاد يكون هناك تماسك بشأن مسألة الطبيعية البشرية وقضية الجنس/النوع. وقد ظهرت أقدم التصريحات بشأن هذه المسألة فى كتابات سيمون دو بوڤوار (Beauvouir 1952). فقد رفضت الكثير من التفسيرات البيولوچية والمادية التاريخية. وفى نظرها، تملك النساء من الناحية الجوهرية نفس طبيعة الرجل، غير أنه جرى كبحهن واستعبادهن نتيجة واقع مهم – أجسادهن. ولم يحدِّد الجسد الطبيعة الحقيقية للنساء، غير أنه فسر الكثير فيما يتعلق بتاريخهن. ورغم بعض الافتقار إلى التعاطف الفكرى مع الحركة النسوية، تصورت مستقبل النساء بعبارات متفائلة تماما. فمع المزيد من إتاحة الإجهاض، والتنظيم الفعال للأسرة، والاستغناء عن الزواج الأحادى، ربما بدأت النساء أخيرا فى تحقيق السيطرة على أجسادهن والتحقنَ بالرجال فى مشاريعهم الثقافية. وستكف الأمومة عن أن توجه مصير النساء. وكما تعبر بوڤوار فإن: "واقع أننا كائنات بشرية أهم بصورة مطلقة من كل الخصوصيات التى تميز الكائنات البشرية الواحد عن الآخر" (Beauvoir 1954, 684). وقد وجدت بعض الراديكاليات أن تحليل بوڤوار ينقصه إدراك عمق الپطريركية وطبيعة اضطهاد النساء.
وموقف بوڤوار، الذى له نظائر فى بعض المناقشات الليبرالية المبكرة (مع أنه موضوع فى إطار فلسفى مختلف كليا، أىْ التزامها بالفلسفة الوجودية السارترية)، جدير بالمقارنة مع موقف إحدى الراديكاليات المبكرات، شولاميث فايرستون Shulamith Firestone. وقد أكد عمل فايرستون The Dialectic of Sex [جدل الجنس]، مثل عمل بوڤوار، أن الرجال والنساء ليسوا مختلفين جدا فى الحقيقة. وفى نظر فايرستون، كما هو الحال مع بوڤوار وإنْ كان هذا مصوغا بمصطلحات أقوى كثيرا، كانت بيولوچيا النساء هى التى حددت "طبقتهن الجنسية" (وهذا تعبير جديد أدخلته فايرستون لدمج الماركسية فى تحليلها) (Firestone 1971)(25). وكانت الطبقة الجنسية راسخة الجذور فى العائلة، حيث كانت النساء والأطفال تحت رحمة الرجال. ومن الناحية البيولوچية أدت الاختلافات الإنجابية إلى تقسيمات جنسية للعمل. وتطلعت فايرسون إلى التكنولوچيات الجديدة فى سبيل التحرير. وكانت هذه التكنولوچات أشمل بكثير من أىّ شيء توقعتْه بوڤوار. ذلك أن التخصيب الصناعى، وأطفال الأنابيب، والسيبرنطيقا المنزلية، سوف تحرر النساء (والأطفال) من البيولوچيا الخاصة بهن. وأكدت فايرستون أنه مع منجزات علم الطب هناك حتى إمكانية حمل الذكور للجنين فى أرحام مزروعة وربما إفراز اللبن فى نهاية المطاف. وعلى هذا النحو يمكن أن يصير النوع والجنس زائدين عن الحاجة فى سياق مستقبل خنثوىّ أو أحادىّ الجنس(26).
وحلَّتْ محلّ هذه الأطوار المبكرة نظريات أخرى داخل الراديكالية. وقد يكون هدف خنثوىّ مثلا أعلى بالغ القيمة يستحق الكفاح فى سبيله، غير أن النوع كان مصدر كثير من المشكلات التى كان ينبغى توجيه الانتباه إليها، خاصةً مشكلة الاستغلال الپطريركى الذكورى، وفضلا عن هذا، هناك جوانب للطبيعة الذكورية وجدتها الراديكاليات بغيضة: على سبيل المثال، التمييز على أساس الجنس، والعدوانية، والإمكانية الكامنة للاغتصاب. وكانت بعض الراديكاليات ينظرن إلى الاغتصاب، فى الحقيقة، على أنه جانب محدِّد للذكورية والپطريركية(27). وكما يعبر روبن مورجان Robin Morgan فإن: "اغتصاب امرأة واحدة هو الاستعارة لفرض الرجل نفسه بالقوة على كل الأمم" (quoted in Jaggar 1983, 264). وقد جرى تأكيد أن النساء لن يرغبن فى الاتصاف بأىّ سمات ذكورية كهذه فى مستقبل خنثوىّ.
وعلى هذا النحو تحركت النسويات الراديكاليات بعيدا عن الخنوثة صوب نقد "الطبيعة الذكورية" والطريقة التى حاول بها الرجال تعريف الأنوثة. وكان لهذا النقد جانب سلبى وجانب إيجابى على السواء. وانطوى الجانب السلبى على نقدٍ للطبيعة الذكورية بوصفها مصدر معظم المشكلات الاجتماعية، والسياسية، والدولية. وفى نظر أندريا دوركين Andrea Dworkin، تُمثل الذكورية فى حد ذاتها الموت، والعنف، والتدمير (Dworkin 1981, 52–3). وفى هذه القراءة، كانت النساء هن الضحايا دائما. فالمعلومات المعلن عنها على نطاق واسع عن الاغتصاب وطبيعة وآثار الپورنوجرافيا، وإساءة معاملة النساء فى الزواج، زادت السمة المميزة لهذه النقطة، رغم أن هذا النوع من التناول كان موضوعا للنقد فى وقت لاحق من جانب نسويات أخريات على "إضفاء طابع جوهرى" على طبيعة النساء (Randall 1991, 522). وعلى الجانب الإيجابى، كان هناك اعتقاد بأن طبيعة وخصائص الأنثى متفوقة أخلاقيا وروحيا وقاد بالتالى إلى "التحليل المتمحور حول المرأة".
واتخذ التحليل المتمحور حول المرأة أشكالا مختلفة. فقد أثنت بعض الكاتبات على بعض جوانب الأنثوية التى كان يُنظر إليها فى السابق على أنها محرمات أو عقبات أمام حيوات النساء، مثل الحيض، والأمومة، والتفكير الأمومى. وعلى هذا النحو اتخذ "التفكير الأمومى" سمة رفيعة فى كتابات چين بيث إليشتين، و سارا راديك، و كارول چيليجان، رغم أن المناظرة الأخيرة لم تشدد على تأثير التفكير الأمومى على المجال العام. ومع هذا جرى اتهام آراء راديك و إليشتين بترويج منظور محافظ موالٍ للعائلة كان يدفع النساء إلى الوراء نحو البيت. وفى هذا الجدال الأخير فقدتْ حجة التفكير الأمومى، كطريقة لنقد الشفرة الذكورية للتفكير، بعض لَسْعتها. وجرى إضفاء أهمية حاسمة على الفكر النسائى، ولكنْ ليس كإحلال مباشر محل الفكر الذكورى. ومع هذا زعمت إليشتين أن هذه الخصائص التربوية يجب أن تكون جلية فى المجال العام، وكذلك داخل العائلة.
واستعملت كاتبات أخريات هذا النهج الأخير بوصفه وسيلة ثقافية راديكالية. وكما تعلق چين ألپرت Jane Alpert:
تقوم الثقافة الأنثوية على الأفضل والأقوى لدى النساء، وعندما نبدأ فى تعريف أنفسنا كنساء فإن الخصائص التى تأتى إلى الصدارة هى نفس الخصائص التى تظهرها أمٌّ فى النوع الأفضل من الصلة التربوية مع طفل: التقمص الوجدانى والقدرة على التكيف، وإدراك النمو كعملية أكثر منه كغاية منتهية، والقدرة على الإبداع، والإحساس بالرغبة فى الحماية تجاه الآخرين، والقدرة على الاستجابة عاطفيا وكذلك عقلانيا (quoted in Jaggar 1983, 97)
وعند مارى دالى Mary Daly، شددت هذه النسوية الثقافية الراديكالية على أن النساء وثقافتهن كانت فى آن معا مختلفات عن الذكور ومتفوقات عليهم ثقافيا. وجرى التعبير عن هذا الاختلاف عبر كامل نمط حياة النساء وفكرهن. على أن النسويات ما بعد الحداثيات وما بعد البنيويات كن ينزعن إلى معارضة التضاد الثنائى للمصطلحات اللغوية مثل المذكر والمؤنث. والحقيقة أن الخصائص المرتبطة بمثل هذه المصطلحات يمكن أن يتبناها كل من الجنسين. وعلى هذا النحو يمكن النظر إلى هذا الجدال بكامله على أنه خيال بلاغى.
وأشارت راديكاليات أخريات بثقة بالنفس، متجاهلات ما بعد الحداثيات، أن "التفكير الأنثوى" يمكن مَدُّهُ إلى شكل جديد لإيپيستيمولوچيا وعلوم طبيعية أشمل. وكان يجرى إبراز هذا الجانب للراديكالية أحيانا بوصفه مدرسة متميزة تُسَمَّى "النسوية المنظورية" [أو نسوية وجهة النظر] standpoint feminism  (Randall 1991, 521- also Harding 2003). وقد هاجمت النظرية المنظورية، مثل ما بعد الحداثة أو ما بعد البنيوية، مفاهيم الموضوعية فى العلم، والعقلانية، والمنطق، فى الفكر الغربى. وكان هذا يشكل الأساس لمسألة ما إذا لم تكن "عملية الخطاب العقلانى والعلمى بكاملها ذكورية بصورة متأصلة إلى حدّ ما" (Coole 1998, 266- also Macmillan 1982- Lloyd 1984). وكان يُنْظَر إلى الفكر الذكورى على أنه يعمل بطرق بعينها: على سبيل المثال، الفصل مفاهيميا بين العقل والمادة، الذات والآخر، الفكر والعاطفة. وبالتالى أكدت كاتبات مثل أدريينّ ريتش Adrienne Rich، وكاثرين ماكينون، وإيڤيلين فوكس كيللر Evelyn Fox Keller أن ذات مفهوم الموضوعية والعقلانية يتضمن المسافة والانفصال الأمر الذى يتفق مع الرغبة الذكورية فى الاستقلال – بكل المشكلات الناشئة عن مثل هذا الموقف (Rich 1976 and Keller 1985). غير أنه، على العكس من ما بعد الحداثة وما بعد البنيوية، رفضت النظرية المنظورية النسبية وقدمت باسم إيپيستيمولوچيا أنثوية موضوعية غير محددة، ولكنْ مع ذلك متفوقة، والحقيقة أن بعضهن أكدنَ أن الثقافة الغربية كانت بحاجة شديدة إلى طريقة جديدة للتفكير (Eisenstein 1984, 66)(28).
طبيعة الاضطهاد والإخضاع
يتابع تحليل الاضطهاد نفس الخطوط العريضة للجدال كما فى القسم السابق من هذا الفصل. وقد ركز المنظور النسوى الليبرالى على العدل، والمساواة، والحقوق. وفى نظر مارى وولستونكرافت، كان مصدر الاضطهاد واضحا. وكما علقتْ فإن:
النساء فى كل مكان فى... حالة يُرْثَى لها؛ لأنه للحفاظ على براءتهن... يجرى إخفاء الحقيقة عنهن، ويُفْرض عليهن اتخاذ طابع مصطنع قبل أن تكون قدراتهن قد اكتسبت أىّ قوة. ويجرى تعليمهن منذ طفولتهن المبكرة أن الجمال هو شبح المرأة، ويشكل العقل نفسه وفقا للجسد، ومتجوِّلةً حول قفصها الذهبى لا تسعى إلا إلى عبادة سجنها (Wollestonecraft 1985, 31).
وجرى حرمان النساء من الوسائل اللازمة لتطوير عقلهن. وكان نوع وطابع النساء هما النتيجة لتعليمهن. فقد توقع الرجال أن تقوم النساء بتربية الأطفال، والسلوك الفاضل، وإدارة أسرة، غير أن هذا لا يمكن القيام به إلا بتثقيف العقل. واستاءت وولستونكرافت من واقع أن الرجال يتصرفون بطريقة عبثية تماما فى هذا المجال. فقد أرادوا أن تكون النساء كائنات سامية، ولكنهم حاولوا حرمانهن من حق التطور العقلانى. وأكد الرجال أن النساء عاجزات بصورة طبيعية عن الاستفادة من التعليم كما حاولوا أن يحرموهن منه. وفى سياق مثل هذا الوضع من عدم التعليم كانت النساء مساويات للجنود فى جيش دائم حيث يكون الجهل الأعمى والطاعة العمياء الشرطين الوحيدين. ومثل هذه العقلية لا يمكن أن تروق إلا لطاغية (Wollstonecraft 1985, 124–5). وهكذا كان مصدر اضطهاد النساء هو حرمانهن اللاعقلانى من الحقوق، وبصورة خاصة حق التعليم وحق تثقيف العقل. وكان من شأن مثل هذا التثقيف أن يقود بعض النساء فى نهاية المطاف إلى المشاركة فى التوظيف والتجارة. ولهذا يتمثل هدف كتاب وولستونكرافت فى إقناع الرجال بالحجة والمنطق بالإقرار بحقوق النساء وتأييدها.
وفى نظر چون ستيورات ميل، تكمن جذور الاضطهاد فى عدد من الدوافع الذكورية الشنيعة. ومثل بنتام، دحض ميل منظور الحقوق الطبيعية، ولكنْ ليس فكرة الحقوق القانونية للنساء. فقد ادَّعى الرجال، بجهل مُطْبِق، أن النساء أدنى منهم شأنا بحكم الطبيعة. إلا أن ميل، مثل وولستونكرافت، أكد أن "ما لا تستطيع النساء فِعْلَهُ بحكم الطبيعة، ليس من شأنه مطلقا أن يمنعهن من فعْله" (Mill 1989, 143). ويحتكم الرجال إلى العرف لدعم اضطهادهم، غير أن الملكية المطلقة واستعباد السود ظلا يحتكمان إلى نفس الفكرة. ولهذا يجب أن نتشكك فى مثل هذه المفاهيم. ذلك أن النساء يمكن تعليمهن القيام بتطوير مشاريعهن الخاصة فى الحياة. ومن جديد اهتم ميل بدحض بعض القيود القانونية والتعليمية الواقعة على النساء فى سبيل التقدُّم البشرى. وكما علق فإن:
المبدأ الذى ينظمِّ العلاقات الاجتماعية الحالية بين الجنسين – إخضاع جنس منهما للآخر – خاطئ فى حد ذاته، وهو يمثل الآن أحد العوائق الرئيسية أمام التطور البشرى؛ وينبغى أن يحلّ محلَّه مبدأ للمساواة التامة، لا يقرّ بأىّ سلطة أو امتياز على جانب، ولا بالعجز على الجانب الآخر (Mill 1989, 119).
وفى أحد مقالاته المبكرة، On the Jewish Ouestion [حول المسألة اليهودية]، ازدرى ماركس، مثل ميل، منظور الحقوق الطبيعية. ومن ناحية أخرى، نظر إليه ماركس على أنه غطاء لمصالح المِلْكية البرچوازية. وكان الاضطهاد مفروضا على أساس العلاقات الطبقية والاقتصادية داخل الرأسمالية. وكان اضطهاد النساء راسخ الجذور فى المنطق اللاشخصى للتجريد الرأسمالى من الملكية. وكانت العائلة، والملكية الخاصة، وتقسيم العمل، والعمل المنزلى، ووضع النساء، ترجع إلى الظروف التاريخية والاقتصادية المتحولة التى تشكل أساس المظالم القانونية والسياسية. وكما لاحظ إنجلس بشأن أصل الزواج الأحادى فإنه: "كان الشكل الأول من أشكال العائلة الذى لا يقوم على أساس الشرط الطبيعى بل على أساس الشرط الاقتصادى، أىْ، انتصار الملكية الخاصة على الملكية المشتركة الأصلية التى تطورت على أساس طبيعى" (E-Engels in Marx and Engels 1968, 502). وفى نظر إنجلس، يمكن ملاحظة الأشكال الأولى للاستغلال فى العائلة، أىْ أن سعادة الرجل تقوم على أساس قمع المرأة. وغالبية النساء لا يبقين مع الرجال بدافع الحب، بل بحكم الإعالة الاقتصادية. وإنما على هذا النحو نفهم الوصف الشهير ﻟ إنجلس للزواج البرچوازى بأنه بغاء مشروع قانونا (Engels in Marx and Engels 1968, 504).
وفى نظر كثيرات من النسويات الراديكاليات والاشتراكيات، كان مفتاح فَهْم الاضطهاد تعبِّر عنه بإيجاز شديد لفظة "الپطريركية". وكانت الپطريركية "بنية سياسية تحبِّذ الرجال" (Eisenstein 1981, 8). وكان جوهر هذه النظرة لا يتمثل فى إرجاع أصل اضطهاد النساء إلى الحقوق القانونية والاجتماعية أو الحتمية الاقتصادية، بل بالأحرى إلى الجذور النفسية العميقة للسيكولوچية الذكورية، فى الفكر واللغة. وكانت الپطريركية تكمن فى السلوك الذكورى. وعلى هذا النحو كان الاتجاه سيكولوچيًّا، ولغويًّا، وبيولوچيًّا. وأمكن أن يتطابق هذا السلوك الذكورى كليا مع الجنس الذكورى؛ وكبديل كان يمكن أن يتطابق مع خصائص بعينها ربما كانت ظاهرة عند أىٍّ من الجنسين.
ووجدت النسويات الاشتراكيات أنفسهن فى موقف غير مريح هنا. وحاولن فى سياق تفسير الپطريركية أن يؤيِّدْن، من ناحية، البُعْد الاقتصادى المتحول تاريخيا، ومن ناحية أخرى، الدعاوى البيولوچية، واللغوية، والسيكولوچية، الجوهرية، ذات الطابع الخلاصى Universalistic. وفى نظر الاشتراكيات، "يجرى تحديد التفوق الذكورى والرأسمالية على أنهما العلاقتان الأساسيتان اللتان تقرران اضطهاد النساء اليوم" (Eisenstein ed. 1979, 5). وكان يُنْظَر إلى الماركسية التقليدية على أنها "عمياء جنسيا"، غير أن الخطأ المقابل كانت ترتكبه الراديكاليات، اللاتى جرى اتهامهن بأنهن "عمياوات تاريخيا"، أىْ تجاهل الأساس التاريخى والمادى للپطريركية(29). وأحجمت الماركسية التقليدية عن الإقرار بالأشكال الأخرى للاضطهاد التى تعانيها النساء. وكان هذا هو الاضطهاد الذى سبق الرأسمالية ويمكن أن يعقبها، والذى نتج عن الإنجاب والحياة المنزلية. وعن طريق التركيز على الصناعة الكبيرة، عجزت الماركسيات التقليديات عن تحليل النساء كعاملات فى أوضاع منزلية (لأن الپروليتاريا كان يُنْظَر إليها داخل الصناعة). كما عجزن عن ملاحظة مَنْ هو المستفيد من مثل هذا العمل المنزلىّ (Hartman in Sargent ed. 1986, 6).
ولهذا فإن النسويات الاشتراكيات كُنَّ يحاولن توسيع فهمنا لتقسيم العمل واضطهاد النساء، لتركيز انتباهنا على الصلات الحاسمة بين الإنجاب والإنتاج، وبالتالى على دور العائلة داخل الرأسمالية. وبهذا المعنى، جرى تعميق فَهْم اغتراب النساء واضطهادهن. وكانت البطريركية اتحادا لعوامل اقتصادية وجنسية. وعملتْ الرأسمالية مع الپطريركية. وعلى هذا النحو كان اضطهاد النساء أعمق ترسيخا مما ظنت الماركسية التقليدية. وكان للپطريركية أساس مادى.
وكان رد فعل كثيرات من الراديكاليات على هذا التحليل متوقَّعا. فاضطهاد النساء كانت له جذوره فى بيولوچيا وسيكولوچيا الذكور. ورأت بعضهن هذا الاضطهاد ماثلا فى ذات مفهوم الذكورية، التى كانت راسخة الجذور فى العنف والعدوانية. وفى نظر أخريات، كان هذا العنف وهذه السيطرة راسخىْ الجذور فى اللغة الذكورية، والفكر الذكورى، والسلوك الذكورى. وكانت النسوية الفرنسية قد ركزت انتباهها على هذا المجال الأخير، عند كاتبات مثل كيت ميليت Kate Millett، أشرن إلى أنه كان يجرى تنشئة الأطفال على أدوار النوع من خلال العائلة وكان يدعمها فى كثير من الأحيان الدين، والأسطورة، والتعليم. وقدَّم هذا على الأقل بعض الأمل فى أن الذكور يمكن تنشئتهم على سلوكيات أكثر قبولا فى المستقبل. وفى حالة إيريجاريه، و سيكسو، و كريستيڤا، كان العلاج يقوم منطقيا على تطوير النساء لأشكالهن الخاصة من اللغة والكتابة.
المساواة والاختلاف
تُبْرِز فكرة المساواة من جديد بعض التوترات الرئيسية داخل الحركة النسوية ككل. ورغم واقع أن المساواة اتخذت سمة مميزة رفيعة للغاية داخل المنظور النسوى الليبرالى، إلا أن النسويات الماركسيات كُنَّ ينظرن إليها على أنها مريبة(30). وكانت بعض الراديكاليات يَرْتَبْن فى المساواة باعتبارها طريقة لاستيعاب الإناث فى القواعد الذكورية. وبطبيعة الحال فقد كان من الممكن أن يَكُنَّ مختلفات ولكنْ متساويات أيضا. غير أن بعض النسويات أكَّدن فى بعض الأحوال أنهن ببساطة لا يُرْدن المساواة مع الرجال، لأن الإناث متفوقات بحكم الطبيعة، وهو شيء سَمَّتْهُ النسوية الليبرالية الأمريكية بيتى فريدان "الشوڤينية النسوية". ولهذا تركزت مناظرة المشكلة الرئيسية، الخاصة بالمساواة مع الاختلاف على هذا السؤال: هل يجب أن يكون هدف النسوية المساواة المدنية والسياسية والاجتماعية أو، كبديل، هل يجب أن ترفض النساء المساواة ويحتفين باختلافهن؟ وهنا نشأ عدد من المشكلات تتعلق بإبهام مفهوم "الاختلاف" وما إذا كان هناك أىّ نوع ذكورى أو نسوى "جوهرى". وارتبطت هذه القضية الأخيرة مع الرفض ما بعد الحداثى لتشييء أىّ مقولات (مثل النوع).
ووجدت مناظرة المساواة دعمها الأكثر قوة لدى الجناح الأكثر ليبرالية من النسوية. وكانت وولستونكرافت تقيس المساواة على أساس الحقوق القانونية فى الحريات المدنية الأساسية. وتمثل هدف نقد وولستونكرافت فى الامتيازات الأرستقراطية بقدر ما تمثل فى الاميتازات الذكورية، أىْ الميراث البيركىّ Burkean الذى أنكر مثل هذه الحقوق المتساوية وألحّ على الهيراركيات القانونية والسياسية. وكانت تفكر هنا بصورة رئيسية فى حقوق الحياة، والحرية، والاستقلال الاقتصادى، والتعليم، والوصول إلى المهن(31). وفى نظر وولستونكرافت، "طبع" الرب مثل هذه الحقوق بالتساوى فى أرواح كل البشر. وبصرف النظر عن القوة الجسمانية، الجلية هناك، وفقا ﻟ وولستونكرافت، اختلاف ضئيل للغاية بين الرجال والنساء. والحقيقة أن النساء فى المستقبل يجب أن يَكُنَّ قادرات على تقوية كلٍّ من أجسامهن وعقولهن.
وفى أواخر القرن التاسع عشر، ركزت مناظرات المساواة الليبرالية على المطالبة بتوسيع الحقوق السياسية لحق الاقتراع العام. وأكد ميل، فى كتاباته، أن الحرية هى الحاجة الكبرى للطبيعة البشرية. وبدون فرصة تكوين مشروعه الخاص فى الحياة ظل الفرد يتقزَّم(32). واستتبع تعظيم الحرية تعظيم المنفعة. فالحرية، فى نظر ميل، تقود بالضرورة إلى افتراضٍ لصالح المساواة. وفى نظر ميل فإنه يجب تسوية الحرية، وقانون الزواج، وقانون المِلْكية، والتعليم، والاقتراع العام، جميعا (Coole 1988, 144).
وفى القرن العشرين، ركزت النسويات الليبراليات انتباههن على تحقيق المساواة عبْر مجموعة من حقوق الرفاهية الاجتماعية. وفى بعض الحالات كانت المطالبة تتعلق بمزيد من الدعم والإعانات للعائلات والأطفال؛ وفى حالات أخرى، بفرص متساوية من حيث التعليم، والتوظيف، والأجر، والزواج، والمِلْكية، والمشاركة السياسية، والمواطنة. وكانت لمثل هذه المطالب بعض النجاحات الملحوظة فى بريطانيا وأمريكا خلال ستينيات وسبعينيات القرن العشرين. وكما سبقت الإشارة فى هذا الفصل فإن الكثير من هذه الاهتمامات (بالمواطنة، والمساواة، وغيرهما) تغيرت، مع هذا، فى طابعها فى بداية القرن الحادى والعشرين. فإلى حد كبير صارت الأهداف النسوية الليبرالية الآن، حتى وإنْ كانت لم تتحقق بالكامل، اتجاها سائدا فى مجادلات السياسة العامة. وتمثل النسوية – كاهتمام عام مقبول فى أوروپا، وأمريكا الشمالية وفى كل مكان للتصدى لاضطهاد النساء – معركة أيديولوچية جرى بصورة عامة كسبها إلى حد كبير، حتى وإنْ كانت ما تزال توجد فى الممارسة مظالم متعددة ينبغى التصدى لها تجريبيًّا. وهذه قراءة لتعبير "ما بعد النسوية" Postfeminisum (Mascia–Lees and Sharpe, 2000). والواقع أن المجادلات النسوية فى العقد الأخير، مع أنها (من المنظور النسوى الليبرالى أو الليبرالى الاجتماعى الأكثر استدامة)، تحركت بعيدا عن المجادلات والاهتمامات النظرية المحمومة المطلقة العنان بشأن مكانة النسوية ذاتها وتحولت بصورة حاسمة أكثر كثيرا صوب التصدى لقضايا نوعية وصقلها، مثل المواطنة، والمساواة، والحرية، والثقافة، والعدل، والاغتصاب، والهجرة، والنزوح، وما بعد الكولونيالية Postcolonialism، والتعددية الثقافية(33). وبهذا المعنى فإن شكلا من أشكال النسوية الليبرالية أو الليبرالية الاجتماعية صار الآن إلى حد كبير جزءًا من اللغة المشتركة السياسية المعاصرة.
وهناك جانب يجدر بالذكر هنا وهو أن المنظور النسوى الليبرالى والليبرالى الاجتماعى – بصرف النظر عن اندماجه الأتمّ فى اللهجة الدارجة – صار له أيضا طابع أكاديمى بصورة عميقة خلال العقد الأخير. وهذه الكتابات النسوية الإلهام متأصلة إلى حد بعيد فى نصوص أكاديمية معقدة فى التاريخ، والفلسفة، والنظرية الاجتماعية والسياسية. وبمعنى ما فإن هذا يقدم سيناريو غير متوقع، بالمقارنة مع ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين. ومن ناحية هناك منظور نسوى أُضْفِىَ عليه الطابع المؤسسى والطابع الطبيعىّ فى اللهجات الدارجة للمؤسسات العامة التى لا يضعها أحد حقا موضع المساءلة بجدية. ومن ناحية أخرى، هناك مجموعة بحثية هائلة من الأدبيات النسوية ذات الطابع الأكاديمى النظامى، الأمر الذى يُنْظَر إليه على أنه بُعْدٌ طبيعى ومحترم للأكاديمية. على أنه، إذا سُئل بالتالى أين هى الحركة السياسية والأيديولوچيا النشيطة للنسوية فإن الإجابة لا تكون واضحة تماما. وإذا كان هناك شيء فهو أنها تلاشت بصورة غريبة. وربما كان واقع طابعها الاعتيادى فى النشاط الأكاديمى والعام قد حال دون إلحاح الحركة الأيديولوچية التى كانت بليغة وواضحة خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين.
ورغم واقع أن الثيمات المساواتية قاطعت مرارا تاريخ الاشتراكية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، كان يجرى النظر إلى المساواة فى كثير من الأحيان على أنها مجرد وَهْم برچوازى آخر، خاصةً عندما سيطرت الماركسية التقليدية على الجدال. ومثل العدل والحقوق، كان يُنْظَر إلى المساواة على أنها جزء من روح الرأسمالية الليبرالية. وفى نظر الماركسيِّين، لا شك فى أن اللامساويات موجودة وسوف تصحِّحها الشيوعية، غير أن اللامساواة  فى حد ذاتها لم تكن مع ذلك شرًّا؛ بل كانت بالأحرى عَرَضا من أعراض مَرَض أعمق. كانت اللامساواة سمة من سمات مجتمع يمزِّقه الصراع الطبقى. ولم يكن وضع النساء فى ظل الرأسمالية يرجع إلى معاملتهن بصورة غير متكافئة؛ بل كانت المعاملة غير المتكافئة محصلة للرأسمالية ذاتها. فالإصلاحات القانونية أو السياسية أو الاجتماعية يمكن فقط أن تكون أدوية لإيهام المريض؛ فلا يمكن أن تحلّ أىّ مشكلة. وبوصفها كذلك، لم تحقق ثيمة المساواة الكثير من التقدم ضمن الماركسية التقليدية أو النسوية الاشتراكية اللاحقة.
وفى حالة الراديكاليات، كانت ثيمة المساواة والاختلاف محورية. وفى البداية، كانت هناك بعض الثيمات المساواتية داخل النسوية الراديكالية. وعلى سبيل المثال، كانت الحجج المبكرة المؤيدة للخنوثة تقوم على شكل من أشكال المساواتية. وكانت إلى حد ما مساواتية غريبة، قامت فى بعض الحالات على أساس المنجزات التكنولوچية فى البيولوچيا. وقاد الرفض اللاحق للخنوثة، كما سبق الذكر، إلى موقف نقدى إزاء المساواة كقيمة وكغاية سياسية على السواء. وكانت هذه مرحلة جرى فيها الاحتفاء باختلاف النساء عن الرجال. وصار الانقسام بين الذكور والإناث يُعْرَف فى الأدبيات الراديكالية بعبارة "فجوة النوع" gender gap (Hawkesworth 1988, 464 n. 16).
ووجهات النظر التى أحاطت بنظرية الاختلاف متنوعة تماما وقد ظل تاريخ تطور هذه النظرية منذ ستينيات القرن العشرين بالغ التعقيد وما يزال باقيا على نفس الحال فى العقد الأول من القرن الحادى والعشرين (Young 1990, 1997 and 2000- Benhabib 2002- Squires 2007). وتعود أقدم الأفكار عن الاختلاف إلى مُنَظِّرات مثل كيت ميليت التى نظرت إلى التمييز ذكورى/نسوى على أنه جزء من الاستغلال الپطريركى. وإلى حد كبير كان يُنْظَر إلى الاختلافات على أنها خِدَع اجتماعية، جرى تلفيقها لإبقاء النساء داخل أدوار بعينها. ثم هُوجم الاختلاف من جانب كاتبات مثل شولاميث فايرستون. وفى سياق جدالها لصالح المساواة الخنوثية أرادت أن تحطم الاستعمالات السياسية للاختلاف. على أن الاختلاف بدأ يعاود الظهور، خلال سبعينيات القرن العشرين، كميزة. وفى البداية شمل الاختلاف، عند النسويات الثقافيات الراديكاليات فوق بشرية Supermanism الإناث، والتفوق الأخلاقى للنساء، وقيمة الأُخْتِيَّة sisterhood، واللّيسبية السياسية، والانفصالية عن الرجال. كما جرى تأكيد أن للنساء مواقف مختلفة للغاية إزاء أجسادهن عن الرجال. وتعطى القدرة الجسمانية على حمل الأطفال للأنثى وضعا إيجابيا للغاية من تأكيد الحياة، على حين يكون من الأسهل أن يتورط الذكر فى العدوانية السلبية المنكرة للحياة، والطموح، والنزوع إلى التدمير. وقد تبنَّتْ هذه الثيمة المحددة النسويات–البيئيات، اللاتى وضعن الأزمة البيئية فى كثير من الأحيان ضمن القيم والمواقف الذكورية السلبية إزاء الطبيعة.
وفى أواخر ثمانينيات القرن العشرين أفسح الاتجاه نحو الانفصالية الثقافية مجالا لعدد من التطورات الجديدة. أولا، بسبب أهمية الثقافة والتجربة المختلفتين للنساء، تطورت الدارسة الأكاديمية للمعرفة الممِّيزة للنساء واكتسبت عنوان "التحليل المتمحور حول المرأة". وشكلت اختلافات النساء طريقة مميزة فى الحياة والفكر. وقاد هذا إلى النمو الكبير للمقررات التعليمية للدراسات النسائية. وبدأت أغلب فروع العلوم الاجتماعية والإنسانيات بالتدريج (خاصةً على مدى تسعينيات القرن العشرين) فى دَمْج مكونات الدراسات النسوية باعتبارها حاسمة لمناهج الدراسة. ثانيا، من جديد جرى أخذ التجربة بجدية أكثر من المؤسسة الپطريركية للأمومة، خاصةً فى كتابات، أدريينّ ريتش، على سبيل المثال. ثالثا، جرى إبراز القِيَم المختلفة، ولكنْ الفريدة، للتفكير الأمومى. وجرى استكشاف الشخصيات والنفسيات المتميزة للنساء فى كتابات نانسى تشودوروڤ. وأكدت أخريات أن النساء، على العكس من الرجال، يُجسِّدْنَ قِيمَ الصدق، والحساسية للعاطفة، والغيرية، والتعاون، والرعاية، والسلامية. وكما سبق أن رأينا، طوَّرت كارول چيليجان أفكارها بشأن "أخلاق الرعاية" عند النساء، ضد "أخلاق العدالة" الذكورية. ومن ناحية أخرى، قامت نسويات أخريات بمطابقة مظاهر غير متوقعة بصورة أكبر بأخلاق الرعاية هذه (Mackay 2001). وأشارت راديك و إليشتين، المذكورتين سابقا أيضا إلى أن مثل هذه القيم والفكر الأموميَّيْن يمكن أن يكونا عونا هائلا إذا تمّ إدخالها فى المجال العام.
كما شهدت أواخر ثمانينيات القرن العشرين تأثير النسوية الفرنسية، التى احتفتْ باختلاف النساء. غير أنها كانت متشككة فى مفاهيم المساواة وحتى فى تعبير "النسوية" باعتبارها استيعابا داخل الإصلاحية البرچوازية. ورغم تأثُّرهن بثيمات التفكيك وتشككهنَّ فى المفاهيم البيولوچية عن الاختلاف، دحضت النسويات الفرنسيات تقريبا السيطرة الذكورية "المتمحورة على القضيب" لِلُّغة وناديْنَ بإعادة التشفير اللغوية. وفى هذا الجدال، كان الاختلاف يقوم بتسوية مع اللغة إلى حد بعيد. وقد تشابكت هذه القضية الأخيرة مع "نظرية المنظور الراديكالية"، التى دعت إلى إيپيستيمولوچيا وعِلْمٍ نسويَّيْن جديديْن ومتميزيْن (Harding 2003).
وبوجه عام جرى توجيه النقد إلى النسوية الفرنسية ونظرية الاختلاف من ثلاثة منظورات. أولا، الناقدات النسويات ما بعد الحداثيات وما بعد البنيويات الأكثر صرامة لَفَتْنَ الأنظار إلى التضاد الثنائى للنوع (الذكر والأنثى) الذى أضفى طابعا جوهريا على الأنوثة وقام بتوطيد الإغلاق (Nickolson 1989- Flax 1990- Gattens 1996). وبكلمات أخرى، اعتمدت وجهات نظر الاختلاف على تضادات أساسية بعينها كانت هى ذاتها تحتاج إلى التفكيك. إن معنى "الذكر" و "الأنثى" يجب إرجاؤه. فقد أخفت الجوهرية الساذجة للأنثى تعددية التفاسير والتأويلات الممكنة. وعند كاتبات مثل چوديث بتلر جرى تطوير فهم ثقافى حافل أكثر كثيرا بظلال الفروق الدقيقة. ويشدِّد هذا الفهم على "الجسد الشَّبِق" sexed body باعتباره اختلافا معقدا ومركبا ثقافيا راسخ الجذور فى الخطابات الصارمة المنظمة (الفوكوية). ويكون هذا الجسد المركَّب ثقافيا موضوعا للأدائية performativity، أىْ تكرار الأفعال الجسمانية المؤَسْلَبة التى تعطى "الجسد الشَّبِق" مكانة أنطولوچية طبيعية (Butler 1990 and 2004- also MacNay 1999- Lloyd 2007).
ثانيا، أكد نقد متصل بذلك ولكنه أكثر عملية لنظرية الاختلاف أن خطر إضفاء طابع جوهرىّ على النساء تمثَّل فى أنهن يمكن أن يجرى إرغامهن مرة أخرى على العودة إلى مكان "طبيعى" فى العائلة. وبهذا المعنى يمكن النظر إلى الاختلاف، و"فجوة النوع"، والجوهرية، على أنها أدوات فى صندوق عُدَّة العمل الپطريركى. ثالثا، يتجاهل الاختلاف المفترض بين الرجال والنساء الاختلافات بين النساء أنفسهن، من ناحية العمر، والعِرْق، والطبقة، والثقافة، والإثنية، والقومية، والتفضيل الجنسى، والحالة الزوجية. والحقيقة أن هذه الاختلافات يمكن أن تكون أوسع بكثير من أىّ اختلاف نوع مفترض أو وَهْمِىّ. وتمثل محاولة حَشْر كل النساء فى مقولة واحدة وكل الرجال فى مقولة أخرى شكلا من الخطاب الاختزالى والقمعى. وفى هذا السياق، يُشار أيضا إلى أنه لا توجد أىّ ملامح شاملة أو جوهرية للنساء. ذلك أن ماهيات النوع إنما هى تراكيب اجتماعية مشيَّأة. والحقيقة أن الصفات الطبيعية ظاهريا، التى نربطها بالذكورية والنسوية، يمكن أن يمارسها كلٌّ من الجنسين.
الشخصىّ بوصفه السياسى
لا شك أن عنوان هذا القسم صار الشعار الرئيسى للحركة النسوية حتى أوائل القرن الحادى والعشرين. والفكرة بسيطة تماما، رغم أن تشعُّباتها متعددة. وكان الجدال يتمثل فى أن المجالين اللذين ظل يُنْظَر إليهما من قبل على أنهما مجالان منفصلان للخاص والعام كانا فى الحقيقة بصورة عميقة أداتين أيديولوچيتيْن وتطويعيتيْن، تعكسان مصالح پطريركية ذكورية. ولهذا كان التمييز الذى قدَّسه الزمن بين "العام" و "الخاص" يمثل فى الواقع بعض القضايا المعيبة والمبهمة والبالغة السياسية.
وكانت جذور نقد "الشخصى بوصفه السياسى" تكمن فى الموقف النسوى الليبرالى. وتقليديا كان الليبراليون يعتبرون الحياة الشخصية للأفراد والعائلة، والاقتصاد، مجالات خاصة. وكانت النسويات الليبراليات يوجِّهن نقدهن بصورة خاصة إلى المجالين الأولين. وفى حالة النسويات الليبراليات المبكرات، مثل وولستونكرافت كانت فكرة أن النساء لهن مكانهن الطبيعى فى البيت وواجبهن الرئيسى نحوه وَهْمًا. وكان الواجب الأول للنساء إزاء العقل. والحقيقة أن هذا التفكير كان تمهيدا منطقيا ضروريا لأداء أىّ واجب، حتى داخل العائلة. وكما أكدت وولستونكرافت فإن: "العقل الذى يُضْعفه بصورة طبيعية الاعتماد على السلطة، لا يمارس مطلقا قدراته الخاصة، وبالتالى فإن الزوجة المطيعة يجرى جعلها أُمًّا ضعيفة متراخية" (Wollstonecraft 1985, 166). وكان يُنْظَر إلى فكرة كَوْن الطبيعة الجنسية للمرأة مجالا طبيعيا وخاصا، أو مفهوم العائلة كمجال خاص، على أنهما افتراضان سخيفان فى نظر وولستونكرافت. وكان مثلها الأعلى المحبَّذ هو النموذج الجمهورى المدنى للعائلة، كساحة تدريب للمواطن المفعم بروح المصلحة العامة، وليس كنموذج للعواطف الخاصة. ويجب أن يكون الزواج رفاقيًّا companionate وَوُدِّيًّا فى طابعه وليس مشبوب العاطفة(34). فالعاطفة تشوِّش عقول الأفراد وتقوِّض بنية المجتمع.
وشارك ميل، وكثيرات من التراث النسوى الليبرالى، معظم الآراء الواردة أعلاه. وفى ستينيات القرن العشرين برزت هذه القضية إلى الصدارة فى كتاب بيتى فريدان: "اللغز النسوى". وقد نحتتْ عبارة "المشكلة التى لا اسم لها" لوصف واقع أن كثيرات من النساء وجدن أنفسهن فى سياق عائلى كان خاصا وشخصيا وكان من المفترض أن يُرْضيهن، ومع هذا تعرضن للإحباط والسخط العميقين، وهو شيء لم يستطعن مطلقا أن يضعن اسمًا له. وتمثَّل جدال فريدان، فى جوهره، فى أن كل النساء يشتركن فى مشكلة أساسية هى اللامساواة – فى المكانة الاجتماعية، والحقوق، والفُرَص – مع الرجال. وقد حجبت البنية العائلية الخاصة المصالح الپطريركية للرجال فى الإبقاء على هذه اللامساواة. وبصفة عامة، كان النقد الليبرالى لقضية الشخصى/السياسى تتمثل فى تحديد حقوق بعينها كان يجرى إنكارها على النساء. وكان من الممكن تصحيح هذه الحقوق، بصفة رئيسية، عن طريق الإصلاح القانونى، والاجتماعى، والسياسى، والتعليمى. ولم يكن من شأن مثل هذا التصحيح تحطيم العائلة. والحقيقة أن الليبراليِّين ما يزالون يرون أن تلعب النساء دورا فعالا فى الحياة العائلية، غير أنه سيكون من المتوقع أن يقوم الرجال بدورٍ متساوٍ فى العمل المنزلى وتربية الأطفال. ولهذا كان ما يزال للعائلة دور تقليدى مهم تلعبه، كما اعتقدت وولستونكرافت أيضا. وإلى حد ما تلقَّى هذا التصور الأكثر مساواتية للعائلة تأييد قسم كبير من نصيرات "التفكير الأمومى"، و "أخلاق الرعاية" والنسويات المؤيدات للعائلة – وكانت الفكرة الجديدة للنسويات المؤيدات للعائلة تتمثل فى اقتراحهن أن مثل هذا التفكير الأمومى (من كلٍّ من النوعيْن)، الذى ظل مخصصا فى السابق للعائلة، يجب أن يدخل فى المستقبل فى المجال العام (also Mackay 2001). وكان هذا هو ما قطع الاستمراريات الأقدم للتقسيم العام/الخاص بطريقة أصيلة.
وتصدَّت النسويات الماركسيات والاشتراكيات لمشكلة "الشخصى والسياسى" فى المجال الاقتصادى، رغم أن الماركسية كانت تنزع إلى رفض أىّ فصل بين العام والخاص منذ البداية. وكان يُنْظَر إلى هذا التمييز على أنه خدعة لإضفاء غموض مقصود على الأيديولوچيا الليبرالية، التى ركز فيها مفهوم "الخاص" إلى حد كبير على "المِلْكية الخاصة". وعند إنجلس، كان يُنْظَر إلى العائلة على أنها مؤسسة متغيرة تاريخيا. فقد أظهرت المجتمعات السابقة ترتيبات زواجية مختلفة، مثل تعدد الزوجات/الأزواج، وفقا لمختلف أنماط الإنتاج والمِلْكية. ولم تكن للعائلة الأحادية الپطريركية الحديثة أىّ صلة بعلاقات الحب؛ وبالأحرى "كانت الشكل الأول للعائلة التى تقوم ليس على الشروط الطبيعية بل على الشروط الاقتصادية، أىْ على انتصار المِلْكية الخاصة على المِلْكية المشتركة المتطورة طبيعيًّا". ونشأت التناحرات الطبقية الأولى داخل العائلة حيث إنها كانت تمثل دائما وضعا يجرى فيه "تحقيق سعادة وتطور مجموعة عن طريق بؤس وقمع المجموعة الأخرى" (Engels in Marx and Engels 1968, 502–3). وكان الملحقان الدائمان للزواج البرچوازى، فى نظر إنجلس، هما البغاء والتَّدَيُّث Cuckoldry (= تَدَيُّث الزوج بزنا زوجته).
ورغم أن إنجلس تطلَّع إلى التحرير، والزيجات السهلة الفسخ، وتحطيم سيطرة الرجال، والتوظيف المتكافئ للنساء، فقد كان يبدو مع ذلك أنه يتصور كلًّا من استمرار الزواج الأحادى وإمكانية أنه كان أكثر طبيعية للنساء أن يرتبطن بتربية الأطفال وهكذا أُسْبِغَتْ المباركة الماركسية على تقسيم جنسىّ للعمل فى العائلة. ولم تشاركه ألكسندرا كولونتاى، فى العقود الأولى من القرن العشرين، هذه الفكرة (Kollontai 1977). كما انتقدت نسويات اشتراكيات لاحقات الماركسية. وأكدت أولئك الناقدات أن الماركسية الكلاسيكية لم تفسر لماذا كان أكثر طبيعية للنساء أن يتخذن هذا الدور (Jaggar 1983, 769- Hartman in Sargent ed. 1986). وعلاوة على هذا تجاهلت [الماركسية] الجذور الأعمق للسيطرة الپطريركية. فقد كانت هناك أشكال للاضطهاد غير الملكية الخاصة والطبقة. وكان مثل هذا الاضطهاد يسبق ويعقُب الرأسمالية. ولهذا كانت الماركسية بحاجة إلى أن تصير معنية بتحليل العمل النسائى فى العائلة. وكانت بحاجة إلى أن تسأل مَنْ الذى يستفيد من العمل المنزلى. وكان يُنْظَر بالتالى إلى السيطرة الپطريركية على أن لها جذورا أعمق كثيرا مما كان متوقعا فى السابق، وإنْ كانت ما تزال مادية وتاريخية. فالنساء، ضمن نطاق هذا التقسيم الجنسى للعمل، خَدَمْنَ الرجال والرأسمالية على السواء. وكان خضوع النساء فى العائلة جزءًا من الأساس الاقتصادى للمجتمع. وفى هذه القراءة، كان الخاص والعام متشابكيْن ومتداخليْن. وكان يُنْظَر إلى "الشخصى بوصفه السياسى" على أنه واقع بيولوچى عميق الجذور، وسيكولوچى، وتاريخى، واقتصادى بصفة أساسية (Petchesky in Eisenstein ed. 1979, 376-7). وقاد هذا التركيز على العائلة إلى عدد من المجادلات تؤثر سلبا فى أوساط اليسار الجديد على التفسير الماركسى لأشياء مثل الخدمة المنزلية، والعمل العائلى (Barrett and MacInton essays in Lovell ed. 1990).
وفى حالة الراديكاليات، كان يسود الاتجاه إلى توسيع نقد الپطريركية داخل نطاق الحياة الشخصية ليشمل منظورات بيولوچية، وسيكولوچية، ولغوية. وقد استفادت النسويات الراديكاليات إلى أقصى حد من هذا النقد الخاص ﺑ"الشخصى بوصفه السياسى". وقد حاولن معالجة مشكلة الپطريركية فى مواجهة مباشرة. وكُنَّ يَمِلْنَ إلى إعادة وضع قضية السلطة بكاملها فى المجال الشخصى وأنكرن كليًّا تقسيم الخاص/العام. وفى نظر بعض الراديكاليات، كانت السلطة الذكورية فى المجال الشخصى تتحدد بصورة شاملة ولا تاريخية عبر الثقافات فى ممارسات مثل السوتيه([vii])Suttee، وربط القدمْين([viii]) Foot–binding، والاغتصاب، والإباحية، وبَتْر الأعضاء التناسلية، وإحراق الساحرات، وحتى الچنيولوچيا ذات السيطرة الذكورية. وعلى سبيل المثال، نظرت مارى دالى إلى هذه الطقوس على أنها طقوس سادية–مازوخية ذكورية عالمية المقصود بها تأديب وإخضاع النساء (Daly 1979). وفى نظر بعض الراديكاليات جسَّدت ثقافة المجتمعات الغربية، وغيرها، شكلا من "الفاشية الجنسية". وفى هذه الحالة تقاطع الشخصى والسياسى بصورة جذرية. كما أكدت منظِّرات وجهة النظر الراديكالية أنه حتى اللغة، والعقلانية، والعلم، والفلسفة الذكورية أشكال دقيقة عميقة الجذور للسيطرة الپطريركية. وبالتالى، إذا اعتقدت امرأة أنها متحررة من التطويع السياسى عندما تفكر بطريقة خاصة، فإنها تكون مخطئة بصورة جوهرية. ذلك أن الإيپيستيمولوچيا الپطريركية الذكورية يمكن أن تحتل وتسيطر حتى على الأفكار الأكثر شخصية. ويتشابك جدال وجهة النظر من جديد مع النسويات الفرنسيات والنسويات الفوكوويَّات، اللاتى أكَّدْنَ أن الثيمات الذكورية (خاصةً التضادات الثنائية مثل العام والخاص) تسود وتُوَجِّه كلًّا من خطابات وتفسير الجسد والنفس (Nickolson 1989- Butler 1990- Gatens 1996- Coole in Freedan ed. 2001).
وقادت مثل هذه المعتقدات بشأن "الشخصى بوصفه السياسى" بعض النسويات الراديكاليات إلى اقتراح سياسات مثل الانفصالية (العيش المنفصل عن الرجال) وإلى صياغة أنماط فكرية نسوية متميزة. وقاد هذا بدوره إلى بعض الاتهامات التى تُدين العائلة و، فى حالات أخرى، إلى توصية بالتخلى عن العائلة واقتراحات فى سبيل أشكال جديدة من العيش المشاعى.
الخلاصة
يتمثل الهدف الرئيسى للنسويات الليبراليات فى الوصول بالنساء إلى الحقوق الكاملة فى المواطنة الديمقراطية المستقلة. وهُنَّ يتصوَّرْنَ مستقبلا ستكون فيه الحريات والحقوق القانونية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية قد تحققت للنساء. وستكون النساء على قدم المساواة مع الرجال فى كل المجالات. وسيجرى إحداث هذا عن طريق العقل، والإقناع، والإصلاح الدستورى. وستبقى العائلة التى جرى إصلاحها، غير أنه سيكون للرجال دور متساوٍ فى الواجبات المنزلية. ولن تكون مِهَن وحيوات النساء مقيَّدة بحال من الأحوال بتربية الأطفال. وعلى هذا يجرى النظر إلى مؤسسة العائلة على أن لها دورا مستمرا ومُهِمًّا غير أنه ستجرى إعانتها ماليا واجتماعيا من أجل منع حدوث لامساويات. كما يجرى النظر إلى الجنسية الغيرية heterosexuality فى الصلات الوطيدة على أنها المعيار الاجتماعى. وباختصار فإن النسوية الليبرالية العقلية تتوقع مستقبلا من العدالة الجنسية، وفى الحقيقة، فى بعض الأحوال عدالة تمتد تماما فيما وراء النساء إلى كل أشكال المعاملة غير المتكافئة (Nussbaum 2001 and 2006).
وتصورت الماركسية الكلاسيكية دخول النساء بصورة أكمل فى قوة العمل فى الصناعة الكبيرة. وكما أكد إنجلس فإن: "تحرير النساء يصير ممكنا عندما يجرى تمكين النساء من المشاركة فى الإنتاج على نطاق اجتماعى واسع، وعندما تحتاج الواجبات المنزلية إلى اهتمامهن إلى درجة ثانوية فقط" (Engels in Marx and Engels 1968, 579). كما أيَّد إنجلس علاقات زوجية قابلة للفسخ بسهولة أكثر، وكذلك الاستقلال الاقتصادى. وكانت كولونتاى، خلال المراحل الأولى للثورة الروسية، مسئولة عن إدخال عدد من المقترحات والقوانين بشأن القضايا النسائية، التى خنقها ستالين فيما بعد. وقد نجحت، على سبيل المثال، فى وضع ترتيب لخدمات مركزية للتنظيف المنزلى، والحضانات، ورعاية الأطفال، والمطابخ العامة، وعملت فى اتجاه إمكانية أُسَر معيشية مشاعية فى المستقبل، والتعليم الحر الجماهيرى، والإجهاض عند الطلب. كما اعتقدت (مثل وولستونكرافت) أن علاقات الزواج الأحادى العاطفية يجب عدم تشجيعها لأنها تجعل النساء ضعيفات إزاء الرجال، و (على العكس من وولستونكرافت) أن التغييرات المتواترة للشريك أكثر صحية بكثير. وهذا ما نتجت عنه ملاحظة، يجرى الاستشهاد بها فى كثير من الأحيان خارج السياق، وهى أن الجنس مثل العطش ويحتاج ببساطة إلى الإشباع. وفى نظر كولونتاى، لا يجب أخذ الجنس بمثل هذه الجدية، والحقيقة أنها أشارت إلى أنه يجب عدم تشجيع الدولة للغيرة والتملُّك الجنسى باعتبارهما البقايا الأخيرة لعقلية الملكية الخاصة البالية (Kollontai 1977).
واقترحت النسويات الاشتراكيات فى ثمانينيات القرن العشرين، فى سياق توسيعهن، مثل كولونتاى، لرؤية الاستغلال، توسيع نطاق التنظيم الحرّ للأسرة، والإجهاض، والرعاية الصحية للنساء، ومراكز رعاية الأطفال، وإقرار الدولة بالعمل المنزلى. ومع هذا كان هناك تناقض بشأن دور العائلة فى هذا الوضع. فمن البديهى أن يلعب الرجال دورا مهما فى تربية الأطفال، مع أن هناك إشارة ما (وهذه نقطة أوضحت تأثير الراديكاليات) إلى أن الجنسية الغيرية لن تكون القاعدة المعيارية بالضرورة. ولهذا فإنه فى نظر النسويات الاشتراكيات "يجب أن يحلّ محل الجنسية الغيرية المعيارية وضع يكون فيه جنس محبوب/محبوبة المرء مسألة لا مبالاة اجتماعية" (Jaggar 1983, 132).
وجسَّدت النسوية الراديكالية تنوُّعا للاقتراحات. وقد دافعت بوڤوار عن توفير تنظيم الأسرة مجانا، والإجهاض، ومنح الزواج الأحادى أهمية أقل من أجل تسهيل دخول النساء فى العالم الثقافى مع الرجال. وعند فايرستون، ندخل عالما من الشيوعية السيبرنطيقية، المأهولة بخنثاوات، حيث يشارك كل البشر فى إنجاب الأطفال وتربية الأطفال. ومع الرفض لهذا المستقبل الخنثوى، ميَّزت راديكاليات أخريات المشكلات الرئيسية على أنها الثقافة الپطريركية. وإذا كان الذكور يمثلون المشكلة الرئيسية، فما هى الإستراتيچية التى يمكن اعتمادها؟ وفى أقصى حالات التطرف وأندرها، كان هناك اقتراح بتنظيم مذبحة للذكور. وعند مستوى أقل تطرفا، كانت هناك مناداة باللّيسبية أو الانفصالية [عن العيش مع الرجال]. واقترحت مارى دالى ثقافة يوتوپية نسائية مختلفة ومنفصلة كليًّا. وكان لاستعمال تعبير lesbianism (اللّيسبية) نظائر هنا. إذْ يدل تعبير lesbian (ليسبية) فى العادة على "مَنْ سحبت نفسها من التعريفات التقليدية للأنثوية" (Eisenstein 1984, 51). ورغم أن بعض الراديكاليات نادَيْنَ باللّيسبية الجنسية، تصورتْها معظم الراديكاليات المنجذبات إلى هذه الإستراتيچية على أنها أكثر سياسية. وإذا ركزت النساء بصورة واعية على ثقافتهن وتجربتهن، فإنه يمكنهن أن يبدأن فى تحقيق الاستقلال عن الپطريركية. وقد وسعت نظرية وجهة النظر الراديكالية هذ النقطة إلى تصوُّرٍ عن إيپيستيمولوچيا نسوية. كما أكدت بعض الراديكاليات أن النساء فقط يسمحن لبعضهن البعض بإحساس بالذات. ومن الجلى أن النساء لم يحاولن تمييز بعضهن عن بعضهن الآخر. وقاد اقتراح اللّيسبية والانفصالية لفترة إلى ممارسة "المشاعات الأختية"، حيث كان من المسموح به للنساء فقط أن يَعِشْنَ فيها. ولم تقاوم الراديكاليات العلاقات الغيرية أو فكرة العائلة، غير أنه كان لم يَعُدْ يُنْظَر إلى الغيرية الجنسية على أنها القاعدة المعيارية. وعلاوة على هذا، كان ينبغى تحويل أىّ مفهوم عن العائلة كليًّا بحيث لا تحمل النساء عبء تربية الأطفال والعمل المنزلى.
وتُركّز النسوية ما بعد الحداثية وما بعد البنيوية على اللغة، والثقافة، والهوية. ويتمثل الاهتمام الرئيسى بصورة رئيسية فى تفكيك الخطابات الموجودة وتحليلها چينيولوچيًّا. ويُنْظَر إلى اللغة على أنها سلاح فعّال لتقويض وكشف الپطريركية عبر كامل مجال الثقافة. وفضلا عن هذا، كانت النسوية الفرنسية مهتمة بالتشديد على الطريقة الفريدة التى ساهمت بها النساء ويمكن أن يساهمن بها فى المستقبل، فى الثقافة الأدبية والإبداعية. وتؤكد أكثر مثل هؤلاء المعلِّقات تفاؤلا أنه إذا كان يمكن أن يتم تشفير اللغة لعرض التضادات الأساسية والافتراضات غير القابلة للجدال فإن رموزنا الثقافية يمكن بالتالى أن تكون فى نهاية الأمر مسجَّلة بدقة، وعلى هذا النحو يمكن التحويل بصورة فعالة، بواسطة اللغة، لعوالمنا الإدراكية والمعرفية. وقد أنكرتْ المعلقات الأقل تفاؤلا الطابع الجوهرى للنسوية والذكورية، ناظرات إليهما على أنهما معنيان اجتماعيان يقتضيان التفكيك. ومن الصعب أن نعرف ما إذا كانت النسوية ما تزال تعنى أىّ شيء فى هذا السياق الأخير.
وقد نشأ الجانب الأكبر من النقد الواعى من جانب النسوية داخل الحركة النسوية ذاتها. وعلى سبيل المثال، هاجم كلٌّ من المدرستين الاشتراكية والليبرالية النسويات الليبراليات. وجرى تأكيد أن الليبراليات بَدَوْنَ قانعات بالبنية العائلية القائمة وأنهن قَبِلْنَ بسياسة ضعيفة وغير فعالة للمساوة، والحقوق، والعدالة. وأهملن بقيامهن بذلك كُلًّا من اللامساويات المادية والعميقة الجذور للرأسمالية والپطريركية وأعمق حاجات النساء. ومن ناحية أخرى، جرى اتهام النسويات الماركسيات بالعمى فيما يتعلق بالجنس، حتى من جانب النسويات الاشتراكيات، وجرت إدانتهن على الاستمرار فى الالتزام بنظرة غير نقدية عن المكانة الطبيعية للنساء والعائلة. وجرى حتى اتهام النسويات الاشتراكيات من جانب ناقداتهن الراديكاليات بكونهن عمياوات فيما يتعلق بالجنس وبأنهن واقعات فى شرك إطار تاريخى ومادى غير ضرورى. واتخذت الليبراليات السبيل الأكثر تقليدية ضد الماركسيات، حيث انتقدن ماديتهن العقائدية وتخلِّيهن عن قِيَمٍ مهمة مثل الحرية الفردية، والعدالة، والحقوق. ولم يُحَلّ هذا الصراع الفكرى الأخير إلا فى العقد الأول من القرن الحادى والعشرين؛ فقد تلاشى هذا الصراع من الأچندة النقدية الرئيسية. وحاولت كثيرات من النسويات اللاتى ما يزلن ينجذبن إلى الماركسية بمزجها بخليط انتقائى من ما بعد البنوية والنظرية النقدية (For example, Young 1990- Fraser 1990- Zerelli 2005).
وفى حالة الراديكاليات كان النقد الأكثر تميُّزا ينصبّ على مقترحاتهن غير المألوفة. فقد أكدت الليبراليات أن النسوية لن يكون من الممكن أخذها بجدية بينما تنادى الراديكاليات باللّيسبية السياسية، والخنوثة، والانفصالية. وفضلا عن هذا، كان يُنْظَر إلى التدابير الأكثر تطرفا التى تقترحها الراديكاليات على أنها تستتبع تهجمات كارثية تماما وجدتها ليبراليات كثيرات غير مقبولة مطلقا على الحريات الفردية. والحقيقة أن النسويات الراديكاليات الآن، فى العقد الأول من القرن الحادى والعشرين، قد تلاشينْ إلى حد بعيد من المشهد العام، جزئيا بسبب عدم تماسك وشذوذ كثير من أفكارهن، كما اتهمتهن الناقدات الماركسيات والاشتراكيات بتجاهل الأساس التاريخى والاقتصادى والمادى للپطريركية وصِرْنَ على هذا النحو واقعات فى شرك نزعة بيولوچية أو سيكولوچية لا تاريخية مشكوك فيها.
وركَّزت الناقدات ما بعد الحداثيات على تفكيك اللغة والخطاب – وهذه ممارسة ما يزال يجرى تحقيقها بالتزام وقوة إلى يومنا هذا (Coole 2000, Butler 2004). والنسويات الليبراليات والاشتراكيات والراديكاليات على السواء يتعرضن جميعا لنفس التهجمات الچينيولوچية والتفكيكية. وتنكر ما بعد الحداثيات فكرة أىّ موقف سردىّ مفضَّل. فالكلمات والأشياء صارت مخفقة فى هذا التحليل. ومن ناحية أخرى فإن النسويات الفرنسيات، بوجه خاص، لم يَبْدُ أنهن فَهِمْنَ منطق موقفهن بالذات. فلم يكن هنا أىّ سبب فى حد ذاته، لوقف أىّ نقد للمركزية القضيبية؛ فربما كانت "المركزية الأنثوية" أيضا تحتاج إلى تفكيك. وكما لاحظ أحد النقاد بمرارة فإنه "رغم أنهن [النسويات] يؤيدن ممارسة ما بعد الحداثة المتمثلة فى تعميم الشك، لا يبدو أنهن ينظرن إلى قضيتهن هُنّ على أنها مشكوك فيها. وهُنَّ يتصوَّرن أن أوراق اعتمادهن هُنَّ سليمة لا تُمَسّ (Kariel 1990, 255). ويتمثل ما نجد أنفسنا متروكين معه فى سلسلة أخرى من المتخيلات. ولاحظ ناقد آخر أن ما يمكن، فى أحوال كثيرة، أن نأمل فيه من النسوية ما بعد الحداثية يتمثل فى "ميتا–قصة خيالية" محدودة النجاح، أو على الأقل قصة خيالية يمكن أن تشترى لنا الزمن (O’Neill in Silverman ed. 1990, 78–9). وقد أحسَّتْ عدد من الكاتبات النسويات أن الدروب ما بعد الحداثية وما بعد البنيوية سوف تدمِّر فى نهاية الأمر أىّ حجة لصالح النسوية ذاتها(35). وعلى سبيل المثال، ترى نوسباوم الحاجة إلى تفسير أساسى شامل واضح للعدالة والحقوق، والمساواة، لإثبات نسوية فعّالة (Nussbaum 1999a)(36). ولهذا فإن الدرب ما بعد الحداثى، وفقا لقراءة نوسباوم؛ طريق مسدود ببساطة.
وفى سياق بحث الحركة النسوية، تُلفت نظر المراقب مشكلة رئيسية. إذْ يدور الكثير من مجادلات النسوية حول مسألة التماثل والمساواة أم الاختلاف. وأولئك الذين يرفضون هذا الجدال لصالح الاختلاف بين الذكر والأنثى، بالأحرى مثل أولئك الذين يرفضون الدفع مقابل العمل المنزلى، يؤكدون بالفعل أن مثل هذه الإجراءات يمكن أن تُقَوْلب النساء أو أن تُثَبِّتهن فى أدوار بعينها. غير أن زعم أن كل اختلاف يُفَسَّر لغويا أو اجتماعيا يمكن أن يقود أيضا إلى افتراض أنه لا يوجد أىّ اختلاف بين الرجال والنساء. وهذا الافتراض الأخير محيِّر بعمق للرجال العاديِّين والنساء العاديّات. بل هو أكثر تحييرا عندما يأخذ المرء فى اعتباره وجهة النظر النسوية القائلة بأنه توجد اختلافات كثيرة بين النساء (وأيضا بين الرجال، من وجهة النظر هذه). ويُعَقِّد الأمور حتى بصورة أكبر تأكيد أن الكثير من هذه الاختلافات ليست طبيعية بل تتكون ثقافيا. وبالفعل، أشار كثيرون إلى أنه لا وجود لأىّ جوهر لأىٍّ من الرجال أو النساء فى أىًّ من الناحيتين البيولوچية أو السيكولوچية. ومن ناحية أخرى، إذا تمَّ تفنيد مفهوم الاختلاف يغدو من الصعب، إلا بتحقير الرجال أو الذكورية، ألا نرى بعض الاختلاف فى الأدوار لكلٍّ من الرجال والنساء – وهى ليست بالضرورة أدوارا غير متكافئة، بل لا شك فى أنها مختلفة. ويعكس التشديد الذى تؤكده بعض النسويات على الإنجاب، والأمومة، ورعاية الأطفال هذه النظرة. ومن الصعب أن نعرف كيف يمكن فى يوم من الأيام التوفيق بين هذه الآراء المتباينة، التى تميز الأيديولوچيا النسوية.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
إشارات الفصل 7: النسوية
 
1: الفصل الحالى الوارد هنا الآن [يقصد الطبعة الثالثة، 2010 - المترجم] يتسم إلى حد كبير بسمة غير تاريخية أو چينولوچية أكثر مما كانت له فى [الطبعة الثانية] 1995. ومن ناحية أخرى ما تزال معظم العوامل المتغيرة للأيديولوچيا النسوية باقية لم تُمَسّ، وإن كانت بعض التشديدات الأساسية قد تغيرت (وجرى التقليل إلى حد كبير من أهمية تشديدات أخرى).
 
2: كتبت ديانا كول فى 2000 مؤكِّدةً أن النسويات الآن "من المرجَّح أكثر أنهن يَقُمْنَ، تحت تأثير فوكو، بوجه خاص، بدمْج كل شيء فيما هو خطابىّ discursive على أساس أنه إنما داخل نطاق الحقول الخطابية تتكون أبنية السلطة وأنه لا يوجد أىّ واقع قبل خطابى prediscursive يعمل كمرجعية مستقلة. وبهذا المعنى فإن صحة تمثيلات ما بعد الحداثة لنطاقات أكثر عدم تجانُسٍ لا يمكن إثباتها ببساطة عن طريق الاحتكام إلى واقع يمكن أن تقوم [هذه التمثيلات] بتوصيل صدقه بدقة إلى هذا الحد أو ذاك" (Coole 2000, 351).
 
3: يتمثل جانب محدَّد لما بعد البنيوية، بكلمات توريل موا Toril Moi، فى أنها "تنظر إلى كل الميتا–حكايات، بما فى ذلك النسوية، على أنها قوانين قمعية للسلطة الميتافيزيقية" (Moi in Lovell ed. 1990, 368).
 
4: من بعض النواحى، يبدو أن الكثير من المناقشة بشأن المذاهب النسوية، فى أواخر القرن العشرين، تشبه فى بعض النقاط اللقطات الفوتوغرافية السريعة لجسم متحرك.
 
5: فى سياق تعليقها على إقصاء بعض الإناث المهمات من كتابة تاريخية أكثر عمومية، لاحظت ديل سپيندر أن هذا "يشكل تقريبًا مثالا على كل تقنية يستعملها الرجال لإساءة معاملة النساء، والهبوط بهن ومَحْوهن"(spender 1983, 34).
 
6: كما أعلنت جريفِّين أن: "واقع أن الرجل لا يعتبر نفسه جزءًا من الطبيعة، بل يعتبر نفسه حقا أسمى من المادة، بدا لى أنه يكتسب أهمية عندما يوضع ضد موقف المرء المتمثل فى أن المرأة فى آن واحد أدنى منزلة منه وأقرب إلى الطبيعة" (Griffin 1978, xv). كما كان إنتاج مارى دالى مرتبطا بهذا المنظور – اُنظرْ Daly, Gyn-Ecology (1979) and Pure Lust (1984).
 
7: تناقش ڤرچينيا وولف Virginia Woolf تأثيرها فى Woolf 1929.
 
8: تؤكد هيستور آيزنشتاين (1984) Hestor Eisentein أنه توجد أربع موجات أو مراحل. عن النسوية ما بعد الحداثية باعتبارها تمثل "موجة ثالثة"، اُنظرْ مناقشة Sylvester in Zalewsky 1991, 33.
 
9: مُسَمًّى على اسم سوزان ب. أنطونى، وهى منظِّمة محنَّكة للحملات أدخلت هذا الاقتراح.
 
10: انتقلت ميتشيل بصورة أكثر حسما نحو الاهتمامات التحليلية النفسية فى Psychoanalysis and Feminism (1974) [التحليل النفسى والنسوية].
 
11: كما فى ڤيراجو پرس Virago Press ذات النفوذ، تأسست فى 1973.
 
12: وقاد أيضا عند كاتبات مثل مارثا نوسپاوم إلى نفاد صبر (مستمر) نقدىّ بعمق مع النظرية ما بعد البنيوية النسوية (For example, Nussbaum, 1999b).
 
13: مع أن من الجدير بنا أن نوضح فى الحال أن أحد النصوص النسوية الكلاسيكية التأسيسية لأواخر القرن العشرين وهو كتاب كارول پيتمان Carol Pateman: The Sexual Contract (1988) [العَقْد الجنسى] – انطوى على نقد أكاديمى عنيف للجذور الپطريركية بعمق لنظرية العقد الليبرالى (also Pateman 1989).
 
14: للاطلاع على الاستثناءات – كوندورسيه Condorcet، و هلڤيتيوس Helvetius، و فون هيپّيل Von Hippel، و وولستونكرافت، اُنظرْ المقال الممتاز والتفصيلى حول هؤلاء المنظِّرين وغيرهم بقلم أورسولا فوجيل Ursula Vogel فى Evans et al. eds 1986.
 
15: أفرا بين، و مارى آستيل Mary Astell و كاثرين ماكولى Catherine Macauley، و أولامپ دو جوچ Olympe de Gouge (Spender 1983, 44–50).
 
16: تُعَلِّق أوكين بأن كل النسويات "يعترفن بديون النسوية الضخمة للِّيبرالية. وهُنَّ يعلمن أنه بدون التراث الليبرالى، كان ظهور النسوية سيشهد أوقاتا أكثر صعوبة بكثير" (Okin 1989, 61). ومن ناحية أخرى تريد أوكين، و رادكليف–ريتشاردز Radcliffe–Richards، و نوسباوم، أن تمتد الليبرالية الرولسية Rawlsian liberalism ونظريات العدالة إلى العائلة والنساء (وغيرهما حقا). ويجب إدراج تربية الأطفال، والعمل المنزلى، وما شابه، فى أىّ مناقشة عن العدالة. وتنظر أوكين إلى هذا على أنه تقدُّم منطقى لوجهات النظر الرولسية. ويشمل أحد أهم المظاهر الأكثر خلافية للِّيبرالية النسوية الرولسية انتقاداتها الجريئة للتعددية الثقافية وسياسات الهوية (Particularly Okin et. al 1999).
 
17: الواقع أن كتاب بيپيل Women under Socialism [النساء فى ظل الاشتراكية] كان كتابا شعبيا بصورة هائلة؛ وهذا واقع يبدو أنه أزعج إنجلس. وجرى تنقيحه لاحقا فى 1883 و 1891. وقد ظهرت الطبعة الألمانية الخمسون فى 1910.
 
18: النظرية المتمحورة نسائيا "تطالب بخلع المنطق والعقل عن عرشهما، وبقبولٍ بمُسَلَّمة الروابط الخاصة للمرأة بالطبيعة؛ وفيما يتعلق بأولئك الذين لا يشاطرونها يحتاج الأمر إلى تحويل لاعقلانى من نوع كُونىّ Kuhnian [نسبة إلى توماس كُونْ – المترجم] إلى إطار معرفىّ paradigm جديد" (J. Evans, “Overview of the Problem for Feminist Political Theoristis”, Evans et al. eds 1986, 4)
 
19: "وبالتالى فإن نوع السؤال الذى يستدعيه فوكو هنا چينيولوچى وأركيولوچى على السواء. فالچينيولوچى لن يفكر فى تاريخ النساء باعتباره سردا أو مشروعا مستمرا، بل باعتباره قالبا لمداخلات كثيرة – الخيوط والجدائل، السلطة والمقاومة - قد تكون غير متجانسة مطلقا" (Coole in Freedan ed. 2000, 162).
 
20: يبقى من الصعب للغاية تحديد ما بعد الحداثة بدقة. وكان نفوذها الأول فى مجالات مثل العمارة والفنون الجميلة. وفى عالَم الفن، تدلّ فى العادة على مَزْج أساليب تقليدية واحتفالٍ ولَعِبٍ على اختلافاتهما. وبهذا المعنى، ينظر إليها البعض على أنها ردّ فِعْل على الأسلوب المقيِّد للحداثة (رغم أن آخرين يفسرونها على أنها امتداد للحداثة). ومن الأصعب مَفْصَلَة الأدب بالتعابير ما بحد الحداثية. وعلى سبيل المثال، هل تُعَدُّ رواية چيمس چويسJames Joice : Ulysses [يوليسيس]، أو قصيدة ت. س. إيلوت The Waste Land [الأرض الخراب]، أو Cantos [أناشيد] عزرا پاوند Ezra Pound حداثية أم ما بعد حداثية؟ ويجرى النظر إلى هذه الأعمال على أنها الإنجاز المتوِّج للحداثة، رغم أنها تجسِّد أيضا أساليب تقليدية عديدة و "بلاغيات" المزاج ما بعد الحداثى المميِّز.
 
21: وهكذا تسأل توريل موى: "هل تمثل " ’النسوية ما بعد الحداثية‘ ببساطة تناقضا لفظيا آخر، مستنقعا جديدا من التناقضات لتغرق فيه النسويات؟" (Moi in Lovell ed. 1990, 368).
 
22: للاطلاع على المناقشة النقدية و مزيد من البيبليوجرافيا بشأن هذا، اُنظرْ (Dietz 1985- also stacy essay in Mitchell and Oakley eds 1986).
 
23: من الجدير بالملاحظة أنه كانت توجد مجموعة فى أواخر تسعينيات القرن العشرين سَمُّوا أنفسهم "الطريق الثالث للنسوية" (Heywood and Drake eds 1997- Baumgardner and Richards 200- Mascia–Lees and Sharpe 2000). ولا يبدو أن هذه المقاربة حققت الكثير. ويبدو إلى حد بعيد أنه كان تحدِّيا لنساء أصغر سنا، فى 2000، أن يَعُدْنَ إلى الانخراط فى الحركة النسوية وأن يحقِّقنَ غايات نسوية الموجة الثانية.
 
24: عند ميل، و إنجلس، من الجلى أنه كانت ما تزال هناك معتقدات متبقية قوية تماما حول المكانة "الطبيعية" للنساء. حول ميل، انظرْ Stafford 2004.
 
25: تنظر چاجار إلى كتاب فايرستون على أنه أول "عمل متواصل ومنهجى بقلم نسوية راديكالية معاصرة" (Jaggar 1983, 85).
 
26: فضلتْ كيت ميليت تعبير "Unisex" [خاص بالجنسين] على تعبير androgynous [خنثوىّ].
 
27: فى سياق حديثها عن معسكرات الإبادة الألمانية أثناء الحرب العالمية الثانية، زعمت أندريا دوركين Andrea Dworkin، كاتبة ثمانينيات القرن العشرين النسوية، أنه "بخلق أنثى مُهانة إلى ما فوق التمييز البشرى، وضع النازيون معيارا جديدا للذكورية، التى يجرى إجلالها خاصةً فى الضمير المخدَّر، الذى لا يلاحظ حتى السادية ضد النساء لأن تلك السادية عادية جدا" (Dworkin, 1981, 145). وتابعتْ مختلف كتابات دوركين ثيمات مماثلة؛ اُنظرْ ﻟ دوركين (1974) Women Hating أو Intercourse (1987).
 
28: تؤكد ڤيكى راندال Vicky Randall أن نظرية وجهة النظر مفرطة الطموح (Randall 1991, 523).
 
29: وفقا لتعبير هايدى هارتمان Heidi Hartmann: "بينما يقدم التحليل الماركسى رؤية نافذة إلى قوانين التطور التاريخى، ولقوانين رأس المال بصورة خاصة فإن مقولات الماركسية عمياء–جنسيا. والحقيقة أن التحليل النسائى فقط على وجه التحديد يكشف الطابع النظامى للعلاقات بين الرجال والنساء. غير أن التحليل النسوى فى حد ذاته ليس وافيا بالغرض لأنه ظل أعمى إزاء التاريخ كما أنه غير مادى بصورة كافية. والواقع أن التحليل الماركسى، وبالتحديد منهجه المادى والتاريخى، والتحليل النسوى، خاصةً تحديد طبيعة الپطريركية بوصفها بنية اجتماعية وتاريخية، يجب الاعتماد عليهما كليهما إذا كان لنا أن نفهم تطور المجتمعات الرأسمالية الغربية ومأزق النساء داخل إطارها" (اُنظرْ Hartman in Sargent ed. 1986, 2–3- also Rowbotham 1972- Kuhn and Volpe eds 1978- and Eisenstein ed. 1979 للمزيد من التفصيل والبيبليوجرافيا حول هذه المجادلات).
 
30: ما تزال قضية المساواة تبرز بصورة كبيرة فى الجدال النسوى (Phillips 1995 and 1999- also Squires 2007).
 
31: تذكر وولستونكرافت، بتردد شديد، فى نهاية كتابها، الحقوق المتساوية فى الاقتراع العام، غير أنها مجرد ملاحظة عابرة (Wollstonecraft 1985, 260).
 
32: كما أكد ميل: "المبدأ الذى ينظم العلاقات الاجتماعية القائمة بين الجنسين – الإخضاع التشريعى لأحد الجنسين للآخر – خاطئ فى حد ذاته، وهو الآن أحد المعوقات الرئيسية أمام تقدُّم البشرية؛ وينبغى إحلال مبدأ المساواة التامة محله" (Mill 1981, 119).
 
33: الأدبيات هنا الآن ضخمة للغاية، بالتأكيد على مدى العقد الأخير. ويمكن أن يشمل تحديث موجز: Brown 1995- Fraser 1997- Okin et al. 1999- Phillips 1995 and 1999- Young 1997 and 2000- Mackay 2001- Nussbaum 1999a and 2001- Benhabib 2002- Dietz 2002- Hirschman 2000- Fraser and Honneth 2003- Mohany 2003- McNay 2000 and 2007- Squires 2000 and 2007).
 
34: كما لاحظتْ: "لا ينبغى لرَبّ/ رَبَّة عائلة أن يستمرا فى حبّ كل منهما الآخر بعاطفة متقدة" (Wollstonecraft 1985, 113).
 
35: مارثا نوسباوم، على سبيل المثال، شنَّتْ على هذا النحو هجوما عنيفا على كتاب چوديث بتلر، واصفة إياها بأنها "أستاذة الپاروديا" (Nussbaum 1999b).
 
36: لاحظ ناقد آخر أن "ما بعد الحداثة النسوية يمكن وصفها بأنها تناقض لفظى – تعبيران غير قابلين للتوفيق مطلقا" (Zalewski 1999, 34- also Moi in Lovell ed. 1990, 368- Aladjem 1991, 279–80).
 
 
 
 
 
1: الفصل الحالى الوارد هنا الآن [يقصد الطبعة الثالثة، 2010 - المترجم] يتسم إلى حد كبير بسمة غير تاريخية أو چينولوچية أكثر مما كانت له فى [الطبعة الثانية] 1995. ومن ناحية أخرى ما تزال معظم العوامل المتغيرة للأيديولوچيا النسوية باقية لم تُمَسّ، وإن كانت بعض التشديدات الأساسية قد تغيرت (وجرى التقليل إلى حد كبير من أهمية تشديدات أخرى).
2: كتبت ديانا كول فى 2000 مؤكِّدةً أن النسويات الآن "من المرجَّح أكثر أنهن يَقُمْنَ، تحت تأثير فوكو، بوجه خاص، بدمْج كل شيء فيما هو خطابىّ discursive على أساس أنه إنما داخل نطاق الحقول الخطابية تتكون أبنية السلطة وأنه لا يوجد أىّ واقع قبل خطابى prediscursive يعمل كمرجعية مستقلة. وبهذا المعنى فإن صحة تمثيلات ما بعد الحداثة لنطاقات أكثر عدم تجانُسٍ لا يمكن إثباتها ببساطة عن طريق الاحتكام إلى واقع يمكن أن تقوم [هذه التمثيلات] بتوصيل صدقه بدقة إلى هذا الحد أو ذاك" (Coole 2000, 351).
3: يتمثل جانب محدَّد لما بعد البنيوية، بكلمات توريل موا Toril Moi، فى أنها "تنظر إلى كل الميتا–حكايات، بما فى ذلك النسوية، على أنها قوانين قمعية للسلطة الميتافيزيقية" (Moi in Lovell ed. 1990, 368).
4: من بعض النواحى، يبدو أن الكثير من المناقشة بشأن المذاهب النسوية، فى أواخر القرن العشرين، تشبه فى بعض النقاط اللقطات الفوتوغرافية السريعة لجسم متحرك.
5: فى سياق تعليقها على إقصاء بعض الإناث المهمات من كتابة تاريخية أكثر عمومية، لاحظت ديل سپيندر أن هذا "يشكل تقريبًا مثالا على كل تقنية يستعملها الرجال لإساءة معاملة النساء، والهبوط بهن ومَحْوهن"(spender 1983, 34).
6: كما أعلنت جريفِّين أن: "واقع أن الرجل لا يعتبر نفسه جزءًا من الطبيعة، بل يعتبر نفسه حقا أسمى من المادة، بدا لى أنه يكتسب أهمية عندما يوضع ضد موقف المرء المتمثل فى أن المرأة فى آن واحد أدنى منزلة منه وأقرب إلى الطبيعة" (Griffin 1978, xv). كما كان إنتاج مارى دالى مرتبطا بهذا المنظور – اُنظرْ Daly, Gyn-Ecology (1979) and Pure Lust (1984).
7: تناقش ڤرچينيا وولف Virginia Woolf تأثيرها فى Woolf 1929.
8: تؤكد هيستور آيزنشتاين (1984) Hestor Eisentein أنه توجد أربع موجات أو مراحل. عن النسوية ما بعد الحداثية باعتبارها تمثل "موجة ثالثة"، اُنظرْ مناقشة Sylvester in Zalewsky 1991, 33.
9: مُسَمًّى على اسم سوزان ب. أنطونى، وهى منظِّمة محنَّكة للحملات أدخلت هذا الاقتراح.
10: انتقلت ميتشيل بصورة أكثر حسما نحو الاهتمامات التحليلية النفسية فى Psychoanalysis and Feminism (1974) [التحليل النفسى والنسوية].
11: كما فى ڤيراجو پرس Virago Press ذات النفوذ، تأسست فى 1973.
12: وقاد أيضا عند كاتبات مثل مارثا نوسپاوم إلى نفاد صبر (مستمر) نقدىّ بعمق مع النظرية ما بعد البنيوية النسوية (For example, Nussbaum, 1999b).
13: مع أن من الجدير بنا أن نوضح فى الحال أن أحد النصوص النسوية الكلاسيكية التأسيسية لأواخر القرن العشرين وهو كتاب كارول پيتمان Carol Pateman: The Sexual Contract (1988) [العَقْد الجنسى] – انطوى على نقد أكاديمى عنيف للجذور الپطريركية بعمق لنظرية العقد الليبرالى (also Pateman 1989).
14: للاطلاع على الاستثناءات – كوندورسيه Condorcet، و هلڤيتيوس Helvetius، و فون هيپّيل Von Hippel، و وولستونكرافت، اُنظرْ المقال الممتاز والتفصيلى حول هؤلاء المنظِّرين وغيرهم بقلم أورسولا فوجيل Ursula Vogel فى Evans et al. eds 1986.
15: أفرا بين، و مارى آستيل Mary Astell و كاثرين ماكولى Catherine Macauley، و أولامپ دو جوچ Olympe de Gouge (Spender 1983, 44–50).
16: تُعَلِّق أوكين بأن كل النسويات "يعترفن بديون النسوية الضخمة للِّيبرالية. وهُنَّ يعلمن أنه بدون التراث الليبرالى، كان ظهور النسوية سيشهد أوقاتا أكثر صعوبة بكثير" (Okin 1989, 61). ومن ناحية أخرى تريد أوكين، و رادكليف–ريتشاردز Radcliffe–Richards، و نوسباوم، أن تمتد الليبرالية الرولسية Rawlsian liberalism ونظريات العدالة إلى العائلة والنساء (وغيرهما حقا). ويجب إدراج تربية الأطفال، والعمل المنزلى، وما شابه، فى أىّ مناقشة عن العدالة. وتنظر أوكين إلى هذا على أنه تقدُّم منطقى لوجهات النظر الرولسية. ويشمل أحد أهم المظاهر الأكثر خلافية للِّيبرالية النسوية الرولسية انتقاداتها الجريئة للتعددية الثقافية وسياسات الهوية (Particularly Okin et. al 1999).
17: الواقع أن كتاب بيپيل Women under Socialism [النساء فى ظل الاشتراكية] كان كتابا شعبيا بصورة هائلة؛ وهذا واقع يبدو أنه أزعج إنجلس. وجرى تنقيحه لاحقا فى 1883 و 1891. وقد ظهرت الطبعة الألمانية الخمسون فى 1910.
18: النظرية المتمحورة نسائيا "تطالب بخلع المنطق والعقل عن عرشهما، وبقبولٍ بمُسَلَّمة الروابط الخاصة للمرأة بالطبيعة؛ وفيما يتعلق بأولئك الذين لا يشاطرونها يحتاج الأمر إلى تحويل لاعقلانى من نوع كُونىّ Kuhnian [نسبة إلى توماس كُونْ – المترجم] إلى إطار معرفىّ paradigm جديد" (J. Evans, “Overview of the Problem for Feminist Political Theoristis”, Evans et al. eds 1986, 4)
19: "وبالتالى فإن نوع السؤال الذى يستدعيه فوكو هنا چينيولوچى وأركيولوچى على السواء. فالچينيولوچى لن يفكر فى تاريخ النساء باعتباره سردا أو مشروعا مستمرا، بل باعتباره قالبا لمداخلات كثيرة – الخيوط والجدائل، السلطة والمقاومة - قد تكون غير متجانسة مطلقا" (Coole in Freedan ed. 2000, 162).
20: يبقى من الصعب للغاية تحديد ما بعد الحداثة بدقة. وكان نفوذها الأول فى مجالات مثل العمارة والفنون الجميلة. وفى عالَم الفن، تدلّ فى العادة على مَزْج أساليب تقليدية واحتفالٍ ولَعِبٍ على اختلافاتهما. وبهذا المعنى، ينظر إليها البعض على أنها ردّ فِعْل على الأسلوب المقيِّد للحداثة (رغم أن آخرين يفسرونها على أنها امتداد للحداثة). ومن الأصعب مَفْصَلَة الأدب بالتعابير ما بحد الحداثية. وعلى سبيل المثال، هل تُعَدُّ رواية چيمس چويسJames Joice : Ulysses [يوليسيس]، أو قصيدة ت. س. إيلوت The Waste Land [الأرض الخراب]، أو Cantos [أناشيد] عزرا پاوند Ezra Pound حداثية أم ما بعد حداثية؟ ويجرى النظر إلى هذه الأعمال على أنها الإنجاز المتوِّج للحداثة، رغم أنها تجسِّد أيضا أساليب تقليدية عديدة و "بلاغيات" المزاج ما بعد الحداثى المميِّز.
21: وهكذا تسأل توريل موى: "هل تمثل " ’النسوية ما بعد الحداثية‘ ببساطة تناقضا لفظيا آخر، مستنقعا جديدا من التناقضات لتغرق فيه النسويات؟" (Moi in Lovell ed. 1990, 368).
22: للاطلاع على المناقشة النقدية و مزيد من البيبليوجرافيا بشأن هذا، اُنظرْ (Dietz 1985- also stacy essay in Mitchell and Oakley eds 1986).
23: من الجدير بالملاحظة أنه كانت توجد مجموعة فى أواخر تسعينيات القرن العشرين سَمُّوا أنفسهم "الطريق الثالث للنسوية" (Heywood and Drake eds 1997- Baumgardner and Richards 200- Mascia–Lees and Sharpe 2000). ولا يبدو أن هذه المقاربة حققت الكثير. ويبدو إلى حد بعيد أنه كان تحدِّيا لنساء أصغر سنا، فى 2000، أن يَعُدْنَ إلى الانخراط فى الحركة النسوية وأن يحقِّقنَ غايات نسوية الموجة الثانية.
24: عند ميل، و إنجلس، من الجلى أنه كانت ما تزال هناك معتقدات متبقية قوية تماما حول المكانة "الطبيعية" للنساء. حول ميل، اُنظرْ Stafford 2004.
25: تنظر چاجار إلى كتاب فايرستون على أنه أول "عمل متواصل ومنهجى بقلم نسوية راديكالية معاصرة" (Jaggar 1983, 85).
26: فضلتْ كيت ميليت تعبير "Unisex" [خاص بالجنسين] على تعبير androgynous [خنثوىّ].
27: فى سياق حديثها عن معسكرات الإبادة الألمانية أثناء الحرب العالمية الثانية، زعمت أندريا دوركين Andrea Dworkin، كاتبة ثمانينيات القرن العشرين النسوية، أنه "بخلق أنثى مُهانة إلى ما فوق التمييز البشرى، وضع النازيون معيارا جديدا للذكورية، التى يجرى إجلالها خاصةً فى الضمير المخدَّر، الذى لا يلاحظ حتى السادية ضد النساء لأن تلك السادية عادية جدا" (Dworkin, 1981, 145). وتابعتْ مختلف كتابات دوركين ثيمات مماثلة؛ اُنظرْ ﻟ دوركين (1974) Women Hating أو Intercourse (1987).
28: تؤكد ڤيكى راندال Vicky Randall أن نظرية وجهة النظر مفرطة الطموح (Randall 1991, 523).
29: وفقا لتعبير هايدى هارتمان Heidi Hartmann: "بينما يقدم التحليل الماركسى رؤية نافذة إلى قوانين التطور التاريخى، ولقوانين رأس المال بصورة خاصة فإن مقولات الماركسية عمياء–جنسيا. والحقيقة أن التحليل النسائى فقط على وجه التحديد يكشف الطابع النظامى للعلاقات بين الرجال والنساء. غير أن التحليل النسوى فى حد ذاته ليس وافيا بالغرض لأنه ظل أعمى إزاء التاريخ كما أنه غير مادى بصورة كافية. والواقع أن التحليل الماركسى، وبالتحديد منهجه المادى والتاريخى، والتحليل النسوى، خاصةً تحديد طبيعة الپطريركية بوصفها بنية اجتماعية وتاريخية، يجب الاعتماد عليهما كليهما إذا كان لنا أن نفهم تطور المجتمعات الرأسمالية الغربية ومأزق النساء داخل إطارها" (اُنظرْ Hartman in Sargent ed. 1986, 2–3- also Rowbotham 1972- Kuhn and Volpe eds 1978- and Eisenstein ed. 1979 للمزيد من التفصيل والبيبليوجرافيا حول هذه المجادلات).
30: ما تزال قضية المساواة تبرز بصورة كبيرة فى الجدال النسوى (Phillips 1995 and 1999- also Squires 2007).
31: تذكر وولستونكرافت، بتردد شديد، فى نهاية كتابها، الحقوق المتساوية فى الاقتراع العام، غير أنها مجرد ملاحظة عابرة (Wollstonecraft 1985, 260).
32: كما أكد ميل: "المبدأ الذى ينظم العلاقات الاجتماعية القائمة بين الجنسين – الإخضاع التشريعى لأحد الجنسين للآخر – خاطئ فى حد ذاته، وهو الآن أحد المعوقات الرئيسية أمام تقدُّم البشرية؛ وينبغى إحلال مبدأ المساواة التامة محله" (Mill 1981, 119).
33: الأدبيات هنا الآن ضخمة للغاية، بالتأكيد على مدى العقد الأخير. ويمكن أن يشمل تحديث موجز: Brown 1995- Fraser 1997- Okin et al. 1999- Phillips 1995 and 1999- Young 1997 and 2000- Mackay 2001- Nussbaum 1999a and 2001- Benhabib 2002- Dietz 2002- Hirschman 2000- Fraser and Honneth 2003- Mohany 2003- McNay 2000 and 2007- Squires 2000 and 2007).
34: كما لاحظتْ: "لا ينبغى لرَبّ/ رَبَّة عائلة أن يستمرا فى حبّ كل منهما الآخر بعاطفة متقدة" (Wollstonecraft 1985, 113).
35: مارثا نوسباوم، على سبيل المثال، شنَّتْ على هذا النحو هجوما عنيفا على كتاب چوديث بتلر، واصفة إياها بأنها "أستاذة الپاروديا" (Nussbaum 1999b).
36: لاحظ ناقد آخر أن "ما بعد الحداثة النسوية يمكن وصفها بأنها تناقض لفظى – تعبيران غير قابلين للتوفيق مطلقا" (Zalewski 1999, 34- also Moi in Lovell ed. 1990, 368- Aladjem 1991, 279–80).
 


[i]: الإيتيمولوجيا etymology: دراسة أصل الكلمات وتطور معانيها عبر التاريخ – المترجم.
 
[ii]: اللّيسبية lesbianism تعنى المثلية الجنسية بين النساء: نسبة إلى َّم يكن من الممكن أن يَفْهَمَهُجزيرة ليسبوس Lesbos موطن الشاعرة الإغريقية سافو Sappho - المترجم.
 
[iii]: تاريخ الوفاة 1689 وليس 1680 كما جاء فى الأصل – المترجم.
[iv]: اللوكية: نسبة إلى چون لوك John Locke – المترجم.
[v]: نسبة إلى چون رولز John Rawls – المترجم.
[vi]: الفالانسترى: الكومونة أو الجمعية الفورييرية – المترجم.
[vii] سوتيه Sutte أو ساتى Sati: ممارسة هندوسية (خاصةً تاريخيًّا) تُضحِّى فيه الأرملة بنفسها على المحرقة الجنائزية لزوجها - المترجم.
[viii] ربط القدمين Foot–binding: ممارسة صينية تتمثل فى ربط القدميْن لمنع نموهما أكثر، وربما نشأت بين راقصات البلاط فى بداية أسرة سونج، غير أنها امتدت إلى أسر الطبقات العليا ثم انتشرت بين كل الطبقات، باعتبار الأقدام الصينية الصغيرة جميلة ولجعل حركات المرأة أكثر أنوثة ورقة – المترجم,