أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - في اندماج الاقتصاد والسياسة وتحولات اللوحة الاجتماعية السورية















المزيد.....

في اندماج الاقتصاد والسياسة وتحولات اللوحة الاجتماعية السورية


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1930 - 2007 / 5 / 29 - 12:21
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


كان "اقتصاد السوق الاجتماعي" هو العنوان الذي استصلحته جهات القرار السورية لسياستها الاقتصادية بعد مؤتمر حزب البعث الأخير في صيف 2005. مفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي مأخوذ من سياسات اقتصادية غربية تالية للحرب العالمية الثانية، تعمل على تقييد السوق باعتبارات اجتماعية لا تمضي إلى حد "الاشتراكية" التي كان نموذجها المضاد للسوق معروضا وقتها في الاتحاد السوفييتي. ما يفترض أنه يجري اليوم في سورية هو العكس: "تحرير الاقتصاد" أو إضفاء صفة تنافسية وليبرالية عليه، لكن دون التخلي عن "مهام اجتماعية" للدولة. ويبدو المفهوم مثاليا من حيث تلبيته تسوية إيديولوجية مرغوبة بين "الاجتماعي" (مخففا عن الاشتراكي) والسوق. وقد نتصور أن وراء التسوية الإيديولوجية تسوية اجتماعية بين كتل متمولة واسعة الثراء، ترغب في "مجتمع السوق" وليس اقتصاد السوق وحدها، إن استعرنا من ليونيل جوسبان، وبين كتل بيروقراطية وحزبية تخشى أن يتسبب تحرير الاقتصاد في اتساع دوائر الفقر والبطالة ويتسبب في قلاقل اجتماعية سياسية تهدد استقرار النظام. بيد أن الوزن المهم نسبيا للعنصر الإيديولوجي في عمليات النظام السياسي السوري، الشهير بكتامته، يتكفل بقطع سبل الاستدلال على التسويات الاجتماعية من التسويات المفهومية الصورية.
في واقع الأمر، يموه "اقتصاد السوق الاجتماعي" والنقاش حوله موقع مركز الثقل والقرار الاقتصادي الذي لم يعد في "القطاع العام" الجسيم والمُضعف والخاسر، ولا في يد "القطاع الخاص" الذي ينصرف الذهن عند التكلم عليه إلى صناعيين وتجار ومستوردين محليين مستقلين. موقع "السيادة الاقتصادية"، إن صح التعبير، انزاح نحو أيدي من قد يمكن تسميتهم خواص عموميون. يتعلق الأمر بشريحة من النافذين الكبار جدا، الوثيقي الصلة بدوائر القرار العليا؛ نوع من المركب السياسي الاقتصادي، تتمازج فيه السلطة والثروة، في شراكة لا سابقة لها في تاريخ البلاد. الأرجح، إذن، أن الأمر لا يتعلق بسوق ولا باجتماعي، وإنما باندماج للثروة والسلطة، لا نتوفر بعد على أية مقاربات جدية له. ورغم تدني مستوى استقلال البرجوازية السورية طوال العقود لثلاث الماضية، إلا أن جديد اللوحة الاجتماعية المحلية هو هذا التلاحم العضوي للسياسي والاقتصادي، أو للسلطة والثروة، عند شريحتها العليا. وهنا يتحول التساؤل الصحيح من مدى الاستقلال السياسي لهذه الشريحة إلى مدى استقلال الدولة عنها.
ويبدو أن هذا الشرط الجديد نسبيا، متقاطعا مع انغلاق النافذة اللبنانية للأموال السورية، ومع مقاطعة أميركية لمصارف حكومية سورية، وراء دوران كتل مالية مهمة في الاقتصاد المحلي. يستدل المرء على ذلك من مظاهر تبرجز في مراكز المدن وبعض ضواحيها: فروع مصارف خاصة بالعشرات، محلات تجارية فخمة، مطاعم وفنادق ومقاهي حديثة تعكس مطالب وأذواق طبقة وسطى منتعشة، عشرات أو مئات ألوف السيارات الجديدة في الشوارع، وتوجهات عمرانية جديدة تحطم القديم الذي لا يسهل تتجيره وتطرد سكانه إلى الهوامش بتعويضات بخسة. هذا إضافة إلى ارتفاع سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار إلى أعلى مما كانه حتى قبل عام 2005: بالكاد يصرف الدولار بأكثر من 50 ليرة اليوم، منخفضا عن ذروة بلغها أواخر 2005 وتجاوزت 60 ليرة للدولار. هذا أيضا مع تحسن مؤشرات ماكرواقتصادية مثل نسبة النمو والناتج المحلي الإجمالي ونمو الاستثمار الخارجي وتدن كبير للدين الأجنبي وميزان تجاري وموازنة عامة معتدلي الاختلال..
بيد أن لليبرالية المركب السياسي الاقتصادي مظاهرها الاجتماعية. تدني مستوى الخدمات الأساسية من صحة وتعليم وسكن ومواصلات وخدمات بلدية..، وتكون "طابقين" لهذه الخدمات: تعليم خاص، من الأساسي حتى الجامعي، مكلف للقطاعات الثرية، وتعليم عمومي يعاني من الاكتظاظ وضعف التمويل وتدني مستوى المدرسين؛ نظام صحي عمومي يعاني من قصور في تمويله أيضا وسوء خدمته، وطابق خاص مكلف جدا للأثرياء؛ نقل خاص بالسيارات الخصوصية تنقل أصحابه بين مركز المدينة حيث مكاتبهم وأعمالهم إلى الضواحي الفخمة حيث منازلهم ومنتجعاتهم ومزارعهم وملاعب لهوهم، و"ميكروباصات" نقل عام مكتظة تتحرك بسرعة وتتسبب بكثير من حوادث السير..
في الوقت نفسه يتولد انطباع باتساع دوائر الفقر والبطالة في هوامش المدن والأرياف. وهو انطباع يأنس له المرء لأن اتساع الفقر والهامشية من طبائع التحرير الاقتصادي في كل مكان. على أن جولة في محيط المدن الرئيسية تكفي لإحلال اليقين محل الانطباع. وعلى أية حال، تقر أرقام رسمية، لطالما كنت موضع تشكيك مراقبين مستقلين لتحليها بغير قليل من مجاملة الذات، بنسبة بطالة تقارب 10% من القوة العاملة، وبفقر مطلق عند 11% وفقر أقل إطلاقا لأكثر من 30% من السكان. هذا بعد أن تعرف العاطل بأنه اشتغل ساعة خلال الأسبوع الأخير، والفقير المطلق بأنه لا ينال ما يكفي حاجاته الغذائية، بينما لا يكفي دخل الفقير الأقل إطلاقا حاجاته الأساسية.
لا تنفصل ظواهر الفقر والتهميش والبطالة هذه عن تشكل المركب السياسي الاقتصادي الذي أشرنا إليه فوق، وإن يكن فاقمها اللجوء العراقي الذي قد يبلغ اليوم مليونا وربع مليون.
السؤال السياسي الذي يمكن طرحه على نموذج التنمية السوري: هل يوسع القاعدة الاجتماعية التي تمانع أو تقاوم سير البلاد في مسارات فوضوية أو عنيفة، تثير اختلاجات الأوضاع الإقليمية الخشية منها؟ هل يزداد أم ينقص عدد من لا يخسرون شيئا، إذا انفتحت أية أبواب لتغير الأوضاع الراهنة؟ وباختصار، هل يوسع النموذج التنموي الحالي قاعدة الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد أم يضيقها؟ فمن المعتاد أن اتساع دوائر الفقر والبطالة والتهميش يغذي النزعات التعصبية والجهوية والعشائرية والطائفية، التي لن تعدم "نخبا" أو طغما تجد في تغذية تلك النزعات ما يناسب تصدرها ومنافستها على السلطة. كما يشكل منبعا دافقا لنزعات راديكالية وشعبوية تعيد سيرة الشعبويات القومية واليسارية، لكن على أرضيات أهلية ودينية أدنى عقلانية. بعبارة أخرى، يمكن لالتقاء الهامشية مع العصبيات (مع مسارات إقليمية وفيرة المطبات وخطيرة المنعطفات) أن يولد مزيجا متفجرا مخيفا، لا يسع أحدا استبعاده.
إذا صحت هذه المقاربة، وهي صحيحة فيما نرى، فإن الأساس الاجتماعي الاقتصادي للتفاهم الوطني يشكو من مشكلات لا تقل عن تلك التي يعاني منها الأساس الاجتماعي الثقافي والأساس الاجتماعي السياسي، أي نظام العلاقات الأهلية وبنية النظام السياسي. وهذا، وليس أي شيء آخر، هو ما يتعين أن يؤخذ بالحسبان من قبل الوطنيين العقلانيين السوريين، وهو ما يقتضي تطوير مقاربات نظرية وعملية مناسبة لتجنب أسوأ مفاعيله.
ومن أجل تطوير مقاربة مناسبة، لا مجال للعودة إلى اقتصاديات "القطاع العام" التقليدية. هذا في أحسن حالاته حنين إلى الماضي، يغذيه الخوف من المستقبل، لدى فئات تخاف من أي تغيير. لا مجال كذلك للتعويل على نموذج اقتصادي تنافسي تقليدي في بلد "نام" تتفاقم مشكلاته الاجتماعية. ولا مجال أيضا للتسليم القدري باستمرار النظام الاقتصادي الاجتماعي الراهن، بالخصوص مع توسع وترسخ اندماج السلطة والثروة. ثم إن النظر إلى خريطة القوى الاجتماعية والسياسية الراهنة في ظل مستوى الحريات السياسية الراهن لا يبعث في النفس غير القلق وعدم الثقة. هذه تحديات كبيرة، تطلب إجابات سياسية وفكرية في القريب العاجل، قبل أن يكون الوقت قد فات.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تأملات في السلطة الدينية والسلطة السياسة ومعنى العلمنة في عا ...
- بحثا عن معنى ثقافي لتحولات سياسية عجماء
- ضمائر الحداثة المنفصلة والمتصلة و...المعاقة
- ملحوظات أولية في شأن اللغة والطائفية
- في العلاقة بين الأوليغارشية والطائفية
- أقليات وأكثريات: هويات ثقافية، علاقات اجتماعية، أم عمليات اج ...
- أطوار متعددة في حرب لبنانية واحدة
- نمذجة تاريخية مقترحة للنظم السياسية المشرقية
- -ميدل- إيستولوجية-: في شأن المعرفة والسلطة و.. العدالة!
- انتخابات نيابية في سورية أم موسم لصناعة العصبيات؟
- شاذ، استثنائي، وغير شرعي: المعرفة والمعارضة في سورية
- ديمقراطية، علمانية، أم عقلنة الدولة؟
- في أصول التطرف معرفيا وسياسيا، عربيا وكرديا
- اعتزال الحرب الباردة الجديدة
- عوالم المعتقلين السياسيين السابقين في سوريا
- الثقافة الوطنية والدستور كوجهين للشرعية السياسية
- عناصر أولية لمقاربة أزمة الدولة الوطنية في سوريا
- تأملات في أحوال الهوية الوطنية السورية وتحولاتها
- من الاتهام بالطائفية والتبرؤ منها إلى نقدها ومقاومتها
- في أصل -اللاتناسب- الإسرائيلي و-الإرهاب- العربي


المزيد.....




- مؤثرة موضة تعرض الجانب الغريب لأكبر حدث للأزياء في دبي
- آخر تطورات الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمري ...
- محمد بن سلمان يستقبل بلينكن في الرياض.. والخارجية الأمريكية ...
- -كيف يُمكن تبرير الدعم السياسي الأمريكي لحكومة إسرائيلية وتب ...
- انتعاش الآمال بالتوصل إلى هدنة في غزة .. ما مصير عملية رفح؟ ...
- منتج لذيذ يعزز الطاقة لدينا
- إسرائيل تقرر انتظار رد -حماس- قبل إرسال وفدها للتفاوض في الق ...
- محامي ترامب السابق يحصد الأموال من -تيك توك- (صورة + فيديو) ...
- محللون يشيرون إلى عوامل ضعف النفوذ الأمريكي في القارة السمرا ...
- القوات الأوكرانية تكشف تفاصيل جديدة عن عسكري قتل في ألمانيا ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - في اندماج الاقتصاد والسياسة وتحولات اللوحة الاجتماعية السورية