زكريا كردي
باحث في الفلسفة
(Zakaria Kurdi)
الحوار المتمدن-العدد: 5678 - 2017 / 10 / 24 - 04:08
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
بحسب إعتقادي ..
تظهر مَزيّة "الفكر النقدي التحليلي" عادةً بأخذهِ لأحكام الناس في أرض الواقع وإخضاعه المعلومة للنقد والتمحيص ، و يبدو تميّزهُ كذلك ، في سقياه الجيد للفهم والرغبة في التقصّي قبل صدور أيّ حكم عقلي عنه ..
وحين يطرح هذا الفكر ثمار نقده للأفكار المعقولة لديه عن أرض واقع ما ، ترى الذهن معه متوثباً مُحيطاً ، و في حال يقظة نقدية شديدة و مستمرة ..
إذ تجدهُ يحفرُ في أرض الفكرة الجديدة بدأبٍ لا يفتر وعزيمة لا تلين ، وإرادة في البحث لا تكلّ ولا تمل ، إلى أن يصل بالذهن العطش أو الصادي لماء الحقيقة التي وجدها.. فيقف عندئذ ، ممتنعاً على أن يشربَ قطرة صواب منها أو يَرتشف فكرة واحدة عنها ، دون سكبها مرة تلو المرة في كأس الشك المنهجي ، مهما بدت له قطراتها حقاً أو زُلالاً ..
على النقيض تماماً من مزيّة ذاك الفكر النقدي تقع رزيّة " الفكر العقدي الايماني " (الدوغمائي) ، الذي يرى في لغو الأقدمين ، مروىً مقدساً وحيداً لظمأ كلّ من أراد أنْ يَحلّ مشاكل الحاضر ، أو يبتغي إرتياد مجاهل المستقبل ، فتجده يعكف على تقديم ذاك اللغو والطلاسم على هيئة مُقدّسات ، ونصوص مُرهبات ، ينثرها على الأذان الخاوية والبسيطة ، بأساليب فكرية غوغائية بالية ، عبر ترّهات ذات جاذبية آسرة لألباب السامعين ، لا تخلو من إفحامٍ أخرق لعقول بعض الجاهلين ، و تلاعبٍ حماسيٍ ساذجٍ بعواطف أنصاف المتعلمين ..
وفي الحقيقة هذا النوع من " الفكر العقدي الإيماني " هو الذي يُوقف عادةً حال الوجود عن مسار التطور ، لأنه يحاول دائماً أن يُثبّت الواقع المَعيش على افتراضات واهمة منقولة أو متهافتة منحولة ، لا مجال للتثبت منها أصلاً ، فترى صاحبه يُخاصمك مثلاً في أساليب شرب الماء وقواعد استعماله ، ويُحذّرك من عظيم عقاب المُخالف لذلك ، دون أن يُكلف خاطره السمج عناءَ حفر سنتمتراً واحداً في هذا الواقع المحيط ..للبحث عنه أو حتى تحليله ..
والدوغمائي – كما هو معروف للجميع - هو الإنسان الذي يعاني من الجمود الفكري ، ويتعصّب بشدة لأفكاره ، سواء أكانت سياسية أم دينية أم علمية ، إلى درجة تجعله يرفض حتى مجرّد الاطلاع على أية فكرة تخالف ما يؤمن به ، ثم حتى وإن ظهرت له الدلائل القاطعة التي تثبت بطلان أفكاره ، تجده يُكرّس كل فعالياته الذهنية للدفاع عن إيمانه الخاطئ وأفكاره المتهافته ، إلى درجة يمتلئ فيها بالكراهية الشديدة نحو كل من يحمل أفكاراً أو آراءً مخالفه لإيمانه أو عقيدته ..
لا.. بل وقد يقتلك عن طيب خاطر ، لو أنت تجرّأت فقط على النظر العقلي في أسس كتابه ، أو خالفت فحوى جوابه ، أو نقدت تهافت خطابه ، أو حتى سألت في حقيقة جهره و صوابه ..
وللحديث بقية ..
#زكريا_كردي (هاشتاغ)
Zakaria_Kurdi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟