قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)
الحوار المتمدن-العدد: 1967 - 2007 / 7 / 5 - 13:55
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
أكبر أخطاء الإدارة الأمريكية ..أنها لم تحدد هدفها في 9 نيسان 2003 بإسقاط النظام فقط ، إنما أسقطت الدولة أيضا . ولست معنيا هنا بالأمور السياسية ، فهذا شغل من أصبحت أمور العراقيين بأيديهم ..إنما يعنيني التحليل السيكولوجي لما حصل .
كانت الدولة في عهد النظام السابق يوجد فيها قانون يؤمّن الحماية للمواطن . وبسقوط الدولة فقد المواطن هذه الحماية . ولما وجد أن محاولات إعادة بناء الدولة لم تنجح . وأن " قانون الشارع " صار ساري المفعول بقوة ، عندها اقتنع عن يقين أنه أصبح في دائرة الخطر الأكيد . ولأن الدافع الرئيس لدى الإنسان هو " البقاء " فانه صار يبحث عن قوة بديلة للدولة تحميه . فحصل أن توزع العراقيون بين من التجأ الى : عشيرة أو مرجعية دينية أو سياسية أو قومية ..أو من رجع عائدا الى مدينة طفولته وصباه التي له فيها أقرباء ومعارف يجد بينهم الأمان ..وهذا ما نسميه بـ"سيكولوجية الاحتماء " ، التي نعني بها : هرب الإنسان من خطر ليس بقادر على مواجهته الى جماعة يحتمي بها .
وما ينجم عن هذه السيكولوجية حصول ما يشبه " العقد الاجتماعي " أو الأخلاقي بين المحتمي والجماعة التي يحتمي بها يقوم على مبدأ " الحماية المتبادلة " ..أي على اللاجئ أو المحتمي أن يقوم بحماية الجماعة التي التجأ إليها ، حتى لو كان يختلف معها في الرأي أو التصّرف ..الأمر الذي يقوده عمليا الى " الامتثال " الى أوامر الجماعة ، راغبا في ذلك أو مجبرا .
وكان أن نجم عن " سيكولوجية الاحتماء " هذه توزّع الولاءات وتعددها على حساب الولاء للوطن . وما زاد في تسهيل هذه التحول النفسي أن الولاء للعراق كان ضعيفا في زمن النظام السابق ، لأن رئيس ذلك النظام كان قد ساوى بين الولاء لشخصه والولاء للعراق . وعندما وجد العراقي " وكثير من العراقيين صدم " أن من كان يعد نفسه " رمز العراق " قد دفن نفسه في حفرة وترك العراق . وحين شاهد على شاشة التلفاز أن ذلك " الجبّار " و " صاحب الهيبة " ..رئيسه الذي ساوى بين شخصه والعراق كان بين يدي الضابط الأمريكي بذلك الموقف الذليل والمخزي ..فأنه وجد مبررا نفسيا لأن يتهاوى لديه ما بقي من ولاء للعراق .
والخطورة في " سيكولوجية الاحتماء " أنها آخذة بالتعمق في نفوس العراقيين لتردّي الأوضاع سوءا . ولأن محاولات إعادة الهيبة للدولة وعمليات فرض القانون ، والمصالحة الوطنية ، فضلا عن صفقات المصالح ، دفعت بالإحباط لديهم قريبا من اليأس التام .
عليه فأن العراقيين سيظلون موزعين على ولاءات الجماعات التي تحميهم.. وإن كرهوا . ولن يحيا الشعور بالولاء للعراق ، الذي يئن في أعماقهم أنين الحبيبة العليلة ، إلا بعد أن يعاد نصب خيمة الدولة على أعمدة : القانون ، والأمان ، والعدالة في توزيع الثروة بين الناس .
#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)
Qassim_Hussein_Salih#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟