أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - الفصل 14 من رواية كش ملك















المزيد.....

الفصل 14 من رواية كش ملك


حبيب هنا

الحوار المتمدن-العدد: 1933 - 2007 / 6 / 1 - 09:36
المحور: الادب والفن
    


-14-
متعة الجسد
لا أعرف، على أية حال، كم كانت تتمتع بجسدي رغم تأوهها عند لحظات اللذة، ورغم ظهور النشوة والانصهار على تفاصيل جسدها في مختلف المواقع، وكنت دائماً أسأل نفسي هل كانت تجاملني وتتقمص هذه الحالة، أم أنها حالة نقاء حقيقية لا زيف فيها ولا خداع؟ وكنت دائماً أجد الإجابة الوحيدة تداهمني كأن لا حقيقة في الكون سواها: مادمت أتمتع بجسدها الأسطوري على نحو ممزوج بالجنون والخوف وإرث المحرمات الموروث منذ مئات السنين، وما دمت نقبت في ثنايا الجسد عن المخبوء الذي لا يمكن العثور عليه من أحد سواي مهما كان بارعاً في الاستكشاف والمتابعة الدقيقة وتسجيل الملاحظات، وما دامت اللذة تأخذ عقلي إلى أبعد مدى في مداراتها، دون زيف أو خداع أو تقمص حالة لا وجود لها أصلاً، فإنها بالتأكيد تشبهني تماماً، وإلاّ فكيف تم اللقاء بيننا وتطور إلى أعلى مستوياته؟ وعلى الرغم من هذا كله، مازال إحساس غريب ممزوج بالسؤال يلح عليّ: هل كان ينتابها شعور كالذي ينتابني وتداهمها الأسئلة ذاتها التي كانت تداهمني؟ حتى هذه اللحظة أحسب أنني لا أعرف يقيناً الإجابة التي أبني عليها أساس المستقبل!
كل ما أعرفه، أن الخوف الذي كان يسيطر علينا، يتربص بنا يقف خلف أكتافنا وفوقها، ينتظر لحظة التجلي حتى يحاصرنا بالمحرمات وانتهاك الأعراف؛ هذا الخوف تبدد عندما لامست شفاهنا بعضها كي تفتح خيارات المتعة على نحو لم يسبق أن تعرفنا عليه، كأن بنا تواعدنا على القفز من فوق الحواجز والانطلاق بحرية دون قيود وتأنيب ضمير كما كان عند بدايات الطفولة: الولد لا يجوز له اللعب مع البنت! حرمان مبكر من الاختلاط وإغلاق أبواب المستقبل بأقفال العادات والتقاليد التي تحرم الأطفال من طفولتهم، فيصبح المسكوت عنه أكثر خطراً من مجرد ألعاب طفولية لا تقدم ولا تؤخر رغم ذكراها الطيبة.
أذكر الآن، أن أبي سألني ذات مرة عندما كنت ألعب وأنا طفل بقطعة صابون أشكلها كما أريد، أصنع منها عروس بعمر لحظة وبعمر اللحظة التي تليها عريساً، سألني: لماذا تلعب بالصابون؟ وكان ردي بسيطاً تمترست خلفه كلما سئلت نفس السؤال: من أجل أن أغسل ذنوب المستقبل قبل أن تتراكم!
ذنوب انتهاك المعيار والخروج عن المألوف، ذنوب عدم الانصياع لمشيئة العادات والتقاليد التي تحرمنا من متعة الجسد وتحرم علينا بالتالي النظر إلى أبعد من انتظار لحظة الزواج مهما تأخرت ومهما كانت مرعبة، ذنوب التواطؤ على أجسادنا وعدم امتلاكها كي نتصرف بها كما نريد دون أن يكون لأحد الحق في التدخل وقمع إرادتنا كما لو أنه لا يحق للروح أن تكون توأم الجسد وتحلق فيه في مدارات المتعة وتعدد الخيارات بما فيها الوقوف عند حواف الإدهاش الذي لا غني عنه كي يصبح الإنسان سوياً.
آه.. كم هي الدنيا ضيقة وغريبة! لقد امتلكت نفسي فجأة وعلى غير توقع؛ فمن حيث ذهبت للمشاركة في بطولة شطرنج، هأنذا أسبح فوق أمواج المغامرة التي لم أكن أحلم بها يوماً، مغامرة أوقفتني على مشارف التحول ودخول عالم من الصخب والجنون، مزوداً بما يكفي من الصابون لغسل ذنوب الماضي والمستقبل!
آه.. يا لغرابة هذا الكون كم هو قاس وجاف، ممتع وعصي بسيط ومعقد، لين وصلب، يحتوي في داخله كل المتناقضات ولا يقوى على التخلص منها!
قاس وجاف كما الصومال. ممتع وعصي كما فلسطين. بسيط ومعقد كما الحياة الغربية في أمريكا وأوروبا واليابان. لين وصلب كما طين بلادي وصخورها، وأحياناً أهلها إذا تطلب الأمر.
وتطلب الأمر، في تلك الليلة، أن أطل على المستقبل من قلب الحاضر، أن أتمتع بجسد أنسام وأترك لها حرية التمتع في جسدي كما تشتهي، أن أنقب في ثنايا جسدها المثخن بالتهاب الحرمان الوحشي المسجي أمامي، المغمور بالتفاصيل اليومية للحياة؛ أن أنقب عما أجهله، وكنت أجهل كل شيء، فوقفت أستظل تحت المرتفعات وأداعب النتوءات بأطراف أصابعي، فتأخذني النشوة على سنان رماحها إلى المواقع التي لم أطأها قبل .
وكانت تتأوه بين يدي، تتلوى وتتشكل حروفاً لينة وهمزتي قطع ووصل، فتسكن عندما يكون الحرف والوضع ساكناً، إمعانا في تعلم قواعد اللغة ومفرداتها الغنية بالمعاني والبليغة في التعبير، وتتحرك عندما يكون متحركاً، فأصاب بالدوار والجنون.
وأي جنون أصابني في تلك اللحظات الأولى التي حملتني فيها المعرفة البكر إلى فضاءات لا يحدها مدى، وفتحت عليّ أبواباً من الجحيم يصعب إغلاقها بعدما تذوقت أطياف المتعة ولذتها، وكانت كلما نظرت في عينيها ورأيت لهيب الشبق يطل بألسنته المتوهجة ازددت اشتعالاً فيأخذني الالتصاق بها إلى حدود الغراء الذي لا فكاك منه، فأتصورها تابوت تحتضن أحلام اليوم والغد.
وعرفت على نحو عميق، كيف تمتعت بجسدي الذي لم تتمتع به امرأة من قبل؛ توسدته ودققت في الأماكن المختلفة وداعبت ما وصلت إليه يداها وشفتاها، مثل خباز ماهر يقلب الرغيف على الوجهين، قلبتني بين يديها، وضعتني في الزاوية بعيداً عن النار حتى لا أحترق فأصبحت شهي المأكل. صار جسدي صفحة ماء وعرق فسبحت فوقها وعلى ضفافها دون الحاجة إلى مجداف. وكانت كلما أوشكنا على التحول إلى ذرات من الغبار توقفت وتركت ضفائرها تنتشر فوق صدري كجذور شجرة هرمة تقف عند مصب نهر ينزع إلى الوداعة والهدوء غير مستجيب للمناخات الجوية. وسألتها على غير توقع:
- هل تلعبين بي أم أنك خبيرة في هذه الفنون؟
- لا هذا ولا ذاك..
- إذن، لماذا الهياج والتوقف؟
- حتى ننصهر أكثر في حالة العشق ونتحول إلى مادة لم يتعود عليها البشر من قبل .
- وكيف لنا أن نتحول ؟ وماذا يمكن لنا أن نصير ؟
- نتحول إلى أناس عجنتهم لحظات السعادة فأصبحوا بقايا ذكرى ما كان لها أن تكون لولا هذا الانصهار !
- ثم ماذا ؟ تصدمنا لحظة الفراق ونعود إلى محطة البدايات كأن شيئاً لم يكن .
- وتبقى الذكرى عالقة في تلافيف الذاكرة إلى أن نلتقي عند أول فرصة !
صمتنا ونحن في حالة احتضان عذب دون أن نتفوه بكلمة أو نأتي بحركة، وكانت الأنفاس بإيقاعها الرتيب تبعاً للشهيق والزفير، الشيء الوحيد الذي يؤكد بقاءنا على قيد الحياة، وفجأة غطست في عالمي الخاص المليء بالضحايا الأبرياء الذين عثر عليهم في أكثر من مرة ومناسبة، بين أنقاض البيوت، أطفال وشيوخ، نسوة ورجال، أزواج لم يمض على زواجهم سوى بضعة أيام في حالة احتضان كالتي نحن فيها الآن، بيوت مهدمة تنتشر التفاصيل بين أنقاضها؛ التفاصيل اليومية للناس والملابس والأواني المنزلية؛ فرشاة أسنان على مقربة من المغسلة الداخلية لغرفة النوم، قميص نوم أخذته رياح الانفجار إلى حائط يفصل بين جارين، أحمر شفاه كان على وشك استخدامه، يخط لونه الدامي على البلاط من مدخل غرفة النوم وحتى نهاية الدهاليز كأني به يؤشر صوب المستقبل.
فيما كانت أنسام تغطي عورتها بأوراق التوت البري مثل دودة القز التي تسبح بين خيوطها التي نسجتها للتو؛ تتذكر الضيعة وأهلها، الباشا الكبير وفضله، ابن الباشا وفجوره، أهل الضيعة البسطاء الفقراء الذين لا يملكون قوت يومهم والذين طردوا من أعمالهم جراء تعسف ابن الباشا وجوره ، وكأنهم بقايا أملاك والده. تتذكر طفولتها وصباها الغض البكر الذي طفح أنوثة قبل أوانه، فأصبحت مدار حديث الناس وأمنياتهم. نضجت كالتوت البري فطاردتها ديدان القز كي تصنع من جسدها الناعم الطري خيوط الحرير حتى تنعم بالراحة والطمأنينة فوق صدرها البريء الذي بدا بالنمو والنهوض يوماً إثر يوم.
وذهبنا في النوم بعيداً، مطمئنين للمستقبل، ولما صحونا بادرتني بالسؤال وظل ابتسامة واثقة تقف على شفتيها:
- أين كنت غاطساً قبل النوم؟
- بين بقايا البيوت المهدمة.
- ما الذي ذهب بك إلى هناك؟
- الصمت الذي أطبق علينا، حملني على أجنحته إلى فلسطين فمشيت بين الضحايا الأبرياء.
- وماذا وجدت؟
- أطراف آدمية مبعثرة بين الرخام. أطفال بعمر الفجيعة حملهم الموت إلى النهايات. أمهات يولولن على أعز الحبايب، وشيخاً يراقب بصمت ما يجري عن كثب.
تبللت عيناها، سألتُ:
- وأنتِ ، أين كنت غاطسة؟
- في عالم الطفولة والصبا، الضيعة وما جاورها، بين عبق أنفاسك ولحظات السعادة التي غمرتني بين أحضانك.
وسألت فجأة:
- هل ستستمر لحظات السعادة؟
- لِِمَ لا ما دمنا نتمتع بها ؟.
- يقال أن لحظات السعادة عمرها قصير..
- نعم، ولكنها قد تمتد إلى أبد الآبدين.
- أواثقة أنت؟
- ثقتي بوجودنا الآن محتضنين.
- الوداع يخلف الحسرة، ولكنه يخلف الذكريات أيضاً.
- معك حق، ولكنني لا أقوى على الفراق. لم أتعود عليه من قبل..
- غير أننا سنكون على اتصال واللقاء بيننا سيتجدد بين حين وآخر.
- ولكن ربما لا يحالفني الحظ في السفر على حساب القائمين على تنظيم بطولة الشطرنج..
- نسافر على نفقتنا الخاصة.
صمت فجأة. سألت:
- ماذا بك؟
- لا شيء..
- أشعر أن ثمة أمر مزعج في صمتك هذا.
- لا عليك..
- فقط لو أعرف ما هو السبب؟ ربما أكون أكثر هدوءاً وطمأنينة.
- لا تعقدي الأمور وتجعليها عصية..
- قل إذن ما هو السبب؟!
صمت مجدداً، أخذت تنظر إليّ بانتظار أن أقول شيئاً. سيطر الارتباك عليّ، والحمرة كست وجهي. لا أعرف كيف أواجه الأمر؟
- قل، لا تخش شيئاً!
ألقيت عن أكتافي ثقل الوجع. أغمضت عيني هروباً من لحظة المواجهة. قلت:
- لا أملك تكاليف السفر!!
ابتسمت كأنها عن عمد تحاول إخراجي من الحرج الذي وقعت فيه. قالت:
- لا تقلق عندما نتفق على السفر سيكون على حسابي، بل سأرسل لك التكاليف مسبقاً.
نهضت في الوقت الذي مدت يدها كي تمسك يدي، فنهضت من تلقاء نفسي. ذهبت إلى الحمام واغتسلت فخرت الذنوب العالقة بي إلى القاع، عندها تذكرت ردي عن سؤال أبي عندما كنت صغيراً : لماذا تلعب بقطعة الصابون؟



#حبيب_هنا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفصل 13 من رواية كش ملك
- الفصل 12 من رواية كش ملك
- الفصل 11 من رواية كش ملك
- الفصل 10 من رواية كش ملك
- اضاءات على مسرحية -من أكبر-
- العراق في خط الدفاع الأول
- الفصل 9 من رواية كش ملك
- على أمريكا أن تكون أكثر عقلانية ..
- الفصل 7 من رواية كش ملك
- الفصل 8 من رواية كش ملك
- صدور حكم الإعدام بحق كتاب -قول يا طير-
- الفصل 6 من رواية كش ملك
- الفصل 5 من رواية كش ملك
- الفصل 4 من رواية كش ملك
- رسائل حب إلى أطفال لبنان
- هل نحن إزاء ضربة أمريكية ترجيحية واحدة ؟
- الفصل 3 من رواية كش ملك
- الحكومة الفلسطينية .. عشرة شهور على الأزمة
- الفصل 3 من رواية :كش ملك
- اتفاق مكة الثنائي


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - الفصل 14 من رواية كش ملك