أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - قاسم حسين صالح - العنف.. والشخصية العراقية















المزيد.....

العنف.. والشخصية العراقية


قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)


الحوار المتمدن-العدد: 1926 - 2007 / 5 / 25 - 13:02
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


1)
قضيت ربع قرن في تدريس مادتَي ( تحليل الشخصية ، والاضطرابات النفسية ) وقمت بتحليل شخصيات مجرمين ارتكبوا جرائم قتل عادية وأخرى بشعة …فوجدت أن النظريات التي حللت شخصية الإنسان وتلك التي حددت أسباب الاضطرابات العقلية والسلوكية لا تنطبق على سلوك الشخصية المعاصرة بخصوص ( العنف ) الذي تمارسه . وعليه فأنني ركنتها جانبا ورحت اجتهد في إيجاد تفسير لهذا السؤال:
لماذا يكون العنف في الشخصية العراقية بهذه القسوة والبشاعة ؟
ولقد وجدت أن إحدى الصفات الغالبة في الشخصية العراقية هي أن )) الموقف (( الذي تكون فيه يتحكم بها أكثر من العقل . وأنها تتصرف بأسلوبين متطرفين ومتناقضين ، وكأن في داخلها ( ملاك رومانسي ) يغني بطرب وينثر الفرح والحب على الناس ، عندما تكون في أوقات الراحة والطمأنينة ، و(وحش هائج ) عندما تكون في أوقات الأزمات .
وأكيد أن الأمر لا يتعلق بالتركيبة الوراثية، إذ لا يعقل أن ( جينات ) الإنسان العراقي تختلف عن ( جينات ) باقي البشر، أو بالمناخ أو الطبيعة، إنما الأمر يتعلق بطبيعة (الصراع) على السلطة ، الذي بسببه تعرض الفرد العراقي الى اضطهاد وقسوة وظلم وقهر واستلاب تفوق ما تعرض له البشر الآخرون . فتاريخ العراق هو تاريخ العنف والدم والمعارك والأهوال والكوارث .. ليس من بدء المشهد الكربلائي وتحوّل السلطة في الدولة الإسلامية الى وراثية ، بل الى ذلك التاريخ القديم جدا ، الذي يذكر لنا معلومة لها دلالة هي أن المهاجرين الى العراق القديم كانوا من المحاربين الأشداء . !.
وهذا يعني ان المجتمع العراقي يكاد يكون الوحيد بين مجتمعات العالم الذي خبر العنف لزمن يمتد آلاف السنين ، وما يزال . صحيح أن تاريخ أوربا كان مليئا بالحروب ، لكنها ودعت العنف وصار توجهها نحو الحياة ، فيما نحن نمارسه بأفضع صوره حتى صار توجهنا النفسي يميل أكثر نحو الإفناء ، لا سيما في السنوات السبع والعشرين الأخيرة التي شاعت فيها ثقافة العنف .
والغريب في الأمر، أن السيكولوجية العراقية والإسلامية ( بعد أن صارت بغداد مركز الدولة) أشاعت العنف وجعلته الوسيلة الوحيدة لحل النزاعات ولإجبار الخصوم على الطاعة والخضوع. وكانت لا تلجأ الى التفاوض والحوار إلا بعد أن تقطف السيوف رؤوس أفضل ما في القوم. وهذه خاصية سيكولوجية في العنف، أنها تغلق كل نوافذ التفكير وتحشد كل قوى الحقد والعدوان باتجاه الانتقام .

2)
…وانظروا الى تاريخكم الحديث ، تجدون بين حوادثه الآتي :
1. قتل الملك فيصل الثاني صبيحة 14 تموز 1958 ، وقطعت أيادي الوصي وآخرين وطاف بها الناس في شوارع بغداد .
2. وقتل في عام 1959 ، وسحل بالحبال ، وعلّق على المشانق ، أشخاص في الموصل وكركوك .
3 . وقتل عبد الكريم قاسم في رمضان 1963 ، وشوي في الشهر نفسه بالنار سكرتير الحزب الشيوعي العراقي وعدد من أعضاء الحزب وهم أحياء ، وآخرون محسوبون على نظام قاسم جرى التمثيل بهم .
4 . وعقب هزيمة الجيش العراقي في الكويت عام 1991 ، وصل العنف بالعراقيين أنهم وضعوا إطارات السيارات في رقاب عناصر من البعثيين وأحرقوهم وهم أحياء .
5 . وبعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية في 1988 أبيد اكثر من مائة وثمانين ألف كردي في عمليات الأنفال ، وأحرقت آلاف القرى الكردية ، فضلا عن مجزرة حلبجة المعروفة .
6 . وفي عام 2003 اكتشف العشرات من المقابر الجماعية تضم رفات آلاف العراقيين ، بينهم نساء وأطفال دفنوا وهم أحياء .
وتبين أن السلطة في النظام السابق استعملت وسائل العنف في التعذيب حتى مع من كان موضع الشبهة ، مثل وضع الشخص وهو حي في الأحماض التي تذيب اللحم والعظم ، والكي والحرق وتقطيع الأعضاء .
ويخطئ من يرى أن هذا التفنن في العنف كان من مبتكرات النظام السابق ، بل هو في الأصل ( إرث سيكولوجي ) من الأنظمة السابقة التي حكمت العراق ، منذ أن صارت بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية لألف عام. ففي هذا الإرث مشاهد من العنف قد تكون أكثر بشاعة وأهانة لقيمة الإنسان ، إليكم واحدا منها :
في عام 291هج جاء جنود السلطان بالقرمطي ( الحسين بن زكرويه ) ومعه أكثر من ثلاث مائة من اتباعه ، وقد وضعوا في فمه خشبه مخروطية وشدت الى قفاه كهيئة اللجام . وأمر الخليفة ( المكتفي ) ببناء دكة في المصلى العتيق . وتجمهر الناس ، وجيء بالأسرى يتقدمهم القرمطي ، فصعدوا به الى الدكة وقدّم له أربعة وثلاثون من الأسرى وقد قطّعت أيديهم وأرجلهم وضربت أعناقهم واحدا بعد واحد . ثم قدّم كبيرهم فضرب مائتي سوط ، وقطعت يداه ورجلاه وكوي ثم أحرق ورفع رأسه على خشبه ، وصلب بدن القرمطي في طرف الجسر الأعلى الواقع في بغداد طبعا .

3)
إن ممارسة الشخصية العراقية للعنف تقدم ، لمن يريد التقاط العبرة ، دروسا في الكشف عن أسبابه ، واول هذه الأسباب أن الإنسان ليس مجبولا على العنف ، غير أنه يكون أشد ضراوة من الوحش عندما يتعرض الى ( الإحباط اليائس ) .. أعني عندما يعاق أو يحرم من تحقيق أهداف وإشباع حاجات يراها مشروعة ، مصحوبة بمشاعر الحرمان النفسي ، وبخاصة عندما يدرك أنه أو جماعته يحصل على أقل من استحقاقه ، أو أن جماعته تحصل على أقل مما تحصل عليه الجماعات الأخرى .
وثاني هذه الأسباب ، أن اللاشعور الجمعي للمجتمع له دور فاعل في تحديد سلوكه الجمعي . وبما أن اللاشعور الجمعي للعراقيين معبأ بالعنف ومبرمج من ألف عام على تشغيله في حل الصراعات ، ومشحون بالثأر والحقد ، فأن العراقي يستحضر هذا الانفعال – لا شعوريا – في حل أزماته المعاصرة.
وثالث هذه الأسباب ، أن السلطة في العراق كانت بيد السنّة من ألف عام ، فيما كان الشيعة في المعارضة . وأن ما حصل الآن هو تبادل للأدوار ، شبيه من حيث فعله النفسي ، بتبادل دوري السيد والعبد . وهذا يعني أن العنف لا بد أن يحصل في المجتمع المتعدد الطوائف والأعراق ، اذا انفردت بالسلطة طائفة أو قومية بعينها .
ورابعها أن وجود الأجنبي في أي وطن كان وبأي مسمّى كان ( محتل ، محرر ... ) تثير في ابن الوطن الإحساس بالذلّ والإهانة والتحقير والاستلاب ، وتستنهض فيه – بحتمية نفسية – مشاعر الكرامة وردّ الاعتبار، تدفعه إلى العنف، ليس فقط ضد المحتل بل وضد من يستميلهم المحتل من الناس، خوفا من أن يستفرد المتعاونون مع المحتل بالسلطة وبالمصالح.
وخامسها ، يذكرنا بواقعة حدثت في احتلال العراق أيضا . فقد زار القائد العسكري البريطاني ( لجمن ) قبيل اندلاع ثورة العشرين ، المرجع الديني ( الشيرازي ) في النجف وعرض عليه أن يأتيه بمفاتيح روضة الإمامين في سامراء ( وهي بيد السّنة ) ويعطيها للشيعة ، فرفض ( الشيرازي ) وعاد ( لجمن ) خائبا ، وبعث بطلب الشيخ ( ضاري – من وجهاء السّنة ) وقال له : كيف تطيعون فتوى الشيرازي وهو مرجع للشيعة ؟ . فاجاب الشيخ ضاري : والشيرازي مرجعنا أيضا !.
وهذا هو الموقف الذي نفتقده اليوم ، وبدونه يبقى الاحتراب الطائفي ولن تنهيه مشاريع أو محاولات السياسيين . فالمفارقة ، أن السياسيين هم الذين يشعلون نار الاحتراب الطائفي ..وأن الناس لا السياسيين هم القادرون على إطفائها . وأظن أن أولى المحاولات قد بدأت الآن .



#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)       Qassim_Hussein_Salih#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دماغ العراقي
- اسلامفوبيا
- ما للمجلس العراقي للثقافة وما عليه
- أسرار النساء
- المأزق الثقافي العراقي- تحليل سيكوسوسيولوجي لحالة الثقافة وا ...
- السياسيون أصحاء .... أم مرضى نفسيا
- ضحايا الأنفال .. والحق النفسي
- كبار الشيوعيين ...أبناء معممين - الحلقة الأولى -!
- الحكومة والبحث عن يقين
- الشعر الشعبي... ندّابة المازوشيا الممتعة!
- العلم العراقي
- العرب.. وقراءة الطالع
- جيل الفضائيات
- أغلقي عينيك وفكّري في إنجلترا
- السيكولوجيون العرب وتحديات العصر
- الحزن المرضي ... والشخصية العراقية
- 10% فقط. ..نزيهون في العالم
- مرض الكراهية
- مصيبتنا ..فيروسات ثقافية!
- كردي ما اعرف ... عه ره بي نازانم !


المزيد.....




- فيديو أسلوب استقبال وزير الخارجية الأمريكي في الصين يثير تفا ...
- احتجاجات مستمرة لليوم الثامن.. الحركة المؤيدة للفلسطينيين -ت ...
- -مقابر جماعية-.. مطالب محلية وأممية بتحقيق دولي في جرائم ارت ...
- اقتحامات واشتباكات في الضفة.. مستوطنون يدخلون مقام -قبر يوسف ...
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بسلوكها
- اكتشاف إنزيمات تحول فصائل الدم المختلفة إلى الفصيلة الأولى
- غزة.. سرقة أعضاء وتغيير أكفان ودفن طفلة حية في المقابر الجما ...
- -إلبايس-: إسبانيا وافقت على تزويد أوكرانيا بأنظمة -باتريوت- ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف بلدتي كفرشوبا وشبعا في جنوب لبنان (صور ...
- القضاء البلغاري يحكم لصالح معارض سعودي مهدد بالترحيل


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - قاسم حسين صالح - العنف.. والشخصية العراقية