أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - الفصل 8 من رواية كش ملك















المزيد.....

الفصل 8 من رواية كش ملك


حبيب هنا

الحوار المتمدن-العدد: 1859 - 2007 / 3 / 19 - 04:41
المحور: الادب والفن
    


-8-
ليلة الإجازة

اللجنة المنظمة للبطولة، كانت قد أبلغتنا قبل يوم عن تقديم موعد المباراة مدة ساعة حتى نتمكن الانتهاء منها مبكراً بغية الاستعداد لسهرة ليلة الإجازة والتي من الممكن أن تمتد إلى مشارف الفجر، الأمر الذي يتطلب معه البقاء في السرير حتى منتصف النهار.
على نفقة المضيف، أقلتنا حافلتان إلى جهة نجهلها. وكان الوقت قبل منتصف الليل بساعة تقريباً، أنسام تجلس إلى جواري على مقعد في منتصف الحافلة، بينما الوفد اللبناني يجلس في المقعد الخلفي إلى جوار الوفد الفلسطيني، ولم يكن هذا الترتيب مخططاً له مسبقاً، حدث بالصدفة المحضة، وكأن الأقدار وحدها ترتب مصائرنا على نحو ما.
ولما وصلنا المكان بدأنا بالنزول من الحافلة، حاصرت وسطي بذراعها ففعلت الشيء نفسه. وجلسنا على طاولات مهيأة لاستقبالنا، غير أننا اخترنا واحدة قريبة جداً من( الاستاج) وشبه معزولة حتى لا نقع تحت تأثير نظرات أصدقائي الذين كلما نظروا إليّ أخذهم الضحك والحديث الجانبي الذي يوحي بتساؤلهم: كيف استطعت إقامة هذه العلاقة سريعاً؟
وكانت الموسيقا الهادئة تغطي المكان فأضفت عليه شرعية شاعرية حلمت بها يوماً فصحوت من النوم عليها. جاءت المقبلات على وجه السرعة. تناولت واحدة منها وقضمت طرفها، ثم نظرت إلى أنسام ومددت يدي صوب شفتيها وأنا أقول:
- كم هي لذيذة؟
تقدمت برأسها إلى الأمام، فيما أخذت يدي بالتقدم صوب شفتيها إلى أن أمست بينهما. امتصتها حتى الثمالة، قالت:
- هل كنا على موعد معها؟ إنها لذيذة أكثر مما توقعت!
- لو لم تكن كذلك، لما وضعتها بين شفتيك..
- لو لم تلمسها لما أصبحت على هذا النحو!
الموسيقا تفرد جناحيها علينا، وكلماتي تعانق كلماتها بما يشبه الهمس والتّضام العذب. أطباق العشاء الشهي يقدمها بعض العاملين، فيما البعض الآخر يستبدل الفارغ قبل أن يخلو تماماً زيادة في كرم الضيافة.
وبعد الانتهاء من تناول العشاء، جاءت أطباق الفواكه من مختلف الأنواع، ومعها بدأ غناء فتاة في مقتبل العمر؛ صوتها الرخامي يتغلغل إلى أعماق تكوينك، يدفعك دفعاً كي تعض الأنفاس واللحظات وبقايا من ضلوع الليالي الماضية.
ومع اختلاف نوع وصلات الغناء، أخذت الرؤوس بالتمايل، فيما الأكتاف التصقت بالأكتاف وبدأت حركة التمايل ذهاباً وإياباً جماعياً تبعاً لإيقاع النغم والموسيقا والكلمات وحالة الانتشاء وما تمثله الأغنية للكل الجمعي.
وأغلب الظن، أن الحركة كانت منسجمة تماماً مع الغناء. ففي الوقت الذي كانت الأغنية تقول:
" يا فلسطينية والبندقاني رماكم ، والصهيونية تقتل حمامك بحماكوا، يا فلسطينية" كانت الأكتاف تصل درجة تمايلها زاوية 65 درجة، وفي الوقت الذي تقول: " وين ... وين الملايين.. وين وين.. الشعب العربي وين.." كانت السواعد ترتفع إلى عنان السماء بزاوية قائمة معلنة التحدي، وعندما تتغلغل كلمات فيروز في أعماق النفس البشرية
بكتب اسمك يا حبيبي على الحور العتيق
تكتب اسمي يا حبيبي على رمل الطريق
تأخذ الرؤوس بالترنح، بينما أغنية صباح فخري:
ع الروزانا ع الروزانا كل الهنا فيها
شو عملت الروزانا الله يجازيها
كان الصمت يعم المكان كأن على الرؤوس الطير. أما أغنية
بحبك يا لبنان يا وطني بحبك
فقد ألصقتني بأنسام التصاق يكاد يكون الانفصال بعده مستحيلاً.
وبعد مضي ساعتين على بدء الحفل الساهر، سكن بعض المدعوين أنفسهم وتفتحت جروحهم على مواجع كاد غبار النسيان والسنون أن يعمل على التآمها لولا هذا الحفل الذي عمل على نكأها مجدداً، غير أن المغنية الشابة، أدركت استحالة البقاء هكذا دون أن يصيب الملل الحضور، فعمدت فوراً إلى اختيار أغنية تحمل كلماتها من المضامين ما ينفذ للروح مباشرة، ومن الألحان ما يجعل الأجساد تتراقص وهي جالسة، الأمر الذي دفع بعض الصبايا إلى النهوض والتوجه صوب (الاستاج) والصعود عليه وهم يتراقصون من شدة الطرب، سيما بعد أن فعلت بهم الأغاني السابقة ما فعلت.
وعلى غير توقع تقدمت صبية نحو شاب يجلس خلف الطاولة الأولى أمسكت يده وجذبته نحوها فنهض صاعداً إلى منصة الرقص. أخذتهم الحيرة إلى مداراتها، ودوار الرأس دفع العديد إلى النهوض والرقص. وكانت أنسام منذ اللحظة الأولى التي جلسنا فيها متجاورين قد وضعت الشال الذي يلف كتفيها على مسند المقعد، فبان بياضها الغض الطري متوهجاً، مما حرك في نفسي الشاعرية والأوجاع تبعاً لكل حركة تنم عنها كما لو أنها تحاكي روحي.
واندفعت مرة واحدة، أحاصر خصرها بذراعي، ثم نهضت بها إلى حلبة الرقص وبدأنا الانثناء مع الإيقاع وتداعياته، اطويها كما أشاء، ثم أعاود تشكيلها من جديد. ومن جديد، ندور حول أنفسنا، تضع يدها حول خصري، فأنتزع يدي عن خصرها وأسكنها موضعاً آخر. أضع يدي على كتفها، تجتذبني إلى صدرها، نلتصق، ثم نعاود الفكاك. ولا شك أننا مارسنا الأشكال المختلفة للرقص، في محاولة لإثبات التفوق والبراعة معاً، إلى أن أصابنا الإنهاك، فتوسدت كتفي، بينما تركت وجهي يلامس وجهها، أعد عليها انقباض وانبساط الحجاب الحاجز وأشتم عبق أنفاسها المتلاحقة. هي مستسلمة تماماً لوزنها الذي تراخي على ذراعي فوجد فيه ملجأ، بينما كنت مستسلماً لنعومة ملمس وجهها والطرف العلوي من عنقها؛ أصابعنا مشتبكة بهدوء مطلق لا يعكره اختلاط الروائح الطيبة الممزوجة بالعرق ومساحيق التجميل.
وعندما انتظمت الأنفاس وصار إيقاعها رتيباً، انسحبنا باتجاه الطاولة والحسرة تملأ قلوبنا: أي فكاك غير موفق هذه اللحظات!
واكتشفنا فجأة، أننا الوحيدان اللذان كانا ما يزالان فوق حلبة الرقص، عندما أخذ الحضور بالتصفيق الحاد ثم الوقوف احتراماً..
جلسنا خلف الطاولة والنشوة تملأنا. عادت برأسها إلى الوراء ثم مالت به إلى أن اتكأ على كتفي ولامس رأسي. حركت يدها ببطء إلى أن استقرت فوق المعدة تماماً، في وقت كانت فيه أنظار الأصدقاء تلاحقني عاتبة: هذه الفاكهة لم نتعود عليها بين أنقاض البيوت!
بحثت أصابعي عن مكان آمن تستقر فيه، وجدت أخيراً ملاذاً طرياً من اللحم الطازج الخارج للتو من بين ضلوع العرق والخطوة الأولى ووجع السنين، داعبته بحنان وسلاسة ينمان عن حالة غير مسبوقة من الشوق والاشتهاء.
وفاضت روحي بالسعادة التي استكثرتها على نفسي، وعرفت أن نصف الكوب الفارغ زائد نصفه المملوء يساوي واحداً صحيحاً لا تفيض منه الأعشار على الجوانب.
على أية حال، استمرت السهرة بين مد وجزر حتى اقترب الفجر منها، تخللتها إيقاعات حزينة فرضت طقوسها على الحاضرين فكست وجوههم بالعبوس، ثم ما لبثت أن سارت نحو الصخب والإيقاع السريع في أعقاب صعود مغنية شقية تحولت الأنظار إليها فوراً، عند أول حركة بالرأس، الأمر الذي دفع العديد من الشباب إلى الصعود على منصة الرقص ومسايرة الموسيقا والخطوات وحركة الوسط واليدين. بيد أن الموسيقا الهادئة عادت مجدداً بعد أن أدرك القائمون على الحفل عدم تجاوب الجزء الأكبر من المدعَّوين، فعاش الجميع لحظات النشوة بكل أبعادها الرومانسية وما يترافق معها من حديث هامس يتلاءم مع انخفاض صوت الموسيقا وارتفاعها، لاسيما بعد أن أنهك التعب معظم الراقصين.
وأخيراً، جاءت الحافلات كي تعود بهم إلى فندق تالميرى الذي سئم الوحدة وغياب الليل الطويل. وكانت الرؤوس المشبعة بالثقل والتراخي قد تداخلت عليها الأشياء والأماكن وخلطت بين العزف ولحظات النشوة واصطدام أطباق الطعام بأطباق الفواكه والكؤوس بالكؤوس، فتلاشى الحد الفاصل بين حقيقة الحفل وخيالات الغربة.
وعند منتصف النهار، شعر أن ثمة شيئاً يتحرك فوق صدره، حركة بطيئة ناعمة، لا تبعث القلق، لكنها تنعش الحواس. فتح عينيه ببطء، رأى أصابع ناعمة طويلة تمشي على صدره لم يكترث بادئ الأمر، ولم يخطر على باله أن هناك من يلتقي بها خارج المعقول، نجمة تحلق في السماء. تخطف الأنظار وتفرد جدائلها على صفحة وجهه؛ فتح عينيه ما وسعهما، فرأى أنسام بلحمها ودمها تداعب بعض الشعيرات المغروسة عشوائياً على سطح جلد الصدر شعرت بصحوة. التقت النظرات. راوغه السؤال الحاد:
- هل بتنا معاً هذه الليلة؟
- نعم، ولا أعرف كيف وجدت نفسي في غرفتك؟
- كيف حدث ذلك؟
- ما أذكره، أنني رأيت نفسي نبتاً بين ضلوعك!
- وهل حدث لك شيئاً؟
- لا، ولكن كل ما هنالك، أننا عشنا لحظات التضام العذب الذي أخذنا التوق إليها في مداراته فلم يخلف سوى مزيداً من الأشواق!
نهضت من السرير. سقطت الملاية عن جسدها. كانت نصف عارية، فأشعل فيّ لهيب النظر إلى الجسد المسجي. انحنيت بجسدي حتى لامست شفتاي ما بين النهدين ثم ذهبت سريعاً صوب الحمام.
وقبل أن أقفل الباب خلفي سمعت صوت ضحكتها أشبه ما يكون بالعزف على القيثارة، ولما خرجت، كانت بكامل زينتها تنتظرني، فقالت:
- هيا بنا نهبط كي نتناول قهوة ما قبل الأكل حتى نصحو تماماً مما نحن فيه!



#حبيب_هنا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صدور حكم الإعدام بحق كتاب -قول يا طير-
- الفصل 6 من رواية كش ملك
- الفصل 5 من رواية كش ملك
- الفصل 4 من رواية كش ملك
- رسائل حب إلى أطفال لبنان
- هل نحن إزاء ضربة أمريكية ترجيحية واحدة ؟
- الفصل 3 من رواية كش ملك
- الحكومة الفلسطينية .. عشرة شهور على الأزمة
- الفصل 3 من رواية :كش ملك
- اتفاق مكة الثنائي
- إيران والعد التنازلي للحرب
- الفصل 2 من رواية : كش ملك
- الفصل الأول من رواية :كش ملك
- فرصة اللحظات الأخيرة
- مسرحية جديدة -نحكي وإلا ننام
- الحب الفجيعة :قصة قصيرة
- الراقص المقعد :قصة قصيرة
- قلعةلبنان تقتحم من الداخل
- قصة قصيرة
- خروب عسل-- قصة قصيرة


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - الفصل 8 من رواية كش ملك