أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ظاهر شوكت - الاساطير والنفس البشرية















المزيد.....

الاساطير والنفس البشرية


ظاهر شوكت

الحوار المتمدن-العدد: 1758 - 2006 / 12 / 8 - 11:33
المحور: الادب والفن
    


الاساطير من ثمرات النضال الدؤوب للانسان في جدله مع نفسه ، ومع الوجود . ولم تنضج هذه الثمرات من فراغ ، ولا من وهم أو رغبة مجردة أو هوس ، وإنما كانت حصيلة تفاعل حقيقي بين مجموعتين من المؤثرات في سياق زمكاني معين ، وتلك المؤثرات هي :
1- مؤثرات الطبيعة بشتى صنوفها ، والتي أيقظت في الانسان القلق والخوف ، ثم البحث المستمر عن وسائل لاسترضائها أو السيطرة عليها ، أو الانسجام معها .
2-عوامل بايولوجية وسيكولوجية في النفس البشرية ذاتها ، فطرية أو مكتسبة .
إن التعرف على جوانب من الطبيعة البشرية ، والتي لها صلة بموضوع الاسطورة ،أمر ضروري في مساعدتنا على التقرب من فهم الاسطورة التي قال عنها يونغ - وهو أحد تلامذة فرويد - إن كل المحاولات التي بذلت لتفسير الاسطورة لم تساهم في فهمها ، بل على العكس ، لقد زادت في الابتعاد عن جوهرها وزادت حيرتنا نحوها (1) .
فالانسان لا يستطيع أن يرى نفسه خارج العالم ألذي يعمل على تفسيره (2) ، والايمان بالخلود ورفض الموت عاملان يراهما فريزر من خصائص الانسان .فالبدائي يرى الموت حادثاً طارئاً لا مفر منه ، وهو ناجم عن تدخل قوة شريرة ، وحول هذا الموضوع قامت طقوس ، اهدافها تنمية القوى الحيوية وكبح النفوس المنافسة(3) .
والانسان وحده ،هو الكائن الذي لا يقنع بما هو موجود ، أو بما هو واقعي محض ، أو عقلاني محض ، فينشيء الرموز والانظمة الرمزية ، إعراباً عن توقه الابدي الى آفاق اخرى ، غير التي يقع عليها من الحس والادراك ، والى نزوعه الى أن يصنع عالماً معبراً عنه ، الا إنه لا يستوي وإياه ، فاذا هو يطمح الى تجاوزه باستمرار(4) وهذا ناشيء من إستحالة إشباع الحاجات البشرية كلها ومن حب الانسان نفسه وتقديره إياها أكثر مما تستحق في حقيقة أمرها كما عبر عن ذلك البروفسور كارفر ، وقبله إبن خلدون الذي قال في مقدمته : إن التنازع عنصر أساسي من عناصر الطبيعة البشرية (5).
والانسان يطمح أن يكون أكثر من مجرد كيانه الفردي . يريد أن يكون أكثر إكتمالاً ، فهو لا يكتفي بأن يكون فرداً منعزلاً ، بل يسعى الى الخروج من جزئيته ، حياته الفردية ، الى كلية يرجوها ويتطلبها(6) وان للفرد رغبته العميقة في التحرر من ربقة فرديته والانغمار في تيار الحياة الكلية ، ورغبته في فقدان ذاته والفناء في الطبيعة في جملتها (7) .
والانسان يمتلك عقلين : ظاهر وباطن أو ما يعبر عنه بالوعي واللاوعي ، هذه القنبلة التي القاها فرويد فكشف أمامنا آفاقاً جديدةً للبحث في النفس البشرية ، فصار العقل البشري يمكن تشبيهه بجبل الجليد الطافي في البحار القطبية ، لا يظهر منه الا جزء صغير فوق سطح الماء . أما الجزء الاكبر ، فقد انغمس في الماء ، ولا يرى منه شيء . إن أغلب حركات الانسان وسكناته يسيرها ذلك الجزء المنغمس من العقل ، وليس العقل الظاهر إذن إلا خدعة .(8)
والخوف غريزة بايولوجية كلية لا يمكن قهرها أو قمعها كل القمع ، ولكن من المستطاع تغيير صورتها ، والاسطورة مشبعة باعنف الانفعالات والرؤى المزعجة ، ولكن الانسان يستطيع عن طريق الاسطورة تعلم فن جديد غريب : هو فن التعبير ، وهذا يعني اكتسابه القدرة على تنظيم غرائزه البعيدة الغور وآماله ومخاوفه ، وتظهر هذه القدرة التنظيمية في أقوى صورها عندما يواجه الانسان أعظم مشكلاته أي مشكلة الموت . والموت حقيقة ستحير فهم الانسان الى الابد وتقلق مضجعه ، - كما قال مالينوفسكي - هنا يتقدم الدين ويؤكد الحياة بعد الموت ، وخلود الروح ، وإمكان الاتصال بين الحي والميت . هذا الكشف يضفي معنى للحياة ، ويحل النقائض والصراعات المتصلة ببقاء الانسان عابراً على الارض .(9)
والانسان يستجيب في خوفه لفكرة مسبقة كونها خلال تأمله لوسطه الطبيعي ، وتصنيفه لما هو خطر ، وما هو آمن بالنسبة اليه ، بخلاف الخرفان الصغيرة التي تميز رائحة الذئب ، وتفزع لظهوره المفاجيء ، قبل أن تتكون لديها أية خبرة بهذا الخصوص .(10)
إن الانسان الحديث بقلقه - وربما بسبب هذا القلق - لم يستطع التغلب بالفعل على احوال الحياة الهمجية ، إنه يرتد في سهولة ، إذا تعرض لنفس المؤثرات ، الى حالة الاستسلام الكاملة ،أي يتوقف عن البحث عن أسرار بيئته ، ويقبلها كأمر مسلم به .إن هذه الحالة تذكر بتكرار أسطورة قديمة . إن الالهة سيرسيه في جزيرتها ، قد حولت أصدقاء أوديسوس ورفاقه الى أشكال حيوانية مختلفة أما ما حدث هنا ، هو تنازل فجائي لاناس يتصفون بالعلم والذكاء والمعرفة والاخلاص والاستقامة عن أعظم مميزاتهم الادمية . فلم تعد لهم شخصية أو صفات حرة فعالة(11).
ويرىالدكتور قيس النوري أن الاساس في الفكر الميثولوجي الانساني الدائر حول الاصل البايولوجي ، يرجع الى وحدة النفسية البشرية التي دفعت الى هذا التماثل في التفسير (12).
ويرى المؤرخ الفيلسوف توينبي : أن رجل الشارع في أوربا مثلاً لا يختلف في طبيعة تفكيره عن رجل الشارع في أفريقيا أو آسيا . كلاهما بليد ، يميل الى الخرافة ، وسرعة التصديق . ويتفق توينبي مع برجسون موافقة تامة في أن الفرد العادي محافظ جامد يميل الى التمسك بالعادات الموروثة . أما العبقري فهو على النقيض من ذلك يحب الابتداع والثورة على التقاليد . ويشترك شوبنهور الالماني ، وبرجسون الفرنسي ، وتوينبي الانجليزي في أن العبقرية خروج من الذات والانغمار في عالم أسمى وأوسع .(13)
لقد مليء العالم بالمعجزات ، ولكن لا أشد اعجازاً من الانسان ، كما قال سوفوكل (14) فلذا يسمع المرء الصمت ، ويرى الفراغ ، وهذان ينسابان الى دخيلة الانسان ، والانسان ينساب اليهما . في داخل الصمت يسمع اللامسموع . وفي الفراغ يرى اللامرئي . من هنا جاءت رسوم الكهوف .(15)
ففي المنحدرات الثلجية العليا ، لن تتثائب ثانية قطة كهفية ، بعينيها الصفراوين في وجه القمر ، كلا لم تصنع الصور لكي تتكاثر في الطبيعة ، بل في النفس البشرية ، وهي ما زالت تتكاثر . وعندما ينام الزائر ، تستفيق القطة الكهفية ، وتأتي لتشم ظلمة احلامه .(16)
في المغامرة وحدها حيوية الفكر .
في المغامرة وحدها حيوية الذهن . كما قال الفرد نورث وايتهد .(17)
ومما تقدم نستطيع أن نقترب من فهم إمتياز الاساطير بالكلية والشمولية في مدلولاتها النفسية وتحليل الحوافز الداخلية العميقة للانسان الذي ابتدعها ، وجديتها في تناول القضايا المصيرية للانسان ، عبر الخيال الجمعي الذي يبتدع حوادث ، تبدو غير منطقية أو غير معقولة لاشتمالها على عناصر خرافية بالنسبة الينا في هذا العصر ، بينما كانت معتقدات تقترن بطقوس متنوعة أو تقترن الطقوس بها .

الهوامش و المراجع
(1) مغامرة العقل الاولى ، فراس السواح ، ط11 دمشق ص17
(2) ديوان الاساطير ص21
(3) الميثولوجيا اليونانية ، بيار غريمال ، ترجمة هنري زغيب - منشورات عويدات 1982 ص110
(4) موسوعة اساطير العرب عن الجاهلية ودلالاتها ، د. محمد عجينه-دار الفارابي ، بيروت 1994ص6
(5) مهزلة العقل البشري ، د. علي الوردي ص89
(6) ضرورة الفن ، أرنست فيشر ، ص8
(7) الدولة والاسطورة ، أرنست كاسيرر ، ص64
(8) خوارق اللاشعور ، د. علي الوردي ص33
(9) الدولة والاسطورة ، أرنست كاسيرر ، ص74
(10)الاسطورة والمعنى ، فراس السواح دمشق 1977 ص19
(11)الدولة والاسطورة ، أرنست كاسيرر ، ص377
(12)الاساطير وعلم الاجناس ، د. قيس النوري ، عرض الكتاب قاسم خضير عباس في مجلة التراث الشعبي ، العدد الفصلي الثاني 1989، بغداد ص176
(13) خوارق اللاشعور ، د. علي الوردي ص69-70
(14)أوديب يسيوس ، أندريه جيد ، ترجمة طه حسين ص43
(15)آفاق الفن . الكسندر اليوت ، ترجمة جبرا إبراهيم جبرا ص119
(16)نفس المصدر ص116
(17)أقنعة الحقيقة وأقنعة الخيال ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ،بيروت ،1992ص7



#ظاهر_شوكت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صناعة الاساطير في عصرنا الحديث
- ضرورة الاسطورة قديما وحديثا
- وظائف الاسطورة قديما وحديثا
- الاشارة او نهوض الخير
- الاسطورة السياسية ومخاطرها
- ضوء في نهاية نفق مظلم
- المحطة
- الحلاج يزورنا كل يوم
- نظام القوة وقوة النظام
- فن المسخ في بلادي
- الافعوان والشموع
- ذكريات في متنزه الوطن
- نار وحب وأشياء اخرى


المزيد.....




- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ظاهر شوكت - الاساطير والنفس البشرية