أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ظاهر شوكت - صناعة الاساطير في عصرنا الحديث















المزيد.....

صناعة الاساطير في عصرنا الحديث


ظاهر شوكت

الحوار المتمدن-العدد: 1751 - 2006 / 12 / 1 - 11:10
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حين تذكر الاسطورة ، تتبادر الى الاذهان ، مفاهيم الخرافة ، والاباطيل ، والسحر ، واللامعقول ، والاهم من كل ذلك ، الماضي ، أجل الماضي الذي وقع ، وتحول الى ذكرى ، حيث وضعت نصوصه في زوايا المكتبات ،وتحت عنوان : ( للمراجعة عند الحاجة أو للاسمار ).
وصار الحديث عن الاسطورة- في نظر الكثير- في عصر التقدم العلمي والتكنولوجي ( من المفارقات المدهشة)-(1)أو أن المرضى العصابيين وحدهم ، يحتاجون اليها في القرن العشرين كما يرى فرويد-(2) فاليوم لا توجد اسطورة حقيقية فاعلة على نطاق واسع في الحياة الفكرية والروحية والادبية للثقافات الحديثة ،00000 ولم يبق من الاساطير الاتأثيرها المتجسد بالنزوع الاسطوري المتجذر في السيكلولوجية الفردية والجمعية (3) .
إن هذه الاراء - كما أعتقد - متأثرة بعاملين ، أولهما: المفهوم التقليدي المحدود للاسطورة المتجسدة في النصوص الملحمية ، وثانيهما :الانبهار لحد الدهشة بالتقدم العلمي والتكنولوجي ، الذي يصفونه- في كثير من الاحيان- ب(اللامحدود أو اللامتناهي) ، وبذا يتقنع الاسطوري أثواب العلمانية عندما يعتبر العلم نموذجا أمثل قابلآللتطبيق على الواقع ، وكفيلأ بتحقيق التقدم اللامتناهي ، وإن أدى الى سحق الانسان ، وإخراجه من دائرة إتخاذ القرار،وجعله مفعولا ، لافاعلا في التاريخ (4).
إننا في هذا العصر ، وليس في هذا القرن - ومن حيث ندري ولاندري - ترتدينا الاسطورة أونرتديها .فلقد كتب على عصرنا التقني - كما يقول آرنست كاسيرر - النهوض بفن أسطوري جديد ،بل أصبح من الميسور صنع الاساطير على نفس الوجه الذي يتبع صنع أي سلاح (5) .
وإذا كان كاسيرر يقصد بالفن الاسطوري الجديد، الاسطورة السياسية ، أو استثمار السياسة للاساطير لتكوين الايديولوجيات التي تخدمها ، فانه بالامكان أن نتوسع في المفهوم . فالاسطورة مادة لاتفنى ولاتخلق من العدم،فقد يتغير شكلها ، أولونها، أو حتى مذاقها، ولكنها لا تفنى ،أجل لايمكن أن تموت الاساطير ، مادام هذا الانسان على وجه البسيطة ، ومادامت رغباته وتطلعاته أكبر من البحر . فأذا كان للبحر شاطئان، فان الرغبة الى المطلق عند الانسان لايحدها شاطئان .
أذكر أني قرأت قصة كتبها الكاتب الانجليزي H H.G.Wells قبل هذا القرن ، وتحت عنوان (المستقبل) ، تخيل فيها أن رجلا من لندن نام زمنا قد يقدر بمائة أو مئات الاعوام ، ثم استيقظ فاذا بلندن غير تلك التي عرفها من قبل،لقد تغير كل شيء فيها ، ليست هناك سيارات وانما توجد طرق متحركة ، وليست هناك إشارات ضوئية أو علامات للمرور ، وإنما هناك أنفاق وجسور ، ولم يعد الانسان يحار بطبخه ، فهناك حبوب Pills تعوض عن وجبات الغذاء ، أو مطاعم كبيرة تلبي طلبات البيوت ، وليس هناك عمل يدوي ، وإنما تقوم الالة بكل ما يحتاجه الانسان ، وليس هناك حاجة الى المال ، فالواقع الجديد خلق إنسانا ياخذ ما يريد بقدر حاجته ، أو انه لا يحتاج الى المال إطلاقا . المهم هناك شيء جديد واحد ، هو وقت الفراغ الكبير جدا ، فماذا سيفعل الانسان لمعالجة ذلك؟ لقد تخيل الكاتب أن الانسان سيلجأ الى الاهتمام الشديد بالفنون الجميلة ، وسيظهر التنافس بين بني البشر لاظهار الفروق الفردية والتفوق في قدراته الابداعية . لم يكن الكاتب هشاً أو مثيراً للسخرية في استخلاص هذه النتيجة ، الدراسات الخاصة بالطبيعة البشرية تؤكد على أن (التنازع) [ بالمفهوم الفلسفي الواسع لهذه الكلمة ] صفة أساسية فيها ، وذلك لسببين ، هما :
1- إستحالة إشياع الحاجات البشرية كلها .
2- حب الانسان نفسه ، وتقديره إياها أكثر مما تستحق في حقيقة أمرها .كما أوضح ذلك البروفسور كارفر (6)
نعود الى موضوع الاسطورة وحياتنا المعاصرة أو حياة البشرية المقبلة ،أقول إن الاساطير المتنوعة لا تنتهي إلا بفناء العالم ، وعند ذلك يتحول الفناء الى اسطورة جديدة .
اننا -في هذا العصر -نعيش أساطير كبيرة وخطيرة جداً ، ولكنها -ومع الاسف الشديد- سلبية في غالبيتها كما أنها لم تكتب شعراً ،وإنما تكتب بلغات متنوعة : نثرية مكتوبة ، أو مسموعة أو مرئية ، غير أنها تلتقي بالاسطورة القديمة في كونها ، كلية تمثل نوازع جماعية لا فردية ،وانها لا معقولة اذا عرضنا محتواها وغاياتها على معايير ما ينبغي أن يكون عليه الانسان بعد هذا التقدم العلمي والتكنولوجي الرائع ، والذي حول العالم الى قرية صغيرة .ومن أهم هذه الاساطير المروعة ، سوء توزيع الثروة في العالم ، الذي صار يؤدي الى موت ثلاثة عشر مليوناًونصف المليون من الاطفال سنوياً نتيجة وحدانية السوق المفروضة على الناس بحكم الهيمنة الامريكية (7) أوالنظام الدولي الجديد لاحقاً . وإن التبرير اللاهوتي المزعوم للعدوانات المتكررة بالاعتماد على قراءة أصولية للنصوص الموحى بها ، يحول الاسطورة الى تأريخ ، فالرمز العظيم المتجلي في خضوع إبراهيم اللاشرطي لارادة الله ، ومباركة كل شعوب الارض . كل هذا يتحول الى نقيضه القبلي ، أي : أن الارض المغزوة تصبح ارضاً موعودة !(8) .
وهناك عشرات الاساطير التي تعكس بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ، إنهيار الانسان بالرغم من الجلسات الصوفية للامم المتحدة ، وادعاء وسائل الاعلام أسطورة التقدم والعدالة والمساواة .
ففي الوقت الذي يموت الملايين من جراء الجهل والمرض والفقر ، يقيم-الانسان المتحضر- سباقاًللضفادع،وينفق ملايين الدولارات عليه ، وتتناقله وسائل الاعلام المرئية والمسموعة . في نفس الوقت يتوافد المتخمون بالمال لحد القيء ، من مختلف بقاع العالم ، للمشاركة بجدية اسطورية في المزاد العلني المقام-عبر نفس الوسائل- لبيع فستان إمرأة - قيل فيها ما قيل - أو لشراء سيارة محطمة كانت الاميرة " ديانا " تركبها مع عشيقها . ناهيك عن التوجه الى تألية الاشخاص ، وفي مختلف المجالات والاصعدة ، لاسباب متنوعة ، وتحت ذرائع مختلفة . فالنجومية في الرقص أو الغناء ، أو الالعاب مثل الملاكمة ، أو المصارعة الحرة لحد الموت ، تحول البعض الى انصاف آلهة ، تتسابق الشركات في إستثمار نجوميتهم ، لتصريف بضائعها وباسعار عالية جداً . فهذا الحذاء تلبسه الراقصة الفلانية ، وهذا القميص يلبسه الملاكم الفلاني ، وهذه التقليعة في حلاقة الشعر خاصة بالنجم المشهور فلان .
أما الاساطير التي لجأت التقنية العصريةالى إستغلالها لتكوين الايديولوجيات التي تخدمها ، فقد قادت البشريةالى محرقة حربين عالميتين في أقل من نصف قرن ، وهي معادلة قابلة للتكرار ، فهي ما زالت توقد الحروب الاقليمية،العرقية والطائفية في أماكن مختلفة من العالم . لقد حولت القوى الطامعة هذا العالم الى جحيم تحول فيه المال الىإله يرسم خرائط الدنيا ، ويسلب الانسان حقه حتى في الحلم الفاعل .
ولابد من أن يأتي اليوم الذي تكتب هذه الاساطير ، وربما شعراً ، لتطابق من حيث الشكل الاسطورة القديمة،أجل ، لأن الاسطورة فن ، وما دام الانسان باقياً على وجه البسيطة ، فلابد له أن يبحث في الماضي ، وينشغل بوجوده وعلاقاته مع ما يحيط به ، ويستشرف المستقبل . فالزمن بعد رابع ، وهو خط مستقيم يمتد من الماضي مروراً بالحاضر الى المستقبل كما اكتشفه آينشتاين(9).
ومعذرة إذا قلت : إنني أرى بنات الاساطير المراهقات يقفن على قارعة الطريق في القرون القادمة ، ينتظرن الحب الاتي حتماً ، لاقتيادهن عرائس الى مدن المستقبل .

الهوامش و المراجع
(1) موسوعة اساطير العرب عن الجاهلية ودلالاتها ، د. محمد عجينة - دار الفارابي بيروت 1994ص38
(2) الاسطورة ك.ك.راثفين- ترجمة صادق الخليلي ، بيروت 1981ص89
(3) الاسطورة والمعنى ، فراس السواح ، دمشق 1977ص29
(4) موسوعة أساطير العرب ، د. محمد عجينه ص38
(5) الدولة والاسطورة ، ارنست كاسيرر ، مطابع الهيئة المصرية 1975 ص372
(6) مهزلة العقل البشري ، د. علي الوردي ، دار كوفان ، لندن ،ط2 ، 1994ص89
(7) الاساطير المؤسسة للسياسة الاسرائيلية ، روجيه غارودي ، ترجمة حافظ الجمالي ط2بيروت1996ص11
(8) نفس المصدر ص17
(9) خوارق اللاشعور ، د. علي الوردي ، دار الوراق ، لندن ، ط2 ، 1996 ص26



#ظاهر_شوكت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ضرورة الاسطورة قديما وحديثا
- وظائف الاسطورة قديما وحديثا
- الاشارة او نهوض الخير
- الاسطورة السياسية ومخاطرها
- ضوء في نهاية نفق مظلم
- المحطة
- الحلاج يزورنا كل يوم
- نظام القوة وقوة النظام
- فن المسخ في بلادي
- الافعوان والشموع
- ذكريات في متنزه الوطن
- نار وحب وأشياء اخرى


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن ضرب -هدف حيوي- في حيفا (في ...
- لقطات توثق لحظة اغتيال أحد قادة -الجماعة الإسلامية- في لبنان ...
- عاجل | المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالطيران المسي ...
- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قيادي كبير في -الجماعة الإسلامي ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ظاهر شوكت - صناعة الاساطير في عصرنا الحديث