أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ظاهر شوكت - ضوء في نهاية نفق مظلم














المزيد.....

ضوء في نهاية نفق مظلم


ظاهر شوكت

الحوار المتمدن-العدد: 1740 - 2006 / 11 / 20 - 08:40
المحور: الادب والفن
    


الربيع عصر ذلك اليوم كان معافى على نحو واضح ، ها هي روائح الورود والقداح المنبثقة من حدائق البيوت الممتدة على جانبي الطريق ، تدغدغ الأنوف، وتبعث مسرة في النفوس والقلوب، قطع الغيوم البيض تمشي على مهل، والشمس تبدو متمنعة خلفها وكأنها تلعب لعبة الاخفاء ، أصوات المنبهات تشق بفرح طفولي الصمت اللذيذ ، قطرات قليلة جدا من المطر تستفز الأرض .
وقف على جانب الطريق انيقا لحد الدهشة ، شعره المرصوف بطريقة ذكية ، يوحي بالرقة والنعمة ، قميصه اللاهث وراءالفرح مبتسما يبدو عروسا ، تزينه وردة العنق الزرقاء ، سترته ، وقد تكحلت بمنديل احمر ، يطل من فوهة الجيب المثبت فوق الصدر ، تتحدى السنوات الخمسين التي اختطفها عباس من الزمن ، أما سيجارته وطريقة الامساك بها ، تغري الكثير بأن يتصور عباس "باشا" من "الباشاوات" ، وأن يتعامل معه بموجب هذا الاعتقاد مسحة الحزن العميقة في عينيه تتشظى . أشار بدلال واضح الى إحدى السيارات المارقة ، تهالك السائق على ايقافها باسرع ما يمكن ، أصر السائق على اظهار علامات المودة ، وربما الخضوع للباشا ، مال السائق متحاملا على نفسه ، وقد مس كرشه مقود السيارة ، مطلقا أنة ( آخ ) ليفتح الباب لعباس وهو يردد بحرارة تفضل ......
وهو يدلف الى الداخل، تفضل ، قال عباس بكبرياء ، وبصوت خشن: شكرا ثم اغلق الباب و انطلقت السيارة . أنشغل السائق كثيرا بعباس ، غطى ذلك بابتسامته المستمرة واختلاس النظر اليه بين فينة وفينة ،استغفر الله اكثر من مرة ، وبصوت عال ، استعان بالله في كل لحظة ، أما الباشا عباس ، فقد كان مشغولا تماما عن كل ما يفعله السائق يتلذذ بسيجارته الأجنبية التي حمل علبتها بتفاخر .
لاحظ السائق فتاتين جميلتين على جانب الطريق تلوحان باشارة التوقف ، خفف السائق من السرعة، أعتقد أن الأمر قد يسر الباشا على نحو ما ، لكنه فوجىء حين قال الباشا ، وبصوت حازم : تحرك ،لا تتوقف ،انا ساعطيك اجرتهما ، دارى السائق ارتباكه وقال: طيب ..عفوا باشا . انطلق السائق وقد لاحظ غضب الفتاتين عبر المرآة المثبتة إزاءه من الجانب الأيمن ، داخل السيارة ، وربما سمع همسا في إذنه :حقير ! وما الذي يمنعك من التوقف ؟!.
بعد مسافة قليلة ، أشارت فتاة أخرى ، نسي السائق ما قاله الباشا ، وربما غلبته العادة في عمله فخفف السرعة من حيث لا يشعر ، ولكن الباشا صرخ به هذه المرة بجفاء : ما بك يا أخي ؟ ألم أقل لك إني سأدفع ؟ عجيب! . تلعثم السائق المستلب تماما أمام الباشا ، حاول مرتبكا السيطرة على مقود السيارة وتغيير عتلة السرعة ، وقد أخرج لسانه يمسح شفتيه وهو يقول : عفوا ....... طيب.
وصلت السيارة نهاية خط سيرها ، وجلس السائق ملغوما يرتقب تصرفات الباشا . فتح الباشا باب السيارة برقة ، وقف مبتسما وهو يخرج محفظته الأنيقة ، ليخرج منها النقود .قال الباشا باقتدار واضح هذه أجرة السيارة كاملة ، وهذه وهي أجرة الفتيات الثلاث ، مد السائق يده ليخطف النقود ممتنا ومضطربا ، وردد في ذاته : انه فعلا باشا ، أنه السعد هذا اليوم !
قطع الباشا على السائق فرحته حين أيقظه بقوله :
يبدو أنك لم تعرفني ! ثم أبتسم ابتسامة عريضة تنم عن إشفاقه على السائق .
أحس السائق بأن أحدا قد امسك بنخاعه ، وكاد ان يغمى عليه لاضطرابه لكنه استطاع اخيرا ان يقول : عفوا باشا سوء حظي جعلني لا اعرفك ، عفوا ارجو انني قد تصرفت معك بطريقة لائقة ، عفوا يا .........
ضحك عباس مقاطعا : لست من الباشاوات ولكني اليوم عملت ما لا يعمله الباشا ، لقد حرست على الفتيات عسى ان يغفر الله لي ذنوبي الكثيرة ن ثم امسك بيد السائق وصار يقتاده نحو الحوانيت المنتشرة على احد الجانبين ، ثم قال بهدوء : ليس في المنطقة شخص لايعرفني او لا يعرف مهنتي ، ولكني لست مجردا تماما من فعل الخير .
قال السائق : لا داعي الى أن تكلف نفسك من أجلي ، لكن عباس اصر على الموضوع ، وتقدم وهو يقتاد السائق بمودة ، اقترب من احد الدكاكين ، ابتسم الشاب الذي كان في داخل الدكان ، صرخ بعفوية ومرح : هلو ابو العبس ، اليوم بخلاف عادتك تقتاد رجلا ؟! احس السائق بخيبة شديدة واخترقت كلمة ( ابو العبس ) ام رأسه ، اشار عباس بيده طالبا من الشاب الصبر قليلا ، وبصوت رنان سأل عباس ذلك الشاب : حسين هل تحسن الظن في امراة تراها قد ركبت السيارة معي ؟ اجاب الشاب بمرح : مستحيل . ضحك عباس وقال : اذن عليك ان تعلم هذا الرجل الطيب ليعرف لماذا لم اسمح له بان يقل الفتيات ، ثم انسل عباس منتصرا وكانه فرغ من عمل شاق ، بينما بقي السائق مأخوذا ، بدت عيناه بليدتين لدقائق ثم ادرك الامر فابتسم ابتسامة عريضة تحولت الى قهقهة ، وهو يهز رأسه عائدا الى سيارته ويلوح بيده ساخرا مرددا :هي.....هي.. وما ان جلس خلف مقود السيارة انتابه الصمت والدهشة وربما الحزن ، لماذا ؟ لا يدري .



#ظاهر_شوكت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المحطة
- الحلاج يزورنا كل يوم
- نظام القوة وقوة النظام
- فن المسخ في بلادي
- الافعوان والشموع
- ذكريات في متنزه الوطن
- نار وحب وأشياء اخرى


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ظاهر شوكت - ضوء في نهاية نفق مظلم