أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سالم جبران - الدين سماء لا زنزانة















المزيد.....

الدين سماء لا زنزانة


سالم جبران

الحوار المتمدن-العدد: 1711 - 2006 / 10 / 22 - 11:53
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هل الدين عقبة في طريق التقدم الديمقراطي العصري واللحاق بركب الإنسانية المندفع إلى الأمام كالعاصفة؟
الجواب نعم ولا!
وهذا الجواب ليس فذلكة، بل هو جواب حقيقي ولا تناقُض فيه. القضية هي كيف نتعامل مع الدين، هل نأخذ روح الدين أم نأخذ المظاهر والشكليات. هل نتعامل مع الدين قِيَماً روحية واجتماعية وأخلاقية ومسلكية، أم نُحَوِّل الدين إلى زنزانة أو إلى مقصلة.
كل الأديان، عندما قامت، كانت حركات روحية وثقافية وسياسية وأخلاقية تهدف إلى نقل المجتمع إلى مرحلة جديدة، أرقى وجعل الناس إنسانيين أكثر.
اليهودية كانت أول الديانات، تاريخياً، التي قالت بالإله الواحد، وحاربت عبادة الأوثان. وبالإضافة إلى الجانب الديني الروحي لهذه النقلة العظيمة، فإن فكرة وحدانية الله عكست تقدم المجتمع نحو قِيَم مشتركة ورؤية مشتركة وانتماء اجتماعي مشترك.
ثُمَّ جاءت المسيحية نَقْلة نوعية إلى الأمام بالمقارنة مع اليهودية. ورغم المعارضة، بل المقاومة الضارية التي أبدتها المؤسسة اليهودية لظهور المسيحية في أول طريقها، فقد انتصرت وانتشرت المسيحية صيغة دينية واجتماعية جديدة.
بعد ذلك جاء الإسلام، للوهلة الأولى، ديناً وجواباً على الواقع العربي في شبه الجزيرة العربية حيث انتشرت عبادة الأوثان فيما عدا جزر مسيحية ويهودية في المراكز المدينية في الأساس في يثرب والمدن اليمنية.
ولكن الإسلام حمل معه قِيَماً روحية جديدة وبالأساس نواميس اجتماعية عدلية، كما حمل معه توحيداً للشعب الذي كان ممزقاً إلى قبائل متناحرة متقاتلة بالمعنى الحرفي للكلمة، كما حمل أهدافاً اجتماعية من أبرزها رفض العبودية ورفض التعصب القبلي.
وعندما انتشر الإسلام أقام دولة كبيرة في دمشق، دولة الأمويين، وفيما بعد دولة عظيمة في بغداد، دولة العباسيين، ودولة عظيمة في الأندلس. كل مَن يدرس تطور الحضارة الإسلامية يجد أنها تفاعلت تفاعلاً نشيطاً مع الحضارات التي التقت بها، في دمشق وبغداد والأندلس، كما صهرت عِدّة أُمم معاً، في كيان سياسي واحد، مما جعل الحضارة العربية- الإسلامية نتاج حضارات كثيرة. إنَّ الأعمى فقط، هو مَن لا يرى مساهمة الشعوب التي في دخلت الإسلام، حضاريا واقتصادياً ومعمارياً وأدبياً وثقافياً في صياغة الهوية الحضارية للدولة العربية –الإسلامية.
ولكن الدين، كل دين، ليس حقيقة، روحية مُجَرَّدَة ومُطْلَقة، بل هو يزدهر وينتشر ويكون مرناً ومنفتحاً، وقسرياً، في مراحل التخلف والانحطاط.
خذوا الفرق بين المسيحية، في مرحلة محاكم التفتيش والإرهاب الإجرامي ضد حرية الفكر وحرية إبداع العلماء وبين المسيحية في مرحلة النهضة الأوروبية حيث تأقلمت مع العاصفة وأعطتها غطاءً روحياً. إن الصراع الدموي، فعلاً، بين الكاثوليكية التي كانت متجانسة مع النظام الإقطاعي والبروتستانتية التي جاءت متناسقة مع الثورة الصناعية الجديدة والنظام الجديد، كان في شكله، في غلافه، صراعاً دينياً، وهو في الحقيقة صراع اجتماعي. إن مرحلة معينة كان يجب أن تموت، ومرحلة جديدة كان يجب أن تولد. ولكن هذا لا يتم بدون مخاض، وبدون صراع. فهذه هي سُنَّة الحياة.
لذلك ليس هناك دين متطرف ودين مُعتدل. نفس الدين يكون متطرفاً في مرحلة تاريخية معينة ويكون معتدلاً في مرحلة أُخرى، مع العلم أن القِيَم العامة الروحية والأخلاقية للدين هي هي.
إننا نلاحظ الآن أن العالم الإسلامي يعيش مِحْنة قاسية أو أزمة قاسية، في جوهرها مِحْنة حضارية بالأساس لا محنة دينية. هل يريد العالم الإسلامي أن ينتقل إلى مرحلة الثورة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية أم يريد أن يظَّل متخندقاً في الماضي؟ هل يتكيف ويتأقلم مع العالم المتغيِّر أم ينغلق على تفسه ويرفض كل الرياح والعواصف من حوله؟
كلما زاد رعب الطبقات الحاكمة، سياسياً ودينياً، اندفعت إلى الانغلاق وإلى التمسك الشكلي بالدين. وهذه الطبقات تُعْطي قُدسية "دينية" للانغلاق والتحجر والنصوص الشكلية ورفض التفاعل مع رياح العصر.
إننا نتذكر الحضارة العربية الإسلامية في عصر المأمون في بغداد، نتذكر الانفتاح على العصر والاستعداد للاستفادة من كل الحضارات القديمة والمعاصرة، نتذكر التحالف العظيم بين الحضارة القديمة والمعاصرة، نتذكر التحالف العظيم بين الحضارة الإسلامية وبين علوم العصر، في مرحلة لاحقة، نلاحظ الإسهام العربي الإسلامي في مختلف العلوم، الاقتصادية والفلكية والفلسفية وغيرها. ونقارن تلك الحقبة العظيمة المجيدة بحضارة "طالبان" في أفغانستان وحضارة الزرقاوي في بغداد. ونسأل : هل حضارة طالبان ومشايخ ايران اليوم هي الحضارة الإسلامية حقاً، أم الحضارة الرائعة المدهشة للعرب في العصور الذهبية، في دمشق وبغداد والأندلس؟
كلما تعمقّت الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العالم الإسلامي كلما ازدادت وتعمقت نزعة التطرف بالتمسك بالشكليات والعجز عن استنباط القِيَم الروحية والاجتماعية الجديدة، بل الخوف من كل جديد وكأنه كُفْر وزندقة.
إن الأنظمة الدكتاتورية في العالمين العربي والإسلامي كانت لها مصلحة في تفسير الدين تفسيراً شكلياً ومحافظاً كأنما هو يُخْتَزَل بالطاعة المُطلقة للسلطان لا بقول كلمة حق أمام سلطان جائر، وبالخنوع لا بالثورة، وبالخُزَعبلات والشعوذات لا بشجاعة البحث عن الحقيقة عملاً بقول فيلسوف الشعراء وشاعر الفلاسفة أبي العلاء المعري:
كذب الظّنُّ، لا إمام سوى العقل،
مشيراً في صُبْحِه والمساء
إننا نعيش، في هذه المرحلة مأزقاً مزدوجاً، فمن ناحية تسيطر الأنظمة الدكتاتورية الانكشارية المفسودة والظالمة ومن ناحية ثانية يسيطر الانغلاق والتحجر والعجز عن الاجتهاد، في المجال الديني أيضاً. السلطان الظالم يريد من الدين أن يُقدِم له فتوى بالشرعية وعدم جواز الثورة على السلطان، لا أكثر ولا أقل.
إن المأزق السياسي- الاجتماعي في المجتمعات العربية والإسلامية مترابط مع غياب الاجتهاد الروحي والفكري والفلسفي والاجتماعي في الأوساط الدينية، بل غياب العقل.
وهذا ما يجعل أزمتنا مضاعفة، دنيوية وروحية، سياسية ودينية. وهذا ما يجعل مجتمعاتنا العربية والإسلامية تقف مكانها أو تزحف زحف السلحفاة إلى الأمام، وفي حالات كثيرة تتدهور إلى الوراء، بينما العالم من حولنا يتقدم إلى الأمام بوتيرة عاصفة.
إن قوى التقدم والعلمانية والانفتاح على العصر والتقدم العلمي والاقتصادي والاجتماعي يجب أن لا تعادي الدين، بل أن تصارع الصيغة الشكلية المحافظة والرجعية لفهم الدين، يجب أن نكشف عظمة المرحلة وإنجازاتها عندما تحالف التقدم مع الدين، عندما كان الدين يُسْراُ لا عُسْراً، منطقاُ لا صراخاً، رحمة لا نقمة، ودليلاً للتفكير وللأخلاق، لا قيداً ولا خنقاً.
إن قوى الثورة الديمقراطية والاجتماعية والثقافية العربية تُخْطِىء خطأ رهيباً إذا سمحت للقوى الظلامية أن تمارس الاحتكار للدين وللحياة الروحية عموماً. يجب تحرير الدين من تجار الدين ومن الانكشارية الاجتماعية التي تسيء للدين وتسيء للمجتمع.
الدين ليس عدو التقدم الاجتماعي وليس عدو الثورة العلمية والنهضة الاجتماعية. ولكننا يجب أن نصارع حتّى يكون الدين ما هو أصلاً وفعلاً- يُسْراً لا عُسْراً، يًبقي مساحة واسعة للاجتهاد والتفكير والمرونة والأخلاقية العاقلة والمُتَجدّدة .



#سالم_جبران (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطريق للخروج من المأزق واللحاق بالتقدم الإنساني العاصف
- لبنان بتجربته الحضارية أكبر بكثير من مساحته
- الشعب لا يأكل أوهاماً
- - العرب الجيدون - - العرب الساقطون في خدمة نظام القمع الاسرا ...
- الأقلية الفلسطينية داخل إسرائيل تعيش أزمة قيادة غير مسبوقة
- دور المثقف في نظر إدوارد سعيد
- ماركسية الحقبة الجديدة-ثورية,إنسانية,ديمقراطية
- أكبر من أزمة ثقافية
- كذب الظَّن ,لا إمام سوى العقل!
- إسرائيل بدأت تستعد للحرب القادمة
- وضع العرب الفلسطينيين في إسرائيل
- المعركة ضد الاستعمار الأمريكي والمعركة ضد الأصولية الدينية ا ...
- الشخصية الأولى في إسرائيل–علامة سؤال
- الحرب على لبنان دمرّت..حكومة أولمرت
- هل كانت الحرب لإعادة الجنود المخطوفين؟
- في دولة الأغنياء
- هل هناك استراتيجية عربية
- بعد الفشل في الحرب إنتخابات برلمانية مبكرة
- انتخابات الآن
- بعد توقف العدوان على لبنان بدأت الحرب الداخلية في إسرائيل


المزيد.....




- قائد الثورة الإسلامية يدلى بصوته في الجولة الثانية للانتخابا ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تقصف 6 أهداف حيوية إسرائيلية بص ...
- -أهداف حيوية وموقع عسكري-..-المقاومة الإسلامية بالعراق- تنفذ ...
- “بابا تليفون.. قوله ما هو هون” مع قناة طيور الجنة الجديد 202 ...
- المقاومة الإسلامية بالعراق تستهدف قاعدة -عوبدا- الجوية الاسر ...
- “وفري الفرحة والتسلية لأطفالك مع طيور الجنة” تردد قناة طيور ...
- “أهلا أهلا بالعيد” كم يوم باقي على عيد الاضحى 2024 .. أهم ال ...
- المفكر الفرنسي أوليفييه روا: علمانية فرنسا سيئة وأوروبا لم ت ...
- المقاومة الإسلامية بالعراق تستهدف ميناء عسقلان المحتل
- المقاومة الإسلامية بالعراق تقصف قاعدة -نيفاتيم- الصهيونية+في ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سالم جبران - الدين سماء لا زنزانة