أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هويدا طه - رحيل نجيب محفوظ ليس صدمة: الصدمة أن مبدعين يرحلون ولا يولد غيرهم















المزيد.....

رحيل نجيب محفوظ ليس صدمة: الصدمة أن مبدعين يرحلون ولا يولد غيرهم


هويدا طه

الحوار المتمدن-العدد: 1667 - 2006 / 9 / 8 - 10:08
المحور: الادب والفن
    


لم يكن رحيل نجيب محفوظ يمثل (صدمة) من حيث الموقف الإنساني الطبيعي من وفاة شخص ما.. حتى لو كان بحجم نجيب محفوظ، فالأديب الراحل- دعونا نحسبها بهدوء- ترك دنيانا في عمر ٍ لا يفجع الناس عادة في رحيل من يناهزونه.. فمن المتوقع بالطبع أن يرحل عن دنيانا في أية لحظة من قارب عمره قرنا من الزمان.. ويكون شيئا غير مصدق أو ضربا من الإدعاء أن نقول (فجعنا أو صدمنا) برحيله.. هذا الاستقبال (البارد) نسبيا لرحيله لا يقلل بالطبع من شأن أديبنا المخضرم، لكن مهلا.. رغم هذا (الاستقبال البارد) لخبر رحيل نجيب محفوظ فإن (غصة ما) شعرنا بها في مصر بسبب ذلك الرحيل غير المفاجئ.. ما يجعلنا نتساءل.. لماذا إذن رغم بلوغه هذا العمر وتوقفه عن العطاء الإبداعي منذ سنوات بسبب الشيخوخة.. لماذا شعرنا بغصة الرحيل؟! على الأقل أصف هنا تفسير هذا الشعور من وجهة نظر قد يتفق معها البعض..
كان يوم رحيله ثم يوم تشييع جثمانه مناسبة إعلامية دسمة بالطبع أمكن ملاحظتها على العديد من الفضائيات والإذاعات إضافة إلى الإعلام المقروء، وكان ملفتا اللقاء الذي عقده برنامج العاشرة مساء على قناة دريم مع العديد ممن كانوا مقربين منه في سنواته الأخيرة، لكن.. لم يستطع أي منهم وضع يده على (السبب) في الشعور العام بالحزن في نفوس المصريين- خاصة النخبة المثقفة منهم- لرحيل محفوظ ، ربما بسبب تأثرهم العاطفي لكونهم عاشروه عن قرب في سنوات عمره الأخيرة.. وربما لأن المناسبة لا تسمح إلا بالحديث عن عطائه هو ولا شيء آخر، وربما يدركون السبب ولكنهم (لا يريدون) كشفه بسبب الحسرة.. ربما، فبوداع نجيب محفوظ تكون مصر وعلى مدى العقدين الأخيرين قد خسرت الكثيرين من مبدعيها الواحد تلو الآخر (دون أن يظهر بعدهم من يكون بقامتهم وبمستوى إبداعهم).. رحل أدباء وعلماء وزعماء وفنانون دون أن تبزغ أسماء جديدة تضاهي من يرحلون.. ربما يكون هذا هو سبب (الغصة) التي نشعر بها.. أن مصر تفرغ من المبدعين وتظلم سماء الإبداع فيها أكثر فأكثر كلما رحل واحد ممن جعلوا مصر ذات يوم في عصرهم (مركز الإبداع والنهضة والتنوير في إقليمها).. ليس هناك طه حسين جديدا.. ضاعت هباء آمالنا في ظهور أم كلثوم أخرى، لم نعد نحلم بنجيب محفوظ آخر ولا عبد الناصر ثان ولا عندليب أسمر جديد ولا ملحن آخر كالسنباطي ولا طلعت حرب جديد - تعتصر مصر حاجة واحتياجا لمثله الآن- ولا تكرارا لقديس مثل نبيل الهلالي ولا ولا ولا.. مصر لا تجدد نفسها.. لا تلد آخرين وأخريات ممن منحوها تلك القامة التي يشاء حظ جيلنا العثر أن يشهدها وهي تتقزم وتتوارى خلف ذيول أقزام.. لسبب ما.. يتعملقون أمامها بينما هي لا تعرّف نفسها إلا بمن (كانوا)، يكاد البعض يشعر بالحزن العميق لا لأن أديبا عظيما أو عالما أو فنانا رحل وإنما لأن رحيله ينبئنا بعكس ما كنا نردده منذ الصغر في ثقافتنا المصرية الجمعية.. (أن مصر ولادة).. الغصة إذن أننا نخشى أو نشعر أنها ومنذ أكثر من عقدين توشك أن تكون (عقيما).. ليتطور تساؤلنا.. إذا كان الشعور بأن مصر لا تجدد نفسها هو سبب الغصة التي أصابتنا لرحيل نجيب محفوظ.. فما هو أصلا سبب عقم مصر؟! هذه النخبة الرائعة من أبناء وبنات مصر التي يواريها الثرى عاما بعد عام وُلد بعضهم في أوائل القرن العشرين عندما كانت مصر (تتحسس لنفسها هوية وطنية) وتبحث عن ذاتها في ظل احتلال بريطاني وبقايا احتلال تركي.. ثم وُلد بعضهم قبل منتصف القرن عندما كانت مصر قد بدأت تشعر بذاتها وتبني لبناتها الأولى كدولة تحاول أن تكون (ليبرالية) وكان من الطبيعي أن يولد فيها من يعبر بالأدب والعلم ومحاولات النهضة المحمومة عن هذه (الإفاقة الحضارية)، وعندما قامت في مصر ثورة يوليو ورغم دورها في انكماش الوجه الليبرالي لمصر.. فقد استمرت فيها -وإن على يد يسار تنويري- محاولات النهضة المحمومة.. فانتعش الأدب والعلم وثقافة الإنتاج والتنوير والفن بكل صوره.. سينما وفنون تشكيلية وأدب وإبداع بصور مختلفة.. هذه الأجيال التي مرت بهاتين المرحلتين (شبه الليبرالية ثم شبه اليسار التنويري) هي من ترحل الآن.. لتترك بعدها خواء.. حيث ولد من بعد نكسة 67 جيل (حاول) أن يبدع.. حاول أن يضاهي من كانوا.. لكنهم تعثروا.. (صاروا مشاهير دون أن يصيروا عمالقة)! فلماذا؟! لا أرى سببا إلا أن مصر لم تطل (بلح الشام ولا عنب اليمن) كما يقال في الأمثال.. لا هي مضت في طريقها شبه الليبرالي الذي بدأته في أوائل القرن وحتى قبل ثورة يوليو.. ولا هي مضت في طريق شبه اليسار التنويري الذي استمر منذ منتصف القرن وحتى لحظة حرب 73.. التي تعتبر مفصلا بين مصر التي كانت رائدة ومصر التي تنزلق إلى مصير الأقزام، صرنا دولة رخوة هلامية لا هوية لها ولا لون ولا طعم ولا قيمة ولا مكان ولا مكانة.. نكاد نصير لاشيء.. في ظل هذه الهيمنة المخيفة التي يمارسها طفيليون أثروا بلا إنتاج أثروا بلا جهد أثروا من سرقة الناس وسحقهم أو بيعهم في أسواق النخاسة العالمية.. فتحولنا إلى جماعة بشرية منهكة ليس في أفقها القريب أو البعيد (حلم) تسعى من أجله.. أو تلد من أجله من يضاهي أم كلثوم ونجيب محفوظ ونبيل الهلالي وعبد الحليم حافظ وطلعت حرب وجمال عبد الناصر.. يا خسارة، قد يبدو هذا تشاؤما.. لكن غياب نجيب محفوظ الفعلي عن كوكبنا ثم غياب الأمل بأن يتكرر مثله قد يكون سببا عابرا لهذا التشاؤم.. الغريب أن نجيب محفوظ نفسه قال ما يدل على اتفاقه مع هذا الرأي!.. فقد عرض برنامج العاشرة مساء فيلما قصيرا عنه كان قد سجل بمناسبة حفل عيد ميلاده الثالث والتسعين.. وكان يوسف القعيد- وهو أديب جميل- يقترب من أذنه ليسمعه سؤالا تلو الآخر.. كانت إجابات نجيب محفوظ مدهشة.. بالفعل مدهشة، سأله:" أنت حضرت مصر في أعوامها العظيمة ثورة 19 ودستور 23 ومعاهدات 36 وحرب 48 ثم ثورة 52 ونكسة 67 وحرب 73 وغيرهم ماذا تقول عن مصر الآن؟" فرد نجيب محفوظ:" الله يعينها.. مصر دلوقتي؟ الله يكون في عونها" فسأله:" تفتكر إيه الحل؟" فقال له:"تفتكر عارف الحل ومقلتش؟" لكن السؤال الأجمل الذي يتفق مع (حسرتنا على مصر) كان حين سأله القعيد:" في عيد ميلادك الماضي قلت ضاحكا.. ياه ده أنا عشت كتير وياما شفت العجب.. في عيد ميلادك انهارده تقول إيه؟" فرد بعفوية تكاد تكون عبقرية:" أقول.. مش شايف أي عجب"!.. فعلا يا أديبنا الراحل.. لم يعد ببلدك الذي تركته إلى الأبد.. أي عجب... يا خسارة يا مصر!





#هويدا_طه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطبقة الوسطى المصرية وأحلامها المبتورة
- بين نوعين من النضال ضد أمركة العالم
- لماذا أحبه المصريون: بين نصر الله وغيره هناك فرق
- وطن عربي جديد بدلا من شرق أوسط جديد
- الانكسار في عيون المصري له حل: المقاومة لإسقاط الدولة هي الح ...
- الفرحة الآثمة مرتين
- الفضائيات تعود لقتيلها المعتاد
- مقاومة حزب الله لفتت النظر إليهما: الموقف المتهكم من الجيش ا ...
- خطابات نصر الله تسكن القاهرة
- ريموت كنترول 4
- ما بعد حيفا وما بعد بعد حيفا
- ثروة الثري العربي وثروة بيل غيتس
- يجب أن تتحرك الشعوب، حسنا.. ما المقصود بكلمة شعوب؟!
- لا مستقبل لأوطاننا واسرائيل هنا
- الحاضر البعيد عن أجندة هيكل في مسلسله التليفزيوني
- صواريخ حزب الله فضحت إسرائيل وفضحت العرب أيضا
- جائزة كبرى لأفضل فكرة تصنع ثورة
- مفيش في مصر سياسة، فيه عساكر جوعى وشوية أمل
- الفيلم التسجيلي متاجرة بآلام الناس أم كشف لأسبابها؟
- سنة سجن بتهمة إهانته: صباحك عسل يا ريس


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هويدا طه - رحيل نجيب محفوظ ليس صدمة: الصدمة أن مبدعين يرحلون ولا يولد غيرهم