أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - فتحى سيد فرج - الحضارة المصرية القديمة ..استمرارية أم انقطاع- المقالة الأولى : تأسيسات















المزيد.....

الحضارة المصرية القديمة ..استمرارية أم انقطاع- المقالة الأولى : تأسيسات


فتحى سيد فرج

الحوار المتمدن-العدد: 1650 - 2006 / 8 / 22 - 10:01
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


تعتبر مصر الفرعونية أول حضارة إنسانية ممتدة عرفها التاريخ تبادلت الأخذ والعطاء التأثير والتأثر مع غيرها من حضارات العالم القديم في تفاعل خلاق كان يولد الجديد والمتقدم خلال هذه العصور. ولكن مصر كانت سباقة في تأسيس الحضارة وحققت أول وحدة قومية وأول دولة مركزية وتوصلت من خلال دورة الحياة إلي التقويم الشمسي المتوافق مع استمرارية الحياة والوجود ووهبت الوعي بالضمير لكل البشرية.
وفي رده على مقولة "هيرودوت" الشهيرة مصر هبة النيل أكد شفيق غبريال أن تكوين مصر كان صنع المصريين، وقد شرح ذلك في إطار نظرية أستاذة أرنولد توينبي (التحدي والاستجابة).
فعندما حدث التحول الطبيعي العميق من عصر الجليد إلي عصور الجفاف في أجزاء كبيرة من قارتي أفريقيا وأسيا، لم تحاول بعض الأقوام الانتقال أو تغيير طريقة معيشتهم فلقيت جراء إخفاقها في تحدي الجفاف- الإبادة والزوال- وبعض الأقوام تجنب ترك الوطن ولكنه استبدل طريقة معيشته وتحولوا من صيادين إلي رعاة رحل، وهناك من رحل إلي الشمال وكان لزما عليهم أن يواجهوا برد الشمال الموسمي ، ومن الأقوام من انتقل إلي الجنوب وهناك أوهنت قواهم تلك المنطقة الاستوائية الحارة والتي لا تنقطع فيها الأمطار.
ولكن هناك أقوام استحابوا لتحدي الجفاف بتغيير موطنهم وتغيير طرائق معيشتهم معاً، وكان هذا الفعل المزدوج، الذي قل أن نجد له مثيلاً هو العمل الإرادي الذي خلق مصر كما عرفها التاريخ. فقد هبط هؤلاء الرواد الأبطال بدافع الجرأة أو اليأس إلي مستنقعات قاع الوادي وأخضعوا طيش الطبيعة لإرادتهم ، وحولوا المستنقعات إلي حقول.
أسس الحضارة الزراعية: يرجع سليمان حزين أول ارتباط الحياة بالبيئة المحلية في مصر إلي ما يسميه بالعصر الحجري القديم الأعلى، ولا نكون بعيدين كثيراً عن الحقيقة إذا نحن قدرنا تاريخ هذا الدور الأول من أدوار الحياة والمدنية في مصر بأنه يرجع إلي حوالي العشرين ألف سنة . وفي هذا العصر بدأت صناعة الآلات الحجرية تتخذ طابعاً خاصاً بها يميزها عن صناعات العالم القديم ، حيث كانت الجماعة البشرية التي تعيش على ضفاف النيل تتابع حياتها في أمن نسبي ولم تتعرض للغزوات في ذلك العهد ، فاتخذت صناعتها ذلك الطابع الخاص وكان أول دور من أدوار تخصص المدنية الأولي في مصر.
وإذا كان فلاسفة التاريخ يجمعون على تحديد الانتصارات الكبري التي حققها الإنسان العاقل في خمسة وهي على التوالي:
أ. معرفة كيفية الحصول على الغذاء (مجتمع الجني والصيد).
ب. تحقيق المقدرة على إنتاج الغذاء (مجتمع الزراعة والرعي).
ج. تأسيس المدن.
د. الثورة الصناعية.
هـ- اكتشاف الطاقات العظمي كالطاقة الذرية والنووية وتسخيرها لخدمة الإنسان.
وإذا أردنا أن نضيف إلي تلك الانتصارات الحديثة انتصاراً آخر، فهو اختراع العقول الإلكترونية الحاسبة وسرعة استخدامها.
ولكن التاريخ الفعلي للحضارة لم يبدأ إلا بعد تأسيس المدن، ويتفق تأسيس المدن مع توصل الإنسان إلي استخدام البرونز. حيث أنه في كل مرة استخدم فيها الإنسان معدن جديد حدثت ثورة حضارية، ويبدو أن المصريين هم أول من استخدم البرونز. وإذا كان الإنسان منذ العصر الحجري الحديث والذي يرجع إلي أكثر من سبعة آلاف سنة قد تعلم أن يستنبت النبات بدلاً من أن يكتفي بالجمع والتقاط الحب والثمرات من نبات الطبيعة البري كما تعلم استئناس الحيوان وتربيته بدلاً من اقتناصه وصيده وكان هذان انقلابين خطيرين في حياة الإنسان إلي أبعد الحدود ، بل أن بعض الباحثين يري فيهما أخطر انقلابين في تاريخ الإنسانية كلها ، فبعد أن كان الإنسان يعيش عيشة هدم واستغلال قصير النظر لموارد الطبيعة ، ويستدر خيراتها بدلاً من أن يستغلها بما يؤدي في النهاية إلي الإقفار والجدب ، ولابد أن موارد الإنسان قبل أن يهتدي إلي استنبات النبات واستئناس الحيوان كانت محدودة. كما كانت حياته شاقة عقيمة. أما بعد ذلك فقد تعلم كيف يصبح صديقاً للطبيعة.
كما أن الزراعة وتربية الحيوان كانتا موردين منتظمين ومضمونتين إلي حد كبير، بخلاف الصيد الذي يتوقف على عنصر الحظ والمصادفة ، وليس من شك أن حياة الزراعة والرعي كانت ضماناً وأوفر أماناً من حياة الصيد التي يتهددها الجوع في كل حين ، ولقد كان ضمان العيش وأمانة عاملين أساسين في بناء الحياة المطمئنة ، تلك التي يستطيع فيها الإنسان أن يفرغ إلي شيء من العيش المتمدن حقاً ، بل إلي العيش الذي يجمع بين المدنية المادية والثقافة الروحية والعقلية وهما أساس كل حضارة.
ولكن المهم أن الزراعة في مصر لم تكن من النوع العادي الذي ظهر في كثير من جهات الأرض. فالزراعة في غير مصر كانت تقوم كلها على المطر. ما كان على الزارع إلا أن ينقر حفرات صغيرة في الأرض يضع فيها الحب ، ثم يتركه للمطر يسقيه ويغذيه حتى يتم نضجه فيحصده. وهذا النوع من الزراعة يعرف بالنوع الفطري وهو إن كان ارتفع بأهله فوق مستوي الجمع والالتقاط، وأمن حياتهم ووقاهم شر الجوع ، فإنه مع ذلك لم يعلمهم التضامن الاجتماعي فاستطاع الزارع أن يزرع بمفرده أو أن يستعين في حرفته بأسرته الصغيرة دون الحاجة إلي الارتباط بمجتمع كبير، وبذلك بقي المجتمع مفككا ً، ولم يرتفع بحياة المزارعين إلي مستوي التضامن الاجتماعي ، ومن تداخل المصالح المادية بين الأفراد والجماعات الصغيرة ، فضلاً عن أن مثل تلك الزراعة الفطرية لا يجد صاحبها حاجة لأن يتمسك بحقل معين يستقر فيه ويقصر جهوده عليه ، وإنما هو يستطيع- بل يفضل- التنقل من عام لعام فيزرع في كل سنة قطعة جديدة من الأرض لم يضعفها الإنبات في موسم سابق ، ولذلك كله لم تكد صلة الزارع بحقله أو موطنه المستقر توجد وذاك ما حدث فعلاً في بعض جهات أفريقيا الداخلية مثلاً حيث نشأ ت الزراعة وبقيت على أصولها الفطرية فلم تتقدم بالمجتمع في سلم المدنية والحياة المستقرة ، بل بقي الإنسان فيها بدائياً متنقلاً ، واستمر فطرياً في حياته العامة .
أما في مصر فإن الزراعة قامت في أرض تغمرها مياه النيل وكان من الضرورى أن ينظم فيضان هذا النهر إذا أراد المزارعون أن يتوسعوا في أرضهم التي يفلحون ، وهذا التوسع لا يمكن إلا أن يكون داخل حدود الوادي وفي الأرض التي يجدد خصبها هذا النهر في كل عام ، وبذلك كله لم يكن هناك مجال لأن ينتقل الزارع من حقل إلي حقل في كل عام ، بل كان عليه أن يتمسك بحقله ، ينظم فيضان الماء عليه في كل عام ثم ينتظر انحسار الماء عنه ليغرس الحب في أرضه ، وكان تنظيم ماء الفيضان هذا عنصراً هاماً من عناصر الجد والكفاح في الزراعة والحياة الزراعية المصرية منذ نشأتها الأولي ، لأنه عمل ضخم يقتضي تضافر الجهود في المجتمع.
لذلك كله كانت الزراعة في مصر مختلفة عن تلك الزراعة الفطرية التي سادت معظم أفريقيا، فهي زراعة من نوع العمل الشاق والجهد المنظم والتضافر الاجتماعي ، وهي عوامل أساسية في نشأة الحضارة بمعناها العام ، بل هي أساسية بصفة خاصة لنشأة النظام والإدارة والحكومة ، ولكن نشأة الحضارة في مصر لا تقتصر على الزراعة وفلاحة الأرض ، وإنما هي تشمل الحياة والاستقرار والسكن فوق أرض هذا الوادي الذي يغمره الفيضان في كل عام ، وقد استدعي استواء الأرض أن تقام القري فوق كومات صناعية من التراب تبني المساكين في أعلي ذرها لتكون بمأمن من الفيضان الجارف ، وبذلك فرضت الطبيعة على أهل هذا الوادي أن تتضافر جهودهم ، وأن ينظم الحكم بينهم في قري تتمثل فيها روح التعاون والتضامن والتكافل وتنشأ بين أفرادها الحرف المختلفة التي تتصل بالحياة الزراعية من جهة وبحياة القرية العامة من جهة أخري ، فهذه القري يجب أن تنظم أسباب العيش فيها والدفاع عنها وقت الحاجة ، كما يجب أن ينظم اتصال بعضها ببعض وهذا كله يستلزم قيام حكومة وإدارة ، وقد واجه المصريين خلال هذه العصور مشكلتين أولاهما: ذلك الخطر المشترك الذي يهددا الجميع وقت الفيضان والذي يحتاج إلي جهود جماعية ومنظمة لمواجهته ، أما المشكلة الثانية فتتمثل في الفائدة المشتركة والنفع العام من شق الترع والقنوات وإقامة الجسور على الحياض وتوزيع المياه ، وغير ذلك مما يستدعي قيام فنون كثيرة من هندسة الري وقياس الأرض.
وأدي مواجهة هاتين المشكلتين إلي توحيد جهود المجتمع في مصر وفرض النظام والطاعة على الجميع. لذلك كانت مصر من أعرق بلاد الأرض نظاماً وحكماً وإدارة، فالحكومة ، بل الحكومة الجيدة والقوية ، كانت ضرورة من الضروريات التي فرضتها الحاجة لإمكانية استمرار الحياة على ضفاف النيل .



#فتحى_سيد_فرج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا سؤال الهوية ؟! ( المقالة الأخيرة )0
- لماذا سؤال الهوية ؟! ( المقالة الرابعة )0
- لماذا سؤال الهوية ؟! المقالة الثالثة
- لماذا سؤال الهوية ؟ المقالة الأولى
- الفكر الغربى وسوسيولوجيا الفشل المقالة الثانية النهضة المست ...
- التنوع الثقافى الخلاق
- الفكر العربى وسوسيولوجيا الفشل - المقالة الأولى
- المسرح فى مصر الفرعونية المقالة الأولى
- علوم جديدة... وتعليم مغاير
- لماذا توقف العلم فى الحضارة العربية الإسلامية ؟ 8 من 8
- لماذا توقف العلم فى الحضارة العربية الإسلامية ؟ 7 من 8
- لماذا توقف العلم فى الحضارة العربية الإسلامية ؟ 5 من 8
- لماذا توقف العلم فى الحضارة العربية الإسلامية ؟4-8
- لماذا توقف العلم فى الحضارة العربية الإسلامية ؟ 3 من 8
- إشكالية النهضة عند الطهطاوى
- قراءات ورؤى حول مشروع النهضة


المزيد.....




- بالخيام والأعلام الفلسطينية.. مظاهرة مؤيدة لغزة في حرم جامعة ...
- أوكرانيا تحوّل طائراتها المدنية إلى مسيرات انتحارية إرهابية ...
- الأمن الروسي يعتقل متهما جديدا في هجوم -كروكوس- الإرهابي
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1005 عسكريين أوكرانيين خلال 2 ...
- صحيفة إسرائيلية تكشف سبب قرار -عملية رفح- واحتمال حصول تغيير ...
- الشرطة الفلبينية تقضي على أحد مقاتلي جماعة أبو سياف المتورط ...
- تركيا.. الحكم بالمؤبد سبع مرات على منفذة تفجير إسطنبول عام 2 ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لقتلى وجرحى القصف الإسرائيلي
- -بلومبيرغ-: إسرائيل تجهز قواتها لحرب شاملة مع -حزب الله-
- بلينكن يهدد الصين: مستعدون لفرض عقوبات جديدة بسبب أوكرانيا


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - فتحى سيد فرج - الحضارة المصرية القديمة ..استمرارية أم انقطاع- المقالة الأولى : تأسيسات