|
علوم جديدة... وتعليم مغاير
فتحى سيد فرج
الحوار المتمدن-العدد: 1631 - 2006 / 8 / 3 - 11:09
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
فى نهاية القرن العشرين كانت الصورة العلمية تقف عند حدود العلم الاختزالي ، استنادا الى القاعدة الثانية من قواعد منهج العلم الحديث عند ديكارت : " لتبسيط دراسة أي مشكلة أو ظاهرة يجب تقسيمها الى أجزاء ليسهل دراستها " ، وقد ساهم ذلك فى التقدم العلمى خلال القرون الماضية ، وكان من الطبيعى أن تدرس العلوم فى المدارس والجامعات من خلال تقسيم نمطى الى ، الفيزياء ، والكيمياء ، والبيولجى ، والفلك ، والرياضيات ، وهلم جرا . وهذا التقسيم ليس من الخصائص الأصلية للطبيعة ولكنه تقسيم اختيارى من صنع الإنسان ويتغير بتغير مستوى وعيه ، وتوضح لنا أوجه التقدم الحديثة فى المجال العلمى ظهور مفهوم جديد لدراسة الظواهر العلمية يقوم على أساس ترابط الطبيعة ، فإذا كانت معرفة الكل لا تتم إلا بمعرفة أجزائه ، فان معرفة الجزء لا تتأتى ما لم يدرك الكل الذى يحتويه ، فالكل ليس مجرد جمع رياضى لخصائص أجزاءه ـ فخصائص الماء ليست مجموع خصائص مكوناته من ، الهيدروجين + الأوكسجين ـ لذلك ظهر مفهوم " التفكير المنظومى " لرفض الفصل التعسفى بين العلوم خاصة بين العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية ، ويمكن تصور العديد من المنظومات الطبيعية والمصنوعة ، وقد أدى ذلك إلى نقلة كبيرة فى تقدم الاكتشافات العلمية وإمكانية تطبيقها تضاءل الفترة بين الاكتشاف العلمى وتطبيقه ، فالمتتبع للتطور الذى يحدث فى العالم ، يجد أن هناك تسارعا فى الخطى بشكل مطرد فى الاكتشافات والاختراعات العلمية ، فعلى سبيل المثال استغرق الاكتشاف العلمى للتصوير الفوتوغرافي 112 عاما لتطبيقه ، بينما استغرق التليفون 56 عاما ، أما الراديو فقد استغرق 35 عاما ، والرادار 15 عاما ، والترانزستور 5 سنوات ، أما الدوائر المتكاملة فقد استغرقت 3 سنوات فقط . ارتقاء دور الآلة واكتسابها بعض صفات الإنسان ، فميتشيو كاكو Michio Kaku يذكر فى كتابه " رؤى مستقبلية . كيف سيغير العلم حياتنا فى القرن الواحد والعشرين " أن تطور الكمبيوتر ضمن إطار تاريخى أوسع يمكن تقسيمة إلى ثلاثة أطوار متميزة أو أكثر : لقد سيطر على الطور الأول الكمبيوتر المركزى الذى تميز بضخامته ، وكانت نسبة توفره تمثل كمبيوتر لكل مائة عالم حتى بداية السبعينيات من القرن العشرين ، أما الطور الثانى فقد صمم عام 1972 ، وهو أول كمبيوتر شخصى ولكنه كان صعب الاستخدام لصعوبة وتعقد أوامر التشغيل ، وجاء الطور الثالث فى بداية التسعينيات الذى تميز بسهولة الاستخدام ، واتساع الانتشار ، ويمكننا توقع مستقبل تكنولوجيا الكمبيوتر خلال السنوات الخمس والعشرين القادمة بحيث سيتوفر مائة كمبيوتر لكل شخص ، بل انه يؤكد أنه سيوزع بالمجان ، وسيكون موجود فى كل مكان من معداتنا ، وملقى فى المهملات كالورق حاليا ، هذا من ناحية العدد ، أما من ناحية الإمكانيات فهناك من يقول أن التقدم التكنولوجى للكمبيوتر اخذ يتسارع بما لا يمكن ملاحقته ، فلقد تشكلت ما يمكن تسميته " البيئة الالكترونية" التى أخذت تغير العلاقة بين المخلوقات والمصنوعات ، هذا بالإضافة الى طريق المعلومات السريع " الانترنت " الذى سيساهم فى تغيير حياتنا نحو الأفضل من خلال أشكال جديدة وعديدة يمكن الإشارة إلى بعضها باختصار ، مثل أمكانية أن نؤدى أعمالنا ونحن فى منازلنا ، والإطلاع على كل ما يجرى بالعالم فى التو واللحظة ، ومعرفة كل ما نريد من العلوم والفنون ، والجمع بين الناس من شتى مناطق العالم وتبادل الأفكار والتصورات والاتفاق أو الاختلاف حولها ، والتمتع بالتسوق من السوق الالكترونية من خلال اختيارات متعددة ومفتوحة على كل ما ينتج فى العالم ووفقا لرغبات الزبون ، وإمكانية التعامل فى الأسهم والسندات من خلال تحليلات مالية تحقق أعلى الأرباح ... ألخ ، فشبكات الانترنت سيكون مجالها الكوكب كله ، ومادتها مجموع المعرفة الإنسانية بالكامل ، وجمهورها كل من يتوفر له الوصول إلى جهاز كمبيوتر حتى وأن لم يكن يمتلكه . مستقبل العلم الجديد بحلول نهاية القرن العشرين حدث تحول كبير ، فقد وصل العلم الى نهاية حقبة ، وبداية حقبة جديدة . فقد أدى التوصل الى القوانين الأساسية للمادة ( نظرية الكم ) وقوانين الحياة ( البيولوجيا الجزئية ) وتطور تكنولوجيا الكمبيوتر ، وشكلت هذه العناصر الثلاثة أعمدة العلم الجديد ، فتحطم نواة الذرة واكتشاف أسرارها ، وفك شفرة نواة الخلية ، وتطوير الكمبيوتر ، والأهم من كل ذلك الترابط بين هذه العناصر وضعنا أمام عتبة ثورات علمية جديدة . · فإذا كانت المعرفة البشرية فى العقود الأخيرة أخذت تتضاعف كل عشر سنوات ، فقد خلف لنا العقد الأخير من القرن العشرين معرفة علمية أكثر مما خلفه التاريخ البشرى كله . · وتتضاعف قدرة الكمبيوتر كل 18 شهرا ، إما الانترنت فتتضاعف مرة كل عام . وكل ذلك أدى الى انقلاب فى الصناعة ، والتجارة ، والخدمات ، وأساليب الحياة بأكملها ، والى نشوء أشياء لم نكن نراها من قبل . الثورات العلمية الثلاث كانت ثورة الكم هى أولى ثورات القرن العشرين ، وأكثرها أساسية ، فقد ساهمت فى زرع بذور الثورتين الأخيرتين . فاعتبارا من عام 1925 أطلقت موجة عارمة من الاكتشافات العلمية بفعل ما توصل إليه ( أرفين شرودنجر) و (فيرنر هايزنبرج) وآخرون ، والتى مكنتنا من فهم قوانين المادة ، وفى بداية القرن الحادى والعشرين فتحت أمامنا الباب للتحكم فى المادة وتصميم أشكال جديدة منها حسب رغبتنا تقريبا . واعتبارا من 1948 اكتشف العلماء الترانزستور ، الذى جعل الكمبيوتر الحديث ممكنا ، وبعد عـقـد اكتشف الليزر الذى مكننا أيضا من بناء شبكة " الانترنت " وكان الترانزستور والليزر من نتائج ثورة الكم . وبوحى من كتاب شرودنجر " ما هى الحياة ؟ " تمكن علماء من اكتشاف جزيء DNA مما سمح لنا أن نقرأ الشفرة الو راثية للحياة . ومع إن نظرية الكم ساعدت على إطلاق الثورتين الأخيرتين إلا أنهما نمتا بمعزل عنها ، وكل منهما بمعزل عن الأخرى ، وكانت كلمة السر فى ذلك هو التخصص ، حيث انغمس العلماء فى فروعهم الدقيقة متجاهلين ـ باستعلاء ـ التطورات فى الفروع الأخرى ، ولكن فترة التخصص قد ولت ، فقد صادف كل تخصص عقبات لم تجد حلا لها إلا عند فروع وتخصصات أخرى . فالقرن الحادى والعشرون ـ خلافا للقرون الماضية ـ سيتميز بالتضافر والتلاقح بين حقول العلم ، مما يعد تحول فى تاريخ تطور العلوم ، سيعطينا قدرة لا سابق لها على التحكم فى المادة والحياة والذكاء ، فمن الصعب أن يكون هناك باحث أو عالم فى المستقبل دون أن يكون له معرفة بالحقول الثلاثة . وإذا كانت ثروة الأمم فى القرون الثلاثة السابقة تتمثل فى الموارد الطبيعية الغنية ، وتراكم رأس المال . فان العلماء يؤكدون أن ذلك سوف يتغير بشكل رئيسى ، وسيكون للقدرات العقلية والخيال والابتكار ، وتنظيم التكنولوجيات الحديثة الدور الأكبر فى إنتاج الثروات ـ وهذا لن يتحقق إلا من خلال تعليم وتعلم جيد ، بطرق وأساليب مغايرة عما يحدث الآن فى مصر ، رغم كل ما يقال عن تطبيق قواعد الجودة والتطوير والمعايير ـ فـفى الواقع فان الدول التى تمتلك ثروات طبيعية ، ستجد أن ثرواتها ستنخفض من خلال هبوط أسعار المواد الأولية التى شهدت انخفاضا يصل الى 60% فى الفترة من السبعينيات الى التسعينيات ، وستهبط بنسبة 60% أخرى بحلول 2020، وحتى رأس المال سيتحول الى بضاعة تنتقل الكترونيا بسرعات فائقة ، وفى القرن الحادى والعشرين ستزدهر دول لا تملك مصادر طبيعية ، وستوفر استثمارات من رأس المال الطائر، لأنها وضعت أولويتها فى التكنولوجيات التنافسية من خلال المعرفة والمهارات التى سوف تعتبر وحدها مصدر له الأفضلية فى العصور القادمة . والمؤكد إن الثورات العلمية الثلاث أصبحت مفتاح التقدم العلمى ، وقد تصعد دول أو تهبط أخرى نتيجة قدرتها على التعامل مع ذلك . تــعــلـيـم مـغـايــر الدول النامية والتى لم تدخل هذا العالم الجديد فرصة وحيدة ومدخل لا غنى عنه للارتقاء إلى المستوى الذى يؤهلها للدخول لهذا العالم الجديد هو التعليم بل التعلم الجيد ، وضرورة التخلى عن الأساليب والنظم العتيقة التى لا تستطيع التواصل مع مفاهيم هذه العلوم الجديدة ، وكذلك ضرورة القضاء على العديد من السلبيات المتراكمة والتى تعوق تطور أمام النظم التعليمية بما يتواكب مع هذه التغيرات ، ولن يتحقق ذلك إلا بتوفر تمويل كبير جدا وتخصيص نسبة كبيرة من موازناتها السنوية لتحقيق الجودة الشاملة وتطبيق معايير الجودة لكل عناصر ومكونات المنظومة التعليمية بما يحقق المستويات الآتية : · تغيير محتويات المقررات الدراسية بما يتلائم مع مفاهيم المنظومة العلمية الجديدة . · انتهاء عصر التلقين ، والمعليم يجب أن يكون مجرد ميسر يحفز التلاميذ على الوصول للمعرفة من خلال البحث ، واكتساب المهارات بذاتهم . · انتهاء عصر الوظيفة الدائمة ، والثبات المهنى . فالشهادة لم تعد مسوغ وحيد للتعيين ، ولكن الخبرات والمهارات وإتقان العمل من خلال استمرار التعلم والتدريب طوال الحياة · ضرورة الاستفادة من تطورات المعارف والنظريات التربوية والتقارير الدولية خاصة تقرير هيئة اليونسكو للقرن الجديد والمعنونة " التعليم : ذلك الكنز الكامن " والذى يخلص إلى التعلم لنعرف : بتكوين معارف عريضة توفر فرص عمل متجددة . التعلم لنعـمل : نتعلم لنكتسب مهارات متجددة من خلال الاهتمام بالتدريب التحويلى والتعلم المستمر لمواكبة متغيرات سوق العمل ، ولنعمل فى فرق وبالمشاركة مع منظمات المجتمع المدنى . نتعلم العيش معـا : نتيجة فهمنا للآخر ، والاعتماد المتبادل ، واحترام التعددية ، وتحقيق السلام . نتعـلم لنكون : من خلال تنمية الشخصية الفردية ، والاستقلال الذاتى ، ومهارات الاتصال . من اجل كل ذلك لابد من جودة التعليم وتفعيل الجودة وتطبيق المعايير لاستمرار البقاء والوجود فى هذا العالم سريع التغير . هذا . وأما الخروج من التاريخ
رؤى مستقبلية قدم ميتشيو كاكو تنبؤات للتطور العلمى ستتم عبر مراحل ثلاثة : المرحلة الأولى من عام 1998 وحتى عام 2020 والمرحلة الثانية من 2020 الى 2050 والمرحلة الثالثة من 2050 وحتى نهاية القرن الحادى والعشرين . فى المرحلة الأولى : سيحدث انفجار لم يسبق له مثيل فى النشاط العلمى ، من خلال التطور فى مجالى الكمبيوتر وتكنولوجيا العلوم الحيوية . فبالنسبة للكمبيوتر ووفقا لمعدل النمو الهائل كميا بواسطة قانون مور الذى ينص على أن طاقة الكمبيوتر ستتضاعف مرة تقريبا كل 18 شهرا ، بسبب القدرة على نقش شرائح سيليكونية بترانزستورات سوف تزداد صغرا باستمرار ، مما سيؤدى الى تصنيع حواسب أحدث وأرخص ، وبحلول 2020 ستكون الكمبيوترات أرخص من الورق ، وسيتم توزيعها فى كل شىء خالقة ما يسمى " البيئة الالكترونية " وأيضا سوف يساعد الانترنت فى توصيل الكون بأكمله من خلال ملايين الشبكات خالقة " كوكبا ذكيا " يتوفر من خلالها لكل فرد إمكانية التعرف على كامل الخبرة البشرية من المعرفة والحكمة المتراكمة منذ بداية التاريخ المكتوب . وعندما تصغر عناصر الشريحة الالكترونية الى مستوى حجم الجزيئات فسوف ينتهى العصر الاسطورى للسليكون ، وهذا سيشكل بداية لتدخل قوانين فيزياء الكم لاكتشاف أساليب جديدة للتعامل على مستوى جزيئات المادة ( هذا ما يتحدث عنه د . محمد النشائى من إمكانية تصنيع سفن وطائرات ومعدات طبية صغيرة جدا تستطيع السباحة داخل الأوردة والشرايين البشرية ) . إما التكنولوجيا الحيوية فستشهد منحنى مدهشا ، بفضل تضافر البحث البيوجزيئى مع الكمبيوتر و باستخدام الإنسان الآلى ، من أجل أتمتة عملية تسلسل DNA لآلاف الكائنات الحية من نباتات وحيوانات ، ورسم خريطة كاملة لمكونات الحياة على كوكب الأرض ، وإمكانية نقل الجينات من هنا وهناك ، وتعديل وربما تخليق صفات و راثية جديدة ، وسيكون لكل ذلك معان عميقة فى تطوير أشياء كثيرة ، وسيتقدم الطب بتطور معرفتنا بالبناء الجزئي للخلية بحيث نتمكن من تربية أعضاء كاملة داخل المعامل ، بما فى ذلك الكلى والكبد . المرحلة الثانية : أن التنبؤ بالنمو السريع بعد عام 2020 قد يستمر رأسيا بشكل لا نهائي ، ولكن حتما سيصطدم باختناقات ويصادف عقبات ضخمة بسبب محدودية شريحة السيليكون ، وسنضطر أخيرا الى ابتكار تكنولوجيات جديدة لم تكتشف بعد من أجهزة كمبيوتر بصرية أو جزيئية ، وإذا أمكن التغلب على هذه الصعوبات ، فقد يمكن الدخول الى أنواع أخرى مبنية على تحكم لإنسان آلي حقيقى يفهم لغة البشر ، ويدرك الأجسام ويتحكم فيها ، يتعلم من أخطائه وله قدرة على التمييز السليم ، ومن المحتمل أن يغير هذا التطور علاقتنا بالآلات الى الأبد . وبالمثل فستواجه التكنولوجيا الحيوية مجموعة من المشاكل ، وسيتحول التركيز عن تسلسل DNA الى فهم الوظائف الأساسية للجينات ، ويمكن التعرف على ملايين الجينات التى لا نعرف وظائفها ، وكذلك التفاعل المعقد بين الجينات الذى قد يحل شفرة بعض الأمراض المزمنة ، كما يمكن الوصول إلى استنساخ البشر ، وعزل جينات العمر التى تتحكم فى تقدم السن ، سامحة لنا بأن نمد فى حياة الإنسان . ونتوقع أيضا الوصول إلى تكنولوجيات مدهشة تختمر فى مختبرات الفيزياء ، وستكون ثمارها أجيال من الليزرات وأجهزة تلفزيون ثلاثية الأبعاد ، والى الاندماج النووى ، وقد نجد الموصلات الفائقة التى تعمل عند درجة الحرارة العادية ، مما سيولد ثورة صناعية ثانية . وستنجح نظرية الكم فى القدرة على تصنيع آلات بحجم الجزيئات ، وبالتالى تقدم نوعا جديدا تماما من الآلات بمواصفات لم تعرف من قبل تدعى " النانوتكنولوجى " وربما نصل الى بناء محركات صاروخية أيونية قد تجعل السفر بين النجوم أمرا شائعا . المرحلة الثالثة من 2050 وحتى نهاية القرن : أي تنبؤات لها هذا البعد قد تكون غامضة وغير واضحة ، إلا أنها احتمالية بدرجة عالية من خلال تكنولوجيات جديدة ، فقد يتطور الإنسان الآلي إلى درجة تمكنه من اتخاذ قرارات مستقلة ، وقد نصل عن طريق التطور فى تكنولوجيا الجينات الى نقل عديد منها من كائنات الى كائنات أخرى متيحة لنا أن نزيد من إمدادات غذائنا ، والتحكم فى صحتنا عن طريق تكييف التكوين الجسدى وربما العقـلى لأطفالنا ، وقد يصل الأمر إلى ابتكار أنواع جديدة من الكائنات العضوية . وسيكون تأثير نظرية الكم قويا خاصة فيما يتعلق بإنتاج الطاقة ، فقد نتمكن من رؤية بدايات الصواريخ التى يمكنها أن تصل إلى النجوم القريبة ، ووضع خطط لتشكيل المستعمرات الأولى فى الفضاء . ويرى بعض العلماء تقاربا أكبر للثورات الثلاث ، عندما تقدم لنا نظرية الكم دوائر ترانزستور وآلات كاملة بحجم الجزيئات ، متيحة لنا أن ننسخ النماذج العصبية للدماغ على كمبيوتر ، وخلال هذه الحقبة سيفكر العلماء جديا فى مد فترة الحياة عن طريق تربية أجسام وأعضاء جديدة بواسطة التحكم فى تشكيلتنا الجينية ، أو حتى الاندماج مع مخلوقات جديدة . نحو حضارة كونية بمواجهة ثورة علمية بهذا الحجم المذهل يطرح العلماء سؤالا مهما : الى أين نتوجه بهذه السرعة ؟ وإذا كانت حقبة من العلم تنتهى ، وحقبة أخرى على وشك البدء ، فإلى أين سيقودنا هذا كله ؟ وهم يمسحون السماء بحثا عن دلائل لحضارات غير أرضية ، فهناك 200 مليون نجم فى مجموعتنا الشمسية فقط ، وتريليونات المجرات الفضائية الأخرى ، وبدلا من إضاعة ملايين الدولارات فى البحث العشوائى فى كل هذه النجوم ، حاول العلماء تركيز جهودهم على وضع تصور نظرى عن خصائص ومميزات استخدام الطاقة فى الحضارات المتقدمة ، وتوصلوا الى تصنيف يفترض وجود ثلاث مستويات حسب طريقة استخدام الطاقة . ووفقا لهذا التصور فأن حضارة النوع الأول تحكمت بكل أشكال الطاقة على كوكبها ، واستطاعت تعديل الطقس ، ووصلت الى استخلاص الطاقة من مركز كوكبها ، ويعنى هذا بالضرورة أنها تخلصت من معظم الصراعات الدينية والطائفية والوطنية والمذهبية كى تصل الى حضارة كوكبية حقيقية . أما حضارة النوع الثانى فاحتياجات سكانها من الطاقة قد فاقت حدود كوكبهم ، ووصلوا الى التمكن من السيطرة على طاقة شمسهم ، كما أنهم قد بدأوا باكتشاف أنظمة النجوم المجاورة لهم ، وربما استعمروها . أما حضارة النوع الثالث فأن سكانها قد انتهوا من استهلاك الطاقة الناتجة من نجمهم ، وأخذوا يحصلون على الطاقة من مجموعات النجوم المجاورة ، بحيث أصبحت حضارة مجرة . إن هذا النظام فى تصنيف الحضارات قد يكون معقول لأنه يعتمد على المصدر المتاح للطاقة ، وبالتالي سنجد ثلاث مستويات من الحضارات ، حضارة كوكبية تستمد طاقتها من جميع مصادر الكوكب ، وحضارة أخذت تستمد طاقتها من محيط نجمها وهى حضارة نجمية ، وحضارة وصلت الى استخدام طاقة مجرتها وهى حضارة تستطيع التجول عبر الكون الفسيح . فى النهاية نستطيع أدراك أننا نحن البشر على كوكب الأرض لم نبلغ بعد أى مستوى حضارى ، وأننا فى حضارة من النوع " صفر" أي ما قبل الحضارات ، فنحن ما نزال نستخدم الكائنات الميتة والمطمورة تحت سطح الأرض ( الفحم الحجرى ، النفط ، والغاز الطبيعى ) للحصول على الطاقة ، وعلى هذا المستوى الكوكبي فنحن مثل أطفال نخطو خطواتنا الأولى الثقيلة والمترددة فى المكان والزمان ، قد تخلق الثورات العلمية والمعلوماتية أواصر كوكبية ، بعد التمكن من تحطيم المصالح الصغيرة والمحلية خالقة ثقافة كونية ، وكما جعلت آلة الطباعة التى اخترعها جوتنبرج الناس مدركين لعوالم أبعد من قراهم ومزارعهم ، فان ثورة المعلومات تبنى وتصهر ثقافة كونية . وهذا يعنى أن رحلتنا المتجهة نحو العلم والتكنولوجيا ستقودنا يوما الى أن نتطور لحضارة حقيقية من النوع الأول ، أى حضارة كوكبية تبسط سيطرتها على قوى كوكبنا ، أما التقدم نحو حضارة كونية فسيكون بطيئا وسيتم على مراحل ، وعبر تراجعات وانحرافات ، ولكن يبقى أن طريق العلم هو السبيل الوحيد لاستمرار بقاء الجنس البشرى على قيد الحياة فى أى مستوى حضاري يكون .
#فتحى_سيد_فرج (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا توقف العلم فى الحضارة العربية الإسلامية ؟ 8 من 8
-
لماذا توقف العلم فى الحضارة العربية الإسلامية ؟ 7 من 8
-
لماذا توقف العلم فى الحضارة العربية الإسلامية ؟ 5 من 8
-
لماذا توقف العلم فى الحضارة العربية الإسلامية ؟4-8
-
لماذا توقف العلم فى الحضارة العربية الإسلامية ؟ 3 من 8
-
إشكالية النهضة عند الطهطاوى
-
قراءات ورؤى حول مشروع النهضة
المزيد.....
-
إسرائيل تكثف ضرباتها ضد إيران وطهران ترد بوابل صاروخي على حي
...
-
الحرس الثوري يعلن تنفيذ موجة جديدة من الهجمات ضد إسرائيل أقو
...
-
-واينت-: مقتل 3 إسرائيليين جراء إصابة مباشرة بصاروخ إيراني ف
...
-
الجيش الإسرائيلي يمنع نشر معلومات أو لقطات للقصف الإيراني وس
...
-
لقطات لحرائق ودمار واسع في تل أبيب جراء القصف الإيراني غير ا
...
-
لماذا فرضت إسرائيل حصارا تاما على الضفة أثناء قصف إيران؟
-
بدء هجوم صاروخي إيراني واسع على إسرائيل الآن وصفارات الإنذار
...
-
لقطات فيديو لسقوط صواريخ إيرانية على مناطق متفرقة في إسرائيل
...
-
يديعوت أحرنوت: هجوم إيراني جديد بالطائرات المسيرة من المناطق
...
-
مباشر: موجات متتالية من القصف والصواريخ بين إسرائيل وإيران ت
...
المزيد.....
-
الآثار العامة للبطالة
/ حيدر جواد السهلاني
-
سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي
/ محمود محمد رياض عبدالعال
-
-تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو
...
/ ياسين احمادون وفاطمة البكاري
-
المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة
/ حسنين آل دايخ
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|