أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - احمد زكرد - إشكالية العنف بين المشروعية و اللامشروعية















المزيد.....

إشكالية العنف بين المشروعية و اللامشروعية


احمد زكرد

الحوار المتمدن-العدد: 6564 - 2020 / 5 / 15 - 16:21
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تعد ظاهرة العنف من أقدم الظواهر التي عرفتها البشرية وإن كانت قد تطورت وانتشرت في عصور أكثر من غيرها وخصوصا في الفترة المعاصرة، الأمر الذي يبعث على القلق ويستدعي التأمل فيها؛ لأنها حصيلة مجموعة من العوامل السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية... وتكاد تُجمع كل التعريفات على أن العنف هو : كل عمل قاس غير مشروع يؤذي الآخر، وهو سلوك له مبرراته يقوم على اقصاء الاخر وعدم الاعتراف بوجوده . و إذا كان العنف هو إلحاق الضرر بشخص أو جماعة ما، جسديا أو نفسيا أو رمزيا، فإن هذه الممارسة تغطي كافة مجالات وعلاقات التفاعل البشري، وترتبط هذه الممارسة بالأفراد حِينا كما ترعاها المؤسسات أحيانا أخرى. و يتقمص صورة الواجب المقدس، كما يحمل صفة الظلم والعدوان. مما يدفعنا لطرح إشكالية المشروعية و اللامشروعة العنف؛ أي من أين يستمد العنف مشروعيته؟ وبأي معنى يمكننا الحديث عن عنف مشروع؟

إن العنف ظاهرة معقدة تحكمها عوامل مختلفة ومتداخلة ، وهو يشكل موضوع انشغال عدد من العلوم ، منها علم الاجتماع وعلم النفس و الفلسفة والبيولوجيا وعلم الإجرام ... و قد اتخذ العنف أشكالاً وأنماط متعددة ومتنوعة عبر التاريخ، سنحصرها في شكلين أساسين : العنف المادي و العنف السيمائي ؛ الأول هو إلحاق الضرر بالوجود المادي للغير سواء في الجسد أو الحقوق أو المصالح مما يهدد حياة الانسان ، كالاعتداء و القتل و السرقة ... أما العنف السيمائي أي الرمزي هو جميع الضغوط النفسية التي تمارس على الإنسان ، للسيطرة على أفكاره وتصرفاته و مبادئه الانسانية و العمل على الحد من حرية تفكيره ، مما يتسبب في حدوث ضرر يطرأ على الناحية السيكولوجية للإنسان مثل الشعور بالخوف و عدم الأمان..
مشروعية العنف :
يعد العنف أصل حركة العالم كما أشار لذلك (هرقليطس) بأن الأشياء توجد من خلال الصراع و التناقض ؛ بمعنى لكي تكون الأشياء لا بد من نفي أشياء أخرى أو تحطيمها؛ أي أن العنف موت يتضمن الحياة؛ بمعنى أن العنف أساس بناء المجتمع العادل، هذا ما أشار إليه (ماركس) و صديقه (إنجلز) بأن العنف " العنف الثوري" يؤسس مجتمع جديدا ، وهذا العنف هو عنف إيجابي ومشروع يهدف إلى تصحيح الواقع الرديء وإعادة بنائه بصورة تتناسب أكثر مع قيم الخير و الحق و العدل في الحياة ، وهذا العنف هو عنف مشروع يسعى إلى استرجاع الحق و تحقيق العدل و المساواة .
ومن هنا يمكن القول أنه لا يوجد عنف من أجل العنف أي لا يتخذ العنف في نفسه غاية ولكنه وسيلة ضرورية من أجل غاية سامية . يقول (روسو): " ليس لنا فقط الحق بل من الواجب أن نثور اذا اقتضت الضرورة ذلك . فهناك نوع من الاخلاق تدعونا الى حمل السلاح في أوقات ما " وهنا دعوة لضرورة ممارسة العنف عندما توجد مسوغات لذلك . و يقول( ماوتسي تونغ) : " نقوم بالحرب من أجل السلم لا الحرب من أجل الحر ب ، و العنف لا تبرره الغاية السامية فقط ، وإنما يبرره أيضا الدفاع عن النفس ."
من منظور آخر يرى السوسيولوجي الالماني (ماكس فيبر) أن العنف المادي الملموس الذي تمارسه الدولة هو عنف مشروع ، لأن الدولة هي التي لها الحق في احتكار هذا النوع من العنف ، "لان كل دولة هي جهاز مؤسس على العنف "كما يقول (تروتسكي) . فالدولة هي تجمع سياسي الذي يحتكر العنف المادي الذي يعطي له المشروعية القانونية المتمثلة أساسا في المحافظة على النظام الداخلي من جهة و الدفاع عن المجتمع ضد الأخطار من جهة أخرى .
ويمكن أن ندرج في هذا السياق ما توصل إليه مجموعة من العلماء الأنثروبولوجين، حول مختلف ممارسات العنف ومصدر مشروعيته الطقوسية (مثل التضحية بأحد الأفراد وفق طقوس وشعائر قدسية) التي لعبت دورا أساسيا في الحفظ على تماسك الجماعات، من خلال التكثيف الرمزي لكل الشرور المحيطة بالجماعة في شخص قربان بشري أو حيواني، كما أشار إلى ذلك (روني جيرار ).
ونجد المفكر العربي( محمد اركون) في تأصيله الانثروبولوجي للعنف يعتبر أن الحقيقة التي تؤمن بها أي جماعة تتعرض للتهديد باستمرار ، هذا يجعل تلك الجماعة تدافع عن حقيقتها باستماته و شدة ، و هكذا ربط (أركون) بين التقديس و العنف و الحقيقة {المثلث الانثروبولوجي}. يقول (أركون): " الجماعة مستعدة دوما للعنف من أجل الدفاع عن حقيقتها المقدسة ، فالإنسان بحاجة إلى عنف وتقديس وإلى حقيقة لكي يعيش ولكي يجد له معنى على الأرض... فالعنف مرتبط بالتقديس و التقديس مرتبط بالعنف و كلاهما مرتبط بالحقيقة أو ما يعتقد أنه الحقيقة ، و الحقيقة مقدسة و تستحق أن يسفك من أجلها الدماء." وهذا ما يوضح لنا مظاهر علاقة المقدس بالعنف دفاعا عن ( حقيقة ), حيث يتم توظيف المقدس في الصراعات الحربية وذلك بهدف التمويه على مسببات وأهداف ثم نتائج هذه الحروب المقدسة ,الويلات والمآسي والخراب والدمار...الخ كل ذلك منبعه توظيف المقدس الديني في الصراعات الحربية؛ أي إضفاء المشروعية على العنف باسم الدين . و استخدام المقدس في هذه الصراعات كان بهدف التحشيد والتجييش لخوض تلك الحروب , التي تحصد حياة البسطاء من المؤمنين بذلك المقدس، مثال ذلك يما يسمى ( الجهاد في سبيل الله ).

لا مشروعية العنف :
ترفض الأخلاق تسويغ العنف الذي يعتنق شعار الغاية تبرر الوسيلة ، وتتجلى أزمة الأخلاق عندما يلجأ القائمون بأفعال عنيفة إلى البحث عن مبررات أخلاقية كغطاء ومسوغ لأفعالهم سواء كانت دينية أو سياسية ...
يقدم التاريخ أمثلة متعددة حول لا مشروعية العنف ، ففي العصر الروماني ثارت الجماهير على ظلم المستبدين ، ولكنها لم تلجأ الى العنف و القتل وإنما انسحبوا من المدينة إلى تل بعيد سمي فيما بعد بالجبل المقدس ، رفضا للظلم إلى أن تم قبول مطالبهم ثم استمرت مع التاريخ البشري، ففي القرن السادس عشر قامت المقاومة الهولندية ضد الحكم الاسباني بدون عنف .
وفي القرن العشرين يمكن ذكر أمثلة متعددة عن هذه المقاومة و النهج السلمي مثال( لجوء النقابات العمالية في البلدان المختلفة الى الاضرابات و المقاطعات الاقتصادية كمقاطعة الصنيين للمنتوجات اليبانية في أوائل القرن العشرين )
ولعل الحركة (الغاندية) في الهند من أبرز الأمثلة في التاريخ على نجاح اللاعنف، إذ سعت إلى السلام والعدالة و ساهمت في إحداث تغيرات سياسية و اقتصادية و اجتماعية وثقافية .
هكذا فاللاعنف هو أسلوب في محاربة الشر وليس تخاذلا أو تراجع . يقول (غاندي ): "لا أتردد في القول بأنه حيثما يكون الاختيار اضطرارا بين الجبن و العنف، يجب أن يتجه القرار نحو الحل العنيف... و أعتقد بأن اللاعنف هو اسمى بكثير من العنف ، وان الصفح هو كثر انسانية من القصاص .. فاللاعنف هو قانون الجنس البشري في حين أن العنف هو قانون البهيمة ." بهذا يبدو حسب غاندي أن اللاعنف هو شكل من أشكال النضال الاكثر حيوية و أصالة .
فغاندي ينطلق من مبدأ حقوقي ليقول بأن العنف بكل أشكاله غير مشروع لأنه يقوم على إرادة إلحاق الأذى بالآخر ( بالغير سواء كان فردا أو جماعة ) ، وهذا يتعارض ومبدأ حقوق الإنسان ؛ إن العنف في نظر غاندي رذيلة لا مشروع مهما كانت مبرراته ويقترح مبدأ اللاعنف لأن مصدره الحكمة والإرادة الحسنة .
في نفس المنظور نجد (إريك فايل ) يقول: ( العنف سلوك لا عقلي يهدف الي النيل من كرامة الانسان ومن انسانيته.) بهذا المعنى ليس للعنف من معنى لأنه مضاد لخطاب العقل و يهدد الوجود الإنساني مع ما يصحبه من ضروب البؤس والتشريد التي تعود بالبشرية إلى مراحلها البدائية والهمجية. ولعل ذلك ما اشارت اليه (جاكلين روس) حيث انتقدت بشكل صريح شرعنة العنف وتبريره، واعتبرت أن دولة الحق تتمسك بكرامة الفرد ضد كل أنواع العنف والتخويف. تقول روس : " إن دولة الحق هي التي فيها حق وقانون يخضعان معا لمبدأ احترام الشخص، وهي صيغة قانونية تضمن الحريات الفردية وتتمسك بالكرامة الإنسانية وذلك ضد كل أنواع العنف والقوة". هكذا نستنتج مع (جاكلين روس) أنها تدعو إلى قيام الدولة على الحق الأخلاقي وعلى القانون المطابق لهذا الحق، أما القوة فليست إلا وسيلة ثانوية وعرضية محدودة بحدود الحق والقانون، لأن الغاية العليا للدولة هي صيانة كرامة الشخص و صيانة حرياته.


هكذا و وفي ختام تسليط الضوء على بعض جوانب هذه المفارقة الحرجة التي تطرح نفسها : العنف بين المشروعية واللامشروعية ، نحوصل أن العنف يتسبب بقتل العواطف الانسانية وهدم الكرامة و الحرية ، الأمر الذي يتوجب غرس ثقافة اللاعنف في داخل النفس البشرية ، حيث يجسد أهم وسيلة من وسائل استعادة الحقوق ، وقد يضاهي كل الاسلحة بفاعليته و قوته ، لأن من أهم سماته احترام الاخر و الحفاظ على كرامته و تحقيق العدالة . وتلعب التربية دور ايجابي في تكريس ثقافة السلام واللاعنف من خلال تعليم الاطفال ممارسته و الابتعاد عن مقابلة العنف بالعنف وخاصة في مراحل الطفولة المبكرة ويمكن للأطفال أن يلمسوا أثار السلوك اللاعنفي في الحد من العنف في المدرسة من خلال إرساء مفاهيم المحبة و التعاون والتسامح و التراحم بين التلاميذ وتمثل المفاهيم المرتبطة بالسلام والحوار وحقوق الانسان و الاعتراف بالاختلافات وقبولها من أجل إقامة علاقات بناءة غير قمعية مع الآخرين . وهنا يتجلى رهان الفلاسفة والحقوقيون للعمل على تقليص هامش العنف بتكريس روح التسامح والتحفيز وبناء روح النقد الايجابي والانفتاح على الآخر. إن مهمة الفكر والفلسفة اليوم هي تطوير أشكال الحوار والقضاء على أشكال التمييز و التنمر. وهذا لن يكون ممكنا إلا بإقامة مجتمع عادل ، مجتمع الاختلاف والحوار وقبول الآخر ضمن دولة الحق والقانون، مجتمع يضمن الحرية لإفراده ، لأن الحرية هي أساس التسامح و الاعتراف المتبادل.



#احمد_زكرد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هذا هو الإنسان في زمن كورونا المستجد
- التطور التقني وتداعياته البيئية في ظل غياب الشرط الأخلاقي: ف ...
- التطور التاريخي للنسوية : قراءة نقدية للهيمنة الذكورية
- الفلسفة كبديل لإسعاد الإنسان من وجهة نظر ألان باديو
- إشكالية أصالة الفلسفة الإسلامية
- إشكالية تعريف الفلسفة
- إشكالية الاعتراف و التفهم و التكامل في فلسفة الغير
- تأثيل المقدس 5 : المرأة بين مطرقة الدين و سندان العلمانية ( ...
- تأثيل المقدس 4: السعي للدين،سعي للسلطة
- أخلقة الفعل السياسي ( الجزء الثالث ): الفعل السياسي بين الدي ...
- أخلقة الفعل السياسي ( الجزء الثاني ): كانط ونقد العقل السياس ...
- أخلقة الفعل السياسي ( الجزء الاول ): من الإغريق إلى فلاسفة ا ...
- أنسنة الظاهرة الإنسانية
- الراهن العربي الإسلامي بين التنوير و الظلامية
- تأثيل المقدس 3: كيف تصنع الأديان؟
- تأثيل المقدس 2 قضية الغرانيق وسؤال الحقيقة
- تحرير الأخلاق من هيمنة الدين
- التأسيس لدين إنساني من منظور كانطي
- فكرة الدين عند كانط
- تأثيل المقدس


المزيد.....




- طبيب فلسطيني: وفاة -الطفلة المعجزة- بعد 4 أيام من ولادتها وأ ...
- تعرض لحادث سير.. نقل الوزير الإسرائيلي إيتمار بن غفير إلى ال ...
- رئيسي: علاقاتنا مع إفريقيا هدفها التنمية
- زيلينسكي يقيل قائد قوات الدعم الأوكرانية
- جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة الجعف ...
- طفل شبرا الخيمة.. جريمة قتل وانتزاع أحشاء طفل تهز مصر، هل كا ...
- وفد مصري في إسرائيل لمناقشة -طرح جديد- للهدنة في غزة
- هل ينجح الوفد المصري بالتوصل إلى هدنة لوقف النار في غزة؟
- في مؤشر على اجتياح رفح.. إسرائيل تحشد دباباتها ومدرعاتها على ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - احمد زكرد - إشكالية العنف بين المشروعية و اللامشروعية