أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي حسين يوسف - نحو تداولية الخطاب المعاصر أو ترويض الخطابات















المزيد.....

نحو تداولية الخطاب المعاصر أو ترويض الخطابات


علي حسين يوسف
(Ali Huseein Yousif)


الحوار المتمدن-العدد: 6537 - 2020 / 4 / 14 - 13:11
المحور: الادب والفن
    


ثمة حقيقة قد تُنسى أحيانا لفرط الألفة تتمثل في كوننا كائنات تراثية بالدرجة نفسها الذي نكون فيها مخلوقات معاصرة ؛ فنحن متأرجحون ـ إذا ـ بين خطاب التراث وخطاب المعاصرة لكن هذين الخطابين لا يتجسدان في سلوكياتنا بحالتيهما الخام بل بصورة أخرى ؛ صورة ثالثة مروضة لا بد من ترويضهما ليكون هناك خطابا مركبا من مزجهما معا .
فليس من شك في أثر الخطاب التراثي وتأثيره الكبير على العقل والسلوك الفردي والجماعي بوصفه سلطة ضاغطة على الذوات ، وهذا بحد ذاته لا يحمل جانبا سلبيا لكن الخطورة تبرز حين يتحول التراث إلى كهف تنزوي الذات بداخله حينها يكون وهما يعيق الانطلاق نحو التفكير العلمي وهنا لابد من العودة إلى الذات ومساءلة سلوكياتها لفرز عوالق الماضي قدر الإمكان لذا استوجبت هذه الموضوعة من العقل التفكير جديا وتشغيل ميكانيزمات النقد لديه من أجل ترويض الخطاب التراثي ليصبح سلوكا ممكن التعايش معه والإفادة منه ، وهذا الأمر لا يتعلق بالفرد بل ان طابعه الجمعي ليطغى كثيرا على الطابع الفردي فمن البديهي أن لكل بيئة اجتماعية بنيتها العقلية التي تكونت عبر التاريخ حتى أصبح التاريخ هو الذي يرسم رؤيتها ويحدد حراكها الثقافي ويسم سلوكها الاجتماعي بسمته .
ومن جهة أخرى لا بد من التأكيد على أن المكونات الأساسية لثقافتنا الراهنة مكونات مادية معاصرة تتمثل في بنى تحتية مكونة من وسائل الإنتاج وقواه ومن ثم في علاقات الإنتاج التي بدورها تسهم بفعالية في انتاج البنى الفوقية التي تتمثل في المفاهيم الأخلاقية والثقافية المسؤولة عن توجيه منهجية التفكير والأنشطة العقلية والتي تتجسد في المنتج الثقافي النهائي الذي يصدر عن البيئات الاجتماعية المختلفة الموجهة للثقافة كالبيئة الأكاديمية فرغم ان تلك البيئة يتاوشج فيها المنتج الغربي مع المنتج العربي إلا أن درسها مرتبط من ناحية أخرى بثقافة مختلفة ، فكثيرا ما كان نتاجا لمجتمع آخر له مشاكله ورؤيته كما يحصل في كليات الطب في جامعاتنا العربية .
ومما تقدم يوجب علينا فهم هذا الخطاب المركب المنصهر في بوتقة التراث والمعاصرة وجعله معيشا يوميا لابد أن يُتمثل ويُفهم بوصفه صورة تعكس الوضع الذي ينتج فيه ، وتعبر في الوقت ذاته عن الطريقة التي بموجبها يبنى الوعي والنقد المعرفي للسلوكيات الفردية والاجتماعية .
والتداولية لغويا مصدر صناعي من الفعل (دال) بمعنى تنقل من حال لآخر أو تحول والتداول يعني الدوران وهو بهذه الصيغة مصطلح صناعي يقابل المفردة الانكليزية Pragmatics وهو يرادف مصطلحات مثل السياقية والمقامية وقد يلتبس عند البعض بالمصطلح الفلسفي Pragmaticim الذي يدل على الفلسفة الذرائعية أو البراجماتيّة , إلا أنه يختلف عنه كثيرا فمصطلح التداولية Pragmatics يراد منه ذلك الاتجاه النقدي في دراسة اللغة أثناء الاستعمال أو التداول حصرا فهي فرع من اللسانيات العامة يختص بدراسة مقاصد المتكلمين ومعتقداتهم وميولهم وأيضا يدرس ظروف الكلام الزمانية والمكانية والعلاقات بين المتكلم والمخاطب التي تستوجب القول لذلك تولي الأقوال والاشارات المستعملة جل أهميتها فضلا على اهتمامها الكبير بالسياقات الخارجية والمقامات وبظروف القول وبأحوال المتكلمين والمتلقين وهي بذلك تمثل ردا على البنيوية التي حصرت نفسها داخل النصوص وتستعمل من أجل غايتها تلك عدة مفاهيمية خاصة , وقد أوضح أوستن مهمة التداولية حين قسم الأقوال بحسب ما تؤديه من أعمال على ثلاثة أقسام , وهي :
العمل القولي : أي أن نقول شيئا ما.
العمل المتضمن في القول : أي القول المترتب بناء على قولنا بالإثبات أو النفي .
عمل التأثير بالقول : أي العمل المتحقق والمنجز فعلا .
والتداولية في عملها تجيب عن سؤالين مهمين بحسب ما يرى غرايس , وهما : لماذا يقول المتكلم القول بهذه الطريقة ولماذا يفهم المستمع القول بهذه الطريقة أيضا ؟.
والتداولية بعد ما تقدم تعد جزءا من اللسانيات فإذا كان النحو يدرس قواعد الكلام وعلم الدلالة (السيمياء) يدرس معاني الكلام فإن التداولية تدرس ما يترتب على الكلام من أفعال فهي مختصة بدراسة ظروف الكلام ونتائجه أي دراسة ظروف التواصل والتفاعل .
إن النص التراثي من جهته وفي حالته البكر نص حدّي , متطرف , قاس , خارج التاريخ ــ لا تاريخاني ــ ولا يمكن المساومة بشأنه أو المساس به عند أنصاره , لذا بات من الضروري أن يلجأ المحدثون والحريصون على سمعة التركة الكلاسيكية إلى ترويضه من أجل التخفيف من غلوائه , وكبح جموحه , لجعله تداوليا يتماشى مع معطيات العقل , ولجعله أيضا يدخل حيز التاريخ , أو لجعله ـ ثالثا ـ مطواعا وذلك عن طريق اتباع إحدى الآليات , مثل : المقاربة ، التأويل , أو التزيد , أو الحذف , أو التحريف , أو التعديل , أو الارتداد إلى الراوي وتضعيفه كأن يتهم بالكذب أو التدليس أو السهو أو النسيان أو الخلط , أو التحامل فلطالما راح الراوي المسكين ضحية لا بديل عنها بغية الخروج من مأزق اللامعقولية واحراجات الميتافيزيقيا , وهبل العقلية الفنتازية .
أما خطاب المعاصرة فهو الآخر خطاب مختلف وغريب وغير مألوف وربما يخلو من المصاديق المحلية لذا بات من الضروري كسر جماحه وترويضه بالترجمة والتعريب والمقاربة وتلوينه بشيء من المحلية .
ولتحقيق المهمة المذكورة لا بد من الإفادة من طروحات التداولية إذ أن المعروف أن هناك عدة مفهومية لدراسة الكلام في مرحلة التداول تتضمن مصطلحات عدة , ومنها متضمنات القول التي تشتمل على الافتراضات المسبقة أو الاضمارات التداولية في الخطابات , وهناك أيضا ما يسمى الاستلزام الحواري الذي يقوم على مبدأ التعاون عند برايس ومبدأ التعاون يستند على مسلمات أربعة : مسلمة القدر أو الكمية ومسلمة الكيف ومسلمة الملائمة ومسلمة الجهة التي تنص على الوضوح اذ أن العبارة اللغوية تتضمن عدة معاني ؛ منها صريحة وتشمل على المحتوى القضوي الاسنادي والقوة الانجازية الحرفية وتشمل ايضا على معاني ضمنية مثل معاني الاعراف والمعاني الحوارية .
وهنا يصبح الخطاب تداوليا يحظى بالفهم المشترك والمقبولية الجماعية ولو بتفاوت بين بيئة وأخرى وهنا يأتي دور نظرية الملائمة التي اتضحت معالمها بعد جهود عديدة في كتابات اللسان البريطاني ولسن والفرنسي دان سبربر وهذه النظرية حصيلة دراسات علم النفس المعرفي وخاصة النظرية القالبية عند فودر وفلسفة اللغة وخاصة النظرية الحوارية عند غرايس فقد أكد فودور على أن معالجة الأخبار تمر بعدة مراحل وهي : مرحلة اللواقط و مرحلة الأنظمة البعيدة عن المركز ومرحلة الأنظمة المركزية .
وهنا لا بد من الإشارة إلى نظرية الافعال الكلامية وهي النظرية التي بلورها أوستن وهدف بها دراسة الملفوظات ودلالتها الانجازية والتأثيرية وكان قد قسمها الى : فعل القول ( الفعل اللغوي ) والفعل المتضمن في القول والفعل الناتج عن القول , وقد صنفها أوستن على أساس قوتها الإنجازية على خمسة أصناف :
أفعال الأحكام : وهي تتمثل في حكم يصدره قاض أو حكم .
أفعال القرارات : تتمثل في إتخاذ قرار بعينه كالحرمان أو الطرد .
أفعال التعهد: تتمثل في تعهد المتكلم بفعل شئ مثل الوعد أو القسم أو الضمان .
أفعال السلوك: وهي رد فعل لحدث ما كالإعتذار أو الشكر أو المواساة.
أفعال الإيضاح: وتستخدم لإيضاح وجهة النظر أو بيان الرأي مثل الاعتراف أو الموافقة أو التشكيك.
ومما تقدم نجد أن خطابي التراث والمعاصرة ممكن أن يخضعا بدوريهما للوعي التداولي حينها يصبح هذين الخطابين مجالين للدرس والانتباه من خلال الوعي بالأغراض الانجازية التي يؤديانها انطلاقا من نظرية المطابقة مع الواقع الموضوعي وشروط الإخلاص في القول بحسب ما أكد عليه سيرل الذي صنف أفعال التداول على خمسة أصناف : الاخباريات والتوجيهات والالتزاميات والتعبيرات والإعلانيات .
وأخيرا يمكن لنا أن نتصور المفاهيم المتداولة بوصفنا ذوات لغوية دون الشعور بضغط بتركتي التراث أو المعاصرة أو على الأقل يمكن التعايش في عالم تبدوا اللغة فيه وسيلة مروضة ويمكن أن يتمثل ذلك تداوليا بصورة أكثر في نظام الإشاريات التي تنقسم على الإشاريات الشخصية مثل ضمائر المتكلم أنا ونحن ، وضمائر المخاطب ، وضمائر الغيبة والإشاريات الزمنية والإشاريات المكانية والإشاريات الاجتماعية والاشاريات الشخصية .



#علي_حسين_يوسف (هاشتاغ)       Ali_Huseein_Yousif#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقتل الحسين كما صورته كتب التاريخ والتراجم
- الرثاء في الشعر العربي , التمثلات والبواعث
- الواقعُ نصَّاً سرديّاً , قراءة في مجموعة (رغبات بعيدة المنال ...
- موجِّهات السرد في رواية (السقشخي) لعلي لفته سعيد
- ما سكت عنه السرد , قراءة في رواية (وحي الغرق) لساطع اليزن
- توظيف اليومي في الرواية العراقية ، شوقي كريم أنموذجاً
- جماليات السرد في رواية (النوتي) لحسن النجار
- معاناة الشعوب فعلا سرديا , قراءة في رواية جمهورية باب الخان ...
- الحقيقة المؤجلة
- صورة الوطن بين روايتي موسم الهجرة إلى الشمال وكش وطن , مقالة ...
- اللغة والعرفان
- الفلسفة والجنون ... غرائب من حياة الفلاسفة
- الموضوع والمحمول بين الفلسفة واللغة
- مسألة العلة في الفلسفة تمثلات وإشكالات
- الحقيقة ونظرية المعرفة في الفلسفة الإسلامية
- المقولات والمحمولات أو لوازم الدرس الفلسفي
- المنطق بوصفه مقدمة في كتب الفلسفة الإسلامية
- فلسفة الوجود في الفكر الفلسفي الإسلامي
- الفلسفة الإسلامية في كتب المؤلفين الشيعة , موضوعاتها وقضاياه ...
- الفلسفة بين اليونان والعرب , المصدر والموضوع


المزيد.....




- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي حسين يوسف - نحو تداولية الخطاب المعاصر أو ترويض الخطابات