الواقعُ نصَّاً سرديّاً , قراءة في مجموعة (رغبات بعيدة المنال) لفراس عبد الحسين

علي حسين يوسف
(Ali Huseein Yousif)

الحوار المتمدن-العدد: 5849 - 2018 / 4 / 18 - 10:09
المحور: الادب والفن
    

مجموعة قصصية هي الأولى لكاتبها ، مؤلفة من( ٣--------٤--------) قصة قصيرة ذات نفس شفيف ،لا تتطلب إمعانا ولا جهداً ولا تأويلا من القارئ ، تسير الأحداث فيها بانسياب وعذوبة على الرغم من أنها اغلبها تحكي قصصا مؤلمة وتشي بأوجاع أناس فقراء لا كسب لهم وتتحدث عن عوائل لا معيل لها ، سجناء لا حول لهم ، جنود ، عمال ، طلاب ، أرباب عوائل ، نساء .
وفي الوقت ذاته نجد خوفاً ورعباً، نجد تفجيرات ، وأعمال إرهابية ، نجد عداءً سافراً للحياة .
في هذه القصص بسطاء طيبون ، وأيضا فاسدون ومتملقون ، سياسيون منافقون ، سراق يملكون من الأموال ما يكفي لسد حاجات الفقراء , وبالتالي فأننا واجدون هنا احلاما ضائعة ؛ احلام في طريقها للتحقق .
نجد مأساة سبايكر و( ولادة نهر ) جديد من دمائهم حيث تشعر بأن الراوي هو أحد الشهداء يتحدث عن زملائه دون أن يذكر أي أسم سوى (عمر) السني الذي يرفض إلا أن يكون تحت مقصلة الاعدام مع أقرانه وفي قصه (حدث في أفزوني ) يتحدث الكاتب عن معاناة المهاجرين جراء الحرب التي عصفت بالبلاد ثم يعبر بنا الحكي إلى حارس فقير يعيش مع كابوسه وقد انهكته الحروب والايام بقسوتها ونجد ذلك أيضا في قصة (مائدة الحرب ) .
حتى العاشق حينما يحلم بـ (فتاة البحر) لا يخلو حلمه من أمل في حياة سعيدة دون انفجارات وحروب ، والأمر ذاته نجده في قصة (فنجان قهوة ) فهي قصص رافضة ثائرة حالمة نجد ذلك النفس ماثلا في القصص كلها, ففي (مذكرات وأمن عام ) يرفض الشاب الحرب فيتعرض للاعتقال ، فيما يرفض العامل الفقير في (ثورة الصمت ) واقعه المرير ويطالب بتحسين الحال وفي (أمنية الجحيم) نجد مأساة سنجار ماثلة في حوار بين الراوي وأحد أبناء الطائفة الإيزيدية المنكوبة ، وفي درجة (٤--------٥--------) يتحدث أحد الجنود عن قسوة الحرب وما جرتّه على البلد من ويلات .
ومثلما حدثنا القاص وهو يصور بخياله مجزرة سبايكر فقد قدم لنا بنفس صادق في (أحلام سوق مريدي )مأساة سوق مريدي الذي أطاح بعشرات الفقراء والكسبة ولا ينسى الكاتب الأبعاد التربوية في القصص فيقدم لنا في قصة (ابو العود ) نموذجا لبطل يتوسط بين الناس لحل نزاعاتهم ثم يقدم نموذجا آخر في قصه (فتاة اللوحة ) تمثل في رسام ينتشي بلوحته بوصفها المعادل الموضوعي لواقعه المؤلم ، ونجد النفس الإنساني في قصة (ساري )حيث يتحدث عن ظلم الإقطاع ومعاناة أبناء الريف العراقي متخذا من ريف الحسينية أنموذجا ، ونجد ذلك أيضا في قصة (صدى الاثنين ) حيث يتحدث الأب عن معاناته .
لكن الصعوبة تتمثل حينما تتعسر الكلمات على الكاتب هذا وما أفصح عنه القاص في قصته (تعال نكتب ) ونجد الحيرة ذاتها في قصة (محادثة افتراضي ) و(وجنون كاتب ) .
ولا نبالغ القول إن قصص المجموعة تعيش مع الفقراء والكسبة والأطفال المحرومين بإحساس صادق يشي بصدق لهجة كاتبها ، ففي قصة (ابن المقهى )حيث الصبي الذي يعمل في مقهى وما تترآى له من آمال يوم لعبة المنتخب والآمال ذاتها نجدها عند أحد الرفاق المناضلين العائدين من حركة الأنصار في كردستان حيث الحكي الذي يتبناه جعفر واحمد ، مثلما نجد الأمر ذاته في قصة. (حلم) وقصة (صحوة )
ويبدو أن مخيلة الكاتب لا تفارقها التفجيرات التي عصفت ببلده لذلك نجد صداها ودوي أصواتها في أكثر من قصة مثل : (الى متى )، و(احلام سوق مريدي ) و(تستمر الحياة ) و(صرخة حياة ) و(الهروب من باطن الجحيم) حيث تفجير الكرادة المروع .
ويظل الحلم يغلف هذه الحكايات ، ففي قصة (حلم )يصادفنا شخص يتحدث وكأنه يعيش حلماً وردياً ، فالمدينة جميلة ، حيث لا خراب ولا تدمير ، والناس يتعاملون بأروع ما يكون ، لا حقد ولا حسد ، واعتقد أن القصة تشير بطرف خفي إلى حلم الاشتراكية ، لا سيما إذا عرفنا بأن الكاتب من أبناء العوائل الشيوعية المناضلة لذلك نراه لا يبتعد كثيراً عن معاناة الناس ، فيذهب بنا إلى سجن السلمان حيث معاناة السجناء هناك في زمن النظام السابق ، وذلك في قصة (عودة للسلمان ) , وقصة (البوم صور) و(الشمس تشرق دائما) .
ومثلما مر فإن هذه المجموعة لا تخلو من السخرية من القدر الذي ساقه أناس لا يفقهون شيئاً لقيادة البلد ، ففي قصة (العراف والسياسي ) نجد أن السياسي يعمد إلى العراف كي يحدد له مستقبلة ونجد الاستهجان ذاته في قصة (الحقيبة ).
ومن أجمل قصص المجموعة قصه (ورق ملون ) التي تتحدث بطريقة طوباوية عن حياة عملة نقدية تنتقل بين أيدي الناس حيث تمر على ألوان متباينة من البشر ، فقراء ، واغنياء , نساء ورجال ، واطفال وشيوخ ، وسياسيين ، وتجار وغيرهم .
وأخيراً لابد من الإشارة إلى أمل آخر غير آمال الكاتب ؛ أمل يراود القراء يتمثل في ظهور قاص يتخصص بأحلام البسطاء ليكون واحدا منهم كما هو كاتبنا في رغبات بعيدة المنال .

#علي_حسين_يوسف (هاشتاغ)       Ali_Huseein_Yousif#          

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل