أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - عبدالخالق .. حينما يكون الزهد مثلبة سياسية وليس إمتياز*















المزيد.....

عبدالخالق .. حينما يكون الزهد مثلبة سياسية وليس إمتياز*


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 6472 - 2020 / 1 / 25 - 18:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إن كثيرا من محبي عبدالخالق السامرائي غالبا ما يتحدثون عن عبدالخالق الشخص بدلا من عبدالخالق المشروع. إنهم يحكون قصصا عن زهده وتجرده ونكرانه لذاته بالطريقة التي تصوره راهبا. والذي أعتقد به هنا أن حديثا عن هذه الشاكلة, وإن هو إستند على محبة صادقة لشخص السامرائي وعن إعجاب به, إلا أنه يساهم بالنتيجة بتشويه صورة عبدالخالق المفكر العضوي والقائد السياسي الذي يجب أن يكون بعيدا تماما عن فكر وسلوك الراهب والناسك.
من موضع الإعجاب به أو المحبة له, أو من موقع الكراهية الشديدة لخصمه صدام حسين, أو من موضع الحاجة لإعادة كتابة التاريخ العراقي بشكل مغاير, وبتأثير من التعاطف الإنساني مع قضية الرجل الذي تعرض للظلم الفادح والغدر الكبير, راح البعض يتطرف إلى حد كبير في رسم صورة للشهيد عبدالخالق السامرائي بالريشة التي تصوره بهيئة الراهب والزاهد والناسك. ولعل ذلك ليس غريبا له أن يحدث, فالشخصية العراقية فيها قدر ملحوظ من التطرف الذي يهيؤها لتقديس من تحب وتكفير من تكره, لذلك نرى أن الذي تحبه يتسامى والذي تختلف معه يتشيطن.
وكما أرى فإن محاولة "رهبنة" السامرائي فيها قدر كبير من الخطورة على رصيده كقائد سياسي وكمفكر ثوري في نفس الوقت, أي أنها ستضع شخصية السامرائي على طاولة التشريح لمعرفة ما إذا كان بإمكان رجل بهذه المواصفات المتسامية أن يقود بلدا لا يستطيع قيادته سوى الرجال السياسيون وليس الرهبان المتصوفون.
وفي نهاية الأمر ربما نجد أنفسنا وقد وقعنا بواسطة الحب ما لم نكن نقدر عليه لو كنا في وضع الكراهية وذلك حينما حولنا المعركة تلقائيا وكأنها كانت قد جرت بين رجل العقيدة عبدالخالق السامرائي ورجل الدولة صدام حسين وصيرناها كأنها معركة بين الأخلاق وبين السياسة.¬
صحيح أن عبدالخالق كان مفكرا ومثقفا وزاهدا بمظاهر السلطة لكنه لم يكن زاهدا بمظاهر الحياة الطبيعية ولم يكن رقيبا صارما على تصرفات الناس من حوله. وإنما نحن أمة ميالة إلى تقديس من تحب وشيطنة من تكره. ولعل مراجعة سريعة للتاريخ السياسي العراقي الحديث ستؤكد لنا على وجود العشرات بل والمئات من هذه النماذج السياسية الشديدة التجرد. ولنتذكر أن تلك الشخصيات الموزعة ما بين الشيوعيين والبعثييين والقوميين والوطنين بشكل عام وبين خصومهم على الجهة الأخرى من السعيديين والملكيين (نسبة إلى نوري السعيد والنظام الملكي) يشتركون بنفس هذه الصفات الفردية السامية.
إن هناك عشرات القصص التي باتت تروى عن نزاهة نوري السعيد وعن تجرده بطريقة باتت تحوله وكأنه كان إسطورة زمانه, في حين أن خصمه عبدالكريم قاسم لم يكن أقل منه نزاهة وتجردا, وحتى أنه كان أسمى منه بدرجات, إذ لم يره الناس بغير (الخاكي), وكأنما كان قد ولد ومات في نفس بدلته.
ومثل خصمه نوري السعيد فقد تأكد أنه لم يترك إرثا لأحد كما ولم يترك رصيدا في مصرف, وكذلك كان شأن عبدالسلام عارف وأخيه عبالرحمن من بعدهما, وحتى البكر نفسه فقد كان حريصا على المال العام حرصه على صلاته.
أما عن عبالخالق فقد تأكد أن جميع الذين زاروه في بيته قد تحدثوا عن المقاعد الخشبية التي ظلّ محافظا عليها والتي لم يحاول إستبدالها بعد أن تبدلت به الحال وإنتقل من وضعية الكادح التي كان عليها إلى وضعية القيادي الذي صار عليه (عضو مجلس قيادة).
من جهتي, أنا الذي رأيته في الحالتين, حالته في بيته وحالته في وظيفته, فأنا متأكد أن السامرائي لو كان يملك المال الكافي لإستبدل طاقم المقاعد الخشبية بآخر أكثر حداثة. إنه لم يفعل ذلك لسبب بسيط وهو أنه لم يكن قد إمتلك المال الشخصي الكافي لتأثيث بيته من جديد, بدليل أن غرفة عمله في المكتب الثقافي كانت مؤثثة بشكل جيد. كان مكتبه من الخشب وليس من الحديد كما كان عليه مكتبي إلى الجوار منه, أو كما كانت عليه أغلبية مكاتب العاملين في القيادة من غير أعضائها, أما المقاعد فلم تكن خشبية كتلك التي في بيته بل من طراز الأثاث السائد آنذاك.
الواقع أن السامرائي كان زاهدا بمظاهر السلطة, لكنه لم يكن راهب سياسة أو عقيدة. في الوقت ذاته فإن علينا أن نفهم أن ذلك الزهد كان صفة أكثر المناضلين في تلك الفترة وعلى مختلف إنتماءاتهم السياسية. وأجزم أن القول بترهبه سوف يأكل من مقدرته القيادية السياسية, والزهد هو غير الترهب بمقاييس عدة, وأجزم أن السامرائي كان يتفهم إحتياجات من حوله, ولهذا فهو لم يحولهم مثله ولو حتى إلى زاهدين, كما لم يحول المكتب الثقافي إلى دير للرهبنة, بل كان يضغط بإتجاه أن لا (تأكل السلطة كوادر الحزب) بالمعنى الأخلاقي والفكري النضالي. وكان ذلك إقتضى بدرجة أساس أن يتعلم هؤلاء على حياة التواضع وأن لا يتركوا لمظاهر السلطة أن تذهب بهم بعيدا خارج سياقات المبادئ والأخلاق, أوأن تترك بصماتها المؤثرة عليهم. وكان حريا أن يطبق ذلك على العاملين بإمرته, وعلى الذين كان يعمل على تدريبهم كقادة مستقبل.
والسامرائي, رجل الحزب هنا, الذي كان يتطلع بصدق وصفاء نية لبناء أمة ودولة, كان يرى أن إمساك السلطة في العراق ليس سوى محطة لبناء تلك الأمة, لذلك كان حريصا على أن يبقى البعثيون بعيدا, ليس عن السلطة, وإنما عن أمراضها, حتى يكونوا على مستوى قيمة الهدف الذي كانوا يؤمنون به.
وإذ ذاك فإن الرجل لم يكن الوحيد زمانه. لقد كانت النسبة الكبيرة من البعثيين يومها من رواد هذه المدرسة المتجردة, بل كانت هذه هي صفات غالبية الحركات السياسية آنذاك, شيوعيين وقوميين ووطنين ديمقراطيين, وأيضا صفات رواد الدولة العراقية الحديثة منذ عهد التأسيس الملكي وحتى هيمنة صدام على مقاليد الحكم وذلك بعد إجباره البكر على الإستقالة وقيامه بإرتكاب مجزرة قاعة الخلد أو قاعة الغدر في عام 1979 التي ذهب ضحيتها نصف أعضاء قيادة الحزب مضافا إليهم السامرائي نفسه مع عدد لا يستهان به من الكوادر البعثية المتقدمة.
وعليه فإن هذه المقالة, وإن هي إهتمت بشكل أساس بتوصيف الحالة التي كان بطلها السامرائي إلا أن واحدا من إهتماماتها الأخرى هو أن يتعرف عراقيو اليوم على حالة عراقي الأمس, ليس من باب مقارنتها مع حالة سياسي سلطة ما بعد الإحتلال, لأن من الظلم وحتى من الفاحشة أن توضع أية جهة سياسية أو حتى أي نظام سابق في مقارنة كهذه.
إن الرجل لم يذهب ضحية لتمسكه بأخلاقه العائلية الموروثة, وإلتصاقه العقائدي بها فحسب, وإنما لأنه كان مشروعا عقائديا وسياسيا مغايرا لمشروع خصمه صدام حسين, وكان ذلك يعني أن إزاحته من الحزب ودولته الجديدة وحتى من الحياة كان إجراء لا بد منه على طريق بناء دولة العوجة بكل ما فيها من تعرج وإعوجاج.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*القسم (14) من : "بعضٌ من .. بعض الذي كان"



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوطني في مواجهة الإقليمي
- عشرة دنانير*
- بإمكانك أن تكون أمريكيا وعراقيا في ذات اللحظة
- السيادة العراقية المنتهكة وحديث : أمك شافت أمي بالمنز .. ل*
- درس للعراقيين من ثورة السودان
- أيها المسيحيون .. أعيادكم هي أعياد كل العراقيين فلتستمروا به ...
- تريد غزال تأخذ أرنب
- الغضب المتحضر
- الإستحمار الإيراني
- موقف المناطق الغربية من العراق من ثورة تشرين العظيمة ضد النظ ...
- الحراك العراقي .. هل هو ثورة أم حركة إصلاح .. ؟
- عادل عبد المهدي .. هل ما زال هناك وقت لقلبة رابعة
- الذي يحدث في العراق .. ماذا ولماذا
- وجه لعدة وجوه
- النظام الطائفي في العراق .. مفاهيم وإرهاصات
- العلم العراقي ذلك السلاح المعجزة
- بإمكان الديمقراطية العراقية أن تنتظر قليلا
- البحث عن وطن
- ثلاثة إسلامات .. دولة علي ودولة معاوية .. (7)
- صدام والسامرائي .. مرحلة البدايات


المزيد.....




- فيديو أسلوب استقبال وزير الخارجية الأمريكي في الصين يثير تفا ...
- احتجاجات مستمرة لليوم الثامن.. الحركة المؤيدة للفلسطينيين -ت ...
- -مقابر جماعية-.. مطالب محلية وأممية بتحقيق دولي في جرائم ارت ...
- اقتحامات واشتباكات في الضفة.. مستوطنون يدخلون مقام -قبر يوسف ...
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بسلوكها
- اكتشاف إنزيمات تحول فصائل الدم المختلفة إلى الفصيلة الأولى
- غزة.. سرقة أعضاء وتغيير أكفان ودفن طفلة حية في المقابر الجما ...
- -إلبايس-: إسبانيا وافقت على تزويد أوكرانيا بأنظمة -باتريوت- ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف بلدتي كفرشوبا وشبعا في جنوب لبنان (صور ...
- القضاء البلغاري يحكم لصالح معارض سعودي مهدد بالترحيل


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - عبدالخالق .. حينما يكون الزهد مثلبة سياسية وليس إمتياز*