أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - صدام والسامرائي .. مرحلة البدايات















المزيد.....

صدام والسامرائي .. مرحلة البدايات


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 6382 - 2019 / 10 / 17 - 16:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



رغم أن صديقي الأستاذ وليد السامرائي كان أحد ضحايا التسلط القمعي المافيوي لصدام حسين وأنه كان قد ابعد من الحزب وتم سجنه وتعذيبه وحرمانه من حقوقه الوظيفية بسبب صلة القربى التي جمعته مع الشهيد المغدور عبدالخالق السامرائي, رغم ذلك فهو كان إستهجن لغة الروايات الهابطة التي تتحدث عن صدام والتي جاء في واحدة منها أن الفقر كان إضطره اثناء طفولته إلى السير في طرق مدانة و مشينة, وأيضا هناك القصص التي تتحدث عن صدام وإخوته وكيف كانوا يشكلون عصابة مقرها العوجة وميدانها تكريت.
لكن دعونا نصبر قليلا, إذ أن حرصا محمودا بهذا المستوى, والذي عادة ما يكسبه الإنسان نتيجة لتربيته المستقيمة وبيئته الطيبة ومبدئيته العالية, قد يجعله مثل الطبيب المستحي الذي يعطي المريض دواء لرأسه في حين أن المرض في خصيتيه. وأرى أن علينا أن لا نهرب من مهمة الوقوف امام العقد المستعصية التي تتحكم بسلوكيات الفرد والتي قد يضطرنا البحث عن أسبابها إلى الغوص بعيدا في تفاصيل طفولة الفرد المعقدة والمرتبكة وذلك من أجل التشخيص وليس لغرض التشهير.
ولقد جرت العادة أن يفتش الأطباء والمحللون النفسيون في طفولة مرضاهم الكبار بحثا عن أسباب أمراضهم النفسية وغالبا ما تضطرهم تلك الحاجة إلى التوقف أمام علاقة أولئك المرضى مع أمهاتهم ولا يجدون حرجا في تأشير بعض مشاهدها بكل صراحة ولغة مفهومة ومباشرة وبلا حساب كحساب ذلك الطبيب الخجول والمستحي الذي يأنف من النظر إلى خصيتي مريضه فيعطيه دواء لوجع الرأس بدلا من أن يعطيه دواء للسيلان أو السفلس.
إن شخصية صدام هي عبارة عن مشهد ثلاثي مركب وشديد التعقيد كانت قد ساهمت في تكوينه عقد البيئة العامة (العوجة) مع عقد البيئة المباشرة (العائلية) مع العقد الذاتية الفردية (الشخصية) والتي جعلت منه حالة غدر وتربص بائن ونشط على مدار الساعة, حيث الخوف والتحسب من المحيط, وحركة العينين السريعة في كل الإتجاهات, حتى كأنها مجسات لرصد الأخطار وتوقعها من كل الجهات ومن كل الأشخاص.
وبفعل عقدته الشخصية الناشئة من خصوصية طفولته المضطهدة والممتهنة فإن بقية العقد العامه والبيئوية سرعان ما تفعلت بشكل متفجر لتجعل من الرجل مشروعا للغدر والإنتقام. إن كل المحيط من حوله هو معادي ويجب إعتباره حالة خطر بإمكانه أن ينشط في اية لحظة, أما هو فيجب عليه الإستباق فالمنتصرهو من يضرب أولا, إذ لا وجود لصديق أو أخ أو قريب أو حتى زوجة حبيبة أو حتى إبن حبيب. كل هؤلاء جميعا يضعهم صدام في خانة الضبابية التي يمكن للصديق ان ينتقل منها بكل سهوله إلى خانة الأعداء.
إن كثيرا من النظريات الإجتماعية تحدثت لنا عن دور الفقر وصراع الطبقات كحوافز أساسية للثورات, أما إبن خلدون فقد قدم لنا تفسيرا هاما لصراع البداوة والحضر كأساس لفهم الغزوات التي قام بها بدو الصحراء ضد كثير من الحواضر المدنية الهامة على مدار التاريخ, وليتحفنا بتفسيرات مقنعة عن كيفية قيام مجاميع وقبائل بدائية بتهديم حضارات تاريخية كبيرة.
ونلمس أن حالة البداوة مختلفة إلى حد كبير حتى مع حالة التريف, وبدايةً فهي لا تجد أن هناك ضرورة لترويض الغرائز, حيث تظل هذه الأخيرة مطلقة السراح, ولعلها يجب أن تبقى كذلك من أجل الحفاظ على البقاء.
فالبداوة, هنا هي عكس التحضر, إذ لا وجود لقمع الغرائز إلا في مساحات ضيقة ومحدودة, لتصبح البداوة هنا, في بعض تعريفاتها, دعوة لإطلاق الغرائز وحيونتها وليس قمعها, لذلك تسود العداونية خارج نطاق المخيم المجتمعي.
ومن الأكيد فإن قيم الشجاعة في المجتمع البدوي هي غيرها في المجتمع الريفي, ففي الأولى, حيث الغرائز المطلقة السراح إلا في حالة التجمعات الصغيرة تكتسب الشجاعة طابع التوحش والعدوانية وقيم الغدر الذي ينبع او يتأسس على ثقافة الغزو خاصة حينما يسود الجدب ويصعب الصيد وتقل الواحات والمناطق المزروعة تلقائيا.
والحال إن كل ذلك الكلام يصبح عموميا إذا أهمل الإقتراب إلى الحالات المعنية بخصوصية موضوعية عميقة, وفي حالة صدام حسين فإن إنفجارية الصفات البدوية السلبية كان ناتجا حقيقيا لخصوصيةٍ شخصيةٍ بحتة كان قد تجمعت وبنت لها أعشاشها في داخل نفسه وذلك نتيجةً للحالة الإستثنائية التي كان قد عاشها في بيت زوج أمه إبراهيم الحسن.
إن شخصيته الأساسية كانت قد تكونت من خلال صراع على البقاء لم تؤسس له فقط طبيعة (العوجة) التي لم تكن قد أتمت إنتقالها من حياة الصحراء إلى حياة الريف وإنما ساهمت في التكوين عقد شخصية مركبة ومعقدة تولدت نتيجة فقدان الأب ومجهوليته إضافة إلى إضطراره للعيش في دار زوج أمه, اي وجوده وجها لوجه في مواجهة حالة من القهر والقمع والإضطهاد الإمتهان المتراكم الذي سلطه عليه زوج أمه وقدر له بعد ذلك ان ينفجر في وجه المحيط. وعن نفسه يتحدث صدام حسين ليقول انه كان ينام بعين ويبقي الأخرى مفتوحةً تحسبا من إمكانية غدر قد يأتي في أية لحظة.
هذه المرحلة من حياته يجب الوقوف أمامها بكل دقة وتأني فهي التي وضعت الأساس لشخصيته لتطلقه بعد ذلك في شوارع المدينة كشخصية معقدة عنفية متفجرة, إذ على عكس المناطق التي تحسم هويتها إلى حد كبير لصالح صفة وسلوك متغلب, فإن النصف قرية النصف صحراء تظل في حالة صراعات ومجابهات قيمية مستمرة من شانها أن تخلق شخصية معقدة تعيش حالة من إزدواجية الفكر والسلوك.
كل ذلك أو بعضه يمكن الإستفادة منه لتفسير الجنوح البدوي الغريزي الغادر لصدام حسين فالثورة أو الإنقلاب في نظر رفاقه هي غزوة بنظره وأما الهدف منها فهو الإستيلاء على الغنيمة حتى لو كانت بحجم بلد.
لو كان صدام رجل مدينة في الأصل وليس رجل بداوة لتراجعت عنده قيم الغزو لصالح قيم الثورة أو الإنقلاب أو حركة التغيير تماما مثلما كان الأمر مع رفاقه الآخرين ومثلما كان عليه الأمر مع ثورات أخرى في المنطقة العربية ذاتها. المصريون إنقلبوا على نظامهم الملكي لكن ليس هناك ما يشير مطلقا إلى قيام عبدالناصر بالتخلص من زميل شاركه إنقلابه, وظلت الأغلبية من الضباط الأحرار تشاركه مسؤوليات الحكم, أما سلوكه الشخصي فخلا تماما من اية نزعة للغدر برفاقه أو للتملك.
أما سامراء المدينة التي أتى منها عبدالخالق فهي أشهر من نار على علم لأنها صارت عاصمة إدارية للدولة العباسية في احد عهودها وشاهدها جامع الملوية الذي يدل على مكانتها الحضارية التاريخية والتي ظلت محافظة على حالة التسامح والتعايش المجتمعي لوجود إثنين من أهم الأضرحة المقدسة عند الشيعة والسنة على السواء. لا بل أن رعاية أهل سامراء من "السنة" لهذين الضريحين "الشيعيين" قد ساهم كثيرا في التأسيس لقيم التعايش المجتمعي وحافظ على التواصل والروابط الوثيقة ما بين أهل سامراء ومجتمعات الوسط والجنوب الشيعي بشكل خاص وجعل المجتمع السامرائي يميل إلى قيم التعايش والتصالح والتمسك بثقافة قبول الآخر وحتى رعايته وإحتضانه وإستضافته.
وبذلك صرنا في مجابه شخصين كانا قد إختلفا كليا من حيث البناء الشخصي والبيئوي العام, أحدهما لا صديق له والآخر مشروع صداقة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القسم (13) من دراسة موسعة بعنوان (بعض من بعض الذي كان).



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأرض بتتكلم عراقي .. الأرض .. الأرض
- عادل عبدالمهدي .. هش فقتل ونش فذبح
- إستدراك ضروري ..
- هل شارك السامرائي ناظم كزار محاولته الإنقلابية* ؟
- ثلاثة إسلامات .. (6) الغزو العربي لفارس والغزو الفارسي ...
- هل تآمر السامرائي على (الحزب والثورة) ؟!! .. (4)*
- ثلاثة إسلامات .. الديني والمذهبي مقابل القومي (5)
- تصفير التاريخي
- بين عبدالخالق السامرائي وصدام حسين (3)*
- بين صدام حسين وعبدالخالق السامرائي .. (2)*
- بين عبدالخالق السامرائي وصدام حسين .. العفيف الإستثنائي*
- ثلاثة ملالي ورئيس (1)
- بعض من بعض الذي كان ..7.. نظرية المؤامرة.
- بعض من بعض الذي كان .. 6.. القراءة المرتدة
- بعض من بعض الذي كان ..5 .. عيوب في نظرية العصر الجميل
- بعض من بعض الذي كان .. 4..عبقرية نوري السعيد أم تبعيته
- قطة ليلة الدخلة .. 3 .. بعض من بعض الذي كان
- في رثاء ولدي .. سعد الصالحي , الطبيب والفنان والشاعر
- بعض من بعض الذي كان .. 2 – تدوين أم إعتراف
- بعض من بعض الذي كان .. (1) .. تدوين أم إعتراف


المزيد.....




- -الأغنية شقّت قميصي-.. تفاعل حول حادث في ملابس كاتي بيري أثن ...
- شاهد كيف بدت بحيرة سياحية في المكسيك بعد موجة جفاف شديدة
- آخر تطورات العمليات في غزة.. الجيش الإسرائيلي وصحفي CNN يكشف ...
- مصرع 5 مهاجرين أثناء محاولتهم عبور القناة من فرنسا إلى بريطا ...
- هذا نفاق.. الصين ترد على الانتقادات الأمريكية بشأن العلاقات ...
- باستخدام المسيرات.. إصابة 9 أوكرانيين بهجوم روسي على مدينة أ ...
- توقيف مساعد لنائب من -حزب البديل- بشبهة التجسس للصين
- ميدفيدتشوك: أوكرانيا تخضع لحكم فئة من المهووسين الجشعين وذوي ...
- زاخاروفا: لم يحصلوا حتى على الخرز..عصابة كييف لا تمثل أوكران ...
- توقيف مساعد نائب ألماني في البرلمان الأوروبي بشبهة -التجسس ل ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - صدام والسامرائي .. مرحلة البدايات