أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سارة في توراة السفح: مستهل الفصل الثالث















المزيد.....

سارة في توراة السفح: مستهل الفصل الثالث


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6428 - 2019 / 12 / 4 - 23:01
المحور: الادب والفن
    


1
ضميرُ الابنة الهاربة، حمل ثقيلاً وزرَ موت الأب وبقيَ يتعذّب به في خلال الأشهر التالية. ذات يوم من أيام الربيع، كانت الشمسُ تلوّن قممَ الجبال المكسوّة بالثلج الناصع، كما تفعل فرشاة رسام فوق قماش من الخام الأبيض، حينَ قررت أديبة العودة إلى البلدة: " لن أدع دار أبي لأرملته وابنها، لأن حصتي فيه مثل حصتهما "، قالت لزوجها في حزم. وكيل الأعمال السابق، كانت لديه نفس النيّة بعدما عذّبه أيضاً شبحُ المرحوم طوال الفترة المعقّبة موته. كذلك شاء أن يُظهر لأقارب أديبة، أنه لم يعُد مستخدماً لدى أحد كائناً من كان.
" أوافقكِ الرأي، لأنه دليلٌ على البرّ بذكرى أبيك! "، قالها وقد أمِلَ ألا يعاوده ظهور شبح سيّده الراحل. سيكون هذا طوراً جديداً من حياته المشتركة مع ابنة الرجل، هما من ثقل على نفسيهما أيضاً المكوث في ضيافة الآخرين كل تلك الشهور. كان قد فرّ بها إلى قرية سرغايا، أين يعيش أولاد عمومته كفلاحين أجراء. استنكر هؤلاء في البدء زلّة قريبهم، لكنهم ما لبثوا أن أبدوا رضاهم لما طلبَ منهم استدعاء الشيخ كي يكتب كتابه على البنت المخطوفة. لم يكتفِ العريس بعقد قرانه على ابنة آغا دونَ التكلّف بصداق، وإنما عاشَ على بيعها لحليها الواحدة بأثر الأخرى: طريقة الحياة هذه، ستضحي مستقبلاً شيمة ثابتة في مسلك آخرين ممن حظوا بالمرأة الغنية على سنّة الله ورسوله.

***
لكن السيّد سليم لم يكن من صنف أولئك الرجال، السعيدين بالبطالة طالما ثمة من يصرف عليهم. لقد علمنا قبلاً، أنه شغلَ منذ فتوته وظيفةَ وكيل أعمال أحد كبار الملاكين. ثم ازداد خبرةً مع مرور الأعوام، إلى أن غدا بنفسه من فئة الأسياد. مع ذلك، لم تترك أديبة الأمورَ تجري في أعنّتها، إلا بعدما أشرفت بشكل حاذق على كل شاردة وواردة. في هذا السبيل، كانت قد عمدت أولاً على الخلاص من عبء الخمار الأسود، عدوها القديم، مستبدلة إياه بملابس ريفيات المنطقة، المزركشة بألوان الربيع. في مرحلة لاحقة، مع استقرارها في القسم الخاص بها من منزل الأب في الزبداني، راحت تستقبل بنفسها الرجالَ، لمناقشتهم ومساومتهم فيما يتعلق بالمواسم الزراعية وغير ذلك من شؤون العمل. من ناحية ثانية، عليها كان أن تحذر من مكائد أرملة أبيها، بما أنهما تقيمان تحت سقف المنزل ذاته. وقد تمكنت أديبة من إحكام قبضتها، حينَ استخلصت من الأخرى سنَدَها وثقتها، العم عمر، حيث تم الأمر بمعونة من امرأته.
حوريّة، كانت قد عوّضت الضربة التي تلقتها بموت الزوج، وذلك بإنجابها غلاماً ذكراً. أمِلت أنه سيحظى بنصيبَ الأسد في الميراث، بيد أن الأمور لم تسر وفق ما رغبت. كون أملاك زوجها الراحل، بما فيها عقاراته، موجودة في صالحية الأكراد بدمشق، فإنها عجزت عن فعل شيءٍ مجدٍ حينَ بادر أبناء أخوته إلى الاستيلاء على أكثرها، مبررين ذلك بأنها سبقَ واغتُصبت منهم لما كانوا صغاراً. ولا كذلك كان حالُ ابنة زوجها، التي سبقَ أن ورثت أملاك والدتها في حياتها عن طريق عقد بيع وشراء، صوريّ. كانت حوريّة تردد كل مرةٍ، بوجود أبويها: " يا لها من محظوظة، ربيبة الشيطان! إنها قوية في كلا المكانين، الشام والزبداني، بينما أنا عاجزة بين أهلي وعشيرتي ".

***
بسبب لبس العلاقة مع امرأته قبل زواجهما، كان سليم قد اتفق معها ألا تنجب إلا بعد مرور سنة على عقد القران، على الأقل. في حقيقة الحال، أنه كان عبثاً هكذا إجراء احترازيّ، بما أنّ الناس ينسون بسرعة ما يتعلق بتفاصيل حياة الآخرين إن كانت خيراً أو شراً. حكاية الحب، المتوجة بالزواج، كانت دوماً حكاية تافهة وقلّما وجدت لها مكاناً في الملاحم الشعبية. أما تلك المنتهية بمأساة، كأن يموت دنفاً أحد الحبيبين أو كلاهما، فإنها حكاية تستحق الخلود وأن تُغَنّى جيلاً تلو الآخر.
ذلك السبب، لم تُحط به علماً الأرملةُ الشابة، التي ظنّت أنّ ابنة زوجها الراحل عاجزة عن الإنجاب. فاعتبرت أن القدَر فتحَ لها طاقة الحظ، مجدداً، كي تتشفّى بغريمتها وتنال منها ما عجزت عن نيله من أبناء أخوة المرحوم رمضان آغا. في إحدى المرات، راحت حوريّة ترفع ابنها الصغير بتدلّه، مخاطبةً إياه في صوتٍ مرتفع: " كل أملاك أختك ستعود إلينا، لأنك وريثها الوحيد ". حصل الأمر بحضور آمنة، وهذه سرعان ما نقلت ما سمعته لسيّدتها. في ذات اليوم، ليلاً، قالت أديبة لرجلها وهيَ تلسع فمه بقبلتها: " الآن، حانَ وقتُ مجيء وليّ العهد! ".
وقد كوفئت على صبرها، ليسَ بإنجابها صبياً حَسْب، بل وأيضاً بقدومه في الشهر السابع لا التاسع.

2
زوج ابنة الآغا، كررَ في الواقع ما فعله جده، " غانم "، في بداية القرن. لقد عمد هذا الأخير، مدفوعاً بعاطفة جياشة، إلى اختطاف ابنة أحد الملاكين في سرغايا ثم هربَ بها إلى الزبداني. إذ لم يكن بالوسع رأب الصدع مع والد الفتاة، فإنه في المقابل استثمر حليّها الذهبية في شراء قطعة أرض ابتنى على جزء منها منزلاً متواضعاً وزرع الجزء الباقي بالمحاصيل الملائمة طقس المنطقة. كونه وحيد أبويه في الأساس، وغريباً في البلدة، عوّض ذلك بإنجاب دزينة من الأولاد، عاشَ منهم أربعة ذكور وثلاث إناث. كبرت العائلة بعدما أُلحِدَ مؤسسها في قبره، وأضحى لها حارة صغيرة في البلدة. لكنها لم تعدّ أبداً من فئة الوجهاء. سوى أن أفرادها نجحوا في أعمالهم المختلفة، واستمروا على تضامنهم الاجتماعيّ فيما بينهم.
وهذا أحدُ أفراد آل غانم، سليم، الوكيلُ السابق لأعمال الآغا الكرديّ الغريب، يتطامن رويداً إلى مرتبة الوجهاء. حقاً إنه دونَ وجود ختم امرأته لا يستطيع إبرام صفقة، لكنها لن تتم بنجاح سوى بفضل حصافته. كانت أديبة، من ناحيتها، تقدّر جهود الرجل ولا تكأد سبيل سعادتهما من أجل هنّةٍ في مسلكه أو مثلبة في طبعه. كما أنها جاملته بالانفتاح على أسرته في البلدة، وكذلك في زيارات لأقاربه في سرغايا، الذين مدوا لهما يد العون في وقتٍ عصيب. ثم كان إنجابهما لصبيّ، مؤخراً، الأثر الفعال في النظر باطمئنان للمستقبل. كانت تودّ إطلاق اسم أبيها الراحل على الغلام، لولا أنّ الرجل بصّرها إلى أن ذلك سيبعث دوماً الكوابيسَ من رقادها. سرّى قوله عن نفسها، كونها في داخلها لم تقتنع بالاسم ولذات السبب. هكذا أخذ الصبيّ اسمَ جدّه لأبيه، " إبراهيم "، وما أبطأ والداه في إقامة حفل كبير بمناسبة ختانه.

***
كان رمضان آغا، قبيل وفاته المفاجئة، قد شيّد طابقاً علوياً في منزله، تكوّن من ثلاث حجرات؛ وكما لو أنه استهدى نبوءةً بما سيجري مستقبلاً. مع عودة الهاربَيْن إلى البلدة، وهما زوجان شرعيان، تم إجبار امرأة الأب على إخلاء الطابق الأرضيّ. بقيَ المطبخ والحمّام مشتركاً بين الأسرتين لفترةٍ، إلى أن رأت الأرملة ذات يوم البابَ الموصل إليهما قد تُرِّسَ بالمسامير. اضطرت عندئذٍ لطلب معونة البستانيّ ( كان آنذاك ما يفتأ على ولائه لها )، كي يتم تحويل إحدى الحجرات الثلاث إلى مطبخ وحمّام. فوق ذلك، كان الترّاس يتبع بالطبع للدور الأرضيّ؛ هنالك أينَ كان الآغا الراحل يزجي أوقات الدفء مع امرأته الحبيبة، مستمتعين بالمشهد الخلّاب للوادي، المنبسط تحت أنظارهما، والمترافق مع النسيم الجبليّ المحمّل بعبق الأزهار البرية. حوريّة، بالمكر المأثور عنها، كظمت ما بنفسها من حنق وحقد، متحيّنةً فرصة مناسبة للرد اللازم والحاسم على الغريمة، تشوّفها مآل تصرفاتها العدائية. على أثر انضمام البستانيّ للطرف الآخر، إيثاراً منه لمصلحته الشخصية، عيلَ صبر الأرملة وقررت أن تجرّع غريمتها من نفس الكأس.
يوماً، وكان الوقتُ ظهيرةَ خريفٍ حارّة، وجد السيّد سليم نفسه وحيداً على الترّاس عقبَ مرافقة امرأته للمربية إلى سوق البلدة. إذاك كان يفكّرُ بزيارة محمد آغا، بغيَة السلام عليه بمناسبة حلوله في المزرعة الخاصّة به، وذلك لشأنٍ يتعلق بالأعمال. تكهّنَ زوجُ أديبة بالطريقة التي سيُستقبل في خلالها من لدُن ذلك الرجل، المعرَّف بالتكبّر والعجرفة: " مهما يكن رأيه فيَّ، أخاله شخصاً غريباً بحاجةٍ للمساعدة "، انتهى إلى نتيجة مطمئنة نوعاً ما. إنه كذلك، إذا به يسمعُ وقعَ أقدام آتٍ من الشرفة فوقه. رفع رأسه، ليرى حوريّة واقفة هنالك. من الحيّز المفتوح في الأرضية الخشبية، المخصص لرسوب مياه الأمطار، بانَ جانبٌ وافر من فخذي المرأة، العاريين والعارمين. كونه محروماً من الوصال الجسديّ، بسبب فترة نفاس زوجته، ما كان من ذلك المنظر المثير إلا أن أرّثَ نار الشهوة في جسده. ترافق الأمرُ مع فكرةٍ طائشة دهمته، وهيَ أنّ وقوف الأرملة بهذا الشكل كان مقصوداً وليسَ اتفاقاً. كي يختبر فكرته، تنحنحَ بصوتٍ عال ثم بصقَ. لم تتحرك المرأة من مكانها، بل ولقد أبعدت ما بين ساقيها ليكتمل المشهد الفاضح.
" رباه، إن الشقَّ والرابية مجردان تماماً من الزغب! فلِمَن حسَّنت ذلك الموضع، إن لم يكن لأحد العشاق؟ "، خاطبَ داخله وهوَ فاقدٌ الصواب تماماً. حتى بعدما اختفى المنظر المثير، بقيَ الرجلُ يواصل مونولوجه: " إنها ولا مِراء متلهفة لإرواء رغبة الجسد، المحبوس في أغلال الكبت مذ يوم رحيل فارسه. فلأكن ذلك الفارس العاشق، طالما أنّ من الممكن لها قضاء الوطر مع رجل غيري! إنها ذكية، ولعل الفكر هداها إلى أن الفضيحة ستكون من نصيبها لو أقامت علاقة مع شخصٍ آخر يقيم في البلدة. بينما معي تكون أكثر أماناً، ولا غرو، بما أننا نعيش تقريباً في نفس المنزل. وبالتالي، لا أهون من تدبّر أمر الخلوة بعيداً عن العيون. أن أحظى بخليلةٍ مثل حوريّة، فكأنني نلتُ سميّةً لها في الفردوس السماويّ! الله غفور رحيم، وفي المستقبل سأحج إلى بيته الحرام فلا يبقى عليّ وزرٌ ولا لجاجة! ".

* مستهل الفصل الثالث/ الكتاب الثالث، من سيرة سلالية ـ روائية، بعنوان " أسكي شام "



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سارة في توراة السفح: بقية الفصل الثاني
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني/ 3
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني/ 1
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 5
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 4
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 3
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 1
- ليلى والذئاب: الخاتمة
- ليلى والذئاب: الفصل الرابع عشر/ 5
- ليلى والذئاب: الفصل الرابع عشر/ 4
- ليلى والذئاب: الفصل الرابع عشر/ 3
- ليلى والذئاب: مستهل الفصل الرابع عشر
- ليلى والذئاب: بقية الفصل الثالث عشر
- ليلى والذئاب: الفصل الثالث عشر/ 2
- ليلى والذئاب: الفصل الثالث عشر/ 1
- ليلى والذئاب: بقية الفصل الثاني عشر
- ليلى والذئاب: الفصل الثاني عشر/ 1
- ليلى والذئاب: الفصل الحادي عشر/ 5


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سارة في توراة السفح: مستهل الفصل الثالث