أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - راتب شعبو - الطيب تيزيني، فيلسوف الأفكار الشائعة 2















المزيد.....

الطيب تيزيني، فيلسوف الأفكار الشائعة 2


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6392 - 2019 / 10 / 27 - 22:39
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


النتيجة مقطوعة عن السبب أو سابقة عليه!
يقوم النظر أو المنهج الغيبي على قطع النتيجة عن السبب، فتبدو النتيجة معزولة وإعجازية ومن فعل "إله قادر" وبلا أسباب يمكن أن نعقلها. عباس محمود العقاد، أحد ممثلي هذا المنهج، يرفض اعتبار الجاهلية مقدمة للإسلام، ويرفض أن يكون الفساد مقدمة للصلاح. إذن كيف يمكن أن نفهم مجيء الإسلام بعد الجاهلية، والصلاح بعد الفساد؟ يجيب العقاد: "كيف نشأ التوحيد بعد التباس الوحدانية بالشرك، وكيف ظهر الاسلام بعد عبادات لا تمهد له خطوة في الطريق .. هذه هي المقدمات التي لا تأتي بعدها النتائج الصالحة إلا بعناية الله" . في هذا، بطبيعة الحال، إقصاء للنظر العقلي من خلال قطع العلاقة بين السبب والنتيجة، أو جعل العلاقة بينهما خارج قدرة العقل على الإدراك، أي شأناً إلهياً.
وفي حين ينكر العقاد أي صلة سببية بين الجاهلية والإسلام، يجتهد التيزيني في القول إن كل شيء في الجاهلية كان يشير وينبئ بظهور الإسلام. منطقان ومنهجان متعاكسان. يعمل التيزيني على استجلاء مقدمات الإسلام في الجاهلية، وأكثر من ذلك، يعمل على إيجاد علاقة سببية بين النص القرآني والنص الجاهلي: "من طرفنا، سوف نعمل على استجلاء الخطوط الأساسية والكبرى، التي تنطوي على احتمال راجح للإفصاح عن عملية الانتقال إياها من "الجاهلية" إلى الإسلام، من موقع النص المعلن نفسه، (التشديد في الأصل) مع محاولة تقصي ذلك، أيضاً، من موقع ما يمكن إعادة بنائه في حقل "النص الغائب" و"النص المغيب" والنص الاحتمالي". ونحن إذ نفعل ذلك، فإنما نفعله بغية التدليل على أمر ذي أهمية منهجية مبدئية بالنسبة إلى بحثنا، وهو أن ما بين "النص القرآني" و"النص الجاهلي" تقوم علاقة سببية يمكن التعبير عنها بجدلية السابق واللاحق، تلك الجدلية التي تقتضي وجود سياق ناظم لما بين المقدمات والنتائج (الخواتم). وإذا ما تحقق لنا ذلك، استطعنا الإسهام في ردم الخواء الماورائي (الميتافيزيقي) (التشديد من عندنا) المعتقد وجوده، والذي يجد الفكر الديني السلفوي فيه المصدر الرئيس والوحيد للنص القرآني" .
إذا كان منهج العقاد ينسف العلاقة السببية بين الجاهلية والإسلام، أي لا يجد في الجاهلية أي مقدمات للإسلام، والغرض هو التأكيد على الإعجاز وعلى المصدر الإلهي أو "الميتافيزيق"، فإن منهج التيزيني يحاجج في أن الجاهلية حوت كل مقدمات الإسلام، والغرض هو "ردم الخواء الماورائي" أو "الميتافيزيق" وذلك لإعطاء الحقل الديني "مشروعية اجتماعية وتاريخية وتراثية" معينة (ص36). آليتان متعاكستان ولا توجد أرض مشتركة يمكن لهما أن يلتقيا عليها.
تقوم المنهجية التي يعتمدها الطيب تيزيني على الفكر المادي الذي يقول بأسبقية المادة على الوعي من جهة، ويقول بالتالي بمشروطية الفكر لواقعه الاجتماعي والاقتصادي من جهة ثانية. ولهذا تجد التيزيني في موقع من يبحث عن دعائم أو مقدمات تقود إلى النتائج المتحققة. بمعنى إنه يقرأ اللوحة في الجزيرة العربية قبيل بروز الدعوة المحمدية ليجد الأسباب التي دعت إلى بروز الدعوة وأعطتها "المشروعية الاجتماعية والتاريخية والتراثية"، فيبدو للقارئ أن كل شيء كان يشير ويمهد لبروز هذه الدعوة وكأنها "ضرورة". ومن الطبيعي أن في هذا المنهج جانب تبريري مهما حاول أن يؤصل لنفسه، لأنه في الواقع ينطلق من النتيجة إلى الأسباب، أي يحاول بناء أو صناعة الأسباب لكي تتوافق مع النتيجة المعطاة سلفاً. النتيجة في هذا المنهج تصوغ سببها وتستدعيه. إشكالية هذا المنهج تكبر أكثر كلما زادت يقينية الباحث، وكلما استخدمه في تفسير ظاهرة دينية تقوم بطبيعتها على دعائم غير عقلية.
اللافت أن كاتبنا التيزيني يتجاوز موضوع البحث عن المقدمات المادية والثقافية لبروز الدعوة المحمدية، إلى البحث عن مقدمات بروز الحقل الديني نفسه. لنقرأ: "ما هي الشروط الاجتماعية والتاريخية والتراثية التي كمنت وراء نشوء الحقل الديني واستمراريته، والتي اخترقت نسجه، وأسهمت في صوغه في كيفيات وأنساق متنوعة، رغم ما يواشج بينها من نواظم مشتركة؟" (ص35). لم يبرز الحقل الديني في شبه الجزيرة العربية مع بروز الدعوة المحمدية، بطبيعة الحال، والبحث في مقدمات نشوء "الحقل الديني" هو موضوع يتجاوز حدود المشروع الذي يتولاه كاتبنا في مشروعه. غير أن الموقف "العلمي" أو "المادي" من الدين، والنظر إلى الدين على أنه مرحلة عابرة في التطور أو أنه "طفولة البشرية" .. الخ، يشد الباحث إلى هذا النمط من التساؤلات الجذرية والمتطرفة "مادياً"، والتي تنطوي على تقليل أو استخفاف بمكانة الدين في النفس البشرية واعتباره مجرد استجابة "لمقدمات" معينة.
لنقرأ أيضاً هذا المقطع ونرى سهولة تقديم الأسباب المؤدية إلى نتيجة متحققة سلفاً: "ويمكن القول إجمالاً وعموماً، بأن الأحوال أفضت – عشية ظهور الإسلام – إلى أن الجميع لم يعد راضياً بوضعيته، مطمئناً إلى غده: الأدنون، الذين أخذوا يخضعون لأشكال متصاعدة، نوعياً، من القهر والاسترقاق والإذلال، والمتوسطون، الذين أخذت عملية إفقارهم تتسع من قبل أولئك، بحيث راحت أرهاط منهم ترغم – بفعل ضرورة اقتصادية قاهرة – على الهبوط باتجاه الأدنين بصيغة أرقاء دين أو صعاليك أو مخلوعين أو مشردين .. الخ، والأعلون، الذين راحوا يحسون – من موقع أنانية طبقية ضيقة وجشع اقتصادي لاهث – وطأة الأحداث المتعاظمة، من مرابض هؤلاء وأولئك الباحثين عما يعزز أمنهم المهدد، كل بطريقته وضمن احتمالاته". (ص249). لا يخفى على القارئ أن هذا العرض الذي يقدمه كاتبنا ليس إلا تطبيق للشروط الماركسية التي تحدد نشوء الوضع الثوري، حين لاترغب الطبقات الدنيا فى العيش بالطريقة القديمة ولم يعد بمقدور الطبقات العليا أن تسيطر وتحكم بالطريقة القديمة.
غير أن "الأزمة الثورية" التي كانت تشمل الوضع في الجزيرة العربية في عصر الدعوة الأولى، لم تكن في عمقها أزمة علاقة بين "الأدنون والأعلون"، فهي لم تكن أزمة طبقية في أساسها، بقدر ما كانت أزمة عامة تكمن في ضعف الإنتاج وتخلف الوسائل وشح الموارد وما ينتج عن هذا من اقتتال قبائلي عقيم ولا نهائي. ولم يكن هذا الضيق يستثني مكة (المركز التجاري)، فزعماء قريش يقولون لمحمد، "يا محمد، فإن كنت غير قابل منا شيئاً مما عرضناه عليك، فإنك قد علمت أنه ليس من الناس أحد أضيق بلداً، ولا أقل ماء، ولا أشد عطشاً منا، فسل لنا ربك، فليسير عنا هذه الجبال التي قد ضيقت علينا وليبسط لنا بلادنا أو ليفجر لنا فيها أنهاراً كأنهار الشام والعراق" .
ولم يكن الحل التاريخي الذي جاءت به "الثورة الإسلامية" ترسيخ "علاقات إنتاج" جديدة وإقامة عدالة في التوزيع، لأن مثل هذا الحل لم يكن له أي أسس في الشروط الاقتصادية والاجتماعية في تلك الحقبة. الحل الذي جاءت به الدعوة هو التوسع على حساب الغير، أي عن طريق الخروج من الحدود عبر الغزو. وهذا الحل كان يستدعي بطبيعة الحال إنشاء مركز سياسي له مرجعية فوق قبلية، الشيء الذي تحقق عبر الانتماء الإسلامي المستجد والسهل (نطق الشهادتين) والمتاح للجميع والذي له ميزة شديدة الأهمية هي أنه لا يتعارض مع الانتماءات القبلية، ولا يتطلب التخلي عنها أو إنكارها. والحق أن في هذه القدرة على توحيد كلمة الأفراد والقبائل دون الدخول في تحد مع الانتماءات العضوية السابقة، يكمن أحد أهم أسباب نجاح الدعوة. فضلاً عن أن الدعوة خلقت جهة انتماء ذات اعتبار لمن ليسوا ابناء قبائل وليس لهم اعتبار قبلي، وبعضهم أصبح من أعلام تلك الحقبة، مثل من كانوا يسمون "أهل الصفة".
لم يكن خافياً منذ بدايات الدعوة، أن المخرج الدنيوي الذي كان في ذهن محمد لا يكمن في قلب سلطة "الأعلين" لصالح "الأدنين"، بل في الخروج من بوتقة الجزيرة العربية. منذ البدايات كان هناك توجيه للأنظار صوب الخارج، صوب كنوز كسرى الفرس وقيصر الروم، دائماً كان هناك وعد بأحمر قيصر (الذهب) وأبيض كسرى (الفضة)، كما كان يقال. فأحاديث الرسول عن هذه الكنوز كثيرة. ومعروفة أيضاً قصة سراقة بن مالك الذي أغراه الرسول بأن وعده بسواري كسرى، كي يكف عن ملاحقته وهو في طريق هجرته إلى المدينة.
كان مسار الدعوة المحمدية مليئاً باللحظات الحاسمة التي كان يمكن أن تنهي الدعوة عند نقطة تحول دون نجاحها، الأمر الذي كان يمكن أن يفتح احتمالات أخرى لا يمكن أن نستبعد منها تكرار الغزو الخارجي (الحبشي بشكل خاص) ونجاحه في السيطرة على مكة. نقول هذا كي ننزع مسحة "الحتمية" التاريخية التي يمكن ملاحظتها في مقاربة التيزيني حين يصور واقع ما قبل الدعوة الإسلامية الباكرة كأنه مقدمة ناضجة لها، أو كأنها النتيجة الضرورية له: "افتقاد التوازن الاجتماعي والعدالة في توزيع الدخل الاقتصادي وتعاظم الظلم الاجتماعي والطغيان السياسي .." (ص512). في هذا القول منطق تطبيقي ضعيف القيمة. الحق إنه لو كان في مكة "طغيان سياسي" لما استطاعت الدعوة المحمدية أن تخرج من الشرنقة. على العكس من هذا، كانت الدعوة تقوم على حوامل سياسية أكثر سعة وتطوراً من الحوامل السياسية لنظام القبيلة، وتكشفت الدعوة في تطورها التالي عن مركزية سياسية شديدة كانت الأساس في نجاحها.
السؤال الذي لم يطرحه التيزيني هو: إذا كان محمد هو وريث الحنفاء أو "الحنيفي الأكبر"، كما يسميه باحثنا، وإذا كان محمد يجني ما قدمه ورقة بن نوفل وقس بن ساعدة وزيد بن عمر بن نفيل وغيرهم من الحنفاء، لماذا يتعرض محمد للتنكيل والطرد من قريش فيما كان الأحناف يعيشون في سلام؟
في البحث عن إجابة عن هذا السؤال سوف يبدو لنا أمرين، الأول هو أن قريش (الملأ القرشي بصورة خاصة) استشعرت خطراً من دعوة محمد لأنه لم يكتف بالوعظ والتبليغ والدعوة، فهذه أنشطة كان يقوم بها الأحناف من قبل، دون أن تستثير ردود فعل مضادة. ما أثار مشاعر الخوف والحذر لدى قريش هو أن محمداً بدأ بإنشاء تنظيم يأتمر بأمره، أي أنه ضمّن السياسي في العقيدي أو حمل العقيدي على حامل سياسي أي على تنظيم مركزي. لم يكترث التيزيني كما ينبغي بحامل الدعوة، ولذلك لم يتوقف عند قصة الهجرة إلى الحبشة، التي سبقت الهجرة إلى المدينة، والتي احتار فيها كثير من الباحثين. فقد هاجر إلى الحبشة حوالي نصف أتباع محمد دون أن يكون لهذه الخطوة ما يليها وما يمكن أن يلقي الضوء على الغاية منها. الحقيقة أنه لم يكن ثمة غاية تالية من تلك الخطوة، لأن الغاية كانت فقط تخفيف عدد المسلمين في مكة قبل العثور على حل للصدام المتصاعد بينهم وبين المجتمع المكي، الحل الذي تجسد لاحقاً بالهجرة إلى المدينة. والغاية من تخفيف العدد هو العجزز عن حمايتهم أمام الاعتداءات القريشية المتكررة، والحد من احتمالات نشوب صراعات تفكك قريش والمجتمع المكي الذي ظل حتى اللحظة الأخيرة القاعدة التي ارتكز عليها مشروع الدعوة، كما يظهر في أحاديث وسلوك الرسول وصولاً إلى فتح مكة. وقد تبين أن قريش، التي اسلمت أخيراً، تحولت إلى قاعدة الدعوة وإلى رأس الحربة في حروب الردة.
الأمر الثاني أن قريش لم تكن تمتلك من "الطغيان السياسي" ما يمكنها من خنق الدعوة "المشبوهة" في المهد. والواقع أن الدعوة استطاعت أن تنشأ وتنمو وتكبر من خلال هذه الثغرات "السياسية" في نظام القبيلة التي كانت تقبل التعددية الدينية. ونعلم أن كلمة الخلاص التي كان يرددها محمد في فترة الضعف المكية هي "لكم دينكم ولي ديني"، مستنداً إلى هذه الديموقراطية الدينية التي قام هو بنسفها من الأساس فيما بعد، حتى بات القتل هو جزاء من يختار ديناً مغايراً، فلم يعد بمقدور أحد، بعد ذلك، أن يقول لقومه "لكم دينكم ولي ديني"، كما فعل محمد مع قريش.
لم تكن مشكلة قريش مع محمد "ثقافية"، ولم يكن يعني شيئاً للقريشيين أن يؤمن محمد دينياً بما يشاء، أو أن يشدد على "عذاب القبر" وعلى "عذاب جهنم" ..الخ. كانت المشكلة سياسية حصراً. أو بكلام آخر، كانت المشكلة في الشق الثاني "السياسي" من الشهادة "محمد رسول الله"، ولم يكن هناك مشكلة في الشق الأول "الديني". فلو اقتصرت دعوة محمد على الشق الأول لما واجه المقاومة والنبذ الذي واجهه، ولكنه بالمقابل لما حقق شيئاً ذا قيمة في تاريخ المنطقة، أكثر مما حقق الحنفاء الكثر من قبله.
من المعروف أن الأوثان كانت وسائط للتقرب إلى الله، أي إن الله لم يكن فكرة جديدة على العرب، ولكن الجديد هو أن يكون ثمة من يخوله الله بنقل الرسالة ونشرها "بالقوة". والقوة تعني التنظيم والانضباط والسياسة. من هذا المنظور يبدو نشوء المركز السياسي أو "التوحيد السياسي" أهم من التوحيد الديني، وأن هذا الأخير كان وسيلة في يد الأول.
نختلف مع التصور الذي يقدمه التيزيني حول ترابط التوحيد الديني بالتوحيد السياسي (ص247)، وارتباط الوثنية بالاضطهاد الاقتصادي (ص254). في الجزيرة العربية ترافقت الوثنية مع وضعية اقتصادية اجتماعية محددة، وكان تجاوز هذه الوضعية يقتضي تجاوز الوثنية، هذا صحيح، ولكنه لا يعني أن الوثنية هي بالضرورة الغطاء الايديولوجي لحالة التخلف أو الضعف الاقتصادي. أقصد أن الترافق المذكور ليس ضرورياً، ولا ينتج عنه، بالمقابل، أن الدين التوحيدي ضروري للخروج من الوضعية المعاقة اقتصادياً واجتماعياً، وكأن هناك علاقة ضرورية بين التوحيد والتطور. هذا غير صحيح تاريخياً، لم تعتمد الدول اليمنية الجنوبية (سبأ، حمير، معين)، على سبيل المثال، ديناً توحيدياً، وكذا الحال مع الحضارة الفرعونية التي لم تكن توحيدية، لا بل منيت محاولة الفرعون امنحوتب الرابع (أخناتون) تبني دين توحيدي شمولي بفشل ذريع .
في نظرة عامة للإسلام المحمدي الباكر أو للدين الإسلامي الأول نقول إن اللب في "الثورة المحمدية" كان ذا طبيعة سياسية أكثر منها ثقافية، وكان التوحيد الديني هو المدخل الأنسب لتحقيق التوحيد السياسي وإنشاء مركز سلطة دنيوية. ويجب أن نضيف في كل مرة نتناول فيها هذا الموضوع، أن العلاقة التي أنشأها محمد بين الديني والدنيوي كانت، في حينها، علاقة خصبة ومدخلا مناسباً للخروج بأهل الجزيرة العربية من الاقتتال إلى الغزو والظهور على الشعوب الأخرى، ولكن هذه العلاقة التي يعبر عنها بالقول إن الإسلام دين ودنيا وتجد تجسيدها في الإسلام السياسي، لم تعد بعد ذلك مدخلاً إلا إلى صراعات لا طائل منها، وهي تشكل اليوم العائق الأهم في طريق تحرر المجتمعات المسلمة وخروجها من ركودها المزمن.
خاتمة
عملنا في البحث على تحديد موقع (الطيب تيزيني) من المقاربات الثلاث التي ميزناها في مجال تناول السيرة النبوية والدين الإسلامي في نشأته وعلاقته بالزمن، فميزنا بين مقاربة دينية محضة، ومقاربة دينية إصلاحية أو مجددة ومقاربة دنيوية، وحددنا بحث الطيب التيزيني بأنه ينتمي إلى هذه الأخيرة.
ثم أخذنا على البحث الواسع والغني الذي قدمه التيزيني في دراسته السيرة النبوية والإسلام المحمدي الباكر، ثلاثة مآخذ رئيسية.. المأخذ الأول أن التيزيني كان أميناً لمنهجه ومرجعيته أكثر مما كان مجتهداً. كأنما انحصر اجتهاده في جعل المادة التاريخية التي يتناولها برهاناً على صوابية منهجه "المادي"، فكانت المادة التاريخية في خدمة المنهج بدلاً من العكس، وذلك رغم اطلاعه الموسوعي على موضوعه. والمأخذ الثاني، وهو متعلق بالمأخذ الأول، هو الربط بين الدين التوحيدي والتطور الاجتماعي، وذلك تحت تأثير منهجية ترى التاريخ يسير على خط تقدمي يكون فيه التالي أكثر تطوراً من السابق. والمأخذ الثالث هو انشغاله البحثي في نفي البعد الديني عن السيرة، أو محاولة محو البعد الديني. وقلنا إن مثل هذه المحاولة عقيمة لأنها تحاول اعتماد العقل والمنطق في مجال لا يخضع لهما، ولهذا كانت محاججات كاتبنا تكراراً لأفكار مضادة للدين شائعة أو حتى شعبية، ولكن على مستوى بحثي وأكاديمي. هذا ما يجعلك ترى لدى الاستاذ التيزيني مجهوداً بحثياً كبيراً ولكنك لا تعثر، مع ذلك، على منتجات بحثية جديدة أو على أفكار مبتكرة، وهو ما جعله في نظرنا "فيلسوف الأفكار الشائعة".



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين سورية ولبنان
- استكشاف معكوس
- ثلاثة رهانات خاسرة في سورية
- تركيا والكرد السوريون
- عن النظام العربي والثورة السورية
- العلمانية، الأفق الممكن
- في ظل الدولة
- في نعمة -العدو-
- تونس، لا خلاص بالأفراد
- تشبيح معكوس لهدف واحد
- لغة الثورة، ثورة اللغة
- الأسد ومخلوف، اهتراء النظام
- خراب الاجتماع الوطني في سورية ولبنان
- ما وراء الطعوم
- قصتنا العسيرة
- في قصة نزاهة الرئيس وفساد الحاشية
- علمانية على هدي الرسول محمد
- نافذة في النافذة
- جبهة النصرة في تحولها أخيرا
- مقطع من المعارضة في ظل حافظ الأسد


المزيد.....




- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - راتب شعبو - الطيب تيزيني، فيلسوف الأفكار الشائعة 2