أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عادل الياسري - مقدمة كتاب ( جهاد السيد نور السيد عزيز الياسري في ثورة العراق التحررية وصناعة الوطنية )















المزيد.....


مقدمة كتاب ( جهاد السيد نور السيد عزيز الياسري في ثورة العراق التحررية وصناعة الوطنية )


عادل الياسري
مؤرخ

(Adel Alyasiry)


الحوار المتمدن-العدد: 6237 - 2019 / 5 / 22 - 13:11
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


كان يوم (18 أيلول 1988) نبأ ساراً لكل من قرأ الخبر المنشور في جريدة (الاتحاد) البغدادية وهو عزمي على القيام بدراسة عن دور السيد نور السيد عزيز الياسري في الاحداث التي مرت على العراق. وجاء في الخبر ان تلك الدراسة سوف تتناول دوره من عام 1908 ـ 1932. وكان المرحوم الياسري أحد اقطاب ثورة العشرين وقد لعب دورا مهما كجهاده في حرب الشعيبة وثورة العشرين ومؤتمر كربلاء 1922 وغيرها من الاحداث المهمة التي مرت على العراق.
وكان كثير من الناس في محافظات الفرات الاوسط وبغداد يريدون ان يتعرفوا علي ّوبالذات من بعض معاصريه او أبنائهم والمؤرخين والمثقفين بعد قراء تهم للخبر؛ وبعد لقائي بكثير منهم وكانت قلوبهم قد ملأتها الغبطة؛ ادركت ان الكتابة صعبة للغاية واني امام خيارات متعددة؛ اما ان اكتب بحثاً تاريخياً يُبين الحقائق التاريخية من جميع وجوهها ويميطُ اللثام عنها؛ او كتابة سيرته بصيغة انشائية بلا حجة ولا وثيقة او دليل؛ واما الكف عن الاستمرار بالبحث؛ فاخترتُ الخيار الاصعب وبالفعل كان صعبا وشاقا للغاية. ان التأريخ حقيقة قائمة وغابرة في مدلولاتها الزمنية ولكن لا تظهر الحقيقة من غير شقاء ولا تشفى بزمن الرخاء ولا تطمر حروفها. وكان حلم شيخ المؤرخين السيد عبد الرزاق الحسني ان يكتب هذه المقدمة؛ ولكن كان حزني على الذين رحلوا وكانوا يتابعون جهودي أولاً بأول وفي طليعتهم المغفور له السيد عبد الرزاق الحسني وهو المعاصر له والعارف بأسراره؛ وليس كل ما يتمنى المرء يدركه ... ولا أريد ان اكتب عن معاناتي وهمومي في هذه المقدمة القصيرة حيث جعلتها مباشرة بعدها وعن أسباب البحث وخصصت لها فصلا. وجاء فيه: (ولا شك إنك حين تقرأ الاخبار والاحداث التاريخية في اوقاتها سوف تميز بين الاشياء ومسمياتها.. وحتما هناك فرقا كبيرا؛ بين أن تقرأ الزعيم الكبير السيد نور من الناطقين باسم الثورة؛ وبين ان تقرأ السيد نور في الاحداث التاريخية من قبل المؤرخين.. والجانب الاهم حتى صحافة الاحتلال اطلقت عليه بالزعيم الكبير؛ لذا ان تسمية الزعيم الكبير لم اضع عليها أي الرتوش ؛ وانما سميت الاشياء بأسمائها ؛ فهو أسمٌ متواضع من صناعة الاحداث ؛ والاهم من ذلك ان وثائق المخابرات البريطانية اعتبرته من ابرز الزعماء في الثورة .)
يمتاز هذا البحث بخصائص كثيرة ولعل اولها اني درست الثورة العراقية الكبرى ( 1920 ) من كل جوانبها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعامل الديني في كل ابعاده ؛ وكذلك البعد الإقليمي والدولي ( روسيا ؛ المانيا ؛ أمريكا ؛ تركيا ؛ ايران ؛ سوريا ؛ الحجاز ) من خلال الوثائق . وغصت في الوثائق البريطانية السرية وسَبحتُ في غمراتها . واطلعت على اسرار خطيرة ورهيبة عن الثورة العراقية الكبرى ُتنشر في هذا البحث لأول مرة ؛ وثم درستُ دور السيد نور السيد عزيز الياسري في الثورة . وكلاهما صار حلقة واحدة في معظم البحث. والاهم من ذلك كانت بصماتي واضحة البيان في تعليقي عما كتب عنها ؛ وكيف ومتى والدوافع الحقيقية للكتابة سواء أكانت للمؤرخين أو الدارسين وحتى على بعض الوثائق البريطانية المنشورة للباحثين العراقيين في الجامعات البريطانية . ووفقت بين النص التاريخي وبين البحث الاكاديمي والتحليل العلمي في تفسير التاريخ معتمدا على الدراية قبل الرواية ؛ ورأيت الرواية خاوية في ميزان الصدق وتخشى من ثوب التحقيق المطرز بشذرات التقوى ؛ ان يكشف عن عورتها وكانت عورتها كبيرة في هذا البحث . واعتمدت على نهج المقارنة بين الاحتلالين؛ البريطاني والامريكي للعراق بعد حقبة من الزمن في بعض مواقف الشبه؛ ومن المؤسف ان هذا المنهج بات غائباً تحت ذريعة تباعد الاحداث التاريخية . او عدم قدرة البعض لاتباع هذا المنهج لقلة ثقافتهم المعرفية في حوادث الدهر.
ان دراسة تاريخ العراق الحديث يجب ربطها بالحاضر ـ واقصد بتاريخ العراق الحديث تاريخ تكوين الدولة العراقية الحديثة ـ ومن غير ذلك فان التاريخ سوف يفقد معانيه ووظائفه وحتى بريقه وهذا احد اسباب ابتعاد القارئ عن قراءة التأريخ بالرغم ان الناس تريد ان تعرف المزيد عن حوادث الدهر من المتشابه والمتغير في حياتهم . ولا اميل في هذه الدراسة الى خلاصة موجزة لمواقف السيد نور السيد عزيز الياسري ؛ وانما كتابة الحدث بما هو . ومما لاشك فيه تعد الخلاصة في قراءة الاحداث مسألة غامضة على القارئ ؛ وارى لابد من العرض التاريخي البعيد عن السرد ؛ حتى يدرك القارئ الاحداث وتطوراتها ؛ لذا قد يجد القارئ اني قد اسهبت في بعض الاحيان لتشابه الاحداث التي تمر على العراق ولذلك ان المقارنة هي تقرب الصورة للقارئ عن الماضي القريب . واحيانا يجد تكرار كتابة بعض القضايا من اجل الاستدلال والاستقراء التاريخي أو التذكير. ربما البعض يتساءل عن إجابات للأسئلة المطروحة في بعض المواضيع وسوف يجدها في فصل اخر لان الفصول مترابطة .
لقد فعلت ما طلب مني شيخ المؤرخين السيد عبدالرزاق الحسني عند كل زيارة له بقوله احفر البئر بإبرة ؛ حين اشكو له من قلة المصادر العراقية حول السيد نور السيد عزيز الياسري ؛ وحفرت عشرات الآبار بعد اكثر من ربع قرن ومتنقلا بين العواصم والقارات حتى اقف على الحقيقة الضائعة . وكان البئر الأكبر هو الأرشيف الوطني البريطاني حين دلوت بدلوي في اعماقه لما تيسر لي من الوقت ولا ازعم اني حصلت على كل ما اريد او ما اطمح له وسوف اعيد الكرة برحلة جديدة ؛ ولازال هذا الباب مفتوح للباحثين . وقال البعض من الصعب ان تذهب الى لندن بدون مرشد من أساتذة الجامعات البريطانية؛ وان عدد الملفات اكثر من عشرين مليون ملف ؛ وفي الملف الواحد عشرات الصفحات ؛ ولم تصنف بأسماء الدول ؛ وعليك الغوص في الملفات بلا كلل او ملل حتى تجد ضالتك وإلا تعود من حيث اتيت كما عاد البعض . وقبل ان اقرأ اول ملف في الارشيف الوطني البريطاني في قاعة البحث؛ قلت (اللهم لك الحمد واليك المشتكى وبك المستعان) .
لقد اعتمدت على تقارير الاستخبارات في هذا البحث . ومن المؤسف حقا قامت دراسات من الجامعات العراقية في بداية الالفية الثالثة عن بعض الشخصيات التي ساهمت بالثورة ولم ارَ وثيقة بريطانية جديدة تنشر لأول مرة في بحوثهم وبالذات عن الشيخ محمد تقي الشيرازي حيث توجد الوثائق الكثيرة عنه ؛ والملفت ان معظم بحوثهم عن الشخصيات الايرانية بعد الاحتلال الأمريكي للعراق؛ وهذا يعني قحالة الأساتذة في فهمهم للوثيقة التاريخية في كتابة التأريخ . ويمكن تسميتهم بأساتذة البحوث القاحلة وغايتهم ان يحصل الطالب على الشهادة وليس ان يكشف الحقيقة التاريخية. ووقفت على طبيعة اهداف الجامعات الغربية في دراسة التاريخ حول العراق. لابد من القول ان الوثائق العراقية التي تخص الثورة والثوار المنشورة في المصادر العراقية لثورة العشرين (1920) لا تعني كل وثائق الثورة وتجدر الإشارة ولا تعني “ كل ورقة عن الثورة هي وثيقة "ويجب لا ننسى لعبة الغش والاختفاء من قبل بعض المؤرخين العراقيين للوثيقة . وان الظروف القاهرة التي مرت على رجال الثورة بعد نهايتها قد اسهمت بتلف الكثير منها حتى لا تصبح اداة بيد الخصوم؛ وكذلك كان سبب اتلاف بعضها لظروف سياسية أو لأمزجة سياسية من قبل بعض الكتّاب كفريق مزهر الفرعون ومحمد مهدي البصير و بمعنى لم تصل لنا الفصول الغائبة من الثورة . وقد وجدتها واضحة تسير في سلم الحقائق المترابطة في مشهد الاحداث؛ ومن بين احد الفصول الغائبة ؛ في هذا البحث ؛ الفصل الغائب بين السيد نور السيد عزيز الياسري وبين الشيخ ضاري المحمود الزوبعي في الوثائق والثقافة الشعبية والثقافة الرسمية . الجدير بالذكر ان المؤرخين العراقيين يذكرون بعض الاعمال والمواقف الوطنية التي حدثت اثناء الثورة العراقية وينسبونها الى الوطنيين ولكنهم لم يذكروا من هم أولئك الوطنيون غير ان الوثائق البريطانية تقول ان البطل الذي تجاهلوه هو السيد نور السيد عزيز الياسري. وربما وثائق الاستخبارات البريطانية كشفت معظم الاحداث الغائبة عن الثورة العراقية ؛ بل كشفت عن كثير من الحوادث التي غابت عن دائرة تفكير المؤرخين والكتّاب . فأن الوثائق السرية هي الوجه الخفي للأحداث ؛ وكانت تصنف في طبيعتها عن نقل الخبر من الاحداث ؛ كالاتي ؛ وردت في بعض فقرات تقارير الاستخبارات ؛ ( جاءت اخبار غير مؤكدة ؛ واشاعة كذا ؛ او مخبر ثقة ) بمعنى اخر ان الاخبار كانت مصنفة من حيث دقة المعلومة الاستخبارية وكان أكثرها دقة هو؛ ومخبر ثقة ؛ لكني اعتمدت على الخبر اليقين وهو مخبر ثقة وصار مصدري ؛ وعند جهينة الخبر اليقين .
لقد آمنت إيماناً مطلقاً إن كتابة التأريخ الحقيقي و الوجه الحقيقي له هو الوثيقة السريّة . وان التأريخ المكتوب لنا بالصور المروية والمشهودة هي اضعف الايمان بكتابته. وانها كشفت لي قضايا كثيرة وغيرت لي بعض المواقف في فهم سجايا النفوس في تفكيري بعد اطلاعي عليها . وربما غدا ستغير حقائق كثيرة عن بعض القضايا الموروثة التي قرأناها او سمعناها من الناس عن الناس ؛ فهي المعيار في تفسير التاريخ وكتابته .
وماذا سيقول الشيخ محمد رضا الشبيبي لو قرأ بحثنا ووجد اسمه ابن اعرابي وهو الاسم المستعار له في التقارير البريطانية حين كان يكتب في صحيفة اللسان ضد البريطانيين في دمشق؟
لقد حاولت دراسة الصحافة البريطانية والعراقية والصحافة الحجازي وكانت قصتي مع جريدة القبلة الحجازية شاقة ؛ حيث استغرقت وقتا طويلا للحصول على الاعداد لعام 1920 م . حاولت البحث عنها في بغداد فلم احصل عليها يوم كنت في العراق وذهبت الى عمان عاصمة الاردن للبحث عنها ؛ ووجدت اعداد من جريدة القبلة مطبوعة الى غاية عام 1918 على هيئة كتاب. واخيراً بعثت برسالة الى الدكتورة ـ دبي كوكس ـ مديرة القسم العربي المكتبة البريطانية مستفسراً عن وجود جريدة القبلة في المكتبة البريطانية وكانت الاجابة موجبة منهم ؛ فشكرتهم ثم سافرت الى لندن من اجل الحصول على ضالتي .

وان احد عناوين هذا البحث وثيقة وطن ؛ والمقصود بها الركن الكبير والأول من اركان الوطنية وبوابتها الرئيسية ؛ وهي الحفاظ على الثوابت الوطنية واسترخاص كل شيء من اجل الوطن . وكان جهاد السيد نور السيد عزيز الياسري الكبير قد صنع هذه الوثيقة والسؤال كيف صنعها؟ لقد كان ايمانه المطلق في تحرير بلاده من الاحتلال بالأقوال والافعال وتأسيس الدولة العراقية الحديثة وبناء مستقبلا للأجيال العراقية. ان كبر سنه الذي بلغ اثناء الثورة ثمانين عاما كان محفزاً للشباب بتقديم التضحيات في المدن والقرى وجسده العليل المتنقل في ميادين الوغى حافزا قويا للناس ومخاطبهم عدم الركون للمحتل. وكان سخائه في بذل المال حرباً ضد الأصفر الرنان الانكليزي والذي اغوى به بعض النفوس الضعيفة. وقد أنفق أكثر من مئة ألف ليرة ذهبية في الثورة ما يعادل ميزانية عدة دول يومذاك. وان شرفه الرفيع يستنهض به كل شريف ؛ وديانته وتقواه كانت حجة على كل متدين ٍقاعد متقاعس ؛ ولم تغره الدنيا بغرورها في المناصب او الجاه فكان اكبر من الجاه ووجيها عند الناس وعزيزاً كريماً. وان الحناء الحمراء التي أطلت الناس بها أبواب بيوته في المدن ومراكبه في النهر جعلها حرية حمراء للشعب. وكانت مواقفه الصلبة في مقاومة الاحتلال قد صنعت وثيقة وطن للعراقيين وبدأت كتابتها وحكايتها منذ الوهلة الاولى في مقاومة الانكليز في معركة الشعيبة (البصرة) عند الناس وهم يصلون على السيد نور (صلوا على السيد نور او جدمنا الله نور عليه) هذه بعض اهازيجهم في حرب الشعيبة. وثم الثورة والهجرة وثم تأسيس الدولة العراقية الحديثة وبنائها والدفاع عنها. وقد جعلت فصلا كبيرا وواسعا عن دوره في صناعة الوطنية العراقية وربما هي اول دراسة موسعة عن الوطنية العراقية. ينبغي على البعض ان يدرك اذا وردت أسماء وطنية او غير وطنية ليس الغرض منها مدح هذا او ذم ذاك فان البحث جلّه عن الوطنية العراقية وان اسم السيد نور السيد عزيز الياسري هو الرديف لها؛ واعتمدت على الوثيقة في تقيم الاحداث والأشخاص؛ واذا عرف السبب بطل العجب .
ان اهمال دراسة الوطنية العراقية في المناهج الدراسية ونسيانها في حديث المجالس العامة ساهمت في بروز الانتهازية السياسية الرخيصة في المجتمع العراقي وقد تطرقت عن الوطنية العراقية بالتفصيل واعتبرت ان المدرسة والمجالس من أركانها وضرورة احيائها في المجتمع. وقد اخترت عنوان الكتاب جهاد السيد نور السيد عزيز الياسري ورأيت هو العنوان الأنسب له فهو قد جاهد الجهاد الأكبر والاصغر في حياته. وكانت مقدمة الفصل ارى ان اعداء المدرسة الوطنية العراقية هم اشخاص كثيرون وتزداد اعدادهم بمرور الزمن وبالذات في الأزمات الوطنية وربما صارت هذه الزيادة مطردة لغياب محاكم التاريخ وغياب القضاة الشجعان أولي الاقلام الجريئة الانيقة والمهذبة ليجلسوا على كرسي قضاة التأريخ لمحاكاة الضمير الحي والوجدان الوطني بالوثيقة والحجج الدامغة ؛ وتصبح الادانة بعيدة عن التجريح والتشهير ؛ واقصد بالتجريح والتشهير وهي الكتابات التي يكون رصيدها من بنك الشتائم. وثم عرفتها في الخاتمة الفصل ؟ الوطنية ؛ هي عقيدة طاهرة في ذات الفرد تصون وتحمي حقوق الامة والوطن والمواطنة . وان الوطن هو شيء مقدس في وثيقة وطن .
وسوف يجد القارئ أفكار وحقائق جديدة عن ثورة العشرين تنشر لأول مرة؛ مثلا لماذا لم تنتصر الثورة عسكريا بعد ان توفرت لها فرص السلام والمفاوضات مع إدارة الاحتلال وكان الثوار هم الأقوى في ميزان القوى وان البريطانيين إن لم اقل كانوا مذعنين لهم لكن كانت الرغبة الجادة لديهم هي المفاوضات. هل تعلم ؟ كانت المعارضة في البرلمان البريطاني مع الثورة وصحافتها تنقل اخبارها للشعب البريطاني أولا بأول؛ وهي الثورة الوحيدة ضد التاج البريطاني التي يقف برلمانها الى جانبها. ومن المحزن ان بعض المؤرخين والباحثين ركزوا على الجانب الذي يرضي الثقافة البدوية ولم يركزوا على جوانب الضعف والقوة في صورة الثورة وبمعنى ادق رأوا الصورة من جانب واحد. وان احياء ذكرى الثورة في الصحافة العراقية سنويا يذكرنا بسوق عكاظ او أسواق العرب في أيام الجاهلية.
لقد سألني البعض لماذا الزعيم الكبير السيد نور السيد عزيز الياسري لم يكن معروفاً في الثقافة العربية والعالم العربي وله اسمى وابهى وازكى صور النضال الوطني والقومي والإسلامي؟ واعتقد ربما السبب الحقيقي لأنه كان عربيا مسلما شيعيا ؛ والواقع ان فترة النضال بعد الحرب العالمية الاولى لحركات التحرر العربي من الاستعمار نجد فيها ان للسيد نور السيد عزيز الياسري تضحياته عظيمة وكبيرة في المشرق العربي قلما تجد مثلها .
ولا يخفى لا توجد دراسة عن الثورة العراقية الكبرى في ايران؛ وربما ارادت ايران ان تغيّب دور الزعامات الوطنية العراقية في صناعة الوطنية . وان الجامعات العربية في القاهرة وبيروت قد ناقشت الثورة العراقية الكبرى في قاعات البحث وكذلك موسكو ولندن. وسيجد القارئ دعم السيد نور السيد عزيز الياسري للثورة العربية بكل ما اوتي من قوة بالمال وغيرها وثم تأييده لخلافة الملك الشريف الحسين بن علي ملك الحجاز. وكذلك سوف يقف القارئ على صراع السيد نور السيد عزيز الياسري مع المرجعية الدينية من اجل مستقبل الأجيال العراقية. لقد استطاع بقوة شخصيته الدينية والاجتماعية والاعمال الخيرية للحوزة الدينية الذي كان خير معين لها ان يقصم ظهره المرجعية ماليا واجتماعيا. واعتقد ان ظاهرة صراع السيد نور مع المرجعية كانت ظاهرة فردية في تاريخ المدرسة الأصولية؛ وهي انتصار للفرد المغيب دوره في مفردات المرجعية الدينية؛ ولهذا غيبوا دوره في كتابة تاريخ العراق لدى التيارات الدينية الشيعية وكذلك الروزخونية إلا في قضية الخمس والحقوق الشرعية من اجل تأمين مصالحهم المادية في الثراء عند الناس.
وثمة مقاومته للوهابية التكفيرية وعدوانها على العراق والتي كانت شوكة في جنب الدولة العراقية الفتية؛ وسيفاجئ القارئ حين يجد ان الزرقاوي هو الرديف لفيصل الدويش الوهابي السعودي وجرائمه في العراق. كان الاول بغى وطغى وعاث في الأرض فسادا وعاد من حيث اتى؛ ولكن الاخر ذو الفواحش الظاهرة والباطنة قد آواه بعض اهل العراق وهذه المواقف انتهاك صارخ لوثيقة وطن. وسوف يجد فصلا موسعا عن الإرهاب الوهابي السعودي وفتاويه التكفيرية.
وكان السيد نور السيد عزيز الياسري قد كافح من اجل حماية الوحدة العراقية بعد عودته من الهجرة؛ وسخر التناقضات الإقليمية من اجل المصلحة الوطنية.
ويقول الشاعر حسن المهدي الهلالي في رثائه
يا منقذ الاعراب كم مرة دافعت بين الناس دون العراق
قضيت أيــــامك بين الملأ يا ذا المعالي داعيا للـــــوفاق
وحدت للعرب صفوفا ولو لاك غدت أقرب للافتـــــــراق
وكنت قد ناقشت طبيعة الفقه السياسي الشيعي وأهدافه واثره على الوطنية العراقية وصراع السيد نور مع المرجعية الدينية الشيعية ولماذا كتب في وصيته تذهب اموالي الى عالم من العرب خاصة. وخصصت فصل لمناقشة الدين والدولة في ذلك الصراع وحارب الطائفية السياسية. وجاء في بعض فقراته
ارى ان حصانين كانا قد جر العربة الدينية التي حملت بضائع الاحتلال البريطاني للناس والوطن في العراق. بيد ان معظم الذين تحدثوا عن العربة الدينية اثناء قدوم الاحتلال البريطاني للعراق لم يروا سوى حصاناً واحداً جر العربة الدينية؛ وتناسوا الحصان الاخر. فمرة يقول بعضهم ان البضاعة التي حملها أحد الحصانين في العربة الدينية؛ هي رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه. وتارة رأى بعضهم ان العربة الدينية حملت ذهباً لكن الاسواق كانت معطلة (وكل حزب بما لديهم فرحين). واخرين تجاهلوا العربة والحصانين اللذين يسبحان في فلك الاحتلال؛ وكأنه لم يكن شيئا مذكورا ...! وكان الحزبان جلّ حديثهما بأحدهما ولم يقولا كلاهما؛ بعد خلطهما الحابل بالنابل؛ تلك هي دراما الطائفية في التاريخ؛ حيث تكتب لنا المشهد الثقافي الشقي البائس بألوانه الرمادية في ثقافة المجتمع العراقي؛ لكن اهل البضاعة فقد بينوا لنا الخيط الابيض من الاسود للعربة الدينية؛ وذكروا لنا ان الحصانين اشتركا في تلك الدراما الخجولة. ومن يحمل بضاعة الاحتلال فان وثيقة الوطن تنبذه مهما بلغ من العلوم الدينية درجة اومن القدسية الدينية مكانة.
لقد حاولت ان اضع الاسم الكامل للسيد نور بهذه الصيغة السيد نور السيد عزيز الياسري؛ الاسم الاول والثاني واللقب ؛ وربما بعض الباحثين في تاريخ العراق يجد اسماء متعددة له ففي الوثائق البريطانية عادة يتكرر اسمه سيد نور واحيانا السيد نور السيد عزيز وتارة السيد نور ال ياسر . وفي الوثائق التركية سيد نور افندي ؛ وفي الوثائق العراقية السيد نور الياسري او السيد نور ال سيد عزيز . تجدر الإشارة ان بعض الباحثين صارت لهم الشخصية الواحدة شخصيتين بغياب اللقب مثل ( علوان الياسري وعلوان السيد عباس اعتبره بطاطا شخصيتين ؛ وكذلك عباس محمد كاظم اعتبر هبة الدين الشهرستاني ومحمد علي الشهرستاني شخصيتين و لم يفرق بين الكنية والاسم ) لذا أرى ذلك من ضرورة البحث للتنويه عنه. وانني على يقين سوف يصبح هذا البحث المقدمة لمن أراد ان يبحث عن هذه الشخصية ودورها في تكوين الدولة العراقية وغيرها من المجالات؛ حيث يتناول ربع قرن من حياته.
ولابد من تسجيل هذه الخاطرة من خواطري التي كتبتها اثناء البحث كانت بين طيات اوراقي وتطفح عليها إفرازات من الهموم ... بعد جهد طويل وزمن ليس بقصير؛ بيد ان المعاناة كانت اعتى من طول المسافات؛ حيث وجدت الحقائق عن السيد نور السيد عزيز الياسري؛ مكبلة بسلاسل من حديد ؛ وثمة عتمة الدهر احدها وكان الجهل بين العناوين يطأطأ رأسه ؛ والخوف من المجهول يغلفها ؛ والحقائق الضائعة تسير في فلك النسيان والاحقاد ذيلها والواقع العنيد مركبها بلا مراسي ؛ واني على يقين سوف يتنفس النهار بعد غياب طويل .. طويل؛ وسنسمع الاجراس تدق.. تدق.. تدق.. تدق؛ وكانت كتابتها في 6 - 3 - 1989.
ولا أدري هل دقت الاجراس الان بعد نشره؟ وهل اطربت أنغامها كتابة التأريخ في يوم بئس الحقيقة؟ وهل صار النعيم منهلها؟ وهل لبست خلخال الشمس وتبسمت ببريق القمر؟ وهل أصبحت قطوفها دانية للقراء وللباحثين؟
لا يسعني إلا ان اقدم الشكر الجزيل للذين رحلوا ولم يطلعوا على هذا البحث وهم قد قدموا لي الكثير وأولهم السيد عبد الزهرة السيد كاظم السيد نور الياسري حيث فتح لي صندوق السيد نور الياسري واطلعت على أوراقه وحتى على محفظة والده السيد كاظم وعثرت على بعض الوثائق فيها عن الثورة . وكذلك شيخ المؤرخين السيد عبدالرزاق الحسني قدم الكثير من المصادر لي وسهل لي المقابلات مع كثير من الأشخاص؛ وأيضا المرحوم المؤرخ حسان ال بازركان الذي ارسل لي وثائق مذكرات والده قبل وفاته في أمريكا ( خاطرات مكتومة ) . ولا أنسى الشيخ يوسف الحارس امين مكتبة امير المؤمنين في النجف لم يبخل حتى على الاطلاع على المخطوطات. والمحامي السيد جواد هبة الدين امين مكتبة الجوادين في الكاظمية. وأيضا والدي رحمه الله الذي حافظ على معظم أوراق البحث ولكنه لم يستطع ان يحمي مكتبتي التي تحتوي على الكتب التاريخية القيمة التي جمعتها بشق الانفس من لصوص قيلولة النهار بعد هجرتي. وكذلك الأصدقاء الأعزاء خارج العراق الذين قرأوا بعض فصول الكتاب وقدموا ملاحظاتهم وهم الأستاذ مصطفى ال بازركان وجاسم محمد علي المعموري والسيد صالح نور المحنة ؛ وغيرهم من الذين ساهموا في هذا البحث وكذلك الذين أجريت معهم المقابلات من الاحياء والاموات واحسن الله مثواهم في دعائي ؛ اللهم وارحمهم جميعا .
وأخيرا أرى ان رأي صواب ويحتمل الخطأ. وسوف احترم كل الآراء وكل الملاحظات حول هذا البحث واعتز بالآراء القيمة. وقل وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه أنيب. اللهم احلل عقدة من لساني ليفقهوا قولي والحمد لله الذي بطن خفايا الامور ودلت عليه اعلام الظهور. والصلاة والسلام على السراج المنير الصادق الامين وعلى عترته الطاهرة . اللهم و بارك بعترته وعمر بهم مجالس الصالحين وسلام على ال ياسين .



#عادل_الياسري (هاشتاغ)       Adel_Alyasiry#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدعاء هو الوثيقة السريّة في القرآن .
- الدعوجية والمرجعية
- قتلت المدينة الفاضلة ونحن قعود ...!
- العاشر من حزيران الخيانة الكبرى في العراق ..!
- هل انتهاء الازمة في سوريا تعني الانتقال الى الاردن ؟
- السستاني ضيّاع القدسية وقيادة البعث القومية
- هل يصبح ال ياسر بوق مثقوب لحزب الدعوة الطائفي في الانتخابات ...
- ملف8 آذارمارس يوم المرأة العالمي 2009 -أهمية وتأثير التمثيل ...
- الانتخابات و السستاني و فاضل الشرطي
- الوطنية العراقية في رسائل المس بيل
- شيخ المؤرخين العراقيين الحسني لم يشم رائحة هيل ابو كلل في مخ ...
- العيد الوطني يا عراق المجد
- محمد حسنين هيكل وعصير ليمون صدام حسين
- دور الزعيم الياسري نور في الاستفتاء البريطاني في العراق 1918
- ضاعت لحان يامانه بين عمار الحكيم وباسم العوادي
- بين تصريحات لورنس العرب وتصريحات رئيس الاركان البريطاني دانا ...
- الظاهرة الزرقاوية والشارع العربي .. وماذا بعد مقتل الزرقاوي؟
- الظاهرة الزرقاوية و الشارع العربي .. وماذا بعد مقتل الزرقاوي ...
- العراق و الصحافة في رسائل المس بيل
- العراق و الصحافة في رسائل المس بيل


المزيد.....




- -ضربه بالشاكوش حتى الموت في العراق-.. مقطع فيديو لجريمة مروع ...
- آلاف الأردنيين يواصلون احتجاجاتهم قرب سفارة إسرائيل في عمان ...
- نتانياهو يوافق على إرسال وفدين إلى مصر وقطر لإجراء محادثات ح ...
- الإسباني تشابي ألونسو يعلن استمراره في تدريب نادي ليفركوزن
- لأول مرة.. غضب كبير في مصر لعدم بث قرآن يوم الجمعة
- القيادة المركزية الأمريكية تعلن تدمير 4 مسيّرات للحوثيين فوق ...
- صاحب شركة روسية مصنعة لنظام التشغيل Astra Linux OS يدخل قائم ...
- رئيسا الموساد والشاباك يتوجهان إلى الدوحة والقاهرة لاستكمال ...
- مصر.. فتاة تنتحر بعد مقتل خطيبها بطريقة مروعة
- علاء مبارك يسخر من مجلس الأمن


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عادل الياسري - مقدمة كتاب ( جهاد السيد نور السيد عزيز الياسري في ثورة العراق التحررية وصناعة الوطنية )