أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسناء الرشيد - (( الغزل الرقراق في شعر جاسم الصحيح ))















المزيد.....

(( الغزل الرقراق في شعر جاسم الصحيح ))


حسناء الرشيد

الحوار المتمدن-العدد: 6218 - 2019 / 5 / 2 - 01:04
المحور: الادب والفن
    



بغير مقدماتٍ قد تستغرقُ الكثير من الوقت , ولأنني اعتدتُ أن يكون لخيالاتي وتصوراتي الدورَ الأكبر في قراءاتي للأبيات الشعرية التي تلفتُ انتباه روحي فقد كان هذا تحديداً السبب الرئيسي وراء اختياري للكتابة عن قصائد ( جاسم الصحيح ) , فكلما استمعتُ لأبياته أو قرأتها وجدتني أتخيلهُ وهو يلقيها على مسامع حبيبته الخجولة , تلك التي تخفضُ رأسها خجلاً وتحاولُ الهروب بعينيها من عينيه لكنها لا تستطيعُ منعَ نفسها من النظر نحوهُ بدهشةٍ بين الحين والآخر كلما طرقت مسامعها عبارةٌ لم يخطر على بالها أنهُ سوف يقولها كي يُعبّر بها عن مدى حبهِ لها , بل عن طريقتهِ المختلفة في الحب والغزل , وأقصدُ بذلك ( الغزل الرقراق ) كما ذكرتُ في عنوان موضوعي .
فشاعرنا يكتبُ الشعر العموديّ بثقافةٍ واضحة , بطريقةٍ تجعلكَ تظنُّ أنكَ تقرأ قصيدةً لشاعرٍ من العصر الجاهلي ثم ما تلبثُ أن تتبينَ أن الأمر ليس كذلك وأنهُ جمعَ بين جمال الشعر في ذلك العصر وبين حداثة الشعر المعاصر ولكن بطريقةٍ ملفتةٍ للانتباه فعلاً .
فحينَ نجدُ أن أبيات الشعر الغزليّ _تحديداً_ قد تثيرُ الخجل الشديد لدى من يستمعُ إليها , كما لمسنا من خلال قراءتنا ( للشعر الماجن ) أو للشعر الذي يركزُ على إبراز جمال جسد المرأة بطريقةٍ قد تخدش الحياء أحياناً , نجدُ أننا معهُ نرغبُ في الانغماس بتفاصيل الصور التي تجسدها أبياته , كيف لا وهو يخاطبُ حبيبتهُ مثلاً بقوله :
كل النساءِ أحاديثٌ بلا سندٍ
وأنتِ أنتِ حديثٌ لابنِ عباسِ !!
فهو هنا , يصفها بوصفٍ قد لا يخطرُ ببالِ أحدٍ غيره , فأن تصف حبيبتك بالجمال , الدلال , الرقة أو أن تتغزلَ بشفتيها أو عينيها , هي أمورٌ طبيعيةٌ للغاية وقد نتقبلها من دون أن نتوقف عندها وعلاماتُ الدهشة ترتسمُ بوضوحٍ على ملامحنا ونحنُ نراها محاطةً بهالةٍ من القداسة التي يصرّ الشاعر على أن يحيطها بها في أغلب قصائده , وهو يكملُ حديثهُ معها في ذات القصيدة بقوله :
ملأتني بكِ حتى مسّني خجلٌ
من فرطِ ما غازلتني أعينُ الناسِ
فهو هنا يصفها بالجمال البارع لكن بطريقةٍ غير مباشرة حين يبينُ أن جمالها طُبعَ في ملامحه وصارَ صفةً لصيقةً به .
وهو قد يودّ أحياناً أن يخبر حبيبته بأنهُ لها لا لغيرها ولكن بطريقةٍ غير مباشرةٍ أيضاً :
لي من هواكِ هويةٌ فكأنما
من صاح يا أهل الهوى يعنيني !

أما في تعريفهِ للعشق , فهو يتحدثُ عنهُ بــ ( روحانيةٍ ) واضحة حين يقول مثلاً :
في العشقِ تنصهرُ الأعمارُ في عمرٍ
من الخلود كأنَ اللحظةَ الأبدُ
قامت قيامةُ أشواقي وليس بها
إلا حميمٌ على ذكراكِ يتّقدّ , ويا لروعة الوصف في البيت الثاني .
وهو أحياناً قد يتحدثُ عن الحب بإسلوبٍ فلسفيّ أيضاً :
خطُّ استواءِ الهوى في كلّ خارطةٍ
للكونِ يمتدُ من جنبي إلى جنبي
خوفاً على الأرض خوفاً من تدحرجها
بالخلقِ علّقتها في عروةِ الهُدبِ

أو ..
ودنوتُ منكِ دنوتُ حتى خلتني
أدنو إلى سرّ الحياة لأدركه

أو يقول كذلك :
للهِ حسنكِ حسنٌ لا قياسَ لهُ
ما كان للهِ لا يخضع لمقياسِ , وهي إشارةٌ واضحة إلى الحديث المعروف " إن الله جميلٌ يحبُ الجمال "

وهو في قصيدةٍ أخرى يتناولُ الحب بمفهومٍ آخر , وذلكَ حين يقومُ باستعارةِ بعض الرموز الدينية كالإمام علي ( عليه السلام ) أو فكرة ظهور المهديّ المنتظر مثلاً وغيرها من الاستعارات التي اعتادَ الشاعر على إيرادها في قصائده :
من أفقِ وجهكِ فاضَ الوحيُ وانهمرا
كأنما الله قد حيى بهِ البشرا
كأنما الله يغرينا لنسألهُ
أصدفةً كان هذا الوجه أم قدرا ؟
ويا لروعة الوصف والتساؤلات البالغة الأناقة , ثم نراهُ ينتقلُ ليقول وهو يحاولُ الوصول لوصفٍ مقاربٍ لمقدار حبهِ لها :
أهواكِ مقدارَ ما صلى ( أبو حسنٍ )
وِرداً وأكثرَ مما أطعمَ الفقرا !!
ثم ينتقلُ للكلام عن الإمام المهدي في إشارةٍ واضحةٍ لما سيحدث يوماً :
الآن عصرُ ظهورِ الحبِ في عمري
ومن علاماتهِ أن يشطرَ العمرا
وهو بين هذا وذاك قد يعرجُ نحو الغزل الواضح أحياناً ويصوغُ لنا من تساؤلاتهِ عقداً غير منفرط , بعد أن ملّ السكوت الخجِل ( فمتى ستفقسُ بيضةَ الكلماتِ ) كما يقول في إحدى قصائده , ولكنها ما إن تُفقس حتى تظهر لنا الحروف والصور المضمخةَ بطيب العشق وضَوعه الذي لا تخطؤهُ القلوب الثملةَ بخمرته :
ومتى سأبصرُ في جبينكِ صورتي
عذراءَ , ترفلُ في أتمّ صفاتي
ومتى نقيمُ من العناق حديقةً
ونصوغُ أطفالاً من القبلاتِ
وهو لا ينفكُّ يمارسُ هوايتهُ الأثيرة في الكلام مع الأنثى ( الحُلم ) ويُدلّلها بأجمل الكلمات :
أدلّلُ الليل بالانثى الحنونِ كما
يُدَلَلُ الشاي بالنعناع والحَبَقِ
وشاعرنا يرسمُ بذاتِ الفرشاة المغمسةِ بالماء العذب حتى حينَ يهمُ بأن يصف لنا مشهد الوداعِ الأخير بين حبيبين , مثلاً :
وليلٌ عليهِ التفّ ثوبُ وداعنا
تُطرزهُ شهبٌ من الحسراتِ
سهرناهُ إلا نجمةً حينَ أشرقت
رأت معبدَ النجوى بلا همساتِ
وطاولةٌ ما بيننا مالَ جذعها
على الخشبِ المحروقِ بالزفراتِ
شبكنا أيادينا عليها فلم نجد
سوى زهرةٍ نشوانةِ البتَلاتِ
فما أروعَ الإنتشاء بعذوبة الآخر حتى إن كان يهمُّ بالابتعاد والرحيل عن محبوبه , ما أروعَ أن لا يُسكرنا غير عطره وإن ابتعد ونأى !!

وهو قد يصفُ الجمال المستورَ عن أعين الناس أحياناً , ويا لجمال وصفه :
وسوادُ ملفعكِ الحنون يكادُ من
فرطِ الحنان يضيءُ في جنَباتي

والــ ( قُبَلُ ) علاج , كما يقولُ في أحدِ أبياته :
ما قُبلةَ العشاق إلا حقنةً
في الروح ... حقنةُ رأفةٍ وحنانِ

وشاعرنا ينحو نحو وصف ذاته والكلام عنها بين الحين والآخر , مثلهُ في هذا مثلُ أغلب الشعراء المعتدّين بذواتهم , فتلك الذات التي قد لا تكونُ واضحةً للآخرين تمام الوضوح لا بدَ لهُ من محاولةِ إبرازها بصورةٍ مميزة , بالوصف , السرد أو ربما بالتساؤلاتِ أحياناً مما يدعو القارئ للرغبة في الإبحار والبحث عن مفرداتِ تلك الذات التي قد تكونُ غائبةً عن نظره ولكنها موجودةٌ فعلاً بين أبيات قصائد ( جاسم الصحيح ) :
وما أنفكُّ أسألني لماذا
أتيتُ إلى الوجودِ وما دُعيتُ
لماذا اختارني الملكوتُ نرداً
على أطرافِ عتمتهِ رُميتُ
وهل أقدارنا إلا قماشٌ
يُحاكُ كما تُحاكُ لنا ( البشوتُ )
تقولُ ليَ الحياة : إليكَ عني
وأحياناً تقولُ : إليكَ هيتُ !
فكيفَ أجرُّ أقدامي وأمضي
و ( هدهدُ ) رحلتي قدَرٌ شتيتُ .. ؟؟



(( حسناء الرشيد ))



#حسناء_الرشيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نور السامرائي ، قصيدٌة بإحساسٍ مختلف
- (( جوانب لا بدّ من الالتفات إليها / الشاعر د. وليد الصراف ))
- قراءة في ديوان ( يا أبي أيها الماء ) للشاعر ( أجود مجبل )
- إيما صباح / نُضجٌ ملفتٌ للانتباه
- الإسلام دين الإنسانية
- الجاثوم / أسباب وعلاج
- الكاكائية : تاريخ لا بد من معرفته
- گاردينيا .. أحمد بخيت
- سوق الشيوخ .. وجه آخر للثقافة والحياة
- ( ما جايسك ) .. ترنيمة في حضرة الروح
- محمد وجيه .. سر قصيدتين
- ( الراهب ) .. قداسة الحب والشعر
- الناصرية .. - مزاجُ أنثى -
- نور السامرائي / فدعة بصرية
- (( قراءة في قصيدة من جيل البنفسج ))
- ميثم فالح .. قصيدة بغدادية ناضجة
- (( حسن عاشور بلم شعري على ضفاف كارون ))
- (( إلحاد ))
- (( اللادينية : أسباب - تاريخ ))
- - أيما صباح .. قيثارة الناصرية -


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسناء الرشيد - (( الغزل الرقراق في شعر جاسم الصحيح ))