أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هدى يونس - طريق زوجة زوجي















المزيد.....

طريق زوجة زوجي


هدى يونس

الحوار المتمدن-العدد: 6181 - 2019 / 3 / 23 - 16:11
المحور: الادب والفن
    


طريق زوجة زوجي
هدى يونس

يمنحنى معراج جنتة . يمتلك بيسر موتى وبعثى .. هو مخاوفى، مشاعرى،
وكل آمالى، روحى لا أجدها عند بعاده . ولا غيره أريد شيئاً..
أتوه وأتغرب لغيابه ولا يمهلنى، تنشق الارض ويظهر .. يدخلنى ملكوته
وأعيش عصوراً لم تأتى، وأسكن أساطير لم تُروى ..
أسقط مقايس اختزال أوراد الحلم .. ليس مثله مثيل فى الوصل ..
يغرقنى موجه، وأنا فى أسره أتحرر . روحى تسافر وتردد أسفاره، يتسلل
ويقيم حصوناً، وانا القلعة أستجديه أن يمنحنى حصنا !!
***
حين يغيب يسألون
: وأجيب عند الآخري !!..
أين : تحت الارض..
يتعجبون !! بنت الأصول المتعلمة ترضى به ، ويهجرها !!
ولا أعطى اهتمامًا لما يقال ..
***
يعودإلىّ.. يجلس صامتَا .. أجلس أمامه ..
يعابثنى واجمًا.. تفيض سيوله تغرقنى حبًا ، ويذوب وجودى وجداً وأحلق فى أحلام عشق لم أعتده ..
أظل ساكنة يكبلنى سحره .. أتأمل قدرة فمه المغلق على قول غزل لم أحلم يومَا بسماعه.. أتباهى بى وأرانى سيدة الغشق ..
بحياء حذر أبتسم خشية توقف السيل.. يساند قول الذى لا يقال نظرات عينيه . يربكنى فيضه ويتركنى.. ألملم مشاعرى وأجزائى، وأخطو بثقل على مهل ..
من يمر أمام بابى المفتوح أفيض ببعض الفيض والنشوة ..
بعد كل غياب يتوالى المدد.. حتى وقعت فى غرام الأخرى التى منحته غيثاً ونظرات ترسل سحراً !!..
حين يعود بعد غياب ويطول الصمت أمدً جسورى كى يعبر إلىّ بصمته.. كثيرا ما أتخيل وقع خطواته ونقر الباب وأتلهف للقائه.
***
وتمر الأيام ..
أتحمل بيت كبير، أولاد، أنفار، زراعة أرض، بيع محاصيل، شراء تقاوى، تربية حيوانات .. ويلهمنى الرب حلولاً ويزيد قرارى دقة وبصيرة وثقة . وأنتظره ..
أدمنت صمته، نظراته وفيوض غزل شهوانى أحياناً، وأدعو الله دوامه.
يقلن : الجنية نبتة النار تأخذ ولا تعطى، أخاف الحسد ولا أعترض.
أتساءل إن كانت بلا قلب كما يقلن ! كيف منحته هذا الفيض ؟
***
فى الفترة الأخيرة طال وطال غيابه .. عند عودته يتركنى، يدخل حجرته ويغلقها ..
لا تفتح إلا لطعام أو شراب، وإعتاد الأولاد حضوره الغائب..
توالى غيابه ، أفكارٌ ووساوس ترهقنى وأتحامل ..
قلب مقيد، وروح أجهدها الإهمال.. وأنسانى كثرة الوجع غيابه..
ولم يجد الأطباء لقلبى دواءً ، أحفظ داخلى ألمى وأخفيه عند حضوره كى لا يفسد لقائى، ولا أضيق من إهماله .. يعاودنى الألم أكثر، ولا يمهلنى وقتاً كى ينظر . يسكننى يقين أنه منح قلبه حقاً للأخرى ..
***
بعد غياب أكثر عاد .. سددت طريقه ووضعت يدى على قلبى ولم أنطق، أعطانى ظهره وانصرف..
وتمر الأيام .. نوم الليل وجع متقطع ..
فى ليلة تواصل الوجع وغيبنى، وجدتنى فى عتمة تحيطنى، شبح لا أتبينه فى عتمتى يعامل جسدى بغلظة.. يدوس على الألم فأصرخ وتتردد أصداء صراخى .. يعلن عن إسمه ولا أتمكن من فهمه أو نطقه .. أضيئ المكان بضوء أعمانى ولم تحتمله عيناي . أحس ملابسى تنزع فى سرعة .. ولا أرى ، عجزى مؤكد ، وحماية ملابسى جسدى مستحيلة، استسلام مخزى زاد ألم قلبى الموجوع.
حين شُق صدرى بهوادة ومهارة أحسست بسلام، نزع قلبى من مكانه، أزيل منه قطعة سوداء فى حجم قبضة مولود كما سمعت.. وأعيد مكانه، وأغلق صدرى، ولم أدرِ بعدها ماذا حدث !!..
فى الصباح كنت أكثر حيوية وقوة.. وبقعة دم متجمد مكان الشق..
إنتظرت عودته لأحكى .. ولا يعود..
***
شهور القمر تتوالى ..
يتهامسون وأسمعهم "إكتفى ببنت النار ، وهى لن تحتمل غيابه، ونمرة الفُحُش فُاجرة ستتربص بها وتغويها، إستردت عافيتها وزادت نضارتها إشراقاً."
ولا أهتم . "أحتاج وجودك ، مشاعرى لا عقل فيها، أنت مصدر توازن أولادى وتوازنى, هل لا تحتاج إلىّ .. هل لم أكن معك فى الذاكرة،أعرف أنك لن تستغنى وتعود ، الأولاد صغار يحتاجون تاثيرك."
ويطول الغياب..
***
عجائز قريتى يأتين لنصحى مؤكدين أن عودة زوجى ترتبط بخطوات ، وظللوا يكرروا التفاصيل حتى حفظتها، وقلن: ربما تعفو الجنية وتتركه من أول خطوة.
..إنتظرت إكتمال القمر..
بعد انتصاف الليل دخلت إلى الجزء الخلفى من بيتى أحضرت الغربال الجديد من جلد حمار حصاوى نافق كما اشترطن.. ..
وضعته على عتبة حظيرة المواشى، خلعت ملابسى، وجلست عارية فى الغربال أدعو القمر بشفاعة "أنومه" أن تعيد زوجى، دعائى تواصل، إرتجف بدنى والتهبت رأسى وأردد الدعاء، تصطك أسنانى وتتآكل بعض حروف الدعاء .. عند اختفاء القمر بسحابة كثيفة معتمة تركت الغربال كما قلن ... وانتظرت يومين ولم يعد..
فى اليوم الثالث..
عند منتصف الليل خرجت من حدود قريتى ، وسرت وحيدة فى الطريق الذى على يسارى كما وصفنه لى، مؤكدات أن رحلتى ثلاثة أيام بليالى، غطى إحتياجى له على رعب ترك أولادى وقريتى .
لأول مرة أمشى طريق معتم لا أعرفه.. دفئ يتسرب لأطرافى الباردة.. أسير وأتعثر.. ولا أتوقف يتحول الظلام إلى لون رمادى .. أفق يحتضن سحب.. هواء يشبه دخان.. تخرج شمس حمراء متوهجة تضيئ أدغالاً أراها لأول مرة .. أسمع صفير لا أعرف ان كان لطائر أم صوت رياح .. ريح عاصف خلخت خطوى وصوت أحجبة وتمائم وسبح أرتديها يزعجنى.. سخونة تهبط على رأسى.. أغمض عيناى، وجدتنى وسط غابة ومستنقعات تتناثر ، وطنين حشرات تتصارع ، أخاف وأغضب منه ومن نفسى.. ويتواصل خطوى. أجد مروجاً خضراء ممتدة حولى، أشجار فواكه مكتملة، ويدى لا تمتد إليها كما اشترطن ، سكننى إطمئنان وتجاهلت جوعى وعطشى ..
دخلت صحراء إشتد قيظها، حشائش جافة تتكسر تحت خطوى ، ورائحة حريق بلا دخان، تلسع أقدامى رمال ملتهبة، يأتى هواءٌ باردٌ يداعب وجهى ..
بعد مسافة طالت رأيت نهراً يجرى، وعند اقتربى وجدت أنهاراً منه تتفرع على جانبى الطريق، إنحرف أمامى نهرٌ منهم وغير مجراه لمجرى آخر ، ثم تركه وعاد ثانية لمساره، حين إنحرف النهر عن مساره صنع جزيرة سرت جوارها.. سمعت صوتًا يخرج منها يئن ويشكو من خيانة النهر ونخليه
ومن الشروط الواجبة ألا أتساءل، وأسير فى حالى..
إنشغلت باستحضار أوصاف "أنومة" لأكمل ملامحها كما وصفتها العجائز ، وأستجديها لتلهمنى الطريق والقدرة .
***
اختفت الجزيرة وإختفت الأنهار، وسد الطريق كيان عملاق لم أحدده فى الضوء الرمادى المعتم . أخطو إليه كى أتبين ، رأيت تمثال جبلى تتبدل ملامحه بين الضحك والعبوس . تصلبت صامتة فى مكانى تخرج منى أصوات تعددت وتغيرت لحيوانات وطيور وفمى مغلق .
أحسست ببرودة وحركتى لا تهدأ ، أدور حول النصف الأمامى للتمثال ، أبحث عن معبر كى أعبره ولا أجد، أتحير وأتذكر "لاتتساءلى عن الزمن أو تفسير ماترى" . ربما نمت وصحوت بإحساس لا فرح ولا ضيق..
أسمع صوت غربان، ثم رأيتهم أمامى ثلاثة أزواج غربان يتقاتلون ويأكلون لحوم بعضهم ، وآخرون يتابعون وينعقون ..
أكره وأخاف صوت الغربان، رؤيتهم تملأنى ضيقاً ، عقلى يقنعنى أنه طائر لا يملك من أمره شيئًا . أتعجب لتعايش روحى المتطيرة للعقل والمنطق، وأقتنع ببركات زوجى الذى عشقته الجنية .
قتال الغربان ذكرنى بعبارة سمعتها من الراديو ولم أفهمها "إدارة فوضى التوحش".. حينها توقف قتالهم ونعيقهم وعادوا للطيران..
أنتبه وأتفحص ماحولى لايجاد مخرج قبل انقضاء الوقت، عند قدمى التمثال صخور أتسلقها أبحث عن معبر، حجارة صغيرة أتعثر فيها تتدحرج ومعها أحجار أخرى .
أزيح بقدمىّ ويدىّ أحجارًا، وجدت بابًا صغيرًا تغطيه نباتات جافة فتحته بسهولة..
عند الباب صندوق حديدى مغلق لم يشغلنى، وواصلت خطوى فى ممر طويل شبه مظلم أبحث عن معبر ، تواصل خطوى . ودخلت كهفاً مهجوراً، تعثرت قدماى فى أوانى نحاسية لها صوت مكتوم يتردد، أصطدم بأشياء لا أعرفها بها بقايا حياة.. أدخلنى الكهف سرداب أخطو فيه محنية، رغم ظلامه خطوى واثق مستقر ومتتتابع، وجدتنى أمام أوانى فخارية كبيرة عملاقة ، قريبة الشبه من ماجور عجين أمى ، ومن بينهما خرجت للضفة الأخرى ورايت ظهرالتمثال .
وجدت مساحات أرض تكسوها نباتات شوكية أتجنبها ولا أسلم ، أرى نقاط دماء على جسدى . أتعجب من نفسى وتحملها طريق متقلب !!.. نباتات وأشجار تظهر وأراهم أشخاص ملثمين ويختفوا !!.
خلف مجهول أخطو . وقفت ثابتة أحتمى من زوبعة رياح تعصف تحمل رائحة يود البحر ولهيب الصحراء.. سكنت العاصفة وإستقرت أمامى لفة جلبتها الرياح إلتقطتها، وجدتها غلاف ل "كوز" ذرة جاف ، داخله ورقة سميكة تشبة ورق لحم جزار قريتى ، فردتها بحرص ..
مكتوب بلون أحمر
".. فى زحمة الأيام والأحداث ، تتخالف الأراء والأهواء ، نتعلم ولا نزال فى الجهاله، تشهد كل لحظة ميلاد قابيل وهابيل، ويكتمل الصراع، ولا ينتهى، الخير وحيدًا يصارع !! الرجس عاد بعد اكتمال تزينه، ووقعنا فى هواه وأدمناه .. تسكن عقولنا ثورة رياح وثورة سكون، لا نملك غير الفرجة، من علمنى ولقننى كيف أراه وأهواه يختفى ويعاود ، وأنا......... "
واختفت الحروف والكلمات ولم يتبقى غير نقاط حمراء تتناثر.. لففت الورقة بحرص كما كانت وتركتها مكانها . وواصلت سيرى..
أرهقتنى وحدتى ، أرغب أن أتلاقى مع إنسان حتى لو كان عدواً..
أسمع صوتًا ، أنظر حولى ، خلفى ، ولا أجد أحدًا ..
يعاود الصوت مؤكدًا " تلك قريتك إدخليها "
أتشكك فيما أسمعه ، وأتبين أن الصوت يضللنى ..
أمامى أرض غطتها ثلوج بيضاء، على مسافات تتقارب أعمدة حديدية ثابتة ، يافطة كبيرة تحمل أسهمًا تشير إلى.. "المغرب " "الأندلس " "جبل طارق" "البحر المتوسط" ..واصلت سيرى رايت أعمدة أخرى وأسهم تشير إلى "البحيرات المرة"، "محمية رأس محمد" ، "بحيرة التمساح "..يعاود الصوت "قريتك إدخليها" ..الأسهم الآن تؤكد أننى فى بلدى الأكبر ولست فى بلد آخر . خطوى متعجل يستمد عافية وقوة لا أعرفها، لا أهتم بجراح الجليد التى تتكسر تحت خطوى وتغطى بدنى برودة تجمدنى، لا أهتم إلا بتركيز بحثى وسط الأسهم عن مدخل قريتى .كى أصل إلى حقولها ومنزل زوجى.
توغل قلقى ورفضته.. أحسست بخواء وفراغ رغم إزدحامى بمسؤليات، أيقنت أن هدم وجودى قائم .. تتوالد اسهم وتتقاطع ويزداد تركيز البحث.
لم يتبقى الآن وأنتظره غير حلم وصولى لأولادى وأولاده..



#هدى_يونس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جمر الرماد
- أسانيد التأويل
- بقعة حمراء
- وحشة عاصفة
- لا يدهمك الغيم
- يرفل فى الدجى
- دكه خشبية متآكلة وسط عشبٍ جاف
- سطوع الخفوت
- حجاب شوق
- اللغّم
- غوايه الموج
- ذوى الأغطية
- تصفيه حساب
- كبف تصبحين كبشا
- حدث فى الشتاء
- وشم الوجدان


المزيد.....




- روسيا.. جمهورية القرم تخطط لتدشين أكبر استوديو سينمائي في جن ...
- من معالم القدس.. تعرّف على مقام رابعة العدوية
- القضاء العراقي يوقف عرض مسلسل -عالم الست وهيبة- المثير للجدل ...
- “اعتمد رسميا”… جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024/1445 للش ...
- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هدى يونس - طريق زوجة زوجي