أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - نظام ذكي أم فوضى خلاقة؟















المزيد.....

نظام ذكي أم فوضى خلاقة؟


طوني سماحة

الحوار المتمدن-العدد: 6134 - 2019 / 2 / 3 - 23:15
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مما لا يحتمل الشك ان ثمة قوانين طبيعية تتحكم بكل جزء من أجزاء الكون، أكان هذا الجزء مرئيا أم لا. الكواكب تحكمها قوة الجاذبية التي تتحكم بوضعية ومسار كل منها، فما من كوكب يحيد عن مساره لحظة واحدة او سنتمترا واحدا. عندما نحاول تفسير بداية الكون، غالبا ما نرى في الانفجار الكبير نقطة البداية. لكن ان يُنتج انفجار عشوائي نظاما كونيا بهذه الدقة هو أمر لا يستطيع العقل قبوله. خبرة الانسان على الارض في مجال التنظيم تحتم القول ان لا قانون عشوائيا يقود الى النظام، ولا فوضى تقود الى الترتيب، ما لم يتدخل عقل مفكر يمتلك رؤيا ولديه هدف وقصد أو غرض ( vision, purpose and goal) يقود من خلالها الى النظام والترتيب.

دعونا ننتقل الى الارض. من يدرس علم الاحياء والجماد يقف مذهولا امام الانظمة الطبيعية التي تقود عملية الوجود من أصغر كائن الى اكبره. عندما يحاول العلماء تفسير وجود الانسان والحيوان، غالبا ما يعودون الى نظرية التطور. هذه النظرية تقول ان مسيرة الاحياء ابتدأت بخلية بسيطة التركيب وتطورت الى كائنات معقدة مثل الانسان والحيوان. هذا التطور، أيضا كما يزعم العلماء، هو نتيجة طفرة جينية عشوائية- random mutation- قادت الامور الى نظام الاحياء كما نعرفه اليوم. لنفترض جدلا ان نظرية التطور هي افضل ما نملك من ادلة لتفسير الحياة، أتستطيع أي قوة عشوائية وعمياء أن تنتهي بالامور الى نظام بالغ التعقيد يعجز العقل عن وصفه؟ وعندما استعمل كلمة "عشوائية - random" فأنا لا أقوم باختيار هذه الكلمة كي تتناسب مع فكري، بل هي بالتحديد الكلمة التي يستعملها العلماء في وصف مسيرة التطور. وهنا يطرح السؤال نفسه: متى كانت العشوائية تنتج نظاما؟ للخروج من حالة العشوائية الى النظام، ألا نحتاج عقلا مدبرا، ذكيا، هادفا، مبتكرا، مبدعا، خلاقا، صاحب رؤيا يقوم بالعمل الدؤوب بوضع خطة يتعاون فيها مع كل العناصر الاخرى، أكانت بشرية ام لا، لإنجاح خطته؟ متى كانت المرة الاخيرة التي شهد فيها البشر على عملية فوضوية، عشوائية، عمياء وغوغائية تقود نفسها بنفسها لانتاج نظام معقد، مركب، متطور، أنيق وراق دون وجود عقل يمتلك الصفات التي اشرنا اليها سابقا؟

ينقسم عالمنا اليوم الى قسمين: أول وثالث، أو متطور وعلى درب التطور، هذا ان كان فعلا الاخير يسير على درب التطور. ما يميز العالمين عن بعضهما أن واحدهما يمتلك انظمة متطورة ومعقدة تقود الحياة فيه بدقة، مثل التعليم والقضاء والجنايات والملكية الفردية والعامة والعمل، فيما الثاني قد يكون يمتلك قوانين الا انها عشوائية في بعض الاحيان وفي احيان اخرى قد تكون متطورة ومعقدة لكن لا يتم احترامها، مما يقود بالتالي الى فشل هذا النظام.

كتب العالم الفلكي فريد هويل (Fred Hoyle ) ما يلي: ثمة ساحة خردة تحتوي على قطع طائرة البوينغ 747 مبعثرة في كل مكان. يمر اعصارفي أرجاء الساحة. ما هي امكانية ان نرى طائرة بوينغ 747 قائمة، مركبة، معدة وبانتظارنا للاقلاع، بعدما يكون الاعصار قد مرّ؟ الامكانية ليست فقط ضئيلة بل معدومة، حتى لو افترضنا ان الاعصار يمكنه ان يضرب ساحات من الخردة باكملها في الكون كله “A junkyard contains all the bits and pieces of a Boeing 747, dismembered and in disarray. A whirlwind happens to blow through the yard. What is the chance that after its passage a fully assembled 747, ready to fly, will be found standing there? So small as to be negligible, even if a tornado were to blow through enough junkyards to fill the whole Universe.”

هناك اتجاه في الفكر الحديث يقول "لم نعد بحاجة لله كيما يفسر نشأة الكون لأنه لدينا قانون كوني، اكتشفه العلم، يستطيع ان يفسر لنا ما لم نكن نفهمه عن طريقة عمل الكون". أنا أويد الجزء الثاني من هذا الفكر وارفض الجزء الاول. نعم العلم يستطيع ان يشرح لنا النظام الذي يسير عليه الكون، تماما كما يستطيع الميكانيكي ان يشرح لنا النظام الذي يسمح بتشغيل السيارة، لكن لا الميكانيكي ولا النظام الميكانيكي يستطيعان ان يلغيا مخترع السيارة. فالنظام الميكانيكي لم يخلق ذاته بذاته بل تطلب كائنا ذكيا كان لديه رؤيا وهدف، عمل على انجاحهما من خلال الدرس والبحث والعمل الدؤوب، كما كان عليه الاستفادة من خبرات الآخرين في هذا المجال من مخترعين وباحثين سابقين وخبرات العمال كيما يصبح هذا الحلم او النظام الميكانيكي حقيقة يسمح للسيارة بالعمل.

أخيرا دعونا نتخيل حياتنا للحظة وقد خلت من النظام. نفترض ايضا ان لا عقل مدبرا يقود عملية اعادة النظام . لنطلب من الناس ان يعيشوا حياتهم دون اي نظام. ترى ماذا تكون النتيجة؟ لا نظام يحكم علاقات الدول ببعضها، لا انظمة تحكم علاقات الناس ببعضهم، لا انظمة تحكم عملية الانتاج، لا انظمة تحكم الكون والحياة البشرية، الحيوانية والنباتية. لا انظمة تحكم حركة الارض حول الشمس لترتيب الفصول الاربعة. فقط لدينا مادة وحياة (مع انني لا اعرف من اين ستأتي الحياة)، وللنتظر لنرى في غياب اي عقل مدبر يبتكر خططا ذكية تقود الى اعادة التنظيم، كيف ستتدبر المادة والحياة أمرهما في مسيرة عشوائية وعمياء لانتاج العالم والوجود بابعادهما الكونية والارضية التي نعرفها اليوم!

هناك اتهام للمؤمن في اوساط الملحدين انه يبحث عن الاجابات السهلة للوجود من خلال ايمانه بما يسمى بأله الثغرات- God of the gaps – حسبما يزعمون. لكن ألا يوافقني الكثيرون الرأي أن ليس هناك اسهل من ان نفترض عملية نشوء الوجود والكون والحياة من خلال نظرية نضفي عليها قوى خارقة وفي بعض الاحيان سحرية حتى تستطيع قوة عمياء وعشوائية ان تقود الى التعقيد والرقي والتطور الذي يحياه الانسان في كل لحظة؟ أليس اعطاء التطور العشوائي والاعمى قوة خارقة تشبه السحر، هو في حد ذاته اجابات سهلة تفوق سهولة فكرة إله الثغرات؟

خلاصة القول: ما من عشوائية تنتج نظاما وما من نظام يوجد نفسه بنفسه كما انه ما من نظام يستطيع ان يطور نفسه بنفسه الى مرحلة النجاح ما لم يوجد خلفه فكر مبدع، خلاق، حي، وهادف يقوده من العشوائية والبساطة الى الترتيب والنظام. عندما ندرك ان لا امكانية لقوة عمياء وعشوائية وغوغائية ان تقود الى النظام، يبقى امامنا ان نقبل بفكرة صانع للكون. وعندما ننظر جيدا حولنا لا بد وان نجد توقيع هذا الخالق في كل شيء، ابتداء بالمجرات وصولا الى الدي ان اي- DNA – والخلية البسيطة احادية التركيب. ولا بد لهذا الصانع ان يكون حيا، اذ ان الحياة لا تأتي من الجماد، وذكيا لان النظام لا ياتي من الغباء والفوضى بل من عقل ذكي، ومبدعا اذ ان توقيع الابداع حولنا ظاهر في كل ما هو كبير وصغير.

لمن يرغب بالمزيد عن هذا الموضوع، قمت بمعالجة هذا النص في اليوتيوب التالي: https://www.youtube.com/watch?v=pUTRe2cC9KY&rel=0



#طوني_سماحة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لغز الوجود
- على خطى يسوع- 18- القيامة
- على خطى يسوع- 17- -يا يهوذا، أبقبلة تسلّم ابن الانسان-؟
- على خطى يسوع- 16- ساعة الحقيقة
- على خطى يسوع- 15- لن تغسل رجلي أبدا
- على خطى يسوع- 14-دعوا الأطفال يأتون إلي ولا تمنعوهم
- على خطى يسوع- 13-الموت والحياة
- من وحي عيد الميلاد
- الخرافة المسيحية والعقل
- على خطى يسوع-12- الأعمى
- على خطى يسوع-11- من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر أولا
- شبهة وردود 3- المسيح الارهابي
- على خطى يسوع-10- الرغيف
- على خطى يسوع-9- أسكت أيها البحر، إهدئي أيتها ا لريح
- سارق الحساء
- شحاذ سجائر
- على خطى يسوع-8- إنه سبت آخر
- على خطى يسوع-7- هل يصير الحجر خبزا؟
- على خطى يسوع-6- نؤمن أن لا إله إلا السبت
- عذرا أيها الحب


المزيد.....




- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قيادي كبير في -الجماعة الإسلامي ...
- صابرين الروح جودة.. وفاة الطفلة المعجزة بعد 4 أيام من ولادته ...
- سفير إيران بأنقرة يلتقي مدير عام مركز أبحاث اقتصاد واجتماع ا ...
- بالفصح اليهودي.. المستوطنون يستبيحون الينابيع والمواقع الأثر ...
- صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - نظام ذكي أم فوضى خلاقة؟