أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - جريمة في ستراسبورغ -2-















المزيد.....

جريمة في ستراسبورغ -2-


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 6104 - 2019 / 1 / 4 - 23:30
المحور: الادب والفن
    


كانت أزيتا قد استطاعت إقناعي بالزواج منها في مكتب الزواج المدني في مدينة كارلسروه وفقاً للقانون الألماني، كانت حجتها في ذلك أنها من مواليد كارلسروه وترغب لاحقاً في العيش هناك مع أطفالها الخمسة كما كانت تردّد في كل مناسبة رومانسية بيننا، أضافت بأن معظم أهلها ومعارفها وأصدقائها يسكنون في المدينة ذاتها منذ سنوات أو وُلدوا فيها، لم أمانع رغبتها بل على العكس وجدتها فرصة رائعة للتعرُّف على سجايا وعادات المجتمع الألماني، ناهيك عن طموحاتي التي بدأت آنذاك بالظهور إلى العلن بشأن التقدُّم بأوراق ترشيحي للحصول على درجة البروفيسورية وبدء التحضيرات لتأسيس معهد الجرائم الاقتصادية في كلية الاقتصاد التابعة لجامعة فرانكفورت اَم ماين والإشراف عليه لاحقاً.

تبلور طموحي هذا بعد أن تلقيت رسالة طويلة من مجلس إدارة الشركة العملاقة التي مولت أعمالي البحثية خلال مرحلة الدكتوراه، كانت الرسالة تحضّني بقوة على المبادرة بشأن العودة إلى البحث العلمي والتعليم، وجاء فيها أيضاً أن مجلس الإدارة على أهبة الاستعداد لتقديم الدعم المالي اللازم لخلق المعهد الجديد ورعايته في السنوات الخمس الأولى، في نهاية الرسالة اقترحوا عليّ رغبتهم لقائي بهدف مناقشة التفاصيل. لم أكن في الحقيقة بحاجة للتشجيع المعنوي بل للدعم المالي الذي نادراً ما كانت تقدِّمه وزارة التعليم في مثل هذه المبادرات لأن الشركات الصناعية هي المستفيد الأول من عائداتها، ولأن مسعاي البعيد يتمحور حول منحي لجائزة نوبل وأعرف سلفاً أن الطريق الوعر للجائزة لن يُعبَّد بسهولة إذا لم يُدعم من الوسط الصناعي والأكاديمي لذا لم أتوان يومذاك ولو للحظة في قبول الدعوة الموجهة لي للحوار.

لن أتطرَّق للحديث عن تفاصيل لقائي الناجح مع أعضاء مجلس إدارة الشركة لأنني لا أريد أن أطيل عليكم أكثر إذ يكفي أن تعرفوا أنني وافقت مبدئياً على فكرة الأستاذية الموهوبة أو الممنوحة من قبل الشركة، ووفقاً للاتفاق توجّب عليّ أن أكتب تقريراً أشرح فيه تفاصيل رؤيتي تشكيل المعهد والأهداف المبتغاة منه واحتياجاته من القوى العاملة كإداريين وباحثين على أن تتم بقية الإجراءات الإدارية البيروقراطية من قبل رئاسة جامعة فرانكفورت. قد أعود إن اقتضى الأمر لأحدّثكم عن هذا المفصل الأساسي في حياتي خلال سياق قصتي الحياتية المؤلمة.

المهم هنا هو أنني تزوجت أزيتا زواجاً مدنياً في كارلسروه وأقمت بهذه المناسبة حفلة عرس متواضعة وأنيقة في صالة مطعم أوتيل الشمس، دعيت إليها كل أصدقائي العرب، أولئك اللذين تعرّفت إليهم لاحقاً حين ازدادت ثقتي بنفسي وبمن حولي، دعوتهم للمجيء والاحتفال معي كي لا أكون وحيداً بين الفرنسيين، الألمان والإيرانيين بعد أن أرسلت لهم بطاقات السفر وحجز إقامة في الأوتيل على نفقتي الخاصة، هناك حجزت أيضاً لي وأزيتا جناحاً لمدة خمسة أيام.

كانت أزيتا – لمن يريد أ ن يعرف عن شخصيتها أكثر – إنسانة واقعية ومتواضعة، ذات شخصية جريئة وتفكير سريّ مستقل عمن حولها طالما أرهقني، كانت رقيقة تحب عائلة أبيها، ناعمة ولينة الطباع، مُحبة لتعلم الجديد، لديها إحساس فني وأدبي ومزاج متقلِّب يصعب معه فهمها وإرضائها متى تضايقت، كانت حسّاسة تجاه النقد بشكل مرضيّ، سريعة الزعل بشكل مقرف.

كانت أزيتا مشبعة بشخصية الكاتبة الفرنسية فرانسوا ساغان، أفكارها ملبدة بشخصية سيسيل بطلة قصة "مرحباً أيها الحزن"، الشيء الذي دفعني لقراءتها ومن ثم قرأت رواية ثانية للكاتبة ساغان بعنوان "امرأة عند حافة الأربعين". حين تجرأت على إعطاء رأيي الصريح بمقدرات الكاتبة بأن قلت لها: لو قرأت أحد الألغاز البوليسية للمغامرين الخمسة ومعهم كلبهم والشاويش والمفتش، تلك التي أبدعتها الكاتبة الإنكليزية إنيد بليتون، لكنت قد أمضيت وقتاً أكثر سعادة وفائدة. حين صارحتها بوجهة نظري هذه لمحت الكره في عينيها ورغبة في الانتقام، في تلك اللحظة استبَّد بي الوَجْس.

يا أصدقائي القُرَّاء الأعزاء قد يتساءل أحد منكم ما الذي يدفعني للغوص في ثقب الذاكرة الأسود العميق، أيُّ سِحْرٍ هذا الذي يَحُثُّني كي أرى "الخر بر" أقصد ذاك المثقب اليدوي ماثلاً أمام ناظريّ، ما الذي أريد ثقبه بأداتي المتواضعة هذه، ما الذي يُحرِّضني على إزالة ركام الطين والوحل وطبقات الصدأ عمّا مضى، ما الذي يُشعلني من داخلي كي أُوقد شموعاً ظننتها قد اِنطفأت من تلقاء نفسها وأخرى قد أُطفئت عنوةً، ما الذي يجعلني أتذكَّر حتى تفاصيل وجه أزيتا، رائحة جسدها وقلقها النفسي بعد مضي حوالي أربعين عاماً على نهاية علاقتنا الفاجعية، ما الذي يحرضني كي أغمر يديّ في أعشاش الأسرار المنسية لأغرف منها الألم والخوف والإرهاق أو ما الذي يُغريني في الوُلوج إلى أعماق الثقوب الساكنة منها والمتحركة، هل هو جبل الجليد، جليد ذاكرتي المغمور في أعماقي بأثمانه السبعة أم هي محاولاتي في التغلب على البدايات الممكنة لمرض الزهايمر وأنا في عمر السبعين؟ أحبائي: التساؤل أمر مشروع ولكن أرجو المعذرة إذ لا أملك إجابات مباشرة وشافية.

يُحزنني يا أصدقائي أنَّ لا أحد منا يجرؤ على الكتابة بشكلٍ حميميّ عن ماضيه، صندوقه الأسود، دفتر ذكرياته، علاقته بوالديه، إرهاصاته الجنسية أو ما شابه، ثمة أحداث كثيرة في الحياة لا تستطيع القصيدة ولا اللوحة ولا القصة ولا الفلم ولا المسرحية ولا حتى الرواية أن تنقلها علانية، لا سيما إلى عينات بشرية في مجتمعات لم تبلغ الدرجة الكافية من الوعي لظروف لسنا بصددها، لا يحق لنا أن نوثّق كل ما يحدث معنا في اليقظة والنوم، في الحرب والسلم، في المراهقة والنضج في نصوص وقصص، قد ترتبط عملية الفرملة هذه بالدين أو بالأنظمة الديكتاتورية أو بالحياء والخوف والفضيحة أو بالعيب والكبت أو بكل هذه التفاهات مجتمعة. لا تسألوني أين تكمن العلاقة تحديداً فلست خبيراً في علم النفس ولا بعلم الاجتماع.

ثمة تفاصيل صغيرة وحرجة في الحياة وإذا ما بقينا صامتين عنها، خائفين من الإفصاح عنها، فإننا نساهم بشكل أو بآخر مع الأنظمة الديكتاتورية والفاشية والغيبية في تخريب وجه المجتمع وطمر الحقيقة، الحقيقة التي تكمن غالباً في التفاصيل، كلما تعمقنا في فهم ماهيتها كلما نشأت أسئلة وإجابات جديدة، في التفصيل يقبع الشيطان، في التفصيل ينام الكلب مقبوراً، في التفصيل وفهمه تكمن القوة.

سأكتب لكم لأخبركم عما حدث معي في ستراسبوغ بكامل الصدق والجرأة، ولن أعمل بحسب المبدأ الذي تبنته زوجة عمي طيلة حياتها إذ كانت تقول لنا بنكهة مزاح: إذا ما تعرّى فلان وأظهر عورته للناس، فهل نفعل مثله!
***
يتبع في الجزء الثالث



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جريمة في ستراسبورغ -1-
- والعالم يتغير من حولي
- والفوضى نصفها الآخر
- بئر حسن
- بستان الريحان
- دواليب
- خمرة معتّقة في قوارير جديدة
- رحلة إبداع بالعلم والأدب
- أوس أسعد يكتب عن: من الرّفش إلى العرشِ
- أوس أسعد يكتب عن: اعتقال الفصول الأربعة
- سأشتري شقتها قريباً
- مركز البحوث العلمية -9- المقطع الأخير
- مركز البحوث العلمية -8-
- مركز البحوث العلمية -7-
- مركز البحوث العلمية -6-
- مركز البحوث العلمية -5-
- مركز البحوث العلمية -4-
- مركز البحوث العلمية -3-
- مركز البحوث العلمية -2-
- مركز البحوث العلمية -1-


المزيد.....




- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - جريمة في ستراسبورغ -2-