أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - سأشتري شقتها قريباً














المزيد.....

سأشتري شقتها قريباً


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 5982 - 2018 / 9 / 2 - 17:46
المحور: الادب والفن
    


السيدة لوز، جارتنا في السكن، في السابعة والسبعين من عمرها، مهترئة تماماً، فضولية حتى الإغماء، عملت طيلة حياتها كمعلمة في إحدى المدارس الحكومية، لذلك فهي تعيش ميسورة الحال، والحق يُقال هي إمرأة مثقفة تستخدم حتى اليوم القاموس الألماني-الألماني لمعرفة معاني وشروحات بعض الكلمات، تقرأ الجرائد المحلية وبعض الكتب القديمة، تتابع البرامج الحوارية في التلفزيون، لا تدخّن إطلاقاً لكنها تشرب النبيذ الأحمر مساءً، مات زوجها قبل ثلاث سنوات، كان يقمعها بشدة على ما بدا، استعادت حريتها بعد موته الفجائي، ولأنها تعيش وحيدة في شقةٍ كبيرة وجميلة، ولأنها لا تستعمل لسانها كما ينبغي للمرأة في اليوم الواحد، رغم أن لديها شابان متزوجان يعيشان مع أبنائهم في بلدات مجاورة، لكن لا وقت لديهم لها، ولأنها باتت تخاف من الموت ولا سيما مع ارتفاع درجات الحرارة في هذا الصيف، لهذا وكله صارت أكثر تدخلاً في شؤون الناس، تمضي وقتها خلف النوافذ واقفة، تسهر حتى وقت متأخر وهي تراقب ما يحدث في الشقق المجاورة وكل المارة في الشارع، أعتقد أن لديها منظار خاص لهذا الغرض، وإذا ما لمحت شخصاً ما قادماً إلى بيته فإنها سرعان ما تحمل سلة الغسيل الفارغة أو كيس قمامة أو سطل ماء أو بعض الزجاجات الفارغة أو صندوقاً فارغاً، التي سبق لها أن حضّرتها لهذا الغرض، وتخرج من شقتها وكأنّها ترغب في الذهاب إلى غرفة الغسيل أو إلى غرفة القمامة أو إلى مخزنها الصغير في القبو أو إلى سيارتها في الكراج أو إلى التسوُّق، حجج واهية، إذا كان الشخص أحد سكان البناية فإنها تطلب المصعد وتنتظر أمام بابه كي تلتقي الشخص، وإذا كان الشخص يسكن البناية المقابلة فإنها تدّعي ضرورة سقاية الورود في الحديقة أو حاجتها لرؤية البريد الوارد إلى صندوقها، حجج واهية، فهي في الحقيقة تريد فقط استخدام لسانها.
منذ يومين زارتنا عائلة، كنا قد تواعدنا معها لتناول طعام المساء، الزوج والزوجة يعملان في مكتب المحاماة الخاص بهما، ويسكنان منذ حوالي خمس سنوات في منزل مقابل لشقة السيدة لوز، هذا يعني أنها تعرف تحركاتهم بدقة، ما أن وصلا إلى باب شقتنا حتى خرجت السيدة لوز وبيدها سلة الغسيل ونظرت إلينا بفضول، سألتها ما الأمر، تجاهلتني بنظراتها وقالت أريد التكلم إلى المحامي بودنبروك - لا إلى المحامية زوجته! - فقلت للضيفة ممازحاً بأن السيدة لوز ترغب بالتحدث إلى زوجك كورت.
قالت دون مقدمات: لا أريد الإزعاج، لقد أردت الذهاب إلى غرفة الغسيل، وها أنا أراكما مصادفة، هل قررتما الانتقال من السكن!؟
أجابها المحامي ضاحكاً: لا، من أخبرك، نحن هنا وسنبقى في هذا المكان حتى الممات!
أجابتهما وانا أيضاً سأبقى هنا حتى يأخذ الله أمانته، ثم حاولت أن تتحدث عن أمور لا أهمية لها في هذا التوقيت - عن الموت والحياة وماشابه - فما كان من المحامي إلا أن أنهى الحديث معها وودّعها بلطف.
ونحن جالسون حول الطاولة ضحكنا قليلاً لما حدث، وقالت ضيفتنا بصوتٍ عال: لم يعد لديها كل الكؤوس في الخزانة، على ما يبدو!
ونسينا في تلك اللحظة أنّ نافذة غرفة جلوسنا القريبة من بلكونها مفتوحة على مصراعيها، ونسيت بدوري أنّ السيدة لوز قد أخذت مكانها حتماً في زاوية بلكونها المظلم لاسترقاق السمع إلينا.
وفجأة حدث ما أخافنا حقاً، إذ أنّ السيدة لوز كانت قد مدّت جذعها العلوي ووجهها اليائس المسن من بلكونها ونظرت إلينا عبر نافذتنا وقالت للسيدة بودنبروك: كؤؤوس واحدة مثلك لم تعد في الخزانة.
في تلك اللحظة كنت أفكر بأنانية جميلة مخاطباً نفسي: متى ستموت السيدة لوز كي أشتري شقتها المجاورة!
*****
لم يعد لديها كل الكؤوس في الخزانة = مصيفة (بالعامية)



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مركز البحوث العلمية -9- المقطع الأخير
- مركز البحوث العلمية -8-
- مركز البحوث العلمية -7-
- مركز البحوث العلمية -6-
- مركز البحوث العلمية -5-
- مركز البحوث العلمية -4-
- مركز البحوث العلمية -3-
- مركز البحوث العلمية -2-
- مركز البحوث العلمية -1-
- رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -13- المقطع الأخير
- رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -12-
- رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -11-
- رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -10-
- رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -9-
- رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -8-
- رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -7-
- رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -6-
- رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -5-
- رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -4-
- رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -3-


المزيد.....




- -الحب والخبز- لآسيا عبد الهادي.. مرآة لحياة الفلسطينيين بعد ...
- بريطانيا تحقق في تصريحات فرقة -راب- ايرلندية حيّت حماس وحزب ...
- كيف مات هتلر فعلاً؟ روسيا تنشر وثائق -اللحظات الأخيرة-: ما ا ...
- إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني
- سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال ...
- الفن والقضية الفلسطينية مع الفنانة ميس أبو صاع (2)
- من -الست- إلى -روكي الغلابة-.. هيمنة نسائية على بطولات أفلام ...
- دواين جونسون بشكل جديد كليًا في فيلم -The Smashing Machine-. ...
- -سماء بلا أرض-.. حكاية إنسانية تفتتح مسابقة -نظرة ما- في مهر ...
- البابا فرنسيس سيظهر في فيلم وثائقي لمخرج أمريكي شهير (صورة) ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - سأشتري شقتها قريباً