أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - عبدالله اوجلان - من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثاني عصر الحضارة الديمقراطية أ - الهوية الايديولوجية للعصر الاقطاعي 1 - 2















المزيد.....



من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثاني عصر الحضارة الديمقراطية أ - الهوية الايديولوجية للعصر الاقطاعي 1 - 2


عبدالله اوجلان

الحوار المتمدن-العدد: 1510 - 2006 / 4 / 4 - 10:04
المحور: القضية الكردية
    


أ ـ الهوية الإيديولوجية للعصر الإقطاعي
إن الهوية الإيديولوجية التي تعبر عن المستوى الفكري للمجتمع وتصوراته هي ظاهرة لا يمكن الاستغناء عنها ابتداءً من أكثر المجتمعات محدودية إلى أكثرها تطوراً. وتتضمن التعريفات ذات الثقل الاقتصادي للمجتمع نقصاً كبيراً بهذا الصدد، ومازالت العلوم الاجتماعية بعيدة عن أن تكون قد حللت دور الهوية الإيديولوجية. لقد أظهرت المراقبة الشاملة للتاريخ أن تكوين هوية إيديولوجية جديدة والتخلص من الهوية القديمة يلعب دوراً حاسماً في تشكل وانحلال الوحدات الاجتماعية، وتلعب الهويات الأيديولوجية دور الدفاع بالنسبة للمجتمع سواء كانت من حيث تشكيلها الذاكرة الاجتماعية للماضي أو التصورات الخيالية "اليوتوبيا" للمستقبل. وبتشبيه فظ مثلما تلعب اليدان والرجلان دوراً بارزاً في الاقتصاد ولهما علاقة وثيقة به، فإن العقل يقوم بوظيفة التصورات الذهنية بحيث يبقى العقل الموجه الأساسي لكل عضو حي ويمثل قوة الحياة، إذ إن الأعضاء الأخرى تمثل القوة العاملة في الحياة على الأغلب. وعندما تتشكل المجتمعات ككائن حي ـ حتى لو كان بشكل مغاير ـ فإنه تظهر هنا مشكلة الدماغ ونكون قد قمنا بتسمية صحيحة إذا عرفنا ذلك باكتساب الوجود الإيديولوجي. وعندما نقيَّم التركيبة الذهنية كبنية فوقية في التركيبة الاجتماعي، نكون قد قيّمنا التمأسس الاقتصادي الذي تلعب فيه وسائل الإنتاج دوراً أساسياً في البنية التحتية كاليدين والرجلين ولهذا السبب تكون البنية الفوقية الإيديولوجية في الأولويات وهي الحاكمة، ولا شك أن هذا التقييم ينبع من المفهوم الفلسفي القائل إن النظام الطبيعي يسري على المجتمعات أيضاً. و يقدم علم الاجتماع ذات المستوى التحليلي المتطور دلائل قوية تؤكد صحة هذا المفهوم.
لقد أولينا مكانة هامة للمثال السومري عند تقييمنا لحضارة الرق كنمط أولي وأكثر تطوراً للمجتمع الطبقي على مسار هذا المفهوم الأساسي للأسلوب. ويجب أخذ المجتمع السومري كأساس للتحليلات لأنه أول مثال في التاريخ، هذا بالإضافة إلى أنه قد ترك كثيراً من الوثائق المدونة وراءه. و عدم التخلي عن الحضارة السومرية ليس أمراً إرادياً بل ينبع من السبب المذكور، ولكونه في مستوى كوني من التأثير في تمأسس البنى الفوقية والتحتية لكثير من ميلاد الحضارات. وتكمن خصوصية سومر وتأثيرها في أسس مجمل الحضارات من خلال التغطية الميثولوجية التي خلقتها كهوية إيديولوجية أساسية للمجتمع الطبقي. وظهور أمثلة أخرى لا يفسد الصفات الكونية لها، بل على العكس تؤكد بأن هذا الطراز يشكل قيمة أساسية وكبيرة في الحضارة الكونية. مثلما لا يمكن شرح المجتمع الرأسمالي بشكل كامل دون تحليل تراكم رأس المال، لا يمكن تقديم شرح علمي لمؤسسات البنية الفوقية وفي مقدمتها الهوية الإيديولوجية لجميع الحضارات دون تحليل ميثولوجيا الإيديولوجية السومرية، وهنا يكمن سبب عدم إمكانية التخلي عنها، وإذا لم نحلل الأصل لا يمكن ان نصل إلى نتيجة سليمة بتحليل اللقيط "المسخ". فمن خلال الانطلاق من الأصل يمكننا تعريف نتاجه الذي تعرض للتحول أو البلادة أو المسخ، وهكذا يصعب إيجاد الأصل بالسير وفق الطريق المعاكس، وطريق كهذا مليء بالأفخاخ ويدفعنا إلى الخطأ، وعالم الفلسفة والآداب مليء بالأمثلة التي تعرضت للتحول والمسخ بدون حدود وكأن الأصول غير موجودة أو يجري نسيانها أو ليس هناك حتى حاجة إلى تحليلها. إن هذا الوضع وخيم جداً على صعيد تاريخ الأديان، فكل الأديان الكبيرة تعود بجذورها إلى مصدر الميثولوجيا السومرية ورغم ذلك تكيل الشتائم لهذه الإيديولوجية وتتنكر لها وبذلك تكون قد ارتكبت تحريفاً إيديولوجياً فظيعاً.
لقد تم تقديم هذه التحريفات والتقديسات التاريخية كسلعة إيديولوجية تحت اسم أوامر إلهية، وقد تحققت أرباح غير مستحقة من خلالها، وبهذا المعنى يمكننا التحدث عن أكبر استغلال إيديولوجي في التاريخ.
ثبت أن السومريين أخذوا إيديولوجيتهم واختلسوها من إيديولوجية العصر النيوليثي بشكل مجزأ، والشيء الهام هنا هو تقييم الصراع بين الإيديولوجيات بطريقة صحيحة وواقعية. إذ لا يوجد أي نظام إلا وقد أخذ من الأنظمة الأخرى وأعطاها. ومهمة المؤرخ هي القيام بإظهار الواقع والحقيقة، فمن الذي أخذ ممَن..؟ و ماذا أخذ..؟ وكيف ولأي هدف..؟ وكيف جرى استخدامه..؟. وأن يحاول الوصول إلى أجوبة صحيحة لهذه الأسئلة الأساسية، إذ يصعب جداً القول بأن هذا قد حدث عند تدوين التاريخ بشكل كافٍ وأن تاريخ الإيديولوجيات قد وصل إلى التعبير العلمي اللازم، فالمهمة الأساسية لعلم التاريخ هي القيام بواجبه ضمن هذا الإطار لأهميته العظيمة. وحتى نتمكن من تعريف ميلاد الحضارة الإقطاعية يجب إعطاء الأولوية للإطار الإيديولوجي، ويفهم من هذا التقييم القصير أن ذلك يصبح أمراً صحيحاً، فالالتزام بهذه الأولوية في هذا الموضوع المعقد يمدنا بتسهيلات كبيرة في التطبيق والالتزام بالأسلوب الصحيح.
إن صدى أسماء الله وموسى وعيسى ومحمد في آذان الذين يصغون لنداء العصور الوسطى في التاريخ، يشترط تحليل نوعية الهوية الإيديولوجية لهذه المصطلحات، ما هو الله ..؟ ما معنى موسى وعيسى ومحمد الذين كانوا من أعظم الأنبياء المرسلين؟. وما هي الأمور التي واجهوها بالإقناع في المنطق الاجتماعي؟ إن شرح التاريخ دون إدراك معاني بعض الأسماء والمصطلحات، كان ومازال الأسلوب المتبع حتى الآن. فالجنان التي يتم العيش فيها باسم الدين تؤكد أن التحليلات وإن تم إجراؤها فهي ما تزال ناقصة، وتعبر عن أن العمل لم يجر وفق متطلباته، وبدون إجراء ذلك فإننا لن نستطيع تحقيق أي تقدم في موضوع العلمانية التي هي قضية كبيرة في كثير من الدول، والأحداث الوخيمة الكثيرة تؤكد صحة هذا الطرح، وهذا هو السبب الذي يدفعنا إلى التحدث عن مرحلة التنوير Renaissance في الشرق الأوسط.
كي لا نقع في التكرار علينا التوضيح، إذ كانت الإيديولوجية الاجتماعية الموجودة في التشكيلات الاجتماعية العشائرية الأولى Klan تستند إلى قوة ذات معنى كالروحانية والتابوية ذات الطابع المقدس على الأغلب، والتي كان من الصعب فهمها لكنها تعتمد على قوة (مانا) Mana gucu محسوسة، وكانت القوة والطاقة التي تظهر عن تحول المجتمع إلى واقع، موجه هام لإيجاد معنى له، إلا أن العقلية البدائية لم تستطع شرح ذلك إلا بتصورات روحانية تابوية، والواقع الذي ظهر كان هاماً جداً لأنه أصبح الشرط المطلق للارتباط بالحياة و يمكن الشعور بذلك. لكن كان يجب أن تمر آلاف السنين ليتم شرح ذلك بطريقة علمية. فأسهل طريقة للتطور في المرحلة الطفولية للإنسان هي الاعتقاد بكل كائن وكأنه حي وله عواطف وشعور، تماماً كما يفكر ويحلم الأطفال. وكان المجتمع البدائي الأول يملك عقلية وروحاً كالطفل حيث يرى علم النفس تشابهاً كبيراً بين المجتمع الأول والطفل، وتمكن علم الوراثة وعلم الاجتماع من إيضاح عدة نقاط في هذا المجال، ويمكننا فهم خلق الإيديولوجية العشائرية "Klan " للمفهوم الروحاني والتابوي وكيف تم تحويل الواقع الاجتماعي إلى مصطلح وهوية مثل الكائنات الحية.
لقد أصبح الطوطم رمزاً لهوية العشيرة ( Klan)، وهوية الطوطم هي رمز الشعور المعنوي والعقلي للمجتمع الذي يحس بقوتها، وهي بموقع مسودة المعبد والإله التي ستتطور فيما بعد، لأن القبيلة تجد قوة في الطوطم وتشعرها بوجودها، وكما لا يمكن للكائن إلا أن يكون له أسم فإن القبيلة أيضاً يجب أن يكون لها تسمية، وهو مصطلح متشابك أكثر من أن يكون مجرد تسمية لأنه يتناسب مع تعريف كل شيء. فالطوطم في الأصل هو التعبير عن ظاهرة اجتماعية، وهو كنيته، واحترام الطوطم أو الالتزام به يعني احترام أعضاء العشيرة والتزامهم ببعضهم وبأنفسهم، وبذلك يكون الدين البدائي هو التعبير الإيديولوجي الأساسي للمجتمع، وتتم تقوية المجتمع الذي ينتمي إليه والسمو به عندما تكتسب الأشياء والحيوانات صفة الحصانة والقدسية، فالإيديولوجية في هوية الطوطم هي القوة التي توقف المجتمع على قدميه. ولاشك أن التجارب و الخبرات المكتسبة للـ ( Klan ) التي تواصل حياتها في ظروف قاسية، تكتسب معنىً كقيم ضمنية تظهر على شكل قدسية تابوية "Tabu " فآلام وأفراح وصعوبات وجهود الماضي كلها تكمن في كيان الطوطم، أي أنه يعبر عن كل ماضي المجتمع وآماله المستقبلية، وحسب هذا التعريف فإن ميلاد الدين كان كتصور معنوي للقبيلة، وكتشكل إيديولوجي أولي يمثل التجربة الأولى لتشكل الذهنية والروحية. أي أن الدين هو أول شكل لانعكاس الكيان المادي للمجتمع على الساحة المعنوية، وينبع احتلاله في الصدارة لأطول مدة في تاريخ المجتمعات من الخاصية التي ذكرناها سابقاً.
إن مصطلح الدين الإلهي هو نمط أكثر تطوراً من مفهوم الدين الطوطمي، وتتناسب القفزة إلى المصطلح الإلهي مع واقع اجتماعي أكثر تطوراً. لقد حول المجتمع الذي توسع وازداد قوة وثقة بنفسه، التعبير الرمزي والمصطلحي إلى شكل هوية" الرب "، وعبَر عن كل شيء أكتسبه بمصطلح "الرب" هذا المصطلح الذي يعني كل ما ناله المجتمع من الطبيعة ومن تجاربه خلال تطوره، ثم أصبح كائناً، وتم تحميله كل قوة الطبيعة والمجتمع. بمعنى أنه مصطلح أو تصور مصطنع. إذا تفحصنا صفات هذا المصطلح أكثر فإننا سنجد فيه جميع أسرار الطبيعة وقوانينها وشعور المجتمع الأولي تجاهها. لقد قامت الفلسفة بشرح الطبيعة فيما بعد و بشكل منفصل عن الفكر الديني إلا أن العلاقات القائمة بينهما مهمة، لأن مصطلحات الإله هي شروحات للطبيعة والمجتمع. لقد رأت الفلسفة أن نمط التفكير الإلهي هو نمط محدود غير مستمر، ولا يناسب فهماً مجتمعياً تجاوز مرحلة الطفولة، مع العلم أن ذلك التفكير الإلهي يرتبط بمرحلة الطفولة للمجتمع. وإن الكيان العام للطبيعة الذي تم رده إلى " الله " سيحمل معان جديدة مع تطور وتمايز المجتمع، كما أن قوة المجتمع العامة والجهات المتنفذة فيه ستكسب قوة من خلال تقمصها بالإله والتاريخ، فالإله يكبر لأنه لن يتم الاكتفاء بالتعبير العام للطبيعة عن طريق تعريف محصلة قواه، و بالتالي فلابد من امتلاك هويته الجديدة كقوة اجتماعية عليا متمايزة.
إنه انعكاس لجميع القوى الطبيعية والاجتماعية، وجميع الأشياء والوقائع كالتراب والنباتات والحيوانات والأشجار والمياه والرياح والسحاب والمناخ، التي اكتسبت أهمية في مجتمع العصر النيوليثي والتي كانت مرتبطة بروابط لا يمكن التخلي عنها في الإنتاج والحياة، دخل في البناء الديني للعصر النيوليثي، حيث تم تأليه كل هذه الوقائع لأنها ظواهر حاسمة في حياة المجتمع والاجتماعية، فالآلهة أصبحت ملموسة أكثر وأصبحت رموزاً وأشياءً تعبر عن الحاجة، وكأنه أول علم كان يظهر بنمط هذا التفكير، وبشكل أدق بدأ ميلاد العلوم الإلهية، ونظراً لأن مرحلة الطوطم كانت محدودة جداً فهي لا تتجاوز شكل عبادة بسيطة في الإيديولوجية في وقت لم تتطور فيه الميثولوجيا بعد، حيث ستتكون العلوم الإلهية فيما بعد، لقد كان واقع الدين الإلهي الصديق للإنسان في العصر النيوليثي يعكس الصفات الأساسية لذلك المجتمع، طبيعة المجتمع غير المتصارعة والاستفادة من الطبيعة جعلت إمكانيات الجنة متوفرة مقارنة بالوحشية القديمة، مما دفع إلى تمثيل الآلهة برموز معطاءة وصديقة للإنسان دائماً، فهي متداخلة مع البشر لأنها متداخلة مع الظواهر التي تمثل المجتمع. والأهم من ذلك أن كل الآلهة كانت على شكل نساء، لأن المرأة كانت القوة الأساسية التي بدأت بالثورة الزراعية في العصر النيوليثي، بالإضافة إلى أنها تملك قوة الإنجاب للنسل البشري، وكذلك كانت الآلهة في عصر السومريين والمصريين والهنود تنسب إلى المرأة أيضاً، ولم يذكر الجانب الذكوري إلا بعد مرحلة بعيدة. وكانت جميع الهياكل التي صنعت في العصر النيوليثي على شكل امرأة ولم يكن هناك هياكل ذكورية إلا نادراً، وكان الإله والإنسان متداخلاً ولم يكن قد تطور بعد مفهوم إلهي منقطع عن الإنسان ومختلف عنه ولذلك لم يكن قد تطور واقع ديني هكذا أيضاً، وكانت كل الآلهة الكبيرة المعروفة كعشتار وإنانة وإسيس وديميتر وكيبلا وإندرا من هذه المرحلة، فدين هذا العصر يشكل تعبيراً إيديولوجياً للقبيلة والوحدات المتطورة في المجتمع. وكان لكل قبيلة آلهة تزداد حسب العوامل الأساسية التي تلعب دوراً في حياتها. ويتم فهم الآلهة والتوصل إليها حسب درجة الشعور معها بالقوة الأساسية وتوقع ضررها وفائدتها، ويتم تسيير نمط التفكير ونظام المصطلحات بتعبيرات الآلهة ويصنف ذلك حسب درجة الإلهة.
علينا ألا نستغرب من تأليه " القوة الساحرة للمصطلحات"، لأن هذه المراحل هي مراحل الظهور. وكل مصطلح جديد هي إمكانية جديدة وإله جديد بنفس الوقت، التأثير الحاسم للأم في الإنتاج وقدرتها على الإنجاب أدى إلى ان تكتسب أهمية خارقة مما فتح الطريق إلى عصر الإلهات (الآلهة الإناث) لأن المرأة تكتشف وتخترع كثيراً. والاحتمال الكبير هو أن المرأة هي التي كشفت النباتات المفيدة والأشجار المثمرة وقامت بترويض الحيوانات وعملت في الأرض وبنت البيت وغذت الأطفال واخترعت الطاحونة اليدوية الأولى وربما العربة الأولى، إي أن عصر الإلهة الأنثى يأتي بعد هذه التطورات المذهلة ليرمز إلى الدور العظيم لها.
لقد كنا قد شرحنا أن المرأة حققت الثورة الزراعية في منطقة قوس زاغروس ـ طوروس، وأن السومريين كانوا أول مثال للمجتمع الطبقي الذي ورث هذه الثقافة. والدور المميز للكهنة في الإيديولوجية السومرية كان مذهلاً، وبتعبير آخر؛ إن سبق الميلاد الإيديولوجي واضح، ويعتبر الكهنة مركز تكوين المجتمع الطبقي والقيادة الإيديولوجية له، ويعتبر المعبد أول مركز للطبقية وإدارتها، ثم تتطور الإيديولوجيات وأنماط العبادة المرافقة لها كالهوية الاجتماعية الجديدة. حيث أضحى المجتمع الطبقي مثالاً وتم تحويله إلى مصطلح يخطو إلى الأمام ويسمو إلى السماء ويتحول إلى نظام كالنظام السماوي. فالكاهن عرف معنى الإنتاج الكبير جيداً عند خلقه للمجتمع الطبقي، وشعر بضرورة تحويل النظام الذي خلق إنتاجا غزيراً إلى إيديولوجيا ووسيلة للوصول إلى آلهته، وإن على الهويات الإلهية الجديدة أن تتحول إلى مصطلح بكل قدسيتها، وأن تجلس على عرشها. ويتم بناء الزقورات لتستقر الآلهة في أعلى طوابقها وتفتح أبواب الطوابق الدنيا لعباده وزيارة العبيد الآخرين.
إن النقاش حول ما إذا كان الاقتصاد هو الأول أم الإيديولوجية، يتطلب مساءلة دقيقة في المثال السومري، فجميع المؤشرات تثبت أن المعابد كمقر للكهنة هي مركز الإنتاج المادي والإبداع المعنوي وقد تشكلت الحضارة والدولة والمدينة على هذا الأساس، ولا يوجد أي مثال يشير إلى أن الإنتاج قد حقق نفسه قبل أن يكون الكاهن مركزاً للمعبد، وبهذا يتأكد ما يلي : إن القوة الإيديولوجية للمجتمع وآلهته ودينه هي مؤسسات لا يمكن للإنتاج أن يتخلى عنها، وهذا الشيء مؤكد في مرحلة الميلاد على الأقل. وإن عدم الحاجة للنمط الأول لا يعني أن الأدوار قد انتهت، وإنما تركت مكانها لأشكال جديدة، وشخصية آلهة سومر ذات الشخصية الأم تعتبر استمراراً للنيوليثية، ولهذا فهي لا زالت تأخذ شكل الإنسان وقريبة منه تأكل وتشرب وتتزوج كالإنسان، وشكلها كالمرأة أو الرجل وتحقق التوازن بينهما ولكن الصراع والمنافسة تحتدم تدريجياً.
يتزامن طرد آدم و حواء من الجنة وجعلهم خدماً مع مرحلة انقسام المجتمع إلى طبقات، حيث يجري تمايز جدي بين البشر، إذ تم خلق العبيد كخدم من جديد في الوقت الذي تم فيه جعل الآلهة السومريين خلاّقين. إن التناحر والخلق في مثيولوجيات أنكي وننهارساغ وإنانة يعبران عن تراجع الدور الخلاّق للمرأة إلى المرتبة الثانية بعد أن كان متصدراً في الماضي. هذا من جهة، ومن جهة ثانية فقد رمزت هذه المثيولوجيات إلى تشكل الإنسان العبد والخادم، وقد لعب هذا الدور التصوري للكهنة السومريين دوراً في ثنائية الرب ـ العبد التي جاءت فيما بعد، ورغم أن إثبات هذه المسألة هام جداً، فقد تهربت جميع الكتب الدينية من ذلك، لحاجتها الماسة لعدم الكشف عن وجهها الحقيقي وعن سرية مصالحها، إن تصورات المجتمع السومري للهويات الإلهية هي انعكاس جديد للقوى الطبيعية والاجتماعية وكأنها تموقع لها، وإلى جانب البعد الطبيعي نرى بروزاً للبعد الاجتماعي، فالثقة بالمرأة بدأ يخف، ونرى أن التطور على صعيد فصل الإنسان العبد والخادم يأخذ بالبروز، والقوة السياسية المتزايدة للمجتمع تدفع ببعض الآلهة إلى مزيد من الحدة، وبعض الهويات تتعرض للزوال أو تتعرض لتغيير كبير في شكلها. لقد أدت قوة المونارشية المطلقة في عصر بابل إلى تصاعد الإله ماردوخ. وتُظْهِر هذه المرحلة الأخيرة للميثولوجيا السومرية الوصول إلى عتبة ظهور الأديان التوحيدية.
لقد تصاعدت حروب الآلهة في الميثولوجيا بعد توحد قبائل الصحراء ذات الأصول السامية والتي اكتسبت قوة حياتها الروتينية والأبوية مع الحضارة السومرية. وتحول الإرث القبلي الأبوي الصحراوي إلى استبداد وملكية مطلقة بعد أن وصل إلى القوة السياسية، وتمت إزالة آثار سومر والمرأة لتتجسد مفاهيم تقاليد القبائل الصحراوية في شخص حمورابي وتشكل جذور الملكية التي تقول "أنا القانون". إن ازدياد التناقضات داخل القبائل وفيما بينها ستؤدي إلى معارضة على شكل النبي إبراهيم، ضد القوة السياسية المركزية التي شحنت نفسها بالله، وستؤدي النبوة إلى انفصال جذري في واقع الدين السومري، ليتم العبور إلى مفهوم إنساني مضاد لمرحلة الإله ذو الملامح الإنسانية بحيث لا يمكن فيه أن يصبح الإنسان إلهاً.
يتطلب مضمون هذا المفهوم تحليلاً هاماً. ففيه فكرة عدم تأليه الإنسان والتمرد واتخاذ الموقف ضد عبادة الملك ـ الرب وأخرج الإله من احتمال أن يكون على شكل إنسان من جهة، وكل ذلك أدى إلى الدخول في نظام أكثر مرونة على شكل وكيل له مرسل إلى نظام القبيلة من جهة أخرى. لقد تقمصت الهويات الإلهية التي كانت على شكل الإنسان والصديق له في العصر النيوليثي، بنمط التمايز على شكل الإله ـ العبد الخادم في الحضارة العبودية، وأصبح إلهاً حاكماً قهاراً شديد العقاب، ونشهد تحولاً مصطلحياً جدياً، وطبعاً فقد احتلت القوة السياسية للمجتمع الطبقي مركزها، واكتسبت الميثولوجيا صفات وتحليلات جديدة على هذا الأساس.
لقد خطى الانفصال القبلي وأشكال المقاومة الإيديولوجية خطوة إلى الأمام، وبرزت الهوية الإلهية التي توزع الرحمة والمنقذة ولاسيما لصالح الطبقة المضطهدَة والقريبة للمستغلين على عكس الإله ـ الملك. هذا هو إرث النبي إبراهيم في الأساس، أي لا يمكن للإنسان أن يكون إلهاً، لكن يمكنه أن يكون رسولاً أو وكيلاً للرب، فالآلهة لا تقهر وتعاقب فقط بل إنها رحيمة ومنقذة أيضاً. لكنها تعاقب عندما يكون الذنب كبيراً، مع العلم أنه بإمكان الإنسان أن يعبد الله و يحصل على المغفرة، هذا هو جوهر الأديان التوحيدية الذي يعبر عن تجريد على مستوى الطبيعة والقوة الاجتماعية. ويعتبر هذا انطلاقة مضادة لمفهوم الدين العبودي الذي يتخذ عبادة الإله ـ الملك مركزاً له، وهو على شكل غطاء إيديولوجي لمستوى النضال الطبقي والاجتماعي لتلك المرحلة، ومهما كانت هذه الانطلاقة قد بدأت من الميثولوجية العبودية السومرية ودينها، فان الجانب المضاد بدأ يظهر بالتدريج، ليتضمن موقفاً جذرياً مضاداً لحضارة الرق، ولذلك فإن ظهور الأديان التوحيدية التي رفضت إلهاً على شكل إنسان، تمثل ريادة إيديولوجية ضد العبودية.
إن مصطلح التوحيد منفتح على الكونية، ويميل إلى تمزيق الخناق القبلي في كل لحظة، لأن القبائل تحتاج إلى الاتحاد، والإله الواحد سوف يجمعها، لذا ستضطر القبائل ذات الوضع المتشابه إلى تجاوز القبلية القديمة وطوطمها وأصنامها التي تحول دون اتحادها، وإلى مفهوم الإله المنقذ والرحيم الذي يرمز إلى وحدة الجميع في مرحلة تطور بعد أن عانى الجميع من آلام الإله الملك، وأخذ هذا المفهوم يسمو مع ازدياد التناقضات والحاجة للاتحاد، وتم جعله الوحيد الواحد الذي لا مثيل له بإعطائه صفات جديدة. وفي الوقت الذي تم فيه التعبير في الماضي عن كل خاصية بإله، فإن جميع الصفات تمثلت في الإله الواحد في الدين الجديد. وإن صفات الله الـ 99 ـ قد وجدت معنى وصدى لها في تقاليد وقوانين الحضارة السومرية على شكل " ME"
إن التجديد الذي أحدثه موسى للدين التوحيدي كان على شكل سلخ القبائل العبرية بشكل راديكالي عن مفاهيم القبيلة القديمة، وجعل الدين قومياً للقوم الواحد، ويمثل "ياهوفا" كإله قومي لمرحلة متقدمة من خلال بنيته التي جعلت القبائل العبرية مرتبطة به وملتزمة بالوصايا العشرة التي أوحى بها في البداية. كما يملك صفة تحررية، كتعبير عن مناهضة الفراعنة المصريين، وكان يتم تصور هوية إيديولوجية تساعد على توحيد القبائل المناهضة للملكية المطلقة في بابل ومصر، وكان التأثير والتأثير المضاد متداخلان لأن الصراع قائم ضد مركزين قويين للعبودية، مع وجود الحاجة الدائمة لهما أيضاً، وقاموا بدمج الخبرة التي اكتسبوها من كلا المركزين مع مزاياهم، لإعطاء شكل لأيديولوجية جديدة، وتكمن هذه الإيديولوجية في الأساس التاريخي للواقع العبري أو الإسرائيلي، إن مناهضة الرق والافتقار إلى القوة اللازمة للتخلص منه، قد أجبر العبرانيين على التجديد الدائم عبر تاريخهم، وذلك يمثل مساراً في التطور الحضاري.
كان عيسى قطباً مضاداً رغم خروجه إلى الميدان من تقاليد يهوذا، فمثلما نشأ إبراهيم ضد تقاليد النمروديين البابليين ثم توجه إلى دين مناهض له، فإن عيسى يعبر عن الانفصال عن يهودية الكهنة الرسمية التي ابتعدت عن عالم الفقراء، وتكاملت مع روما العبودية، وإن موقعه هذا قد دفعه لاختراق نظام الأقوام بنفس الوقت. لقد شكل بناء روما ـ التي أسست نظاماً كونياً ـ أرضية مادية ولعبت دوراً ملموساً في هذا الأمر، مما دفع الطبقات العليا للأقوام والقبائل للتطلع إلى المتواطئ مع روما وتقليدها، لتضطر الشرائح الفقيرة إلى البحث عن حل لمشاكلها، أي أن هناك أرضية على شكل أممية، حيث يظهر عيسى على شكل ضمير عالم العبودية في الإمبراطورية، كما هو حال الاشتراكيين الذين ظهروا بنظرية تعبر عن مصالح طبقة العمال ضد الرأسمالية.
إن عيسى يعبر عن تمرد إيديولوجي واجتماعي ضد النظام العبودي على الأرجح، في الوقت الذي لم يختزل فيه بعد مفهوم الإله الثلاثي إلى مستوى إله واحد، ويحمل تأثير السومريين والمصريين القدامى وحتى العصر النيوليثي، بهذا الشكل فقط يمكن أن يتجاوز "يهوا" كإله للقوم، فالكهنة اليهود كانوا قد أغلقوا هذا الباب منذ وقت بعيد. إن دين عيسى هو دين إنقاذ، إذ كانت العبودية الرومانية تمارس القمع ضد وجدان الإنسانية إلى درجة اكتسب فيها الإيمان بالمسيح" المنقذ " المنتظر دوماً أرضية إيديولوجية قبل ولادته، وكانت مسألة مجيئه حية دائماً. لقد كانت مصادر وأرضية الأديان الثلاثة في الشرق الأوسط تجتمع في بوتقة واحدة في القدس، فقد كان الإرث اليهودي متجذراً، كما كان الإرث الهليني قد خلق شريحة اجتماعية قومية بين اليهود والإغريق، وأما التقاليد الزرادشتية البرسية فقد نثرت بذورها منذ القديم في هذه الساحة، والمرحلة هي مرحلة الطرق الصوفية تماماً، وهي حركة وجدانية منذ بدايتها، أما النظام الكوني لروما فقد شكل ضغطاً على النظام الكوني للمسحوقين، فبينما قامت روما بتمزيق النظام القبلي والملكيات الصغيرة وربطتها بنفسها، لكنها بقيت كتلاً إنسانية كبيرة في عالمها الخاص، بدأت البشرية تبحث عن صاحبها الجديد وربها الجديد، وهوية عيسى تنحدر من هذا الأساس، إذ أن مواهبه الشخصية لا تشكل أهمية كبيرة فتطلعات المرحلة إلى ولادة المسيح ترفعه إلى مرتبة المتحدث باسمها، وهذه الانطلاقة الإيديولوجية التي سميت بالمسيحية واكتسبت صفة كونية ستضم روما من داخلها لتكون الضمير الإنساني الجديد ضد اللاوجدانية الكبيرة. وربما يتطور حزب بشري كوني لأول مرة، وهذا الحزب سينجح بفتح روما من الداخل بعد 300 سنة، وما جرى كان ثورة بيضاء، وبشكل أصح فقد خلقت الحضارة الإقطاعية نتيجة لمسيرة التطور، وتحولت حرب المعتقدات التي استمرت في البداية، إلى تمايز اجتماعي ثم إلى قوة سياسية بعد ذلك.
كانت روما قد شهدت تغيرات هامة بصيغتها الحضارية بعد إعلان المسيحية ديناً رسمياً في عام 325 م. وتم الانسحاب إلى الريف في الوقت الذي كانت تنهار فيه المدن العبودية، وبدأت تتشكل المؤسسات التي تتضمن روابط عبودية أكثر مرونة كنمط جديد للعلاقات الإنسانية، فالثورة التي شهدتها الزراعة لا تعني الرجوع إلى العصر النيوليثي، وحياة الإنسانية التي ارتقت على أساس تقنية الحديد هي عبارة عن تشكل حضاري جديد يحقق مزيداً من ترابط الإنسان بالحياة، وكان ملوك روما قد تخلوا عن صفة الملك ـ الرب في المراحل الأخيرة، ولا شك أن الدعاية للدين التوحيدي الذي يرفض أن يكون فيه الإنسان إلهاً قد لعبت دوراً هاماً في ذلك، وصعد الإله إلى السماء الأبعد تحت ستار من المفاهيم الدينية والفلسفية بهدف تضييق مكان الحاكم والإمبراطور المطلق، لأن الإنسان يكون حراً بقدر ما يبتعد الإله عنه.
كان الصوفيون والأدريون يلجؤون إلى مصطلح الله الذي كان صديقاً للإنسان في العصر النيوليثي. بينما كان يتم التعامل مع الإله الرسمي من الجانب الآخر. إن مفهوم "أنا الحق" قد توحد مع الله، إذاً أنا الله" هو لجوء الطبقة السفلية المسحوقة بشكل غير رسمي إلى تقاليدها الدينية القديمة ضد التمثيل السياسي الرسمي. وبدلاً من الإله الغريب عن الإنسان الذي يحكمه ويعاقبه، ظهر مفهوم توحيد الذات مع الله الذي ابتدأ بعيسى الذي جعل من نفسه "ابن الله" واستمر بعد ذلك وهذا في حقيقته يمثل أحد الطرق الصوفية، لكن هذا المفهوم قد تغير تحت تأثير فلسفة أرسطو وأفلاطون. ويبقى الشيء المهم هنا هو تحقيق تحرر محدود عن طريق تمهيد الطريق أمام حضارة ذات مستوى أعلى، وذلك بنقل كل ميول الفقراء إلى بوتقة واحدة بنمط عالمي في شخص عيسى.
ومن المؤكد أن المسيحية قد لعبت دوراً تاريخياً في تشكل الحضارة الإقطاعية وفتحت طريقاً عميقاً في مصير البشرية على صعيد الأخلاق والعقائد، وأعدت العصور الوسطى عن طريق تقديم تضحيات كبيرة، قاومت وعانت كثيراً في سبيل تجاوز العصر العبودي. لقد بقيت المسيحية بعيدة عن لغة السياسة والعنف فترة طويلة، وتحركت على أساس تيار إيديولوجي بريء، ولعبت حياة الكنيسة والدير التي كانت مستندة إلى الروح الجماعية والعذاب نفس دور أنظمة معابد الكهنة السومريين التي ولدت العبودية. وما لبث أن بدأ المجتمع الجديد بالتشكل في هذه البنى والمدارس، وتعد الحياة البديلة نفسها للسلطة. وكانت الكنائس والأديرة أماكن لتعليم إدارة المجتمع أكثر من كونها أماكن للعبادة، وهي استمرارية للنمط السومري، كما وأنهم قد تأثروا بلا شك بروما لأنهم كانوا يعيشون تحت سيادتها، لقد فقدوا براءتهم وحسن نيتهم التي كانت في البداية وباتوا يتشبهون بروما. فالتأثير والتأثر جرى بشكل متبادل والناتج كان تركيبة مختلطة.
ونجد تطور حركة مشابهة لحركة عيسى في المقر الشرقي للحضارة العبودية في شخصية "ماني" الذي ينتمي إلى ميزوبوتاميا، ومن المعروف أنه قد قطع شوطاً لا بأس به، إذ كان يريد الوصول إلى تركيبة متقدمة لثقافات المسيحية والزرادشتية والهلينية، ولو استطاعت الحركة الإيديولوجية لماني التي ظهرت في عهد طبقة الكهنة الأعيان الساسانية المتخلفة في عام 216 م تجاوز حركة الكهنة المتخلفين، ربما انعكست الإمبراطورية الساسانية بتأثيراتها على روما أيضاً. لقد كان بإمكان الحركة المانوية تشكيل تيار مشابه لحركة التنوير الأوروبية بشكل متميز عن العقائد والأديان التوحيدية، وربما فتح ذلك الأبواب أمام خطوة حضارية من طراز أوروبا مبكراً في الشرق الأوسط، ولكن الميلاد المبكر، وتقاليد الدولة العبودية القوية، والرجعية المتمثلة في الكهنة اليهود، وتعنت الكهنة الزرادشتيين الرسميين، لم تفسح المجال أمامها، وقضوا على فرصة تحولها إلى سلطة، ومارسوا ضدها أساليب لا ترحم فهذا التصلب الإيديولوجي في الإمبراطورية قضى على إمكانيات صمودها أمام البيزنطينيين والإسلام الذي ظهر فيما بعد. فالبنية الإيديولوجية المتخلفة قد جعلت أقوى إمبراطورية في حالة لا حول لها ولا قوة، وتركتها تتفسخ بنفسها لقدر الموت بعد تلقي عدة ضربات موجعة.
نرى أن للهويات الإيديولوجية التي تشكلت في أحضان العبودية دوراً محرضاً على محاربة النظام، ويحمل العصيان الفكري والوجداني على النظام لعب دوراً ريادياً، ويزداد احتمال خلقه للجديد كلما توسعت قاعدته الجماهيرية. فالأنظمة التي واجهت الحروب الريادية إما أنها قد انهارت أو أنها أجرت تحولاً فيها، لكن الإسلام يظهر قبل أن تتمكن المسيحية من تنظيف كل ترسبات النظام العبودي. فربما أن المسيحية وحدها لم تكن كافية، لأن التحولات الجذرية تحتاج إلى قيادة إيديولوجية وعملية جذرية. والإسلام دين توحيدي مثل المسيحية ولكنه جاء بشكل متأخر، وبتأثير من الكهنة ذوي الجذور النسطورية وتحت تأثير القبائل اليهودية، ليشكل انفجاراً كبيراً للعرب البدو، وخلق آخر رسول بشخص محمد ليلعب دور أحد أهم وأكبر عظماء التاريخ.
إن تحليل الإيديولوجية الإسلامية يملك أهمية ليس فقط من ناحية المعنى التاريخي، بل من زاوية تحليل المجتمعات الإسلامية في يومنا. ولم يتم فهم الشخصية التي خلقها الإسلام بعد، حيث يتم شرحه كدين نجح في الممارسة ذات الطابع العسكري على الأغلب، ولكن الجانب الإيديولوجي والهوية الاجتماعية لازالت في الظلام، ومهما كانت الادعاءات العكسية فإن الإسلام لازال لغزاً من حيث الدين والسياسة، ولم يجر تحليل وجهه الداخلي بعد، فالجوانب المظلمة والمضيئة لازالت متداخلة كثيراً، وحقاً تأتي حقيقة آخر الرسل لتواكب نهاية عصر الأديان التوحيدية من حيث المعنى، وبعكس الادعاءات فإن النوعية الدينية والتوحيدية له، تشكل غطاءً إيديولوجياً واهياً، بينما الجانب العسكري والسياسي هو الذي يأخذ شكلاً ملموساً لواقع الإسلام.
فالإسلام هو إيديولوجية المرحلة الثالثة من تحول الميثولوجيا السومرية ويمتلك خصائص عدة متدرجة. لقد بقيت محاولات تقمص الميثولوجيا المذكورة ومرحلة الديانتين اللتين أدتا إلى هوية مختلفة، محدودة رغم الجهود الكبيرة التي بذلها سيدنا محمد، ولكن لا يمكن إنكار نجاحه في تحقيق تحولات لا يمكن استصغارها.
إن متابعة الدين التوحيدي كرائد إيديولوجي لعصر الإقطاع ومصطلح الله وتحليل معناه الاجتماعي، يكتسب أهمية بمقدار المرحلة التي ظهر فيها. ويجب تفكيك التحجر الأسمنتي واستخدام الخامات بطريقة صحيحة من أجل تنوير الشرق الأوسط وتحقيق الميلاد الجديد.



#عبدالله_اوجلان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الخضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة اليمقراطية الفصل الاول ا ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...


المزيد.....




- کنعاني: لا يتمتع المسؤولون الأميركان بكفاءة أخلاقية للتعليق ...
- المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة: روسيا في طليعة الدول الساع ...
- مقر حقوق الإنسان في ايران يدين سلوك أمريكا المنافق
- -غير قابلة للحياة-.. الأمم المتحدة: إزالة الركام من غزة قد ت ...
- الأمم المتحدة تحذر من عواقب وخيمة على المدنيين في الفاشر الس ...
- مكتب المفوض الأممي لحقوق الإنسان: مقتل ما لا يقل عن 43 في ال ...
- مسئول بالأمم المتحدة: إزالة الركام من غزة قد تستغرق 14 عاما ...
- فيديو.. طفلة غزّية تعيل أسرتها بغسل ملابس النازحين
- لوموند: العداء يتفاقم ضد اللاجئين السوريين في لبنان
- اعتقال نازيين مرتبطين بكييف خططا لأعمال إرهابية غربي روسيا


المزيد.....

- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم
- المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية / بير رستم
- الكرد في المعادلات السياسية / بير رستم


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - عبدالله اوجلان - من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثاني عصر الحضارة الديمقراطية أ - الهوية الايديولوجية للعصر الاقطاعي 1 - 2