أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - لماذا يخسر الديمقراطيون العرب لعبتهم الديمقراطية، دائما؟















المزيد.....

لماذا يخسر الديمقراطيون العرب لعبتهم الديمقراطية، دائما؟


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1506 - 2006 / 3 / 31 - 09:57
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


في كل مرة تجري فيها انتخابات حرة أو ما يقاربها في البلاد العربية يخسر الديمقراطيون ويفوز الإسلاميون. جرى ذلك في الجزائر قبل عقد ونصف، وفي فلسطين مؤخرا، وقبلها في مصر، وبصورة ما في العراق. أين الخطأ؟ إما أن يكون في الديمقراطيين، أو في الديمقراطية، أو في المجتمعات العربية.
يميل الديمقراطيون، بصورة منهجية، إلى افتراض تطابق أهداف الفاعلين الاجتماعيين مع الإيديولوجيات التي يناضلون تحت رايتها، وإلى اشتقاق أهدافهم هم أو استنباطها من الإيديولوجية الديمقراطية الليبرالية، وليس من المطالب والمظالم والشكاوي القائمة فعليا. هذا وهم إيديولوجي منتشر، يشاركهم فيه الإسلاميون والشيوعيون والقوميون بكل أصنافهم. وبمنحه ثقته للإيديولوجيات وتسليمه بصحة شهادتها عن نفسها، يخلط بين الوعي الديمقراطي بين أمرين: بين الاتساق، وهو مطلب معياري للفعل العمومي، وبين النتائج الموضوعية للأفعال؛ وتطابق هذه مع الوعي الذاتي للفاعلين أمر مشروط كما سنُلمِح بعد قليل. يقضي الاتساق بأن يكون العاملون من أجل الديمقراطية ديمقراطيين في وعيهم وفعلهم، لكنه لا يضمن في شيء أن تكون نتائج أعمالهم ديمقراطية. بالمقابل لا يقتضي تحقق الديمقراطية هيمنة حصرية لإيديولوجية ديمقراطية، وإن كان من المنطقي أن يقتضي عدم وجود إيديولوجيات نشطة معادية للديمقراطية. لا ديمقراطية بلا ديمقراطيين، لكن لا يكفي وجود الديمقراطيين واتساق وعيهم وسلوكهم من أجل الديمقراطية.
ولا تتقارب مقتضيات الاتساق الذاتي للوعي والعمل الديمقراطي، مع مقتضيات توافق الأفعال والنتائج الواقعية إلا بقدر ما يكون الديمقراطيون أقوياء، تساندهم قوى اجتماعية فاعلة، يسيطرون على شروط عملهم سياسيا وفكريا، ويواليهم اتجاه تطور الوقائع.
ليس الأمر كذلك في البلاد العربية جميعا. وهو ما يرجح أن يدخر المستقبل صدمات جديدة للديمقراطيين الليبراليين العرب كلما جرت انتخابات حرة. إذ يبدو الديمقراطيون الأكثر اتساقا بين الفاعلين السياسيين العرب هم الأضعف سيطرة على عملية التحول السياسي في بلادهم. بالمقابل، يبدو أن الأكثر محافظة فكريا واجتماعيا في وضع يمكنهم من التحكم بدرجة أكبر من غيرهم بعمليات التحول هذه. ولا يمكن لنتيجة التحولات هذه أن تكون ديمقراطية إلا إذا افترضنا يدا خفية توجه الناس في غفلة عن وعيهم نحو ما ينسجم مع مصالح أكثريتهم ومع حريات أكثرهم في آن معا. هذا افتراض يصعب التسليم به في منطقة تجمع بين قوة حضور الروابط الأهلية و شدة التدويل، أي حيث "الأيدي الخفية" ترقق الدول وتضعفها وتحد من إمكانيات العقلنة والتراكم السياسي. وهذه وقائع قلما يدمجها الديمقراطيون في خططهم السياسية، مفضلين عليها المسلك الإيديولوجي المعتاد: تقديم الولاء للمبادئ على فهم الوقائع والعمل بمقتضاها.
يبدو مفهوم الديمقراطية الشائع منفصلا عن وقائع ما دون الدولة القائمة وما فوقها، قدر ما هو منفصل من جهة أخرى عن المطالب المعيشية والحياتية لأكثرية الناس. في مطلع العام الحالي رفعت السلطات السورية أسعار البنزين والإسمنت، ما حرض موجة ارتفاع عامة في أسعار السلع الاستهلاكية. ولم يجد ذلك صدى في أوساط المعارضة الديمقراطية يتجاوز صدى اعتقال أحد الناشطين المعروفين. ليس ذلك ثمرة نقص في الإدراك، ولكنه حصيلة عجز عن مفصلة المطالب الحياتية اليومية للناس على مطلب تغيير النظام السياسي. إن ديمقراطية اليوم تظهر من ضعف الحساسية حيال المطالب الاجتماعية قدر ما كانت تظهره اشتراكية الأمس حيال قضايا الحريات. الآن، لو جرت انتخابات ديمقراطية في سوريا، لن يكون من المفاجئ أن ينال الديمقراطيون نسبة متدنية من الأصوات، تضاهي ما حاز عليه نظراؤهم المصريون قبل شهور قليلة.
يفترض تصور الديمقراطية الرائج ايضا توافقا تلقائيا بين الاستقلال الوطني وتلبية مطالب الأكثرية الاجتماعية وانتشار الحريات الفردية، بين الوطنية والديمقراطية والليبرالية، أي كذلك بين السيادة الوطنية وسيادة الشعب وسيادة الفرد. ليس هذا ضروريا. التوافق هذا وسم تاريخ الديمقراطية الأوربية بعد انكسارات وتعرجات وتراجعات استمرت حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، وهو في مسار مفتوح على التراجع اليوم أيضا.
لقد أمكن تحمل دخول العامة في المجال العام، بعد أن أدخلتهم الرأسمالية مجال الإنتاج وفصلتهم عن وسائل إنتاجهم الكفافية أو المحلية، بفضل فوائض إنتاجية حققتها الثورة الصناعة، وليس بفضل فضائل ذاتية لليبرالية والقومية، وإن كانت هذه وتلك قد جعلتا من الدخول ذاك قيمة وحقا وثقافة. إن فضل القيمة المادي أهم من القيم الفاضلة المثالية في تفسير التوافق الوطني الديمقراطي الليبرالي.
بالمقابل، تعمل السيادة الشعبية في بلادنا ضد الحريات، وتعمل السيادة الوطنية ضد سيادة الأفراد والسيادة الشعبية معا. والجمع بين السيادات الثلاثة يطرح تحديا عسيرا على الديمقراطيين. وأول ملاقاة التحدي يتمثل في الانتقال من الدعوة إلى السياسة. إن هذه، في منطقتنا، وبفضل كل من الدكتاتوريات الحاكمة والتعصب الأميركي الإسرائيلي وحدة الحساسيات الأهلية، أقرب إلى صراع وحشي من أجل السلطة والغلبة والنفوذ. وهي، في كل حال، ليست حوارا مهذبا ولا منافسة عادلة ولا لعبا نظيفا، وفقا لتصور شائع يعكس الضعف وعدم الثقة بالنفس، لكن كذلك هزال المعرفة السياسية والتاريخية.
لكن ألا يحتمل أن يكون الخطأ في مجتمعاتنا؟ بل هو أكيد! كل المجتمعات خطأ. وكلها كتيمة مبدئيا أمام العقل. لكن هذا يعني أيضا أنه ليس هناك مجتمعات صح، ليس هناك مجتمعات معيارية.
لا نقول ذلك غفلة عن المعيارية الحداثية، والديمقراطية أساسية فيها، لكن للقول إن المعيار الحداثي لا يمكن أن يناسب العرب والأفارقة والآسيويين وغيرهم دون شغل عليه ولعب به وتعديله وتحريفه. هذا على العموم ما قصر الحداثيون العرب فيه. كانوا أشد ولاء للحداثة من أن يلعبوا بها، وأكثر إيمانا من أن يحرفوها، واقل نشاطا من أن يشتغلوا عليها، وأضعف حيالها من أن يعدلوها.
في العياني، ثمة مظالم ومشكلات ومطالب وحاجات نوعية لبشر ملموسين، وهي تبدأ من الحاجات الأساسية، وتمر بمطلب الاحترام، ولا تنتهي بالحقوق السياسية. الديمقراطية هي النظام السياسي الذي يتيح للناس الكفاح من أجل هذه المطالب والحاجات، الفردية والجمعية. نعرّف مجتمعنا بنوعية المشكلات التي يعاني منها وليس بهويته أو خصوصيته، ونعرف الديمقراطية بأنها جملة حلول ناجعة لهذه المشكلات. لكن ألا يعني هذا أن الديمقراطية محض سياسة عقلانية سديدة؟ حسنا، نخطئ أقل الخطأ إن قلنا إنها كذلك. ولعله من المناسب أن ننسى "الديمقراطية" قليلا، كي نقترب من السياسة.
لكن هل يفوز الإسلاميون لأنهم "صح"؟ يفوز الإسلاميون لأسباب "ديمقراطية" عامة لا لأسباب ماهوية خاصة: شبكات خدمية وتكافلية جيدة، قرب رمزي من الجمهور العام ولغة تواصل مفهومة و"ديمقراطية"، اتساق بين القول والعمل. هذا أساسي في كل "صح".



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عيد الكراهية الوطني الثالث والأربعون
- القوميون الجدد وسياسة الهوية
- -إعلانُ دمشق- واكتشاف سوريّا!
- طاقة الرمزي والعقلانية الرثة
- الطغيان والواقعية النفسانية
- حداثتنا الفكرية: قومية ألمانية، علمانية فرنسية، اشتراكية روس ...
- إلى المثقفين اللبنانيين: تعالوا زوروا سوريا!
- الأقليات غير موجودة في سوريا، لكن إحصاء الطوائف ممكن!
- حوار حول السياسة والثقافة في سوريا
- تقويم نقاش أزور: من صراع القيم إلى نقد السياق المؤسسي
- ضد التكريس
- فلسطين وإسرائيل: اختيار شراكة مفروضة!
- صورتان لمفهوم الأمن الوطني السوري: مقاربة نقدية
- سوريا ولبنان: تاريخ هويتين أم هوية تاريخين؟
- تخطيط لمراحل العلاقة العربية الغربية بعد الحرب العالمية الثا ...
- الامبريالية، الشمولية، السلفية؛ وماذا بعد؟
- غياث حبّاب
- عام سوري قصير ومليء!
- ريجيم، نظام، سلطة: تعليق لغوي سياسي
- عودة الولايات المتحدة عن «الثورية الطفولية» إلى سياسة أكثر و ...


المزيد.....




- السعودي المسجون بأمريكا حميدان التركي أمام المحكمة مجددا.. و ...
- وزير الخارجية الأمريكي يأمل في إحراز تقدم مع الصين وبكين تكش ...
- مباشر: ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب ع ...
- أمريكا تعلن البدء في بناء رصيف بحري مؤقت قبالة ساحل غزة لإيص ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة (فيدي ...
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /26.04.2024/ ...
- البنتاغون يؤكد بناء رصيف بحري جنوب قطاع غزة وحماس تتعهد بمق ...
- لماذا غيّر رئيس مجلس النواب الأمريكي موقفه بخصوص أوكرانيا؟
- شاهد.. الشرطة الأوروبية تداهم أكبر ورشة لتصنيع العملات المزي ...
- -البول يساوي وزنه ذهبا-.. فكرة غريبة لزراعة الخضروات!


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - لماذا يخسر الديمقراطيون العرب لعبتهم الديمقراطية، دائما؟