اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 5963 - 2018 / 8 / 14 - 12:17
المحور:
الادب والفن
جدارية
التقيته البارحة وهو نصف ثمل ، تركت طاولتي وذهبت اليه حين سمعت عصا صوته تجلد نادل المقهى التي تعودت الجلوس الى احد طاولاتها مساء ، وقراءة صحف اليوم . ايقظ صوته قناعة قديمة ظلت ناءمة في احد ادراج ذاكرتي ، واستيقظت على أثر انهيال سوط لهجته العراقية التي تردد صداها في سماء المقهى ، وهي تنهال بحصا الفخر الجامح على راس المسكين نادل المقهى الذي ظل مشدوهاً امام هذا السيل من مفردات لهجة غريبة على أذنيه ، ولم يفهم الكثير من صياغتها . ربت على كتف النادل معتذراً ، فابتسم النادل للاستاذ الذي سمعته ذات مساء يصفني لجلاس طاولة مجاورة : الاستاذ يغطي وجهه بالجرايد كل مساء ، وكأنه يخجل من الحديث مع الناس .
حين ذهب النادل ، التفت اليه ، الى صاحب الصوت الحجري قاءلاً :
- ماذا حل بنا نحن العراقيين ، نخطب في الناس في كل مكان ، وكاننا صنعنا اعجوبة القرون ، ها ؟
فوجيء بجرس صوتي المغلف باللهجة العراقية ، فتمرجح صوته منزلقاً من حنجرته مع انفاس ما زالت مخدرة ببقايا كوروس من البيرة ، فقال : - اهلاً اهلاً ، ها انت عراقي ؟
- لماذا تصرخ بوجه من يفترض ان نبتسم لهم ؟
- هو يا اخي جابلي قهوة مرة ، مرة حيل ، وانا طلبتها حلوة .
- انت شاعر ؟ فابتسم .
- في تلك اللحظة بالذات التي كشر فيها عن أسنان تنام فيها صبغة دخان عقود من السنوات ، انقلبت انا الاخر الى خطيب :
- نحن العراقيون جغرافيون حتى النخاع ، نحن نفتخر بجغرافيا صماء ، لم تجعلها افعالنا تنطق يوماً : الأهوار كما هي منذ غادرها السومريون قبل الاف السنين ، نخيل البصرة بلا روءوس ، اطاحت بها حروب تلو حروب .. انهارنا تبشر بزوابع رملية لا بفيضانات ، ولم نعد نشم راءحة الشبوط والكطان والصبور .. الطيور كفت عن الهجرة الى سماواتنا .. ولم نحافظ حتى على مدننا التاريخية ، قل لي ماذا تبقى من الموصل ، من بغداد ، من الإخوة العربية الكردية .. ها ، ماذا تبقى .. ثم فجاة سألته :
- لكن بشرفك ،
- فرفع راْسه : ماذا ؟
- اشلونه خبز التنور الحار ، اشلونه شاي الفحم ، اشلونه المسكوف ...
- ولك ما ادري ، اشذكرك ؟ والله شهيتنا ، اني ما جاي من العراق ، أمس وصلت من السويد ...
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟