أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد عبدالله حسن - قصة عيسى طيار الحمامات.















المزيد.....


قصة عيسى طيار الحمامات.


وليد عبدالله حسن

الحوار المتمدن-العدد: 5811 - 2018 / 3 / 10 - 12:08
المحور: الادب والفن
    


 أحترقت الاسواق في يوم الخميس الدامي، أربع انفجارت بوقت واحد في مناطق وأسواق شعبية متعددة داخل مدينة بغداد.
 - كان يوما موجعا لكثير من الاهالي الذين فقدوا أشخاصاً من عوائلهم، كان حدثا مؤلما أصاب الجميع. وكانت حكاية عيسى الطيار أحدى الحكايات الغريبة، والمدهشة والإنسانية ،وأصبحت حكايته متداولة لعدة أشهر يتناقلها الناس من مدينة الى اخرى، ويبكون على قصة عيسى الطيار بألم ووجع شديد، وفي كل يوم تضاف الى القصة تفاصيل جديدة ،وأسرار وخيالات، ورؤى متعددة.
-عيسى الطيار إنسان بسيط يعيش في مدنية شعبية في بغداد، ويسكن في بيت صغير مكون من غرفتين، بناءه قديم ومتهالك، لكنه فيه ميزة  كبيرة ،وهي أن البيت يقع في مكان تجاري مقابل أسواق شعبية مزدحمة بالمتسوقين ،والمحلات التجارية، ومن ضمن البيت في الواجهه الامامية ممكن أن ترى دكان عيسى لبيع حبوب الحمام والبلابل و جميع الطيور.
- ممكن أن تندهش وأنت تشاهد كثرة الطيورالتي تقف وتطير فوق بيت ودكان عيسى، وهي عبارة عن غابة متنوعة من البلابل، والعصافير، والطيور المهاجرة، وكأنها تقف عند محطة معروفة للأستراحة والأكل والنوم. عندما تسأل أين يقع دكان عيسى الطيار يقال لك:- عندما ترى مجاميع العصافير والطيور والحمام تدور فوق أحد البيوت او الدكادين بجانب السوق الشعبي، أعرف أن هذا هو دكان عيسى الطيار.
- سمي عيسى الطيار، لان أبيه كان برتبة نائب ضابط متطوع في الجيش العراقي صنف القوة الجوية، وكان هو من يمسك بالرشاش في الطائرة المروحية (السمتية). كان أبيه يعرف كل انواع الطائرات المدنية والحربية، ويعشقها بشكل لايصدق، حتى يقال أنه كان يساعد المهندسين في أيجاد عطل المروحيات وأصلاحها.
- كان حلم عيسى أن يصبح طيارا، كما يتمنى ابيه، لكن الفاجعة الكبيرة في حياة عيسى التي قضت على أحلامه كلها ،وهي الحكم على أبيه بالموت رميا بالرصاص، وأتهامه بالخيانة العظمى للوطن أثناء الحرب العراقية الايرانية.
- قيل أن أبو عيسى كان عميل لأيران وكان يفسد الصورايخ التي تطلقها الطائرات على الجيش الايراني. تعددت الحكايات في قصة أعدامه، فبعد مرور سنه واحدة حدثت كارثة أخرى، ماتت أم عيسى بسكته قلبية مفاجئة . يقال أنها ماتت حزنا على مصيبة زوجها.
- بقى عيسى وأخته المصابه بشلل الأطفال في بيتهم البسيط ، وأضطر عيسى الى ترك المدرسة والعمل من أجل أن يعيش هو واخته. بعد أن يأس من يصبح طيارا، لهذا بدا يبحث عن أقرب عمل لانجاز حلمه ،فقام بتربية الحمام والطيور بكل أنواعها، وكانت هذه الطيور هي الوحيدة التي  تدخل السعادة والفرح على قلبه، وتحقق أمنيتة العظيمة في النظر للسماء طوال الوقت، والتخيل أنه يطير مع الحمام.
- ماهي حكاية أسمه ( عيسى)، في أيام كانت أم عيسى حامل قالوا لها أن تذهب للكنسية هذه المرة، وتطلب  مرادها من السيدة مريم بأن يأتيها ولد، وأن تثبت حملها بعد عدة محاولات فاشلة في الحمل. عندما جاءها الولد سمته عيسى تيمننا بعيسى أبن مريم، تربى عيسى على الأخلاق والكرم والشجاعة في عائلة متوسطة الحال. كان عيسى طيب القلب، ومحبوب من أكثر أهل المدنية التي عاش فيها عاشقا ومولعا وهائما بحب بنت الجيران مديحه العلويه. كان أكثرية أهل المدينة يعرفون أن عيسى يحب مديحه، وحاول أكثر من مرة طلبها للزواج من أبوها وبطرق مختلفه، لكنه في كل مرة يرفضه وبشده ويقول له:-
 -أبني عيسى أنت إنسان طيب وأبوك الله يرحمه صديقي وأنتم جيرانا من سنين طويلة، بس ما أقدر أقبل زواجك من بنتي، مو العيب بيك، حاشاك من العيب، لكن أحنه ساده هاشميين وماننطي الى العوام .
 - كل مرة يتألم ويتمرض عيسى عندما يرفضون زواجة من مديحه العلويه، لكن كل المنطقة تعرف أن ميدحه العلوية تحب عيسى وتشهك للسماء عندما تسمع بأسمه، رغم أنها لم تتحدث معه الا مرة واحدة في عرس ابن الجيران. كان عيسى ومديحه يعشقون بعضهم حد الجنون ويتبادلون مجرد نظرات سريعه، وأمنيات وأحلام وحسرات وأشارات من فوق السطح ،وبدون اي كلمة واحدة. مديحه كانت تعرف جيدا عندما يصعد عيسى الى السطح ويصفر للحمام، ماذا يريد أن يقول لها، وتعرف أحوال عيسى من أصوات الصفير، اذا هو عصبي او فرحان، او يريد ان يقول لها كلمة خاصه. مع العلم ان مديحه العلوية تجاوزت الخامسة والثلانين ،وكانت تعاني منذ صغرها بمشاكل في عيونها، ومصابه بالحول الشديد، لكن مع كل هذه المشاكل والرفض المستمر من قبل أهلها، وعيسى يتمسك بها ويعشقها حد الجنون، ولم ييأس في تكرار طلب الزواج من أبوها في كل مناسبة وفرصة، وأقسم بشرف أمه وروح أبوه أن ينتظر مديحة الى أخر العمر.
- كل شباب المنطقة تعرف أن حرف الميم المكتوب ورسم العين على دكان عيسى تعني أول حرف من أسم مديحه (ميم) وعشقه لعيونها، رغم مايقال أن عيونها تنحرف بدرجة ١٨٠٪  اذا نظرت الى اي شخص ،وعيسى  كان مصرا في التغزل بعيون مديحه، ويقول لكل الناس أن أحلى عيون بالعالم عيون مديحه العلويه.
 - في كل ليلة عندما يشرب الكحول من العرك أصلي ومشتقاته، ويغني أغنية:- 
 أن العيون التي في طرفها حور قتلتنا ثم لم يحينا قتلانا 
ردي عليه فوادي مثل ما كان….. ياويلي يالليل يالليل يالليل ويجهش بالبكاء. 
- أن وجود مديحه العلويه في حياة عيسى أهم انجاز حققه في حياته، وأضاف له أمل الاستمرار في هذه الحياة القاسية والظالمة. والشي الثاني الذي يعشقه عيسى هو تربيه الحمام حد الجنون ،كل أنواع الحمام الزاجل والمسكي والمدنفش والخينيسي واللأورفلي والحمام القلاب الجمباز وغيرها، تحلق يوميا منذ الصباح على بيتهم وتستقر مساءا فوق دكانه.
 - بعد أن حدث الأنفجار الرهيب في السوق الشعبي بجانب بيت عيسى، أصاب الانفجار وقضى على أكثر الذين في السوق من الباعة والمتسوقين. أكثر الناس في وقت الانفجار شاهدوا كيف أن عيسى والحمام طاروا الى مسافات عالية في السماء، وبعدها نزل عيسى الى الارض ببطىء على أجنحه الحمام كما يقال، وشاهده نفر من الناس، وهم يقسمون بأغلظ الايمان أنهم شاهدوا الحمام  يمسك بقيمص عيسى وبنزل معه ببطأ وبدقة على الارض.
- في وقتها هرعت الناس والأطفاء والشرطة الى  مكان الأنفجار،ونقلوا الجرحى والجثث الى المستشفيات القريبة من الحادث ،ووصل عيسى الى المستشفى محمول على عربه خشبية تترنح به فوق الحجاره والطسات والحفر، لم يبقى فيه عظم سليم، وكان يتنفس بصعوبة ونفسه ينقطع، وينزف دم من كل جسده.
- قال الرواة:-
 - أن عيسى أخبرهم بعد خروجه من غرفة العمليات، وهو مازال تحت تاثير البنج، بأنه رأى كيف حدث الانفجار الذي يشبهه بيوم القيامة ،كما تصوره الروايات والاحاديث الدينية، يوم تذهل كل مرضعه عما أرضعت، مع أرتفاع شديد في درجات الحرارة. وكان عيسى يقول أنه شاهد كل شي يطير الى السماء مثل العربات، الناس، القطط ، والعصافير والطيور، والازبال، ورؤس الناس، والاطارات والابواب، و كل شي ارتفع الى السماء بسرعه مذهله. واثناء الصعود شاهد افراد من الباعة المتجولين وأصحاب الدكاكين المجاورة، وأبناء المدينة يصعدون الى السماء كأنهم عصافير الحب الملونه باللون الأحمر والأصفر والأبيض والأخضر، وكأنهم يرقصون رقصة الموت الاخيرة، ويرتعشون مثل الذبائح المعلقة على دكادين القصاب في منظر يشبه زفة الزواج الجماعي لكن الى العالم الاخر . قال عيسى أنه سمع موسيقى الأجساد كيف  تحترق وتتفحم وتفارق وتتقطع وتحاول ان تلم نفسها مرة أخرى . ويقول أثناء طيارنه في السماء انه سمع أصوات عديدة تنبعث من الارض الى السماء أصوات منها نعاوي أمه على أبيه وعلى أخوها الشهيد، وقراءات حسينة ولطم وصوت الزنانجيل والطبول والهتافات، واصوات بعض الاغاني  الشعبية. ويقول سمعت أصوات عاليه لبعض الاغاني الوطنية الحربية، مثل :-
- ياكاع ترابج كافوري….. وعلى الساتر هلهل شاجوري، مرورا  بالنشد الحربي المرعب:ـ ها ها ها أحنه مشينه مشينه للحرب للحرب… عاشق يدافع من أجل محبوبته محبوبته أحنا مشينا للحرب… الى الاغنية الحماسية:- مامعلومة ياساعة طك…. مامعلومة ياساعة طك
هز الدنيا ياعراق أسمك .
- كانت النار ومشاهد الدخان، واحتراق الأجساد يشكلان ثلاثياً مرعبا من الالوان والصور والحكايات والاصوات والانفاس التي ترتفع صوب السماء، في موعد للموت الرهيب لم يعلم به أحد غير الانتحاري،حينها عندما حدث الانفجار أرتفع للسماء كل شي على الأرض ، وتطايرت أطارات السيارات في الفضاء كأنها لعبة سباق في الفراغ. وأرتفعت أخذية الأطفال كأنها تلعب في حدائق من نار ونور ، وتلوح الأيادي المقطوعة الى الجميع ، وتودع الأجساد أصحابها. أغرب المشاهد هي هروب الرؤوس المقطوعة كأنهم يلعبون لعبه (الغميضان) والأجساد تركض في كل الأتجهات تحاول أن تلتصق بالرؤوس مرة أخرى بدون جدوى ، كل هذه الصور السريعة أمتزجت بأصوات الأطفال وبكائهم، وقهقهات كأنها شقهات الموت.
- شاهد عيسى الحجية أم كريم بائعة الخضروات تطير الى السماء ببطء شديد ،تشبه طير سمين أسود وجميل يجر نفسه جراً للموت ترفف عبائتها الممزقة وراءها كأنها راية من الريات السوداء في المواكب الحسينية.
- ها خاله أم كريم وين رايحه؟
 -والله يمه ما أدري، شو شفت الوادم صعدت للسمه، وأشو لوحدي طرت وياهم، ما أدري، بس بقى بالي على أبن بنتي محمد، أسم الله عليه وعليكم، وديته يجيب اليه ماي من دكان أبو حسن ،بس شفت أبو حسن مر من يمي هسه، مثل الطير المذبوح، يصرخ  وعصبي وضايج ، وما سلم عليه خاف زعلان عليه. ماعرف والله خاله شنهو صار، وليش أصير بينا هيج، ودعناكم خاله عيسى، وسلملنه على أهلنا كلهم.
- الله وياج خاله، الله وياج أنتي أمراءة طاهرة ونظيفة، تعبتي هواي، الله وياج……
 ( كان مشهداً خيالياً هو أرتفاع الناس في الهواء ذاهبين الى السماء بسرعة فائقة)
- وبسرعة هائلة مر حصان ابو ناجي أسمه ( المملوح) وكان ينزف ومثقوب بالشظايا التي تطايرت في كل مكان، وناداه عيسى :-
- ها مملوح خوب ما جروحك جبيرة،
 - قال الحصان لعيسى:-
- شوف عيسى مابقى بيه شي سالم، بس أنا فرحان، وهذا اليوم هو أحلى يوم بحياتي، أشكد كنت أتمنى هذا اليوم، خلصت من التحميل والتعب والحر والعطش والجوع والضرب والتجرجر، وطول عمري أخدم  هاي الناس ومحد قدرني، حتى أبو ناجي صاحبي ،أشكد عشت وياه عمري كله وماحترمني ولا يوم واحد بحياتي، بس لمن يجي شهر عاشور وتصير التشابيه الحسينية، ويختاورني حصان الامام الحسين، وأشوف الناس كلها تمسح بظهري وراسي، وتطلب مراد، هذا الشهر الوحيد صدك أشبع وأنتخم، بس أذا عكس الحظ وخلوني حصان للشمر أبن الجوشن صدك أكل خره بأثنين أيديه، وأشبع دفرات من الموامنه والكفار سويه ،هي هاي الحياة عيسى لانحزن عليها، يوم سوده ويوم بيضه ويوم شر ويوم خير ويوم جوعان ويوم شبعان، خوش عيسى سلملي على كل الطيور الي بالمنطقة كانت متعتي لمن اباوع للسماء واتمنى اصير طير واطير، مع السلامه.
- عيسى عندما شاهد حصان أبو ناجي يطير في السماء كأنه فرس الانبياء أيام الحرب بأجنحه بيضاء، والدماء تسيل مثل عيون الماء و من كل جسده ، تذكر عيسى  حصان الأمام الحسين الذي أسمه (الميمون)، وأنهمرت الدموع من عيونه وهو يتذكر، كيف كانت أمه تبكي بحرقة على الميمون الذي كان يعتقد ولفترة طويلة أنه خاله الذي مات في الحرب مع أيران . بعد فترة طويلة من الزمن عرف ان (المميمون) هو حصان الأمام الحسين عليه السلام في معركة الطف، فزداد الما ووجعا على خاله الشهيد وعلى حال حصان الامام المذبوح من الوريد الى الوريد، وكان يحب يسمع اللطمية الشهيرة بصوت القاريء الحسيني حمزة الصغير لمن يقول:
 كلي يالميمون، راح أبو السجاد، وما يرد لينه
 أنا يالميمون بيدي ودعته، ونخمش قلبي
 اه اه اه يامصيبتنا الجيبرة يمه، واجهش بالبكاء حد (الثغيب) كما يقال.
- كان عيسى يتحدث مع جميع الناس التي ترتفع الى السماء ، بعضهم كان بدون أقدام، وبعضهم بدون أيادي، وبعضهم يضحك، والأخر يبكي، يصرخ او يغني، او مفزوع من شدة الأنفجار العظيم ، الذي أحرق كل السوق، وتهدمت أكثر البيوت القريبه من الحادث. 
- وفجأة حدثت المعجزة ، حينها شاهد عيسى مديحه العلوية تطير مثل الحمامة البيضاء، و يصبحها نور أبيض، ومطوقة بهالة حمراء وهي تمر كالطير الابيض من من أمام عيسى، وهو يرتفع معها في فضاء السماء اللامتناهية.
 - عندما شاهد عيسى كيف مديحة تطير مثل الحمام صفر لها صفارة لها كانه ينادي أحدى حمامته ، فالتفتت له مدحية وغطت جسدها ببقايا ثوبها الممزق. يقول عيسى أن مديحة كانت تلبس ثوباً أبيضاً، مثل ثوب العرس، وكانت تضع على أيدها، وأقدامها نقش وزخرفة من الحناء .
 - صرخ عيسى بصوت عظيم  يشبه الأنفجار،
 - مديحه مديحة وين رايحه على كيفج مدوحه عيني ،وين رايحه بهاي السرعة خلي أحجي وياج أوكفي.
 - شنهو جابج بهذا الوقت، مديحه وين رايحه بعد وقت تعالي تعالي تعالي بعد روحي، تعالي نحجي، ونعيش هاي اللحظات سويه.
  كانت هذه المرة الاولى التي يرى فيها عيسى مديحه لوحدها، وأول مرة يرى مديحة بدون حجاب، وشعرها يطير في الهواء ،وهي تنظر له بعوينها التي لم تتوقف على الدوران طوال الوقت.
 - مديجه شنهو صار بيج ،أنتي مضروبه بالأنفجار، لو مجروحه، شنهو صار وياج كولي الي،
- لا عيسى كل شي مابيه كل شي ما أحس، بس، أنا جنت أمشي ويه أمي وأخوي علي، وماعرف وين صاروا، جاي أدور عليهم، بس لاصار بيهم شي بالأنفجار.
كان عيسى رغم كل المأساة والألم والمشاهد المرعبه، كان يشعر أن هذا المشهد الذي جمعه مع مديحه، في رحلة طيران فريدة من نوعها مثل رقصه الحمام القلاب عندما يفرح يقلب في الهواء اكثر من مرة . يقول عيسى لقائي مع مديحه في السماء هو يشبه الحلم الذي يحلم به طول عمره ،وهو حلم زفافهم مع الطيور في السماء وحلمه العظيم أن يصبح طياراً.
 - مديحه هاي أشلون صدفة حلوه جمعتنا سويه ،أشلون صرنه سويه بقدرة قادر ياسبحان الله، وأنا اشوفج لوحدنا، واحنه نطير بالسماء مثل الحمام بدون اي رقيب، وبدون أن يشوفنه أحد، هذا أحلى يوم بحياتي.
 - عيسى عيني
-عيون عيسة شتريدين
- أنا اخاف هسه امي تجي وأخوي علاوي يشوفنا ويذبحني،
- لا لا لا لا مديحه أبقي وياي ،لانضيع هاي الفرصه، أريد أقول الج كلمة وحدة في قلبي من سنين، يوميه أقولها في داخلي، بس ولامرة قلتها بأعلى صوتي،
- صحيح عيسى… أنته ماتدري علاوي أخوي راح يزوج هذا الخميس الجاي، هسه أكيد اهلي يدورون عليه، احنه كنا بالسوق نشتري ملابس للعروس.
 - مديحة عوفيهم ،عمرنه كله عشناه نخاف من الناس ونخاف من الله ،ونخاف من السيد أبوج، ونحاف من صدام ،ونخاف من العشيرة، ونخاف من سيد سروط، ونخاف من العباس ونخاف، كضينه عمرنا نخاف، بعد على شنهو أنخاف مدوحه ،مجاي تشوفين أحنه جاي نصعد للسماء ههههه
 - مديحة أريد اقول الج بأعلى صوتي، أعلى من صوت الانفجار، أريد اقول الج كلمة وحده بس كلمة وحدت وبعدها خلي اموت الف مرة،
- اسم الله عليك بعد روحي عيسى، حياتي كله فدوه لعمرك حياتي،
- أشكد كنت أتمنى أقولها الج ( كان عيسى يريد يصرخ بأعلى صوته، لكنه يختنق في كل مرة  ) 
- مديحة أنا أأأا ح ح ح…….
- وفجأة مرت منهم أم مهدي التي تبيع سمك في السوق، وهي مثل الناس طارت من قوة الانفجار،
- أشجاي تسون عيسى هنا، ولج مديحه جاي اتسوين ويه الولد وحدكم أنهجمت بيتكم، ولك عيسى عوفه وخلي البنيه تروح للبيت صار الليل، والدنية ظلمت ،عيب أنته ماعندك خوات،
- ياربي هاي منين طلعت النه هسه، أشلون حظ أعوج، عيني أم مهدي روحي الله وياج، أنتي بيا حال و بعدج تراقبين وتدورين أخبار الناس،
 - مديحه أنا تره أريد اقول الج الكلمة الي محبوسه بقلبي وماعرف اشلون احجيها، مديحة انا أأ أ…. ياربي مجاي تطلع الكلمة،
- مديحه أنا أنا أشكد كنت أحلم بيج يوميه، قبل ما أنام أتخيل أنا وأنتي نطير مثل الحمام نطير بالسماء، ونلعب مثل الاطفال، وكانت صورتج ونظراتج وأنفاسج وكل شي أتصوره ينام وياي، يوميه يوميه أحلم بيج مديحه، أريد أكول الج أنا أشكد…..( لم يستطع عيسى في كل محاولاته الفاشلة أن يقول لمديحة الكلمة التي يحبسها في قلبه من سنين طويلة ، وأخيرا حاول أن يتقرب منها قليلا.قليلا قليلا
- ( مديحه ترتبك) وهي تقول :ـ
-(يايايا يا عيسى،  شنهو صار بيك عيب…. ياي ياي… شنهو صار بيك (وضعت يدها على فمها وهي تتصبب عرقا وفرحا وخجلا)
- عيسى أنا همين ….. والله ماقدر احجي الكلمة هاي مثلك …. وعشت عمري كله بس أردد بأسمك وأتخيل صورتك ،وأتخيل عندي أطفال منك وأصيح عليهم بأسمائهم واضحك لوحدي على نفسي ( صمت ) عيسى تره خجلتني ههههه انا همين تره ….. والله  أنا هم أأ أ أ……..  أموت عليك.
- تعرف عيسى مرات لمن تمر من بابنا، أعرف الوقت أشوكت تجي، أباوع عليك من فتحة الباب،صحيح  هي لحظة بس أحلى  لحظه بحياتي ،أشوف بيها كل شي بيك، أشوف عيونك الصفر الحلوه، ومشيتك الي كلها رجولة وغيره وشهامه، الله أشكد كنت أتمنى اقول الك أنا أ…… واتنفس عطرك، 
- مديحه هذا وعد أخير،أذا الله ينجينا من هذا الأنفجار، لازم نزوج حتى لو نشرد لغير دولة او مدينة او نسافر للاخرة ، ونعيش أحلى حياة ونخلف صبيان وبنات ونعيش عشيه سعيدة  هههههههه
 (هههههههه تضحك مديحه بصوت خففيف وتشهك شقهات من يفارق الحياة)
- يالله أشكد هاي اللحظات حلوه وياك عيسى ماكنت أتوقع أعيش هيج لحظات سعيدة وياك……..
- مديحه شوفي هذا الخاتم الحلو ،أمي الله يرحمها، قالت الي لمن تريد تزوج أنطيه للبنت الي تريد تزوجها، وأريد البسج هذا الخاتم، ونعلن زواجنا أمام الملائكة  والسماء والغيوم والهواء والدخان ، والحمام هو راح يشهد على زواجنا, راح يكون زواجنا احلى زواج بكل بغداد الحبيبه.
 (كان يعتقد عيسى أن الطيور هي تمثل حروف الله في السماء والارض، وتمتلك أسرار الارض، وتعرف مواعيد الموت والولادة والزواج والحياة والرزق ،وكان يقال ،أن عيسى كان يتكلم مع الحمام ، ويعرف لغة الطيور واحوالهم ومزاجهم وامراضهم)
 -قالت مديحه بصوت متقطع:-
 -عيسى أنا تره أستحي وأخاف أمي تشوفنا، وأخوي علاوي ،هسه هو خابص الدنيا يدور عليه، تره أنا اتأخرت هواي عليهم همه راحوا قبلي.
- تعالي مديحة تعالي يمي خلي أشبع منج شوف ،
( أقترب عيسى الى مديحه وهو يمسك بيديها ،ويتنفس بصعوبه، كأنه يختنق من الفرح او الالم او اللحظة العظيمة الي ينتظرها من زمان ، وهو يقترب ،ويضع الخاتم في أصبعها، أول مرة يمسك يد مديحه وكأنه يمسك الجنة ويتمسك بروح الحياة)
- يالله أشلون أيدج حلوه ونظيفه وشريفه جنها السعادة والفرح ،
 - مديحة خلي أبوسج أول مرة ويجوز أخر مرة بحياتنا،
- يايايايايا شجاك عيسى تخبلت، أنا استحي كلش أستحي أخاف أهلي لو أخوي لو نسوان المنطقة، ويجوز عشيرة السادة يسمعون خبر من هنا او هناك، أشلون وين أروح منهم، صحيح أعرف قصدك شريف، بس تره ما أقدر أخليك تبوسني ، الصحيح أخاف الله يحاسبنا،
-( أقترب منها عيسى ومسك أيديها بقوة وأحتظنها كأنه يمسك طيور الحب، وأقترب أكثر واكثر من شفتيها الوردية ،وأغمضت مديحه عيونها وهي ترتجف و ترتجف، وعيسى منتعش و يعيش أجمل لحظات الحياة، وأقترب اكثر واكثر، ولم تبقى اي مسافة بين ان تلتصق شفتيهما معا لكنها تراجعت بسرعة الى الوراء ،وهي تسمع صوت أخوها الكبير علاوي يأتي من أعماق السماء) ،
- مديحه وينج تأخرنا على البيت تعالي...
-وصوت أمها تصرخ:-
-ولج وينج مديحه يمه تعالي ننتظرج.
 وفي هذه اللحظات السعيدة التي لم تكتمل، بدأ عيسى ينزل الى الأرض، ومديحة تصعد الى السماء، وهو ينظر الى جسدها كيف يرتفع ودموعها تنزل قطرات تتناثر في الفضاء ، وتساقطت دموع العاشقين كمطر من دم على بقايا الانفجار والنار والدخان ،وعيسى مازال ينظر الى مديحه كيف تبتعد عنه، وتختفي وراء الغيوم، وهو ينزل بسرعة هائلة، ويرتطم على الارض بقوة. 
-يقول الرواة في يوم الحادث تجمع حمام المدينة بأعداد هائلة فوق بيت ودكان عيسى، منكسا الرؤس وتنتظره يرجع يوما ما، وبقى الحمام  يتوافد من كل المناطق المجاورة ولمدة ثلاث أيام متواصلة.
- يقول الرواة :- لم يكن هناك من هو قادر على التعرف على الأجساد المتناثرة في المكان ،ولم يأتي اي خبر لا من الارض ولا من السماء يروي لنا قصة عيسى طيار الحمامات بشكلها الواقعي والحقيقي لحد اليوم.
 -ويقال أن الحمام عمل لعيسى جنازة وهميه، وكانت جنازة مهيبة وعظيمة، لم يبقى طير وحمامة، وعصافير المدينة ونوارسها إلا وكانت ترتفع في السماء وتتقلب في الهواء بشكل دائري، وتطلق أصوات جميلة، وكلمات الوداع الأخيرة،
- وأغرب القصص التي كانت تحكيها البنات الشابات،حول قصة العشق بين عيسى ومديحه على أنهم صعدوا الى السماء، وخيرتهم الملائكة بين الرجوع الى الارض او البقاء معا في السماء. فاختاروا .
 -والحكاية الأكثر شهرة بين الصبايا والشباب أن عيسى ومديحه، وبقدرة القادر، تحولوا الى طيور تحكي للناس قصص الحرب والحب والحنون ويغنون أغاني السعادة و العشق في الحدائق ،وفوق الأشجار، والمزراع، والبساتين، والأنهار والشوارع، ويعلمون الناس كيفية الطيران، وتعلم الحب أثناء الانفجارات في بغداد وباقي المدن العالم.
أنها الحرب …..اللعنة.
* ملاحظة:- أذا أردت الاستمتاع بالقصة حقا عليكم سماع المقطوعة الموسيقية للفنان العراقي(Rahim AlHaj)
رحيم الحاج على نفس القصة بأسم ( المرة الاخيرة التي سيطير فيها الحمام) وهي على الرابط التالي:-https://www.youtube.com/watch?v=o50S1XTopSI



#وليد_عبدالله_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنا مع الاله وضد الشعراء.
- لعلمانية والحقيقة والمدنية والجامع.
- قراصنة الغيب وبحارة يساريون جدد.
- الأمارات جبل من ثلج ودولة العراق جبل من نار.
- مظاهرات صدرية مليونية شعبية عظيمة، ولكن؟
- قصة الشاب فؤاد والجني الكواد
- داعش دولة اسلامية على شكل عصابة
- فصل الدين فيما بين الدولة والشعب من الاتّصال
- تعددت النسخ والموت واحد
- عندما نذبح الإنسان بأسم الله اكبر
- الغباء المقدس
- من دخل دار العلمانية فهو آمن
- انا علماني
- العبودية مرض فايروسي
- من يرسم الشريعة والطريقة والحقيقة ؟
- أشارات نقدية حول قدرات العقل الديني في ولادة وموت الارباب
- مقهى الحرية
- أشارات نقدية حول حاكمية العقل الاسلامي العراقي المعاصر.
- أسئلة سر البقاء في مقام الغباء
-;---;--
- صدفه الأخطاء في تكرار أمتحان السماء.


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد عبدالله حسن - قصة عيسى طيار الحمامات.