أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - القاعة رقم 1000














المزيد.....

القاعة رقم 1000


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5719 - 2017 / 12 / 6 - 13:17
المحور: الادب والفن
    


هأنذا داخل محل الحلاق، أنتظر قدومه كما يفعل آخرون أيضاً.
" لو أن الوقتَ مساء، لكان أغلب هؤلاء الأشخاص من ندامى السهر لا من الزبائن "، أفكّر وأنا ألقي نظرة عابرة على ابني الصغير. شدّ على يدي، فيما كان يبادلني النظر. نظرته، كانت تعبّر عن الملالة والرغبة في الإنعتاق من هذا المكان المزدحم. كعادتها في كلّ مرة، كانت أمه قد شددت عليّ بضرورة عدم ترك يده لأيّ سببٍ كان. سألته مرة أخرى، ما إذا كان يرغب بقص شعره، فهز رأسه بحركة نفي.
" خلّو، لقد حضرَ خلّو..! "، صاحت أصواتٌ من خارج المحل. كانوا يقصدون الشقيق الأصغر للحلاق، الذي يمارس المهنة نفسها. على الأثر، دخل أحدهم وهوَ يلهث. عرفتُ فيه " خلّو "؛ الرجل المعروف بمواقفه الطريفة. كان ما فتئ على بدانته المفرطة، ومحافظأ كذلك على نضارة سحنته. لدهشتي، مرّ من أمامي دون أن يلقي عليّ نظرةً. فكّرتُ عندئذٍ مهموماً، بأن ملامحي ربما قد تكون تغيّرت بشدة بعد كل سنين الغربة المديدة. ما أن مضت هنيهة، إلا وأصوات أخرى تهتف هذه المرة باسم الحلاق المطلوب. تفاقمت دهشتي، حين رأيتُ رجلاً عجوزاً يجر رجليه بصعوبة مستنداً إلى عكاز. إذاك، تيقنتُ بأنّ من أعتقدتُ قبل دقيقة بكونه " خلّو "، لم يكن في حقيقة الأمر سوى حفيداً يحمل اسمه. انتبهتُ إلى يد ابني، وهيَ تشدّ على يدي دلالة على نفاد الصبر. قلتُ له مهموماً: " الزحام شدبدٌ؛ سنعود في فرصة أخرى إلى المحل "
" بابا، لا أريد أن أقص شعري في محلّ كهذا "، رد عليّ باللغة السويدية. ما أن أضحينا خارجَ المحل، حتى رأيتنا نخوض في زحام من نوع آخر. فالدرب الفسيح نوعاً، المحوّط بالمحلات على جانبيه، كان ذاخراً بأفواج من الخلق السائرين في جهة واحدة. عدتُ أمسك جيداً بيد الولد الصغير، مرسلاً بصري هنا وهناك علني أعثر على منفذ ما للدرب. وإذا بعينيّ تقعان على امرأة ذات ملامح مألوفة لهما. وكونها تسير بالقرب مني، فإنها انتبهت إلى نظراتي. خفق قلبي بقوة، لما رشقتني هيَ بايماءة محيية مرفقة بابتسامة لطيفة. بدت المرأة وقد امتلأ جسمها كثيراً، مثلما أن الغضون لم تبخل على سحنتها. بيْدَ أنها بقيت محتفظة عموماً بملاحة أيام زمان. قالت لي بنبرة رقيقة: " أأنتَ في طريقك أيضاً إلى الإمتحان؟ ". أردفت وهيَ تسحب من يدي ببساطة ورقة مضمومة، لم أكن قد انتبهتُ إليها قبلاً: " هاتَ لأرى رقمَ قاعتك..! ". ثم ندّ عنها تعبيرُ ارتياح، فيما كانت تخبرني بأننا سنقدم الإمتحان في ذات القاعة. ألقيتُ نظرة على الورقة، وكان مسجلاً بأعلاها: القاعة رقم 1000 ـ المقعد رقم 10.
" ولكن، أليسَ هذا شقيق المرأة؟! "، يخاطبني داخلي متوجساً. ظهر شقيقها إذاً عن قرب، وما لبث أن لوّح لنا بيده. مبعث توجسي، هوَ ما كان من علمي بأن ذلك الشقيق قد رحل عن الدنيا مذ أعوام طويلة على أثر معاناة ممضة من مرضٍ عضال. قالت لي بلهجة غامضة، فيما كانت تجذب يد ابني برفق: " أمضِ إليه، إذا أردت. إنه سيكون معنا في قاعة الإمتحان على أي حال ". همّ ابني بالتكلم، إلا أنني لم أنصت له. أسرعتُ للقاء من كان صديقي الحميم في أيام الصبا. صرتُ أشق طريقي بين الجموع بصعوبة بالغة، وصولاً إلى موقفه. غير أن اللجة سحبتني بعيداً. فلما رأيتني أخيراً واقفاً على جانب الدرب، فإن عينيّ لم تعودا تبصران أثراً لأحد؛ لا الصديق ولا شقيقته، التي تكفلت بمرافقة ابني. فكّرتُ محاولاً تهدئة قلقي: " عليّ أن أسأل أحدهم عن مكان قاعة الامتحان ".
" القاعة رقم ألف؟ لا توجد قاعة امتحان لدينا لها هكذا رقم عجيب! "، قال لي رجلٌ عرفتُ منه أنه مكلفٌ بمهمة مراقبة الممتَحنين. راعني كلامه، فلم أعد أدري ماذا أفعل. لحظ الرجلُ حالتي، فقال لي مشفقاً " قد تكون القاعة رقم 10؟ ".









#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيرة أخرى 56
- المقهى
- سيرَة أُخرى 55
- العربة
- سيرة أخرى 54
- المبنى المهجور
- سيرة أخرى 53
- سيرة أخرى 52
- سيرة أخرى 51
- الأغراب
- الإشارة الحمراء
- أردوغان ولعنة الكرد
- سيرة أخرى 50
- مسؤولية الرئيس بارزاني
- تركيا؛ دولة غاصبة
- سيرة أخرى 49
- الإرهابيون؛ من تنظيمات إلى دول
- تشي غيفارا؛ الملاك المسلّح
- سيرَة أُخرى 48
- الفردوسُ الخلفيّ: الخاتمة


المزيد.....




- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - القاعة رقم 1000