أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - كمال سبتي - عارُنا في أبي غريب














المزيد.....

عارُنا في أبي غريب


كمال سبتي

الحوار المتمدن-العدد: 1466 - 2006 / 2 / 19 - 09:46
المحور: حقوق الانسان
    


ليست صور السجناء في أبي غريب عارَ أميريكا بقدر ماهي عارنا.
ثمة في اللاوعي الأميريكيّ كما في اللاوعي الاستعماريّ كله مساحة أنانية لتبرير أفعال الاحتلال والقتل والاغتصاب والسرقة والإهانة..إلخ ولحظة ذرائعية لنسيانها.
ثمة دائماً دفاع غرائزيّ عن هذه الأفعال:
"هم" المسؤولون عما حدث لهم في هيروشيما وناكازاكي عندما لم يوقفوا الحرب.
و"هم" المسؤولون عما حدث لهم في أبي غريب. عندما لم يرحبوا بالاحتلال.
صورة المختلّ عقلياً الذي يؤمَر وهو مربوط إلى حائط بنطح باب الزنزانة الحديد برأسه في أبي غريب هي صورة محفوظة "عبر مثيلاتها" في اللاوعي الغربيّ وقد تجعلني أتوقع إحياءَ الكلام عن كتاب ميشيل فوكو الشهير "تاريخ الجنون" في الأكاديميات جراء نشر صورة مجنوننا فيلماً متحركاً.
يدرس فوكو في شُغْله بعامّةٍ السلوكَ الغريبَ وأشكالَ العقاب والتعذيب الساديّ الوحشيّ إلخ..ليعمق معرفتنا العلمية بالانحراف الذي يراه "حقيقةً اجتماعية ووظيفة معيارية" كما تقول الناقدة الأميريكية أديث كيرزويل.
ولعلّ تلك الأكاديميات ستتذكر استنتاجه العميق في تراجيديته في كتابه "تاريخ الجنون" الذي يقول إن التركيز في مشهد "سفن المجانين" حتى نهاية العصور الوسطى لم يكن على المجانين أنفسهم بل على إقصائهم. وإنهم يؤدون دوراً تمثيلياً يغدو فيه إقصاؤهم بمثابة تطهير رمزي للمجتمع..*
أنا شخصياً لا أدري أين تبدأ "أو أين تنتهي!" القيمة المعرفية الفعلية لربط هذا الكلام بالسجّانين الأميريكان. لكن ما يثيرني في الربط هو صورة مجنوننا الذي يؤمَر وهو مربوط إلى حائط بنطح بابٍ حديدٍ برأسه.
ليس التركيز عليه بل على إقصائه.
وإنه يؤدي دوراً تمثيلياً.
***
كان الشهيد أنتونين آرتو يرى الأطباءَ مجانين..وهو الذي بقي أسيرَ علاجهم سنواتٍ مريرةً من عمره بتهمة "الجنون".
هذه فكرة تريد أن تُحِلَّ "المحرّرينَ" محلَّ الأطباء. فيكون محرّرونا مجانين.
ماذا ينفع الأميريكيَّ "الطبيبَ المحرِّرَ" أن ينطحَ مجنونٌ باباً حديداً برأسه ؟
حتى يضحك ؟
أو حتى يُهدِّىءَ نوبةً عصبيّة ؟
ثنائيات ميشيل فوكو عن الدالِّ والمدلول في نصوص الجنون والمرض مثل السلامة العقلية والخلل العقليّ، والصحة والمرض: هي أطراف ثنائية لايمكن فهم أحد طرفيها إلا بفهم علاقته بالطرف الآخر.*
فلنقل فوراً:
الأميريكيّ هنا مجنون ومنحرف: إطلاق نهائيّ من فوكو.
والطبيبُ "المحرِّرُ" مجنون ومنحرف: إطلاق شعريّ من الشاعر آرتو.
هل يريد الأميريكيّ إقصاء مجنوننا كي يبقى مجنوناً أوحد ؟
سيحدد الجوابُ بالطبع علاقته بطرفنا في الجنون عندما ننمّي في أذهاننا ثنائية العلاقة الفوكوية بين الطرفين في اتجاه هدف اقتراضنا إياها.
وإذا كان مجنوننا يُذكِّر حسب "تاريخ الجنون" بتغيّر النظرة إلى الجنون في القرن السابع عشر والتي رأت فيه شيئاً إنسانياً خالصاً فإن السجّان الأميريكيّ في جنونه لا يذكّرُ إلا بالانحراف العدوانيّ.
من يقول: لا ؟
جنوني أنا أقوى من جنونك..يقول الأميريكيّ السجّان في أبي غريب من أجل إقصاء الغريم.والأقصاء هنا هو تطهير رمزيّ حقاً وهو إشارة إلى مفهوم كلاسيكي أغريقيّ في فن الشعر والدراما كما هو معروف.
الأميريكيّ السجّان "مجنون ومنحرف حسب آرتو وفوكو معاً" هو مخرج هذا المشهد وناظر يشكّل مع أشباهه الآخرين في سجن أبي غريب وبعيداً منه أيضاً نظّارةَ تلك الكوميديا السوداء.
يقول الأميريكيّ لمجنوننا: مَثِّلْ جنوني لا جنونَكَ. ليتمَّ له التطهير..فيرتاحَ قليلاً من نوبته التي لا تشبع من مشهد واحد.
***
لكن ماذا عن عارنا في الثقافة العراقية شِبْهِ الساكتة ؟
قد يكون من حسن حظنا أنْ ظهرَ بين السجناء المعاقَبين مجنون.
إنه هنا بلا حزب ولا مذهب.
بلا عقلٍ معاقَبٍ قبْلياً من قِبَل المحتلِّ الأميريكيّ وحلفائه العراقيين.
الآنَ..سيمنحنا المجنون فرصة لكي نخفّفَ وطأةَ عارنا علينا.
فقد نبكي عليه جراء تعذيبه من قِبَل السجانين محررينا الأطباء أو في الأقل قد نتأسف على ما جرى له بدون أن نضربَ كفاً على كفٍّ..ونغسلَ أيدينا من فكرة التحرير التي أشاعها بيننا رجالُ دينٍ ورجالُ أعمالٍ وإنتلجنسيا وأحزابٌ عديدة..إلخ
***
وفي عودة إلى ثنائيات فوكو سنتذكر استفادة الراحل أدوارد سعيد منها في كتابه الاستشراق بل أنّ الراحل يعترف بدين فوكو عليه في مقدمة كتابه الذي كنت أراه في منهجه مبالغاً فيه.
"نحن" و"هم" ثنائية استشراقية لا أريد الخوض فيها.
لكننا نتعرض الآن لثنائيات عديدة في داخلنا قبل أن نستذكر ثنائية استشراقية أخرى استهدفتنا قبلاً "داخل ضد خارج" كما رأى مؤلف الاستشراق.
ربما علينا أن نشكر أحداً غيرنا وليكن عربياً على مواجهته غزوَ أميريكا بلادَنا أكثرَ منّا وهو المتحرر إلى حدٍّ مّا "في النظر إلينا" من ثنائياتنا السقيمة في الثقافة العراقية شبه المستسلمة لإرهاب أميريكيّ يرعى تلك الثنائيات داخلها منذ الحرب الأميريكية الأولى عام 1991 ويمول تغذيتها مادياً من أجل إدامتها زمناً أطولَ، ولعلّ الثنائيات الحزبية هي أكثرها سقماً.
لكن ما يُؤسَّسُ خارجَ إطار كل ثنائية يجعلنا نأمل أنَّ الثقافة العراقية ماضية في تحررها من ربقتها شبه المحكمة حتى لو حاكت مشهد مجنوننا بنطح بابٍ حديد.

* استفادة معدّة من كيرزويل كما في سطر لاحق..ترجمة جابر عصفور.

16-2-2006
هولندا



#كمال_سبتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخوفُ على الشّعر
- قبيلةُ النّمّامين
- وسوى الرّومِ خلفَ ظهرِكَ رومٌ/ نشيدُ انتصار
- أيّامي..وقصيدة عن الجمال
- المقاومة وتروتسكي وقطار برت لانكستر
- قصيدتان
- عن أحمد الباقري وتعاليمه
- جمعُ تراثِ مقارعةِ الدكتاتورية
- الشعراء يستعيدون نبيا من التاريخ
- الشّعرُ والتّوثيقُ الشّخصيّ
- تروتسكي باريس 1979
- كنّا طَوالَ مُعارَضَتِنا الدّكتاتوريَّةَ وما زِلْنا: بلا حَر ...
- محسن الخفاجيّ : عمرٌ متوقفٌ في بوكا و اسمٌ يكبُرُ كلَّ يوم
- كلُّ شويعرٍ مناضلٌ صنديد
- أميريكا..اِذهَبي وضاجِعي نفسَكِ بقنبلتِكِ الذَّرِّيَّة
- القاص السجين محسن الخفاجي
- بِساطُ السُّكْر
- المَغيب
- الخليفةُ والنَّبيّ
- موتُ عقيل علي


المزيد.....




- مقر حقوق الإنسان في ايران يدين سلوك أمريكا المنافق
- -غير قابلة للحياة-.. الأمم المتحدة: إزالة الركام من غزة قد ت ...
- الأمم المتحدة تحذر من عواقب وخيمة على المدنيين في الفاشر الس ...
- مكتب المفوض الأممي لحقوق الإنسان: مقتل ما لا يقل عن 43 في ال ...
- مسئول بالأمم المتحدة: إزالة الركام من غزة قد تستغرق 14 عاما ...
- فيديو.. طفلة غزّية تعيل أسرتها بغسل ملابس النازحين
- لوموند: العداء يتفاقم ضد اللاجئين السوريين في لبنان
- اعتقال نازيين مرتبطين بكييف خططا لأعمال إرهابية غربي روسيا
- شاهد.. لحظة اعتقال اكاديمية بجامعة إيموري الأميركية لدعمها ق ...
- الشرطة الاميركية تقمع انتفاضة الجامعات وتدهس حرية التعبير


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - كمال سبتي - عارُنا في أبي غريب