أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ماجد عبد الحميد الكعبي - بنية التناقض من ابرز سمات الفكرالنحوي العربي















المزيد.....

بنية التناقض من ابرز سمات الفكرالنحوي العربي


ماجد عبد الحميد الكعبي

الحوار المتمدن-العدد: 5615 - 2017 / 8 / 20 - 19:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


وجود التناقض في تراثنا ليس صفة خاصة بانتاج معرفة دون اخرى وانما اصبح بنية لخطاب يشمل معارف وعلوم وانماط حياة وسلوكيات لمجتمعات تُعرف بالعربية. لذلك فهو بنية مستحكمة في ثقافتنا ومتأصلة في نفوسنا. ولكن كيف اصبح التناقض بنية عقلية ؟ او من اين جاءت بنية التناقض؟ والجواب هو : غياب النقد والتفكير النقدي من ثقافتنا يجعل المرء لا يميز بين الصالح والطالح ، فالشعارالمرفوع هو: احفظ ما تؤمر به بالتلقين فقط. و الحفظ والتلقين لايتركان للمتعلم مجالا للتفكيرفاصبح التفكير نفسه حرام ، لذا يجب ان تحفظ ما يقال لك ولا تناقسش ولا تجادل فالجدل كفر. وبهذا الاسلوب توارثنا ان كل ما يقوله لنا المعلم هو بمثابة الكتاب المقدس فاصبحت المتناقضات مسلمات وبديهيات لا تتطلب التفكير. ولان الموضوع واسع ومتشعب لذا ساقتصر الحديث على مجال المعرفة اللغوية والنحوية لنتعرف كيف اسهمت بنية التناقض في تعقيد تلك المعرفة وتحولها من معرفة نافعة الى احاج وطلاسم.
ان وجود الكم الهائل من المؤلفات والعدد الكبير من العلماء والكتاب والمفكرين في اية معرفة لا يشكلان دليلا على ان هذه المعرفة تمتلك التفرد والاصالة. وبتعبير اخر، ان الكم لايشكل معيارا وانما هناك معايير اخرى منها النوعية والجودة والوظيفة التي تقدمها تلك المعرفة للبشرية. يضاف الى ذلك ، واذا لم يكن بناؤها تراكميا اولا، ولم تستطع ان تتخلص من مشكلاتها المستعصية عبر تداولها بين الاجيال المختلفة ثانيا فانها ليست معرفة اصيلة أو انها معرفة زائفة. انها معرفة لا يحتويها نسق تراكمي من جيل الى اخر كي تشهد نموا وتطورا منطقين ، لذلك فهي اسيرة لعملية البناء والهدم في الوقت ذاته وهو ما سيعزز بنية التناقض التي لاتنتج شيئا الا الصراع وسوء الفهم.
لقد كان التناقض لصيقا للنحو العربي منذ نشأته الاولى فقد قيل: ان السبب الرئيس لنشأة النحو العربي كان لحفظ وصيانة لسان الاعاجم من اللحن بعد ان دخلوا الاسلام فوضعت لهم قواعد ميسرة لتقويم السنتهم لكن سرعان ما تحولت هذه القواعد من اسس ميسرة لتعليم غير الناطقين بالعربية الى قواعد معقدة يتمترس خلفها نحاة من الاعاجم يخطئون الأعراب الاقحاح بما فيهم الشعراء الفصحاء انفسهم. وكلما تقدم بنا الزمن ازداد وجود التناقض وكبر حجمة ليتحول من خلافات بين افراد من النحاة الى ظهور مدرستين نحويتين ، البصرية والكوفية. وكان زعماء المدرستين يخطئون بعضهم بعضا في مسائل مفترضة ومصنوعة لم يتكلم بها العرب او الاعاجم. يضاف الى ذلك ان هؤلاء النحاة اتخذوا من تلك الخلافات -التي قالوا عنها انها علمية- ميدانا لتصفية حسابات شخصية تمظهرت على شكل خصومات ونزاعات غيراخلاقية بعيدة عن القيم العلمية الموضوعية والاهداف النبيلة ، حيث كان الدس والتامر والحسد والغيرة والتحايل والتزوير وكل الرذائل التي ينبغي ان يترفع عنها اصحاب العلم. وتشهد كتب تاريخ النحو والنحويين برواياتها الجمة على تلك الاخلاقيات السيئة.
ولنضرب مثالا واحدا على سلوك زعيم المدرسة النحوية في عصره ومؤدب ولدي الرشيد (الامين والمأمون) الكسائي لتتضح لنا بعض من ملامح الصورة الشخصية لما يطلق عليهم بـ (العلماء). قال اليزيدي للكسائي: يا أبا الحسن، امور بلغتنا عنك ، ننكر بعضها ! فقال الكسائي : أومثلي يخاطب بهذا؟ وهل مع العالم من العربية الا فضل بصاقي هذا ؟ ثم بصق ! فسكت اليزيدي. وكما هو واضح فان الكسائي يدعي الأعلمية في العربية متحدثا بلغة عنجهية ومتصرفا مثل الرجل الاحمق. الكسائي يدعي الاعلمية بالاقوال ولكن الافعال والتصرفات (أقصد الجانب التطبيقي والعملي لاستعمال اللغة) تثبت عكس ذلك حيث ينكشف جهله وضعفه. فعنجهية الكسائي هذه وتشدقه بالأعلمية كذب وتزييف وما هو الا مدع مثل غيره الذين رفعهم السلطان الى بلاطه فاصبحوا عبيدا. يروي الكسائي نفسه رواية تظهر كيفية جهله ببعض القراءات التي تتقنها العامة فقال: حججت يوما مع الرشيد فقمت لبعض الصلوات ، فقرأت (ذرية ضعافا خافوا عليهم) فأملت ضعافا ، فلما سلمت ضربوني بالنعل والايدي وغير ذلك ، حتى غشي عليَ. وينقل احد الدارسين المعاصرين: ان الكسائي نفسه ( يعترف بان لسانه ربما سبقه باللحن ، فلا يمكنه ان يرده، فتذكر المصادر أنه قرأ، وهو يصلي بهارون الرشيد: ( لعلهم يرجعون) فقال : لعلهم يرجعين ! قال ك فو الله ما اجترأ هارون أن يقول لي : أخطأت ، ولكنه لما سلمت ، قال لي: يا كسائي، اي لغة هذه؟ قلت : يا أمير المؤمنين ، قد يعثر الجواد. فقال : أما هذه فنعم). ومما يروى ايضا ما ذكره الفراء من ان ( الكسائي مات وهو لا يحسن حد (نعم وبئس) ولا حد أن المفتوحة ، ولا حد الحكاية). والفراء نفسه يقول : ( ولم يكن الخليل يحسن النداء، ولا كان سيبويه يدري حدَ التعجب).
وتوارثت الاجيال ذلك التناقض حتى بتنا نسمع استاذا مساعدا يحمل شهادة الدكتوراه في اختصاص النحو يناقش طالب دكتوراه في اختصاص النحو-ايضا - يلحن في خطبته فينصب ما حقه الجر مرارا وتكرارا دون ان يشعر انه قد أخطأ. هل نحتاج الى براهين وامثلة اكثر للتدليل على بنية التناقض؟ نعم ، نحتاج والامثلة كثيرة بيد ان المكان لا يتسع الى ذلك. لذا ساختم ببعض الامثلة التي تكشف ان بنية التناقض ليست في انتاج المعرفة والفكر فقط ، وانما في السلوكيات والتصرفات التي اعتاد عليها اؤلئك العلماء. الكسائي نفسه ، المقرئ المشهور وصاحب الحديث الثقة كان يشرب الخمر ويمارس اللواط في حلقة تحفيظ القران ولا يشعر بان هذه الممارسات تتناقض مع مكانته العلمية ودوره التربوي.
يروي صاحب ارشاد الاريب ويتفق معه مؤلف بغية الوعاة : ان الكسائي أقام غلاما ممن عنده في الكتَاب، وقام يفسق به ، وجاء بعض الكتاب ليسلم عليه ، فراه الكسائي، فجلس في مكانه ، وبقي الغلام قائما مبهوتا. فلما دخل الكاتب ، قال للكسائي: ما شأن هذا الغلام قائما؟! قال: وقع عليه الفعل فانتصب!.
من هنا نخلص الى ان الصورة لم تكن مثالية والتراث ليس كتابا مقدسا، ورجاله ليسوا انبياء ، وانما هم بشر يخطئون ويصيبون لذا بات واجبا علينا ان نعيد قراءة ذلك التراث لتخليصه مما علق به من افكار متناقضة واخطاء فاحشة ، فنعيد انتاجه بالشكل الذي يتوافق ومتطلبات العصر وضرورياته.



#ماجد_عبد_الحميد_الكعبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الايديولوجيا تُسهم في تزوير معظم التراث وتزييفه
- النحو العربي : قواعد مصنوعة وكبار النحاة كانوا يلحنون
- خطاب ما بعد الأعراب : الحركة النسوية السعودية تقود ثورة الاص ...
- الاستشراق المقاوم : جيمس دكنز مثالا
- بين سعدي الشاعر والساعدي القائد تتجسد ثقافة الارهاب
- بريطانيا تبحث عن زعيم حكيم ام عن امرأة حديدية؟
- الكتابة الجميلة – الكلام الجميل والايديولوجيا القاتلة
- كيف نصلح التعليم في العراق؟ موجود نظريا عاطل وظيفيا
- كيف نصلح التعليم في العراق ؟ هي جامعة ام مدرسة ثانوية مختلطة ...
- كيف نصلح التعليم في العراق؟ الطالب الجامعي: ما له ؟ وما عليه ...
- كيف نصلح التعليم في العراق؟ الطالب ليس غبيا
- كيف نصلح التعليم في العراق ؟ ما معنى ان تكون اكاديميا ؟
- كيف نصلح التعليم في العراق؟ اتقوا الله في أبنائنا وبناتنا
- كيف نصلح التعليم في العراق؟ دكتاتورية وادارات فاشلة
- كيف نصلح التعليم في العراق؟ اجراءات فيما يتعلق بالمناهج الدر ...
- كيف نصلح التعليم في العراق ؟ الاطار العام
- كوربن وخطابه السياسي: سعي نحو المثالية ام انعكاس للواقع
- ليبق (مول) الكرادة نصبا تذكاريا لتجسيد المأساة
- مملكة الأعراب الراعية الاولى للإرهاب
- النظام السعودي وصورته في المجتمع الغربي


المزيد.....




- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...
- الرئاسة الفلسطينية تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية أي اقتحام ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: وعود كييف بعدم استخدام صواريخ ATAC ...
- بعد جولة على الكورنيش.. ملك مصر السابق فؤاد الثاني يزور مقهى ...
- كوريا الشمالية: العقوبات الأمريكية تحولت إلى حبل المشنقة حول ...
- واشنطن تطالب إسرائيل بـ-إجابات- بشأن -المقابر الجماعية- في غ ...
- البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ماجد عبد الحميد الكعبي - بنية التناقض من ابرز سمات الفكرالنحوي العربي