اصلاح النظام التعليمي / الجزء الثاني

رياض العصري
كاتب
(Riad Ala Sri Baghdadi)

الحوار المتمدن-العدد: 5391 - 2017 / 1 / 3 - 22:57
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    

الاوطان قد تمر بمحن ولكن الشعوب الموحدة الاماني والمصالح هي التي تجتاز المحن وتحافظ على الوطن ، ونحن نعتقد ان كل وطن لن يتمتع طويلا بالصحة والسلامة الا اذا توفرت له ثلاثة شروط وهي ( عقيدة صالحة + مواطنين صالحين + حكومة صالحة ) العقيدة الصالحة هي الاساس في كل شيء ، وكل عقيدة حتى تكتسب صفة الصلاحية يجب ان تنطوي على نظرية اجتماعية ونظرية اقتصادية ونظرية سياسية تستند الى أسس صحيحة وسليمة في تحقيق اهدافها ، وان المعيار الصحيح والسليم لاي نظرية هو ان تكون في توافق مع العلم ومع الحقائق ومع طبيعة الاشياء ، فلنحافظ على اوطاننا مبتدأين باصلاح عقائدنا ، بناءا على كل ما تقدم فان برنامجنا في اصلاح النظام التعليمي يشتمل على الثوابت والمنطلقات والاهداف الاتية :
ـ المعرفة تتأتى بطلب العلم ، المعرفة قيمة للانسان ولا قيمة للانسان مع الجهل ، الجهل يدفع الانسان للتشبث بالاوهام والخرافات ، القراءة والكتابة هي الحد الادنى من متطلبات المعرفة ، عدم معرفة القراءة والكتابة يؤدي الى هدر كرامة الانسان وبالتالي تكون القيمة الانسانية غير كاملة مهما كانت اخلاق الانسان ومهما كان عمله ، كمال القيمة الانسانية يتحقق بتوفر ( الفضيلة ، المعرفة ، العمل ) مجتمعة والتي تمثل شروط الانسان الصالح
ـ مجالات المعرفة التي نعنيها هي العلوم والاداب والفنون وهي جميعها تشكل غذاء للعقل والنفس ، العلوم تشمل كل معطيات العلوم المعاصرة من فكر ونظريات وقوانين والتي هي من ابداعات العقل الانساني ونحددها بعلوم الطبيعيات وتشمل ( الفيزياء والكيمياء والاحياء + الرياضيات ) الاداب تشمل العلوم الاجتماعية والانسانية التي تعكس نتاجات الوجدان الانساني ، واما الفنون فهي تشمل جميع النتاجات البصرية او السمعية ، المادية او المعنوية ، التي تعكس قيم جمالية تمنح النفس الانسانية الاحساس باللذة والمتعة والراحة .
ـ المصادر الاساسية للمعرفة هي الاسرة والمجتمع والمؤسسات التعليمية ، منها يتلقى الانسان اولى مباديء العلوم والاداب والفنون واولى قواعد السلوك وحسن التصرف
ـ المعيار الادنى المقبول اجتماعيا في مجال المعرفة هو حيازة شهادة التعليم المتوسط ( الاعدادي ) لغرض ضمان معرفة القراءة والكتابة مع بعض المعلومات عن العلوم الطبيعية والانسانية مع التأكيد على ضرورة اجادة استخدام جهاز الحاسوب في أداء مهام القراءة والكتابة كأقل مستوى معرفي مطلوب ليكون الانسان مؤهلا من الناحية المعرفية ومحققا لأحد شروط الانسان الصالح
ـ الدولة تتحمل مسؤولية وضع المناهج التعليمية وان تضع في اعتبارها ان العلمانية هي الخيار الصحيح في نظام التعليم وفي المناهج التعليمية ، المناهج يجب ان تركز على تنمية الحس الوطني والولاء للوطن ، الوطن هو جزء من عالم كبير نشترك معه في الحياة والمصير ، والانسان يبقى هو الانسان حيثما كان ، له حقوق وعليه واجبات تجاه مجتمعه الوطني الصغير وتجاه المجتمع الانساني الكبير ، وان العلم يجب ان يكون في خدمة بني الانسان ، ويجب ابعاد الافكار الدينية او القومية او الطائفية او العرقية من المناهج التعليمية .
ـ يجب يكون التعليم الزاميا في المرحلتين الدراسيتين ( الابتدائية والمتوسطة او الاعدادية ) او ما يسمى في بعض الدول العربية مرحلة التعليم الاساسي ( لغاية الصف التاسع ) وان هذه الحالة تحتم ان يكون التعليم في هاتين المرحلتين مجاني .. حيث تتحمل الدولة كافة النفقات المترتبة عن تعليم النشء اساسيات الكتابة والقراءة والعلوم
ـ يكون التعليم مختلط للجنسين الذكور والاناث في جميع المراحل الدراسية ، تعبيرا عن المساواة وعدم التمييز بين الجنسين ، ولكن ان يكون نظام الاختلاط بالتدريج خطوة خطوة بسبب طول العهد في الفصل بين الجنسين في مدارسنا ، وبالنسبة للذين يعتبرون الاختلاط بين الذكور والاناث في المدارس وهم في اعمار المراهقة ينطوي على أضرار من النواحي الاخلاقية ويدعون الى الفصل بينهم ، نقول لهم ان المشاكل التي قد تنجم عن الاختلاط يمكن معالجتها بتفهم دوافعها واتخاذ التدابير المناسبة لها وليس من الصحيح اللجوء الى أسلوب الفصل بين الجنسين كحل للمشاكل في التعليم ، الاختلاط هو الحالة الاجتماعية الطبيعية فلا نجعل ظهور المشاكل بسبب الاختلاط سببا في انسحابنا من الحياة الطبيعية لنحيا في انعزال ولا نلتقي الا من خلف ستار ، بل ينبغي ان نجعل من ظهور المشاكل دافعا للبحث عن تدابير عملية مناسبة لمعالجتها دون المساس بالحالة الطبيعية للحياة الاجتماعية .
ـ الهدف من التعليم في المراحل التعليمية الاولى هو تعليم القراءة والكتابة وبعض اوليات المعارف ، وهذه مرحلة اساسية لابد ان يكون التعليم فيها الزامي ويشمل جميع الاطفال ضمن السن المحدد ، وتتحمل الدولة جميع تكاليف المراحل الاولى للمدارس الخاضعة للدولة ، وتشمل المراحل التعليمية الاولى كل من مرحلة التعليم الابتدائي او الاولي ومرحلة التعليم المتوسط او الاعدادي ويتحمل اولياء امور الطلبة المسؤولية عن احضار ابنائهم الى المدرسة ... اما مرحلة التعليم الثانوي وكذلك الجامعي فتكون جميع مدارس هذه المرحلة وكلياتها تابعة للقطاع الخاص ، ولا تتحمل الدولة اية تكاليف عن هذه المرحلة عدا تكاليف التجهيز بالكتب المنهجية للمدارس الثانوية
ـ تشتمل آلية العملية التعليمية على مسارين ... لكل مسار اهداف محددة ... المسار الاول اهدافه توصيل المعارف الى المتلقين ( اي الطلاب )... والمسار الثاني اهدافه التحقق من وصول المعارف الى المتلقين بشكل صحيح عن طريق الاختبارات
ـ مسار توصيل المعارف الى المتلقين يتطلب توفر المستلزمات الاتية : 1) تهيئة مدارس مناسبة من حيث البناء والتصميم والتأثيث ، 2 ) اعداد معلمين مؤهلين علميا وتربويا ، 3 ) اعداد مناهج تعليمية تتناسب مع طبيعة العصر 4) تهيئة الظروف المناسبة والاجواء السليمة في المدارس ..
ـ اما مسار التحقق من وصول المعارف الى المتلقين بشكل صحيح وسليم فيكون من خلال الامتحانات او الاختبارات النظرية والعملية ، الكتابية والشفهية ، وهذه الامتحانات يجب اخضاعها الى ضوابط دقيقة وصارمة لكي تعطي نتائج سليمة غير مزيفة .. من خلال اشراف الدولة على هذا المسار ومتابعتها لمحطاته ، ويكون تحت سيطرتها المباشرة مفاصل هذا المسار وليس جميع محطاته ، ونحن نعتقد بان على الدولة ان تقلل من التزاماتها بمسار توصيل المعارف لكي تتحرر من اعباء تكاليف هذا المسار وتركز على مسار التحقق من وصول المعارف ، أي ان يقتصر اشراف الدولة على عملية الامتحانات وتفسح المجال للقطاع الخاص في ممارسة نشاطه في مجال التعليم من خلال السماح بوجود المدارس الاهلية وذلك للتخفيف من الاعباء على كاهل الدولة
ـ تكون المناهج التعليمية في التعليم الالزامي مخصصة لعلوم الطبيعة مع علوم الاجتماعيات ( التاريخ والجغرافية والتربية الوطنية ) مضافا اليها المواد الثقافية ( اللغة العربية ، الادب العربي ، اللغة الاجنبية ، الموسيقى والرسم ، الرياضة ، الحاسوب) ويتم استبعاد مادة التربية الدينية من المناهج التعليمية
ـ عندما يتطلب الاشارة الى الفكر الديني في المناهج التعليمية فانه يجب ان يعامل على انه جزء من تاريخ الفكر الانساني وقد مضى عهد هذا الفكر وانتهت صلاحيته واننا حاليا في مرحلة الفكر العلمي القائم على التفكير المنطقي والادلة والتجارب والبراهين العلمية ولا مكان للفكر الديني في المناهج التعليمية
ـ ان عقيدة الحياة المعاصرة هي عقيدة ذات بعد عالمي اممي عابر لنطاق القومية .. وان هذا التوجه نابع من كون العالم يتجه نحو التقارب اكثر فاكثر ، نحن اصبحنا قريبين من بعضنا ولم تعد تفصلنا البحار ولا الجبال ولا المحيطات ، وان قربنا من بعض يستوجب وجود وسيلة تفاهم سهلة تقربنا من فهم بعضنا البعض ، ان قيم الاخوة الانسانية هي اعظم القيم التي انتجتها الحضارة البشرية منذ نشأتها على سطح الارض ، وان ايماننا بهذه المباديء والقيم تجعلنا نفكر بجدية في الوسائل العملية لتعزيز وتقوية الرابطة الانسانية بين البشر في عصرنا الحالي بمختلف انتمائاتهم القومية ، وان اللغة والكتابة هي من الوسائل القوية في التقريب بين البشر وتعزيز مشاعر الاخوة بينهم ، ونحن نلاحظ في عصرنا الحالي وجود انتشار واسع للغة الدارجة اي اللغة المحلية في الحوار عبر وسائل التواصل الاجتماعي .. وان مفردات اللغة الدارجة بدأت تفرض نفسها في كافة وسائل الاعلام وحتى عبر وسائل شبكة الانترنيت ، وهذا ما يستوجب اعادة النظر في استخدام لغة غير منطوقة في الحياة اليومية ، ان مستقبل اللغة العربية الفصحى في عصرنا الحالي سيكون له مقال خاص سأنشره في نهاية سلسلة مقالات اصلاح النظام التعليمي كمقال ملحق بالسلسلة .
ـ نظام التعليم يجب ان لا يقوم على مبدأ تلقين العلم فقط للطلبة وانما ايضا تلقينهم قواعد السلوك الصحيح ، أي انه نظام للتربية ايضا وليس للتعليم فقط لكي يتخرجوا ابنائنا من المدارس مواطنين صالحين ، وان من اسمى مباديء التربية في المدرسة هي تنمية وترسيخ الشعور بالمسؤولية لدى الطالب لكي ينشأ معتمدا على امكاناته وقدراته مع الثقة القوية بالنفس ، ويتم تنمية الشعور بالمسؤولية لدى الطلبة من خلال النشاطات والمهرجانات العلمية والفنية التي تقيمها مديريات التربية والتعليم لغرض تنمية القدرات العلمية والمواهب الفنية لدى الطلبة وتربي فيهم سلوكيات التعاون والتضامن والشعور بالمسؤلية اعتمادا على القدرات الذاتية والجماعية ، وكذلك من خلال اقامة المسابقات الرياضية لتقوية المنافسة وشد الهمم والعزائم للارتقاء بالقدرات البدنية ، ولا ننسى ان نذكر بمسؤولية هيئة التدريس في اشاعة اجواء الشعور بالمسؤولية من اتباع سياسة عدم التمييز في التعامل بين الطلبة داخل صفوف الدراسة لان التمييز يضعف الشعور بالمسؤولية ... كما ان حدوث الغش في الامتحانات دون محاسبة يضعف الشعور بالمسؤولية ، وعدم احترام كرامة الطالب حتى وان كان صغيرا داخل الصف يضعف الشعور بالمسؤولية
ـ ان دعوتنا الى اتباع سياسة عدم التمييز داخل المؤسسات التعليمية تفرض علينا ان نلفت الانتباه الى ان القدرات الاستيعابية للطلبة ليست متساوية ، فالقدرات الاستيعابية تتوقف على عوامل عديدة من ابرزها عامل الجينات الوراثية ، وهو عامل خارج ارادة الطالب وخارج ارادة اهله ، وبالتالي فينبغي على المعلم او المربي ان يدرك ان التحصيل العلمي اوالادبي اوالفني ليس متساويا عند جميع الطلبة ، ونحن ندعو الى عدم التمييز من الناحية الانسانية واحترام قدرات كل طالب واحترام تحصيله العلمي وعدم السخرية او الاستهزاء ممن هم في مستوى متدني في التحصيل العلمي ، ويتوجب على العاملين في مجال التعليم ادراك هذه الحقيقة ومراعاة ذلك ، فالطلاب الذين يمتلكون قدرات علمية متفوقة انما الفضل يعود بالدرجة الاولى الى جيناتهم الوراثية واما الطلاب ذوي القدرات المنخفضة والاستيعاب المحدود فانهم ضحايا جيناتهم الوراثية ... ولا ينبغي وصفهم بالغباء امام زملائهم لان ذلك يضعف من معنوياتهم ويحبط من عزائمهم ويحولهم الى العدوانية والمشاكسة ، نحن واثقون انه يمكن بالتدريب المتواصل والسعي الدؤوب والارادة القوية ان يتغلب الانسان على قوانين جيناته الوراثية ويحقق شيئا ايجابيا نسبيا لصالحه وصالح مجتمعه ، والانسان غالبا ما يحتاج الى التشجيع والدعم والمؤازرة للتغلب على نقاط ضعفه الوراثية ، وان مهمة التشجيع والدعم تقع على عاتق الاهل وعاتق العاملين في المؤسسات التعليمية .
ـ تربية الابناء ليست فقط مسؤولية الوالدين بل هي ايضا مسؤولية المجتمع ومسؤولية الدولة ايضا .. لا يكفي انك تربي ابنائك التربية الصحيحة والسليمة لكي تشعر بانك قد أديت واجبك تجاه ضميرك ووطنك ، يجب ان تعرف بانك واسرتك وابنائك تعيشون في مجتمع ويشتركون معك اخرين في نفس المجتمع .. وان احتمالية وقوع الخطر او الضرر عليك وعلى اسرتك قائم في حالة وجود سوء تربية من قبل الاخرين الذين لم يحسنوا اهاليهم في تربيتهم.. بل ان المجتمع كله سوف يعاني من سوء تربية اي طفل .. ان شرير واحد يستطيع ان يسبب الاذى والضرر لمئة شخص جيد السلوك وحسن الاخلاق .. ومن هذا المنطلق تصبح مسؤولية التربية مسؤولية جماعية على جميع افراد المجتمع الصالحون وتتحمل الدولة العبء الاكبر في هذه المسؤولية في منع وجود الاطفال خارج المدارس ومنع ظاهرة عمالة الاطفال وتسربهم في الشوارع ، الموضوع لا يعتبر شأن خاص ولا يجوز التدخل في تربية الاخرين لابنائهم بل هو شأن عام يهم المجتمع باكمله .. بل ان الخطر من سوء التربية في عصرنا الحالي لم يعد محصورا في الاسرة والمجتمع والبلد فقط بل الخطر عابر للدول .. اذ ان خطر الاشرار الذين لم يحصلوا على تربية سليمة في بيئتهم قد ينتقل الى مجتمعات اخرى بعيدة .. ألم يتجمع في بلدنا مجرمو داعش الذين قدموا من بلدان بعيدة عنا وهم لم يحصلوا في بيئتهم على تربية صحيحة فنشروا الخراب والدمار في بلدنا .. يجب ان يعرف العالم كله ان الارهاب لا وطن له وان الارهاب نتاج سوء عقيدة وسوء تربية وسوء تعليم .. ويجب التدخل بكل الوسائل الممكنة لاصلاح اساليب التعليم والتربية في كل مكان في العالم .
ـ المناهج الدراسية بشكل عام لها ثلاث مسارات : المسار العلمي ، والمسار الاجتماعي ، والمسار الثقافي ، المسار العلمي يشمل علوم الطبيعة ومعها علم الرياضيات مع ضرورة الاهتمام بعلم الفلك واضافته الى منهج علم الفيزياء ، المسار الاجتماعي يشمل علوم الاجتماعيات الثلاثة ( التاريخ ، الجغرافية ، الوطنية ) مع الاهتمام بمباديء علم الاجتماع واضافتها الى التربية الوطنية ، المسار الثقافي يهدف الى تعزيز الادوات والمستلزمات الداعمة للعلاقات الثقافية بين الامم كاللغة والفنون والرياضة .. ويجب عرض المفاهيم العلمية في هذه المسارات بشكل مبسط ومناسب لقدرات الاطفال والمراهقين باعمار تقل عن 15 سنة الذين يكونون مشمولين بالتعليم الالزامي .... يتبع

#رياض_العصري (هاشتاغ)       Riad_Ala_Sri_Baghdadi#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات