أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم الخطيب - -A














المزيد.....

-A


نعيم الخطيب

الحوار المتمدن-العدد: 5378 - 2016 / 12 / 21 - 15:45
المحور: الادب والفن
    


كان بنك الدّم، أبعد (إليّ) من حبل الوريد، ولكنّه كان أقرب إلي بيتي من مشفى الشّفاء. في إحدى أمسيات الحرب، اتّخذتُ قرارًا ميدانيًّا من ذلك النّوع غير الخاضع للحسابات المنطقيّة الاعتياديّة. قرّرت أن أذهب للتّبرّع بالدّم.

المسافة تزيد عن الكيلو متر قليلًا. طبعًا لم أستقلّ سيارتي، فهذا بروتوكول معقّد في حالة الحرب، ولاعتقادي أنّ التّنقّل على الأقدام أقلّ إثارةً للشّبهة. الكيلو متر، ألف خطوةٍ أو يزيد، يصير زمنًا لا ضوئيًّا، خاصّةً وأنّ الكهرباء كانت مقطوعة. في ليل الحرب فقط لا أحد يلعن شركة الكهرباء: الظّلمة اختباء، والاختباء نعمة. في ليل الحرب، تكتسب خفّة قطّ، وعين قطّ، وقلب قطّ.

في الخارج، المسجد مقابل بيتي سيُقصف بعد ليلتين، لا بأس ـ الجهل نعمةٌ أيضًا! بيت جاري أبي مازن، على اليسار، ربّما تمّ إخلاؤه ـ لا أقصد هنا جاري بالضّرورة. الشّوارع خاليةٌ تمامًا إلّا من صوت (الزّنّانات)، إحداها فوق رأسي تمامًا، أتمنّى أن تقوم بقراءة أفكاري شبه السّلميّة. يمين الطريق، أم يسارها؟ المنتصف ليس خيارًا بأيّ حالٍ من الأحوال! الأمر خاضعٌ للتّقدير الميدانيّ. إلى اليسار قليلًا هناك مهبط طائرة الرئيس القديم، وعلى اليمين مباشرةً هناك مقرٌ أمنيٌ مهدّد: مركز شرطة الرّمال، مقرٌ بديلٌ عن آخرَ تمّ قصفه في حربٍ سابقة، سأنتقل إلى يسار الشّارع. اقتربتُ قليلًا من مقرّ الخدمات الطبيّة العسكريّة، غالبًا تمّ قصفه سابقًا، ولكنّ هذا لا يجعله مكانًا آمنًا! إلى يمين الشّارع هذه المرّة. سجنٌ مدنيّ، سأعودُ إلى اليسار. مجمّع أنصار الحكوميّ (العسكريّ)، تمّ قصفه قبل أيّام، وسيتمّ قصفه لاحقًا عدّة مرّات ـ التعليمات العسكريّة لأيّ طيّار مستجدّ في طلعته الجويّة الأولى، تشتمل على أمرٍ واحد: إذا نسيت المكان المستهدف، افرغ حمولتك في أنصار ـ سأعودُ إلى اليمين. المركز الثّقافيّ الفرنسيّ، لا داعٍ للقلق لمدّة عشر ثوانٍ على الأقلّ؛ لا يفكّر حتّى الشّيطان نفسه بتفجير مكانٍ كهذا. أقتربُ من مقرّ الأمن الداخليّ، قُصف غالبًا، وربّما سيقصف ثانيةً ـ أشعر بالخسارة الشّديدة؛ كان في هذا المكان قديمًا ملعب كرة المضرب اليتيم في غزّة ـ سألتزمٌ اليمين قليلًا. على بعد أمتارٍ قليلة، سأعودُ إلى اليسار، لأجد طريقي الملتوية إلى مقرّ بنك الدّم.

وصلتُ المكان أخيرًا، على الأقلّ لن يذهب خوفي هدرًا، أمّا موضوع الإنجاب، باستطاعتي أن احتفل بتوفير بعض التّكاليف الشّهريّة. كان أمامي شخصٌ واحدٌ جاء لنفس الغرض، وعندما جاء دوري، قام الممرّض بوخزي بطريقة ترتقي لأن تسجّل إصابة حرب، عندها بدأتُ بالتّوحّد مع غايتي الّتي جئت من أجلها. أخبرته أنّ زمرة دمي مطلوبة، وطلب منّي الانتظار قليلًا.

ـ يا أستاز، نسبة دمّك أقلّ من 14، للأسف مش حنقدر نسحب منّك!
ـ عن إيش بتحكي يازلمة؟ الدّنيا رمضان! اسحب على عاتقي، انت عارف أنا كيف وصلت هان؟
ـ ما بقدر يا أستاز، دمّك ضعيف!
ـ يا زلمة منا بقلّك دمّي نشف وأنا جاي في الطّريق!
ـ آسف بقدرش!
ـ خلص يعني! طب هاتلك وِحدِة دم عشان مشوار الرّجعة!



#نعيم_الخطيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إبريق فخّار، وبرتقالة
- الله لا يكودلك يا محمود يا عبّادي!
- يا الله، النّخل لا ينبت في المخيم!
- النّوارس، أو مناديل لوركا
- وهكذا ابْتَدَأَت
- اوتو ستوب
- ثوابت غير وطنيّة
- يا ورَادِي يا مْعَلِّمْتي!
- في انتظارِ السّيّدة، أو قِفَا نحكِ
- ليس في بيتي مدخنة
- أربعٌ وعشرون
- هنا اسمي كاملٌ
- وهبطَ كَهْلاً
- ستريت بيرفورمرز دليلُ المُشَاهِد


المزيد.....




- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم الخطيب - -A