|
الأنا ، و النحن ، و الشخصية .!
ميشيل زهرة
الحوار المتمدن-العدد: 5294 - 2016 / 9 / 24 - 16:25
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لكل امريء شخصيتان : واحدة اجتماعية يظهرها أمام المجتمع ليتناغم معه ، متواضعا ، و متذللا له كي يتقبله عضوا فيه ..هذه الشخصية غالبا ما تكون مسحوقة ، و مداسة من البوط الاجتماعي لأنها ليست ( هي ) الحقيقية المعبرة عن الذات العميقة للأفراد الطامحين للتعبير عن الدوافع العميقة للفرد .! بل هي الجماعة بما تحفظه ذاكرتها من أعراف ، و تقاليد ، و عادات ، و عبادات مقدسة . و أخرى ذاتية ، فردية ، غالبا ما يخفيها الشخص ، لأنها تتناقض مع الجماعة ، و شخصيتها.. و هذا يحدث غالبا في المجتمعات التي لا حرية فيها . و التي تحاصر فيها الشخصية الفردية المتمردة على الجماعة و شخصيتها الكابحة لحرية الفعل الإنساني . تتمدد الشخصية الاجتماعية في المجتمعات المقهورة ، و المضطهدة ، و المكبوتة ، على حساب الفردية ، لدرجة أنها تحتل المساحة الفردية كليا فتسحقها نهائيا ، و لا يبقى منها إلا هيكلا هزيلا ، معاقا . لترضي الجماعة و ليس الذات الفرد ذاتها ..! و كثيرا ما تذوب هذه الشخصية الفردية ، في الجماعة كليا لدرجة التلاشي ، فتوجهها الجماعة ، أو تقودها من يدها كما يقاد الأعمى ، كما في الجماعات ذات الصبغة ، العائلية البدائية الطاغية بسيطرة عميدها ، و القبلية ، و العشائرية ، و الطائفية ، و الدينية . و هذا يؤدي إلى استخدام هذه الشخصية الفردية من قبل سدنة الجماعة ، بعد حشوها بوعي الجماعة البائد ، في القتل ، و الثأر ، و الحروب الطائفية ، و الدينية ، و القومية . لذلك يلجأ الفرد الذي لم تسحق شخصيته نهائيا في هذه المجتمعات الشكلانية القاهرة للأفراد ، لإخفاء سلوكه الفردي عن أعين المجتمع الذي يرفض ، و يعاقب على سلوك الشخصية الفردية المختلفة عن مجتمعها . سواء بطرحها الفكري ، أو سلوكها الاجتماعي ، أو السياسي ، أو الديني ، أو الجنسي . هذه الشخصية الفردية مخيفة للجماعة جدا ..ما أن تظهر بين الجماعة ، و تبدأ بسلوكها ، أو طرحها الفكري الذي يتناول ( تابوهات ) الجماعة ، و يبدأ برجها ، و زعزعة ثوابتها..حتى ترتعد فرائص القائمين على سدّة السيطرة على هذه الجماعة .. وهم ( سدنتها ) الدينية ، و السياسية خوفا من أن تبدأ هذه الشخصية الفردية ، في تقويض بناءها ( المقدس ) ..فتبدأ السدنة في تشويه صورة الشخصية الفردية النافرة في عين الجماعة ..و عندما تفشل في ذلك ..و ترى أن هذه الشخصية بدأت باستقطاب أفراد من الجماعة ، و بدأت بتفكيك البناء الفوقي لها .. كثيرا ما تلجأ السدنة ، إلى تصفية هذه الشخصية المتفوقة . رغم أن هذه الشخصية هي من ترفع من شأن محيطها الاجتماعي المتخلف ، و الذي لم يعد يتطابق مع وعيها المتفوق .. لهذا السبب ، و تحت تأثير الرعب من العقاب الذي قد يصل حد القتل الجسدي ..تنكفيء هذه الشخصية عند الشخص الضعيف أمام الجماعة - في مجتمعاتنا القمعية - على ذاتها ، و تفعل في الخفاء كل ما يرضيها ، و ما لا يتوافق مع الشخصية الاجتماعية ، و الجماعة ، سواء في السياسة ، أو الأخلاق ، أو الجنس ، أو المعرفة العلمية التي يرى فيها المجتمع القهري خروجا عن المقدس . لذلك تصبح شخصية سلبية ، هاربة من المواجهة ، فتطرح طروحات ، و أماثيل ، تتناغم مع عجزها و هروبها . و لكن هناك أشخاص خاضوا تجربتهم حتى النهاية ، و اكتشفوا : إن الجماعة ، و قوانينها ، و أعرافها أوهى من بيت من ملح ، وحققوا انتصارا . أما في المجتمعات التي تعطي مجالا واسعا للحرية الفردية ..نرى أن هذه الشخصية الخلاقة للأفراد تنهض بذاتها و بمجتمعاتها على السواء ..لأن دور الرقيب الاجتماعي المحافظ على بدائية المؤسسة للجماعة يكون غائبا عمليا في المجتمعات المنفتحة ، و الحرّة ، و التي تُمنح الشخصية الفردية ، فيها ، دورا بارزا لتظهر ، فتبدع ، و تتفاعل بشكل إيجابي مع محيطها الاجتماعي ، و العالم .. فتكون إنسانية منتجة ، مبدعة ، منفتحة ، غير حاقدة ، و غير متطرفة ، و غير إلغائية ، بل تشاركية متفاعلة ، و فاعلة. لذلك تكون فطرية ، غالبا ، في سلوكها ، و نظرتها للكون . و يكون مجالها الإنساني رحبا ، و منفتحا .
#ميشيل_زهرة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الزيف الإنساني ..!
-
أم رمضان و ساكو ..!
-
الخبر الذي يهز البشرية الآن ..!
-
النثر ، و الشعر ..!
-
شطحة خيال ..!
-
تهافت الأمراء ..!
-
أنا المكتوم بلا انتماء ..!
-
السيدة الغامضة ..!
-
الصورة ..!
-
قراءة في رواية الشرنقة و الفراشة للروائي محمد زهرة ، للدكتور
...
-
عبدو على تخوم المستحيل ..!
-
داعش ، ربيع العرب ..!
-
مذكرات جنرال عربي ..!
-
العقم الفكري ..!
-
الوحش ..!!
-
قطب واحد ..!
-
الكذب المقدس ..!
-
الكذب المقدس ..!!
-
الحمير تفكر .. و تعشق أيضا ..!
-
الملفّ ..!
المزيد.....
-
مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى
...
-
تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
-
الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين
...
-
مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج
...
-
حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين
...
-
قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا
...
-
العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي
...
-
مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى
...
-
مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
-
الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد
...
المزيد.....
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
-
سورة الكهف كلب أم ملاك
/ جدو دبريل
-
تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل
...
/ عبد المجيد حمدان
-
جيوسياسة الانقسامات الدينية
/ مرزوق الحلالي
-
خطة الله
/ ضو ابو السعود
المزيد.....
|