أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - عن العلم والأدب مجددا














المزيد.....

عن العلم والأدب مجددا


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 5189 - 2016 / 6 / 10 - 01:28
المحور: الادب والفن
    


كنت قد كتبت مقالا بعنوان" العلم والأدب تفاعل مثمر"، وفي بعض الحالات أتلقى تعليقات سريعة على ما أكتب، معظمها ينطوي على تقدير أو إعجاب، لكن القليل منها يغني المقال الأصلي بوجهة نظر أو رؤية ، أومعلومات جديدة. من ذلك الرسالة التي جاءتني من الأستاذ الجامعي عالم الميكانيكا د. صفاء صادق، ورسالة الأديبة د. أسماء شهاب الدين. يشير د. صفاء إلي علاقة الأدب بالعلم من خلال نموذجين: الأول هو الكاتب الروسي أنطون تشيخوف، وكان طبيبا، والذي يستعرض في قصته"حكاية مملة"العداء للعلم حين يقول أحدهم:"الصينيون لم يعرفوا العلم، فماذا خسروه؟". فيرد عليه أستاذ آخر:" العلم أهم وأروع شيء في حياة الإنسان"، ويؤكد تشيخوف إيمانه بالعلم على لسان الأستاذ الجامعي الذي يروى القصة حين تقول:" لا يشغلني الآن، قبيل الموت، إلا العلم وحده، فسوف أظل مؤمنا ً بأن العلم ألزم شىء في حياة الإنسان، وبه وحده سينتصر الإنسان على الطبيعة وعلى نفسه ". وفي رواية تشيخوف القصيرة المسماة " المبارزة" يرصد شخصية الطاغية المستبد في مجال العلوم! نرى ملامحه في مجال العلم كما نراها في الدولة والحروب، إنه لا يرحم الضعفاء ولا الفاسدين خوفا من أن يتكاثروا ويقضوا على الحضارة! وهو كما يصفه تشيخوف: " يتدخل في شئون الآخرين ويجبر الجميع على الخضوع له والجميع يخشاه، والناس بالنسبة له كلاب وأشياء تافهة". أما النموذج الثاني في علاقة الأدباء بالعلم فيتجلى في أدب نجيب محفوظ وخاصة ما جاء في روايته " أولاد حارتنا" التي نشرها عام 1959، وأثارت ومازالت جدلا واسعا. وتتضمن الرواية نظرة نجيب محفوظ الواضحة إلي العلم بصفته قادرا على تحويل حياة البشر وتلبية احتياجاتهم، وإذا كانت شخصية " عرفة " في الرواية هي حاملة لواء العلم والثقافة الحديثة فإن عرفة يؤكد أن العلم: " قادر على كل شيء.. وقد يتمكن يوما من القضاء على الفتوات أنفسهم، وتشييد المباني، وتوفير الرزق لأولاد حارتنا كافة". لكن عرفة رمز العلم يتحسر على وضع العلماء قائلا بمرارة: " كل ما عندي فيه فوائد للناس، لكني لم ألق في حياتي إلا الإساءة"! ولا تخلو أولاد حارتنا من مخاوف نجيب محفوظ من خضوع العلماء للسلطة وتحويل العلم إلي سلطة قمعية . وبهذا الصدد تشير بدورها الأديبة الطبيبة د. أسماء شهاب الدين إلي أن تقديس العلم بشكل مجرد ومطلق قد يقودنا إلي أخطاء بل وإلي خطايا كبيرة، إذ يشهد التاريخ أن العلوم طالما استخدمت كأدوات للسلطة ، وأن السلطات الديكتاتورية طالما سخرت العلوم لأغراضها وخاصة في مجال الطب، وليس أدل على ذلك من النازية التي تبنت رؤية علمية مجردة من أي انحياز إنساني قادتها إلي اجراء التجارب العلمية المحرمة على أسرى الحرب. وهناك أشكال وتجارب كثيرة على حد قول د. أسماء شهاب الدين لتذليل العلم وتسخيره لأغراض السياسة، لذلك فإنه من الأهمية بمكان حينما نعلن عن العلاقة الوثيقة بين العلم والأدب أن نشير إلي المرتكزات والأهداف الانسانية لتلك العلاقة بحيث تتوخى في المجالين خير الإنسان وسعادته. وكنت قد أشرت في مقالي السابق إلي جانب آخر يتعلق تحديدا بتأثير تطور العلم في مسيرة الأدب، وجاء فيه أن عالما وفنانا عظيما هو ليونارد دافنشي أن دور العلم هو الوصول إلي القوانين الكلية للأشياء ، أما الأدب فسيظل مهتما بالخصائص الكيفية للأشياء. وهو تقسيم صحيح، لكنه لا يعني أن العلم والأدب جزيرتان منفصلتان، لا تتبادلان التأثير. بل إن علاقة التفاعل بين المجالين أقوى بكثير مما تبدو لنا. على سبيل المثال فقد كانت" قنديل أم هاشم" ليحيي حقي تعبيرا بشكل ما عن درجة التخلف العلمي في الطب، إلا أن انتشار طب العيون أدى إلي انتفاء أية إمكانية فعلية لظهور بطل من نوع" الدكتور إسماعيل" ورواية مثل قنديل أم هاشم. وفي القرنين 18و 19، شكلت الروايات المكتوبة في شكل رسائل متبادلة علامة في الأدب الأوروبي، لكن اكتشاف التلفون دفع إلي الخلف بأهمية الرسائل، وهكذا كتبت الروائية المعروفة جين أوستن روايتها الشهيرة"العقل والهوى" بداية في شكل رسائل ثم غضت النظر عن ذلك وكتبتها بطريقة أخرى. وهناك مثال آخر ساطع على التفاعل المثمر بين العلم والأدب، فقد عرف تاريخ الأدب عشرات أو مئات الروايات التي قامت عقدتها على مأساة البطلة التي فرطت في أعز مالديها، كما هي الحال مع " هنادي" في دعاء الكروان لطه حسين، وفي" مدام بوفاري" لجوستاف فلوبير، لكن اكتشافا علميا بسيطا مثل حبوب منع الحمل أدى إلي منع تلك المآسي داخل الأدب. وقد حفل الأدب الرومانسي بعشرات الأبطال الذين يعانون من مرض السل، ويحبون، ويرحلون في نبل، مثل " مرجريت" التي تموت بداء السل في " غادة الكاميليا"، إلا أن اكتشاف البكتيريا المسببة للمرض في 1882 ثم الدواء قضى على ذلك النوع من الشخصيات وأخرجها من دائرة الإبداع. وأدى اكتشاف التلفون وحده إلي تنحية كل العقد الأدبية التي قامت على ضياع الخطاب المرسل من العاشق إلي حبيبته وما ينجم عن ذلك من مصائر مأساوية! وقد أقام محمد المويلحي عمله البديع " مقامات عيسى بن هشام" 1907 على أساس نزهة يقوم بها عيسى والباشا في مصر للتعرف إلي أحوالها، لكن اكتشاف التلفزيون جعل من المستحيل ظهور شخصية كتلك بعد أن أصبح بوسع أى إنسان أن يتعرف إلي أي مكان في العالم وهو جالس في بيته ! وقضى العلم برسم خريطة جغرافية واضحة لمعالم الأرض والبحار على كل روايات السفن المغامرة المبحرة لاستكشاف عالم مجهول. ودفن ظهور الهاتف المحمول شخصية " روبنسون كروزو" إلي الأبد ، فلم يعد من المحتم الآن على رجل سقط على جزيرة أن يعيد بناء العالم بمفرده، بعد أن أصبح من الأسهل بكثير أن يجري اتصالا بالمحمول بأية نقطة في العالم. ومن غير المعروف بعد الأثر البالغ الذي سيتركه ظهور" الهندسة الوراثية" عندما يصبح من الممكن مستقبلا وضع بطاقة شخصية لكل فرد بالعوامل الوراثية الخاصة به وما يمكن تفاديه منها وما يمكن تعديله! المؤكد في كل الحالات أن التفاعل بين المجالين يسفر عن بلورة الحقيقة بدقة أكبر.
د. أحمد الخميسي. كاتب مصري



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جراحة - قصة قصيرة
- رحلة للحكومة للتعرف إلي الشعب
- لغة الجرائد
- تفاصيل الموت والحياة
- - اتصال - قصة قصيرة
- تيران وصنافير .. وحرية التعبير
- صحافتنا المصرية تاريخ من الحرية
- صياد الأرواح
- عدمية وخراب الأدب الصهيوني
- لحظات لن يغغر فيها الوطن الصمت .. حول جزيرتي صنافير وتيران
- تمثال للأم الشجاعة
- علاء الديب .. شجن الوحدة والاغتراب
- طوب علينا يارب
- حاكموا الوزير أو أفرجوا عن أطفال المسيحيين
- من تنوير العقل إلي تنوير الشعور
- يهدمون بيت أحمد رامي في القاهرة!
- الشاي والناس
- من الذي يتجرأ على تعديل نجيب محفوظ ؟!
- نوبة عباس الطرابيلي
- آليونا - قصة قصيرة


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - عن العلم والأدب مجددا