أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - قتل الحرية الفردية فى مسرحية الزومبى















المزيد.....

قتل الحرية الفردية فى مسرحية الزومبى


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 5180 - 2016 / 6 / 1 - 23:49
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


قتل الحرية الفردية فى مسرحية الزومبى
طلعت رضوان
عرض مسرح الهناجر مسرحية (الزومبى) إعداد وإخراج طارق الدويرى . تــُـثير المسرحية المشكلة التى أرّقتْ ضمائر المُـبدعين والمُـفكرين فى تاريخ الإبداع والفلسفة : كارثة الأنظمة الاجتماعية والسياسية التى تسعى وتحرص على تحويل الشعب إلى مجموعة من القطيع، مثلهم مثل المواشى فى منظومة (الراعى والرعية) مثلما حدث فى كل الأنظمة الشمولية (سواء الأنظمة الدينية أو التى تـدّعى أنها مدنية) وكان النظام النازى والنظام السوفيتى أبرز الأمثلة على تلك الشمولية التى (حاولتْ) قتل إرادة الفرد وحريته.
اختارالدويرى من الإبداع الأدبى نصيْن حازا على الانتشار بين مختلف دول العالم : الأول رواية (فهرنهايت451) تأليف الأديب الأمريكى (راى برادبرى) الذى وجـّـه أشد النقد لأى نظام شمولى يُـحاول طمس وقتل الحرية الشخصية للمواطنين . فى هذا النظام استخدم حاكمه/حكامه جهازالتليفزيون ليكون الأداة التى بواسطتها يتم قمع وتغييب عقل المواطن ، من خلال الدعاية الفجة لمنظومة الحكم السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، أى أنه جهاز يبيع الأحلام الزائفة للمواطنين ، وهو ما حدث مع زوجة بطل الرواية (مونتاج) تلك الزوجة المُـغيبة تمامًـا عن الواقع المأساوى للمجتمع . وكان المُـبدع الأمريكى موفقــًـا عندما جعل بطله يعمل فى مرفق المطافى الذى مهمته إطفاء الحرائق . يتعرّف البطل على جارته (كلاريس) التى أهدته رواية ليقرأها ، فكانتْ المفاجأة أنه أصبح شديد الولع بقراءة مُـجمل التراث الإنسانى ، الذى كان يجهله بشكل عام . تطوّرتْ شخصية البطل بالتدريج فبدأ يتمرّد على منظومة الحكم السائدة ، خاصة بعد أنْ قرأ أساطير بعض الشعوب ، ومنها أسطورة (طائر الفينق) الذى يحترق ويموت بالنارثم يُـبعث للحياة من جديد. وعندما أمر النظام الحاكم بحرق جميع الكتب ، تمكــّـن بطل الرواية من إنقاذ أحد الكتب ، فصار (الإنسان الكتاب) كتب الروائى الأمريكى روايته تلك ردًا على حملة المكارثية فى الولايات المتحدة الأمريكية فترة الخمسينيات من القرن العشرين ، وهى الحملة التى اضطهدتْ المبدعين والمفكرين . وتلك الرواية تحوّلت إلى فيلم سينمائى غاية فى الإبداع والجمال.
العمل الأدبى الثانى الذى اختاره الدويرى هو رواية (1984) تأليف جورج أورويل الذى كتبها عام1949وتــُـرجمتْ إلى62 لغة. تدور أحداث الرواية فى لندن حول موظف يُـراقبه الجيران والشرطة. وكان الرمز القمعى فيها أسطورة النظام حول (الأخ الأكبر) القاتل لأى موهبة وأى تفرد للإنسان . وتلك الرواية كتبها أورويل بعد انتشار عمليات القمع فى النظام الشمولى السوفيتى ، الذى كان يدّعى أنه يعمل لصالح الطبقة العاملة ، بينما ذهبتْ الامتيازات لأعضاء الحزب الواحد الحاكم . وقد تحوّلتْ تلك الرواية أيضـًـا إلى فيلم سينمائى بديع.
فكيف استفاد الدويرى من هذيْن النصييْن ؟ وكيف وظــّــفهما مسرحيـًـا ؟ اعتمد على التقنيات الحديثة ، مثل الديكور المُــتحرّك ، وشاشة العرض السينمائى واستخدام جهاز التليفزيون الذى يُـذيع بيانات النظام وأرقامها وإحصائياتها ، حتى ولو كانت مُـخالفة للواقع الذى يعيشه المواطن . كما استخدم فن البانتومايم وتحريك المجاميع بشكل يقترب كثيرًا من تحريك الدمى فى مسرح العرائس . وكان إنجازه الأكبر هو الرقص التعبيرى، وتكيثف قدرة الجسد الإنسانى على تجسيد مشاهد الألم الذى يـُـحدثه جلادو النظام ضد المُـعارضين له ، وكذلك تجسيد مشاهد الألم نتيجة التعذيب النفسى والبدنى فى مستشفيات النظام بحجة علاج المواطنين من (كارثة التمرد عليه وعدم الخضوع لطاعته) وكذلك المشهد الذى جـّـسد فيه أبطال العرض من الشباب (طابور الطاعة) حيث الكل لابد أنْ يخضع ولابد أنْ يُـطيع ولابد أنْ يذهب حيث يُـريد النظام . وأعتقد أنّ هذا المشهد كان من الممكن أنْ يبدو طبيعيـًـا ولا جمال ولا إبداع فيه ، لولا أنّ المخرج - بشكل إبداعى وفنى رفيع - جعل إحدى الفتيات تتوقف للحظات وهى تــُـفكــّـر ثم إذا بها تخرج من الطابور، أى أنها رفضتْ آفة الطاعة المُـطلقة ، فى رمزية بارعة لرفض (منظومة القطيع) فى الأنظمة الشمولية.
وفى مشهد آخر استخدم المخرج (لعبة الكراسى الموسيقية) فى تأكيد رمزى على أنْ الجلوس على الكرسى (أى كرسى خاصة كرسى الحكم) لا يعتمد على التفانى والإخلاص للوطن ، ولا- حتى - على المهارات الشخصية ، إنما على الحظ – والوحظ وحده. كما استخدم الكرسى ذى العجلات الذى يجلس عليه المرضى المُـصابون بالعجز الكلى وعدم القدرة على الحركة. فــَـعـَـلَ المخرج ذلك رغم أنّ ذلك الكرسى على خشبة المسرح لم يستخدمه أحد ، فى إيحاء رمزى على حالة الشلل التى أصابتْ المجتمع . ثـمّ جسـّـد نفس المعنى فى مشاهد عديدة ، مثل مشهد المجاميع وهم يسيرون بإنحناء لتكريس منظومة الخضوع والخنوع . وكذلك المشهد الرائع الذى جلس فيه كائن قبيح أقرب إلى الدميه ، بجسده الضخم ، وظلّ طوال المشهد يدق بقدمه دقات متتالية ، وبين كل دقة وأخرى لحظات قصيرة، ومع كل دقة كان على المجاميع الامتثال لأمره ، فتلك دقة للجلوس ، تتلوها دقة للوقوف ، وتلك دقة للسجود تتلوها دقة للنهوض، وهكذا دواليك فى تأكيد بارع من المخرج ومن مجموعة الشباب على تجسيد (منظومة القطيع) وهذا المشهد – بالذات - فيه أيحاء بارع وإشارة- بلغة الفن ، عن خطورة سيادة عبادة الحاكم ، تلك الآفة التى جسـّـدها جورج أورويل فى رواية1984عن (الأخ الأكبر) كما أنّ بلاغة هذا المشهد تجسـّـدتْ فى الاعتماد الكبير على الحركة ، وبدون كلمة واحدة.
كما أنّ هذا المشهد لم يكن الوحيد الذى اعتمد فيه المخرج على الحركة ، لأنّ الحركة طوال زمن العرض ، كانت لها السيادة ، ولهذا جاءتْ الكلمات قليلة جدًا ، مع اختفاء الحوار، الذى أعتقد أنه كان مقصودًا ومُــتعمّـدًا من المخرج ، للتأكيد على أنّ (الحوار) بين المواطنين واحد من أشد أعداء الأنظمة الشمولية ، التى تسعى لترسيخ (قولبة الإنسان) أو (تشييئه) كما قال فلاسفة الوجودية. وتلك (القولبة) جسّـدها المخرج فى المشهد قبل الأخير، حيث فرض النظام الحاكم على المواطنين الذهاب إلى جهة مُـعينة ، وحـدّد لهم بابـًـا ضيقــًا لا يتــّـسع إلاّ لشخص واحد ، فكان كل شخص يدخل ووجهه فى الأرض (دلالة على الخضوع) ثـمّ كانت المفاجأة عندما توقفــّـتْ فتاة (وهى فى طابور الخنوع) وشخصتْ بعينيها فى الفضاء (فى إيحاء رمزى أنها تتأمّـل الوضع لتـُـقرّر ماذا تفعل) وإذا بها تخرج من طابور الذل والعار، وترفض الدخول من الباب الذى حـدّده (الأخ الأكبر)
ومن المشاهد الرائعة أيضـًـا المشهد الذى أعلن فيه النظام الحاكم (من خلال أجهزة دعايته العديدة وعلى رأسها جهاز التليفزيون) منع قراءة الكتب. ولكن هذا المنع ساعد المواطنين على ابتكار (الإنسان الكتاب) و(الناس الكتاب) فى إيحاء رمزى على أنّ البشر- طوال تاريخهم - لم يستسلموا لإرادة الأنظمة الشمولية الكارهة للقراءة ، وهو ما جسّـده الروائى الإيطالى الكبير (أومبيرتو أيكو) فى رائعته (اسم الودة) حيث أنّ الراهب المسئول عن مكتبة الدير كان يسمح بقراءة الكتب الدينية فقط ، ويمنع قراءة كتاب أرسطو (فن الضحك) لأنّ الإنسان القادرعلى الضحك هو إنسان مُـتجـدّد ، وأنّ السخرية تقتل الجمود والتقولب والتحجر. وهكذا نجح الدويرى فى نقل رسالة المُـبدع الأمريكى مؤلف رواية (فهرنهايت451)
وإذا كان الدويرى قد بذل جهدًا مُـميّـزًا سواء فى إعداد النص أو فى العرض ، فقد شـدّنى الأداء الرائع للشاب الذين جسـّـدوا حركة المجاميع . والجهد الخارق طوال مدة العرض ، مما أكــّـد لى أنهم (آمنوا) برسالة المسرحية ، ومن هنا جاء أداؤهم البديع والمُـميـّـز. ومن هذا الإيمان تجمّـعتْ كافة عناصر العرض ، من موسيقى وأزياء وتصميم الرقصات التعبيرية والديكور.. إلخ. وهذا العرض ذكــّـرنى بما كتبه الفيلسوف الألمانى (هيجل) الذى انتقد عبادة الحاكم حيث قال ((ملعون الشعب الذى يعبد البطل ، حتى ولو كان بطلا حقيقيـًـا))
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مصر دائما مغلقة لاستقبال (الغزاة) الفاتحين
- شكسبير والغوص فى النفس البشرية
- 2- مصر المنكوبة بخيراتها
- مصر المنكوبة بخيراتها
- الأديبة هدى يونس والغموض الفنى
- لماذا كرّستْ الأحاديث لعبودية ؟
- فؤاد حسنين على: مثقف من طراز نادر
- فكرة (رب الكون) وعلاقتها بالبشر
- العرب وعلم الآثار
- لماذا هاجم السلمون ترامب ؟
- علماء أوروبا وكشفهم للترتث العربى
- لماذا الدولة المصرية (موش دولة) ؟
- هل الشخصية الاعتبارية لها ديانة ؟
- اليسار العربى والمصرى والموقف من الاستشراق
- غسان كنفانى : هموم فلسطينية إبداعيًا
- هل يتأثر العقل بالتراث ؟
- نقابة الصحفيين والشخصية المصرية
- هوّ الأزهر مؤسسة للدين ولاّ للسياسة ؟
- لو الرئيس عزل وزير الداخليه.. ح يحصل إيه ؟
- تناقض العلاقة بين الرب العبرى وشعبه المختار


المزيد.....




- -أزالوا العصابة عن عيني فرأيت مدى الإذلال والإهانة-.. شهادات ...
- مقيدون باستمرار ويرتدون حفاضات.. تحقيق لـCNN يكشف ما يجري لف ...
- هامبورغ تفرض -شروطا صارمة- على مظاهرة مرتقبة ينظمها إسلاميون ...
- -تكوين- بمواجهة اتهامات -الإلحاد والفوضى- في مصر
- هجوم حاد على بايدن من منظمات يهودية أميركية
- “ضحك أطفالك” نزل تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد 2024 على ج ...
- قائد الثورة الإسلامية يدلى بصوته في الجولة الثانية للانتخابا ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تقصف 6 أهداف حيوية إسرائيلية بص ...
- -أهداف حيوية وموقع عسكري-..-المقاومة الإسلامية بالعراق- تنفذ ...
- “بابا تليفون.. قوله ما هو هون” مع قناة طيور الجنة الجديد 202 ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - قتل الحرية الفردية فى مسرحية الزومبى