|
الله المحدود
منال شوقي
الحوار المتمدن-العدد: 5072 - 2016 / 2 / 11 - 08:25
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من أسماء الله الحسني أنه الأول و الأخر , فهل هو حقا كذلك ؟ يقول القرأن ( هو الأول والآخر والظاهر والباطن و هو بكل شيئ عليم ) الحديد فبالنسبة لكونه الأخر كيف سيكون و قد وعد المؤمنين به و الفائزون بجنته بخلود أبدي ؟ يقول القرأن : ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا ... النساء ( 57 ) بل إن الكفار خالدون أيضا إذ يقول ( ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبداً ) الجن (23) . فكيف يكون هو الأخر و سيصحبه إلي الأبد كل البشر سواء هؤلاء في الجنة أو أولئك في النار ؟ أم أن الأخر عنده ينتهي بإفناء البشر ثم صيحته الشهيرة ( لمن الملك اليوم ) التي أراد أن يؤكد بها لنفسه أنه إله !!! و هو ما ليس معقولا و لا مقبولا إذ أن الأخر و التي هي مضاد الأول و التي نستنتج علي ضوئها أنها تعني الذي ليس بعده شيئ في الزمان و ردا علي القائلين بكونه خارج الزمان سأفترض أنه يقصد الزمان بالنسبة لنا و المعروف لدينا إلا أنه رغم ذلك و بإضفاءه لصفة الخلود الأبدي علي أهل الجنة و أهل النار لن يكون الأخر أبدا , إلا إن كان ينوي ألا يحترم وعده فيُميت نزلاء الجنة و النار . ثم هل هو الأول ؟ يقول القرأن : وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون 28 فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين 29 ( الحجر ) و عليه فكلامه عن نفسه غير دقيق و وصفه لنفسه بالأول يحتاج لمراجعة , إذ طالما أن الإنسان عند المؤمنين هو جسد و روح فجزء من كينونة الإنسان - ألا و هي الروح و التي هي في الأساس من روح الله الذي نفخ بعضا من روحه في الصلصال فدبت فيه الحياة - أول لا سابق عليه كما أن روح الله لا سابق عليها و كمثال توضيحي : إن أنا وضعت اللحم الذي طبخته قبل يومين علي الأرز الذي طبخته أمس فلا أستطيع أن أقول أن الطعام طازج طُبِخ اليوم بل إن بعضه طعام بايت شئت أم أبيت . و قد قال الله بنفسه أن روح أدم و بالتالي ذريته هي من روحه التي نفخ منها و بما أن روحه أزليه فروح البشر أزليه بالضرورة . . هذا عن أبعاده الزمانية , فماذا عن أبعاده المكانية ؟ . تعجبني جدا أية في القرأن طالما تمثلت في ذهني منذ طفولتي بصورة مألوفة في المسلسلات التاريخية حين يحضر الملك و حوله حاشيته ليتفقد تعذيب أعداءه بنفسه و بينما هم عرايا مكبلين في الأغلال تنطق عيونهم بالذل نراه هو واثق الخطي يمشي ملكا و أنفه في السماء . . يقول القرأن : وجاء ربك والملك صفا صفا وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى ( الفجر ) و في تفسير الأية يقول القرطبي و غيره : وجاء ربك أي أمره وقضاؤه و الحقيقة أن المقصود من الأية هو المجئ الفعلي لكيان ما و ليس لأمره و مردود علي تفسير القرطبي بالأية نفسها التي تقول ( و جاء ربك و الملك صفا صفا ) فإذا إتبعنا تفسير القرطبي لصارت الجملة كالتالي : و جاء أمر ربك و قضاءه و الملائكة صفا صفا , فهل يستقيم المعني ؟ هل يقف الأمر و القضاء ( و هما معنويان ) صفا مع مع الملائكة و التي هي ذات كيان فيزيائي ؟ ثم لماذا يُكمل الطبري لله كلامه ؟ ألم يكن الله يستطيع أن يوضح أن من سيأتي هو أمره و قضاءه و ليس هو شخصيا ؟ ألم يقل أن البحر لو كان مدادا لكلماته لنفذ البحر قبل أن تنفذ كلماته ؟ هل إستعصت عليه هاتين الكلمتين ؟ . أما الطبري فيبدو أنه لم يأخذ حذره كالقرطبي - الذي أزعجه مجئ الله فتحايل عليه بالإضافة من عنده - فيقول الطبري : وقوله : ( وجاء ربك والملك صفا صفا ) يقول تعالى ذكره : وإذا جاء ربك يا محمد وأملاكه صفوفا صفا بعد صف . . و الفعل جاء يُستشف منه ضمنيا عدم الوجود في الحيز الذي جيئ إليه قبل فعل المجئ . فلن يطلب منك عاقل أبدا أن تجئ لحجرة المكتب التي تجلس أن فيها بالفعل , و تخيل أن تكون أنت و زوجتك في سويا في المطبخ ثم هي تقول لك : تعالي و عندما تسألها أنت : أين تريدينني أن أت ؟ فإذا بها ترد عليك : تعالي إلي المطبخ !!! . فهل من العقل أن الله الغير محدود بمكان و الذي هو خارج المكان يجيئ مع الملائكة و قد تراصوا في صفوف ؟ هل كان الله موجودا في ذلك الحيز الذي جاء إليه مع الملائكة قبل أن يجئ مع الملائكة صفا صفا ؟ كيف ؟ أي عقل ؟ و أي منطق و أي إستغباء ينتظر تصديق هذا العته و تلك اللامنطقية القُحة و التخبط الو التناقض الواضح وضوح الشمس في صفات الإله و تصورات الغابرين ذي المخيلة البدائية التي لم تستطيع أن تخلص إلههم من صورة مجسمة بصفات فيزيائية بشرية رسموها له مرغمين و علي قدر خيالهم ! يقول المثل : إن إستطعت أن تخدع بعض الناس بعض الوقت فلن تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت و يقول أخر : الكذب ليس له أرجل , فالكاذب يفضح نفسه بنفسه لا محالة و أخطاءه و تناقض كلامه هو خير دليل . . هناك صورة أخري لا تقل فانتازيا عن سابقتها بل أراها تتميز عن صورة الملك المتغطرس إياه ببعض الكوميديا التي ترسم علي شفتي - شخصيا - إبتسامة كلما تذكرتها . يقول القرأن : وانشقت السماء فهي يومئذ واهية ( 16 ) والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ( 17 ) يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ( الحاقة ) . لماذا يحمل عرش ربك ثمانية ؟ ألا يستطيع أن يتحرك من تلقاء نفسه أم هي الصورة القديمة في الأذهان العتقية للملك المحمول علي العرش ؟ ثم كيف يكون الله غير محدود بمكان و عرشه يحمله ثمانية من الملائكة ؟ فإن كان للعرش نفسه حيزا أكبر من حجم الجالس عليه !!! فقط تخيل الأمر ... من الذي يحتوي الأخر ؟ هل يحتوي العرش الله الجالس عليه أم يحتوي الله العرش الذي يجلس هو فوقه ؟ و في الحديث : حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد في قوله: ( وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ) قال: ثمانية أملاك، وقال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يَحْمِلُهُ اليَوْمَ أرْبَعَةٌ، وَيَوْم القِيامَةِ ثَمَانِيَةٌ"، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنَّ أقْدامَهُمْ لَفِي الأرْضِ السَّابِعَةِ، وَإنَّ مَناكِبَهُمْ لخَارِجَةٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ عَلَيْها الْعَرْشُ". قال ابن زيد: الأربعة، قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لَمَّا خَلَقَهُمُ اللهُ قالَ: تَدْرُون لِمَ خَلَقْتُكُمْ ؟ قالُوا: خَلَقْتَنا رَبَّنا لِمَا تَشاءُ، قالَ لَهُمْ: تَحْمِلُونَ عَرْشِي، ثُمَّ قالَ: سَلُوني مِنَ القُوَّةِ ما شئْتُمْ أجْعَلْها فِيكُمْ، فَقالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ: قَدْ كانَ عَرْشُ رَبِّنا على المَاءِ، فاجْعل فيَّ قُوَّةَ المَاءِ، قالَ: قَدْ جَعَلْتُ فِيكَ قُوَّةَ المَاءِ؛ وقال آخرُ: اجْعَل فيَّ قُوَّةَ السَّمَاوَاتِ، قالَ: قَدْ جَعَلْتُ فيك قُوَّةَ السَّمَاوَاتِ؛ وقالَ آخَرُ: اجْعَل فيَّ قُوَّةَ الأرْضِ، قالَ: قَدْ جَعَلْتُ فِيكَ قُوَّةَ الأرْضِ والجِبالِ؛ وقالَ آخَرُ: اجْعَلْ فِيَّ قُوَّةَ الرِّياحِ، قالَ: قَدْ جَعَلْتُ فِيكَ قُوَّةَ الرِّياح؛ ثُمَّ قال: احْمِلُوا، فَوَضَعُوا العَرْش على كَوَاهِلِهِمْ، فَلَمْ يَزُولُوا؛ قالَ: فَجاءَ عِلْمٌ آخَرُ، وإنَّمَا كانَ عِلْمُهُمُ الَّذِي سأَلُوهُ القُوَّةَ، فَقالَ لَهُمْ: قُولُوا: لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا بالله، فقالوا: لا حَوْلَ وَلا قوَّةَ إلا بالله، فَجَعَلَ اللهُ فِيهِمْ مِنْ الْحَوْلِ والقُوَّةِ ما لَمْ يَبْلُغْهُ عِلْمُهُمْ، فَحَمَلُوا ". . و يبدو أن محمد أراد بيان عظمة ربه و سعة حجمه و ثقل وزنه فأخذ يبالغ في قوة الملائكة الأربعة حاملي العرش الأن و من باب زيادة الأبهه جعلهم يوم القيامة ثمانية . . و هم ثمانية ببساطة لما إقتضته القافية التي تنتهي بها الأيات ( ية ) واهية , ثمانية , خافية .... إلخ . . بل إن أمية إبن الصلت قد وصف هؤلاء الملائكة الأربعة و قد وافقه محمد بعد أن أعجبته الصورة المأخوذة عن ألهة اليونان القديمة . يقول أميه في شعره واصفا عرش الله و حملته : رجل وثور تحت رجل يمينه *** والنسر للأخرى وليث مرصد ففي الحديث :عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صدق أمية بن أبي الصلت في شيء من شعره فقال: رجل وثور تحت رجل يمينه *** والنسر للأخرى وليث مرصد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « صدق » » [أخرجه أحمد في مسنده (1/256)، والدارمي في سننه كتاب الإستئذان (2/296)، والبيهقي في الأسماء والصفات (2/206-207، رقم771)، وأورده ابن كثير في النهاية (1/12)، وقال: [حديث صحيح الإسناد، ورجاله ثقات] وهو يقتضي أن حملة العرش اليوم أربعة]. .للإستزادة : أنظر أراء العلماء و السلف عن حملة العرش http://ar.islamway.net/…/%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%84%D8%A7%D9%… .
#منال_شوقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الله الرجل (ّ1)
-
الله السميع ذو الأذنين !
-
الله ذو الحاجة
-
نوال السعداوي يا هويتي
-
أحتاج إليك يا ......
-
أحتاج إليك
-
الله البدائي !
-
فاطمة ناعوت و ازدراء العلمانية ( بالشفا )
-
المرأة المسلمة هي الأقذر بلا فخر
-
بين قذارة العقل و طهارة الفرج المزعومة
-
دعوة علي مائدة الجسد ... ماذا يضيرك يا الله !!!
-
بالتوك الله و مجاهديه
-
لحكمة لا يعلمها حتي الله
-
في دولة المسلم و المسيحي تعالي يا وكسة هنا في ريحي
-
تشريعات إلهية أم إمتيازات محمدية
-
في بيتنا علماني
-
شريعة الصحراء .... هذا الميراث الثقيل ! 1/3
-
ديوك الله 1/4
-
ديوك الله 1/2
-
شفرة الله التي لم يفطر الناس عليها .
المزيد.....
-
العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي
...
-
مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى
...
-
مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
-
الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد
...
-
لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة زبدين في مزارع شبعا
...
-
تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون
...
-
“عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي
...
-
شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه
...
-
الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام
...
-
طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل
...
المزيد.....
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
-
سورة الكهف كلب أم ملاك
/ جدو دبريل
-
تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل
...
/ عبد المجيد حمدان
-
جيوسياسة الانقسامات الدينية
/ مرزوق الحلالي
-
خطة الله
/ ضو ابو السعود
المزيد.....
|