أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - سيلوس العراقي - البوسة الآرامية في الشرق : هل هي الأقدم لغويًا ؟















المزيد.....

البوسة الآرامية في الشرق : هل هي الأقدم لغويًا ؟


سيلوس العراقي

الحوار المتمدن-العدد: 5046 - 2016 / 1 / 16 - 14:03
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


كان للبوسة دائمًا مكانة في الحياة الإجتماعية للأنسان، وللشعوب، منذ أزمنة قديمة ولازالت، مع أن مفهوم البوسة يتغير بتغير المجتمعات. فالبوسة في الشرق لها معانٍ ومقاصد ورموز تختلف عمّا لها في الغرب أو لدى شعوب مختلفة أخرى في العالم.
إن كتب (التنخ) بكلِّ تأكيدٍ لا تقدّم لنا شرحًا أو مفهومًا مجردًا أو تعريفًا محدّدًا خاصًا بالبوسة.
إن كتب التنخ تعطينا صورة وأمثلة لِما كانَ عليهِ حالُ البوسة والأغراض منها ومناسبات إعطاءها وأخذها لدى الشعب العبراني ولدى شعوب أخرى محيطة بالعبرانيين.
وما يدعونا الى هذا القول، أنّ كتب التنخ تعتبر كتبًا شرقية، وكتبت من قبل كتّاب شرقيين، لتخبِرَ تاريخ شعب عاش ويعيش بين العديد من شعوب الشرق العديدة وفي حقب كثيرة ومختلفة من تاريخ الشرق القديم.
فتضمّ هذه الكتب في صفحاتها الكثيرَ من المعلوماتِ وتسجّلُ بصدقٍ ووضوحٍ الكثيرَ من العادات والتقاليد والأفاهيم في المجتمعات الشرقية، ويعود الفضلُ إليها في حصولِنا على معلوماتٍ نادرة لا يمكن أن تنوجدَ في غيرها، ولولاها لجهلنا الكثيرَ ممّا نعرفه اليوم بفضل أسفار التنخ.
فالأم (عمومًا وليس فقط الأم الآرامية القديمة !) بطبيعتها تداعب وتلاطف طفلها وتُربت على رأسه وشعره وتحضنه وتعانقه، وفي الملاطفة هذه تستخدم الأم حضنها ويديها وخدّيها وزنديها وشفاهها في مداعبة الطفل.
وبرأي الشخصي حين التأمّل في أصلِ البوسة، وإذا أردتم في أصلِ القبلة، كفعلٍ عمليّ قام به الأنسان، لا أعتقد بأنه في بداياته قد توصّل إلى عملية البوس والتقبيل بشكل مباشر، لأن الانسان قد اختبرَ كلّ شيءٍ في الأول عن طريق الحواس وأعضاءها، العين والكفّ والأنف، أي النظر واللمس والشمّ، وبما يخصّ القبلة، فالانسان قد اختبر أولاً الشمّ، شمّ الأشياء قبل تذوق طعمها ثم أكلها، وشمّ الأشياء ينسحب على خبرة شمّ الانسان الآخر أيضًا، وعملية الشمّ تتطلب قيامه بخبرة "تنشّق" الأشياء، ومن ثمّ تنشّق الأشخاص "نَشَقَهُمْ" الذين يعيشون معه. فيمكن أنْ نتصوّرَ الأمهات الأُوَل وهنّ "يتنشّقنَ" وجهَ وخدود أو رأسَ وشَعرِ أطفالهنّ حين كنّ يحتضنوهم ويلاطفوهم، وكنّ يشعرنَ بسكينة الطفل الباكي أو الخائف حين كان يشعر بأنفاس الأم التي كانت "تتنشقّ" وتلامس وجه وبشرة الطفل. وكان يرافق فعل "تنشّقِ" أنف الأم (هنا) وتماسّ الأنف بوجه أو خدّ الطفل، تماسًّا آخر هو تماسّ شفتيها على خدّه أو وجهه. لذا أرى (أتصوّر) أن الفعلَ الأول للقبلة أو البوسة كان عملية "تنشّق"، ومن هذه العملية ولد الفعل "ن ش ق" الآرامي الذي أخذ مع تطوّر الانسان (في لغته ومفرداته اللغوية) مكانة فعلٍ لغويّ للتنفس والنَفَسْ، ومن ثم أصبحَ فعلا لغويًا ليعني البوسة أو القبلة، ومن هنا ولد الفعل "ن ش ق" الشرقي القديم ليعني باسَ وقبّلَ.
بالتالي يصبح الـ "ن ش ق" فعلاً في اللغات الآرامية والسريانية والعبرية، يعني فعلاً حميمًا intimate، يقابل ما أصبح اليوم "باس" أو "قبّل" الذي لا يعني في أصله الا الترحاب الحار بقدوم واقبال (من قَبِلَ وقبول وقَبَلَ) واذا أردتم استقبال الآخر".
بينما يبدو الفعل العبري والآرامي السرياني وهو الأقدم : "ن ش ق "، الأكثر رمزيًا وحسيًّا للحميمية والعاطفية والحبّ من فعل "باس" الفارسي الأكثر استخدامًا أو من الفعل "قبّل" العربي . ويبقى هذا الأمر تأملاً لغويًا شخصيًا وقابلاً (!) للنقاش والمراجعة إن اقتضى الأمر.
وبخصوص البوسات موضوع بحثنا، يمكننا أنْ نرى أنواعًا مختلفة منها موثقة ووصلتنا مكتوبة:
والبوسة، بكل تأكيد لا تشمل الطفل فقط، بل تشمل بشكلٍ طبيعيّ أفرادًا آخرين من العائلة والأهل والأقارب.
ويمكن تمييز أنواع ثلاث رئيسية من البوسات في كتب التنخ العبرية:
سأستخدم الفعل" باس" الفارسي مترافقًا ذهنيًا مع "نشقَ" العبري والسرياني في ترجمتي هذه لنشعر بشمّ رائحة الآخر كتعبيرٍ حسيّ حميم للحبِّ.

بوسة "نشق" الوالدين لأبنائهم وبناتهم وأحفادهم :
ففي تكوين 31: 26ـ 28 يعاتبُ لابانُ يعقوبَ لأنه حرَمَهُ من شمِّ "نشق" נ-;-ָ-;-ש-;-ַ-;-ׁ-;-ק-;- ابنتيه وأحفاده قبل أن يهاجروا
"وقال لابان ليعقوب:
ماذا فعلت ؟
أقلقتَ بالي وسُقت بِنتيّ
كما تُساقُ سبايا الحرب..
ولماذا هربت .. ولم تدعني أبوس נ-;-ָ-;-ש-;-ַ-;-ׁ-;-ק-;- حفيدتي وبناتي.."
وفي تك 48 : 10 يمكن أن نتخيّل يعقوب الشيخ الطاعن في السنّ وهو يحتضن حفيديه ويشمّ (ينشق) وجهيهما وخدهما ـ يبوسهما ـ فيحتضنهما،
"وكانت عينا يعقوب كليلتين من الشيخوخة.. فقرّبهما إليه (يقصد حفيديه افرايم ومنسى ولدي يوسف)
فباسَهُما נ-;-ָ-;-ש-;-ַ-;-ׁ-;-ק-;- (ו-;-ַ-;-י-;-ִ-;-ּ-;-ש-;-ַ-;-ּ-;-ׁ-;-֥-;-ק-;- ) واحتضنهما" .
راعوث1: 9 نعمة في حديثها مع كنتيْها "يسهّل الربُّ لكما أن تجدا راحة، كلّ واحدةٍ في بيتِ زوجٍ لها، ثم باسَتهُما ו-;-ַ-;-ת-;-ִ-;-ּ-;-ש-;-ַ-;-ּ-;-ׁ-;-֣-;-ק-;- (נ-;-ָ-;-ש-;-ַ-;-ׁ-;-ק-;-)، فرفعتا أصواتهما بالبكاء".
ويبدو أن البكاء هو ردّ فعلٍ ونتيجة لنشق (شمّ) من تحبّ وأنت عارفٌ بأنك سوف لن تراه من بعد، سوف تُحرَم من شمّ ـ رائحة ـ وجهه العزيز الذي سيغيب. أو البكاء مع شمّ (تبويس) الشخص العزيز بعد غياب طويل.
نعرف أن التقليد الشرقي القديم كان يعطي للأب المكانة الكبرى، فيمنحه سلطة كاملة في كلّ شيء، في الحياة والموت، فالبوسة التي يعطيها الأب تتخذ صورة تكاد تعبّر عن تنازلٍ منه، ونادرًا ما كان الآباء هم الذين يبوسون أبناءهم إلاّ في حالاتٍ خاصة وقليلة.

بوسة "ن ش ق" الأخوة والأخوات :
في تك 33: 4 في لقاء يعقوب بأخيه عيسو " فأسرَعَ عيسو إلى لقائه وعانقه وألقى بنفسه على عنقه وباسَهُ، وبكيا".
وهنا البكاء يرافق بوسة "ن ش ق" وشمّ الأخوين لبعضهما بعد فراقٍ طويل.
وفي نشيد 8: 1
ليتك لي كأخٍ ، رضع ثديَ أمّي
فألقاكَ خارجَ الدارِ وأبوّسُكَ فلا أُحْتَقَر".
وفي تكوين 29: 11 "وباسَ "ن ش ق" يعقوب راحيل ورفع صوته وبكى"، على البئر بالقرب من حاران، يعقوب يبوسُ "ن ش ق" إبنة خاله، يعتبر هذا البوس أمرًا طبيعيًا لأن أبناء العمومة في الشرق عامّةً كانوا يعتبرون كالأخوة.
ويمكن أن تتوسع حلقة المشمولين بالبوس في هذه الحالة، لتشمل الأصدقاء والأقارب مثلما باسَ لابان يعقوب في تكوين 29: 13 "فلما سمع لابان خبرَ قدومِ يعقوبَ ابن أخته هبّ للقائه فعانقه وباسَهُ وجاء به الى بيته".

بوسة الأولاد للوالدين :
في تكوين 27: 26 اسحق ويعقوب ابنه "وقال له اسحق تقدم وبوسْني يا ابني "
وفي تكوين 50: 1 "فارتمى يوسف على وجه أبيه وبكى عليه وبوّسَهُ".

ولحديثنا حول البوسات "ن ش ق" وأنواعها ـ في كتب التنخ وفي الإرث الشرقي والعالمي أيضًا ـ تتمة..



#سيلوس_العراقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البوسة الفارسية تتغلب على القبلة العربية
- من الرّجم الى الترجوم والترجمة
- كيف أصبح طبق الرزّ الأحمر اليهودي اسبانيًا
- صدّقيني إنه ضعف النظر
- بين كأسي وكسي وكيسي
- البرد ونهر البردى السوري بين العبرية والفارسية
- الجيش الأحمر السوفيتي يحبط أمال النازيين هتلر والحسيني والكي ...
- الجهاد الاسلامي : أسلمة العالم وتدمير البشرية
- كعك العدس الكتابي الحلو: مثير للشهوة الجنسية
- استاذ جمشيد ابراهيم : بلا زحمة عليك
- المفكر الاشتراكي الرابي موسى هيس : روما تسلّم الصولجان الى ا ...
- اورشليم وجبل الهيكل
- المسلمون يعلّمون أولادهم (أن اليهود أعداؤنا)
- بين الهرم العبري والهرم القبطي
- مجلس غناء خرائي عباسي
- الاردن نهرٌ اسرائيلي
- الخرائيات في كتب التراث العربي
- عيد كيبور : المسؤولية الانسانية لاسرائيل في العالم
- كراهية اليهود : يحتل العالم الاسلامي المرتبة الأولى
- كراهية اليهود : عنصر أساسي حيوي في ثقافة العرب


المزيد.....




- ماذا قال الحوثيون عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الجام ...
- شاهد: شبلان من نمور سومطرة في حديقة حيوان برلين يخضعان لأول ...
- الجيش الأميركي بدأ المهمة.. حقائق عن الرصيف البحري بنظام -جل ...
- فترة غريبة في السياسة الأميركية
- مسؤول أميركي: واشنطن ستعلن عن شراء أسلحة بقيمة 6 مليارات دول ...
- حرب غزة.. احتجاجات في عدد من الجامعات الأميركية
- واشنطن تنتقد تراجع الحريات في العراق
- ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب عنف- في ...
- جامعة جنوب كاليفورنيا تلغي حفل التخرج بعد احتجاجات مناهضة لح ...
- إعلام: وفد مصري إلى تل أبيب وإسرائيل تقبل هدنة مؤقتة وانسحاب ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - سيلوس العراقي - البوسة الآرامية في الشرق : هل هي الأقدم لغويًا ؟