أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالحميد برتو - الوطنية الحقة وحروب التدخل (4)















المزيد.....


الوطنية الحقة وحروب التدخل (4)


عبدالحميد برتو
باحث

(Abdul Hamid Barto)


الحوار المتمدن-العدد: 5039 - 2016 / 1 / 9 - 16:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من الحقائق التي يعرفها القاصي والداني، أن لكل رئيس من الرؤساء الأمريكيين حربه الخاصة، ولكن الرئيس الأمريكي الموشك على مغادرة منصبه براك أوباما، لا يسعى الى إشعال حربه الخاصة المعلنة بإسمه أو التي تُنسب إليه، هذا طبعاً إذا جرى تجاهل حقيقة أن براك أوباما يشن حروباً من نوع خاص وجديد نسبياً، تقوم على القصف من بعيد، وإستخدام "الطائرات من دون طيار" على نطاق أوسع من أسلافه، والتحكم بجيوش حلفائه الصغار خلال عملياتها الفاشلة في الغالب سواء كانت تلك الجيوش يقال عنها أنها نظامية أو غير نظامية، هذا الى جانب بعض النشاطات الخاصة، ومواصلة حروب غير محسومة شنها سابقوه.

وعلى غرار الرؤساء الأمريكيين فإن القياصرة الروس مارسوا الحال ذاته، ولكن بعض حروبهم كانت ذات طابع دفاعي، وهذا الفارق له معان مهمة، وفي حالات غير قليلة إجتمع في قيصر واحد شن حروب الدفاع وحروب التوسع. هذا الواقع التاريخي لا يُشار إليه من باب القدح أو المدح لهذا الطرف أو ذاك، فهذه ليست مهمة أبناء الشعوب التي تتعرض للإستباحة والإبادة، وإنما يؤخذ الأمر من زاوية المصلحة الوطنية حيث إن فهم شؤون المتدخلين في شؤوننا بما فيها مكوناتهم النفسية والتاريخية يساعد في فهم وإدراك مخاطرهم الراهنة والمحتملة على بلداننا سواء كانوا قادمين من شرق العالم أم غربه، ويظل الهدف الرئيس إتقاء أكبر قدر ممكن من شرورهم المفروضة علينا.

وقد ينطوي على بعض الوجاهة والواقعية القول بأن مناضلي منطقتنا باتوا أكثر خبرة ومعرفة ودراية فيما يتعلق بالغرب الإستعماري، وإن تزايد عدد مهادنيه. وتوجد حالياً ضرورة للتعرف على جوانب من حياة روسيا وقادتها الحاليين والسابقين، وما تختزنه ذاكرتهم التاريخية للمساعدة في فهم نوع وأهداف القصف الروسي الجوي والصاروخي في سورية، الذي جرى ويجرى تحت لافتة الحرب على الإرهاب أيضاً، وينبغي تحقيق المزيد من العمل والبحث للتعرف ولفهم وسائل التدخل الروسي وأهدافه. علماً أن الحرب على الإرهاب بات شعاراً يَستطيب رفعه كل معتدٍ بما فيهم حكامنا العرب ضد شعوبهم. وهنا أيضاً من الواجب النظر الى المأساة التي خلقها بعض المتوحشين في بعض البلاد العربية ضد سمعة ومصالح شعوبنا المستضعفة أصلاً، وسهلت تلك الوحشية مهمة كل طامع أو متصارع أو حتى خائف، ووضعت القوى الوطنية العاقلة والمخلصة في زاوية حرجة للغاية.

لقد رَفَعَ بوش الأب وبوش الإبن وتوني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق شعارَ الحرب على الإرهاب، وهذا الأخير إعترف بعد مضي أكثر من 12 عاماً على غزو العراق عام 2003، بأن حربهما؛ هو وبوش كان خطأ، وإعتذر عن "أخطاءٍ" إرتكبت خلال حرب، مؤكداً على حقيقة أن المعلومات الإستخبارية التي تلقاها وحليفه بوش كانت خاطئة، ومعترفاً بأن الحرب التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية في العراق كانت سبباً رئيسياً في ظهور تنظيم "داعش". من المعلوم أن خلق المنظمات المتطرفة يأتي عبر الصناعة المباشرة أو تمهيد الطريق أمام بنائها وظهورها المدوي. إن داعش التي ألحقت ضرراً فادحاً بحياة ونضال الشعبين الشقيقين الجارين السوري والعراقي قبل غيرهما كانت ثمرة من ثمار إحتلال العراق وقهر أرادة الشعب السوري في حالتي الحرب والسلام.

وفي ما يتعلق بسياسة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يحاول إستلهام التاريخ الروسي بجوانبه المختلفة؛ المشرقة منها وغير المشرقة، ومحاولته لإيجاد موقع لروسيا ومصالحها فيما يعتقد أنها تستحقه، فهذا من حقه وهو شأن يهمه ويهم الشعب الروسي بالدرجة الأولى. وربما لا يُشكل ذلك هماً للمتابع أو المواطن العربي بحدود ما يتعلق منه بسياسة بوتين الداخلية وفي جواره الإقليمي وعلاقاته مع الغرب إلا بحدود النظر العام الى تأثيرها على الإستقرار الدولي وعلى أمن ومصالح منطقتنا. وينطبق الحال نفسه على قادة الدول الكبرى الأخرى في العالم.

ولكن حين تُصبح مسألة علاقات وسياسة ونمط تفكير قادة دول العالم الكبيرة المؤثرة تتعلق بمصائر دولة أو دول عربية تكون المسألة على قدر كبير من الأهمية والخطورة لكل الشعوب العربية، وكأنها مسألة داخلية تتطلب معرفة الكثير عن تلك السياسات وطبيعة قادة تلك الدول وتكوينهم الفكري والشخصي وكذلك الخصاص العامة للأمم المعنية وحركتها في التاريخ القريب والبعيد، وتقع على أهل الرأي مسؤوليات كبيرة في محاولات قراءة الحال.

وفي الظرف الملموس قد تكون هناك بعض الشرعية في السؤال عن الطريقة التي يعمل فيها الرئيس بوتين، هل هي الأقرب الى الطريقة التي عمل بها الكسندر الأكبر قيصر روسيا، أم هي أقرب الى عقل وروحية قيصرة روسيا الإمبراطورة كاترين الثانية؟ التي سعت ما إستطاعت الى التوسع على غرار حالة معظم القياصرة الروس، وهل للحقبة السوفيتية دور في تكوين فكر بوتين وسياساته، خاصة وإن الحقبة السوفيتية في جزء منها عايشت الإنتكاسات العربية وحقب نهوض حركة التحرر الوطني العربية، وكان لمواقف السوفيت مردود إيجابي حقيقي من وجهة نظر غالبية الشعوب العربية، ولا سيما في الدعم الديبلوماسي والسياسي لدحر العدوان الثلاثي على مصر، والوقوف الى جانب الثورة العراقية عام 1958، وتحديث الصناعات المحلية في العديد من الدول العربية، وبناء السدود؛ ومن أبرزها السد العالي في مصر، وتسليح بعض الجيوش العربية وغير ذلك الكثير.

كانت العقيدة الرئيسية للقيصرة الروسية كاترين الثانية تقوم على الإستبداد، المعبر عنه بالقاعدة القائلة: المستبد المتنور أفضل من المستبد الجاهل. والقاسم المشترك في الحالتين الإستبداد. وبالنسبة الى التحالفات هناك حقيقة راسخة في تاريخ الدول والأمم تقول: من لا يعرف حدود ثابتة لا يعرف حلفاء ثابتين.

وفي ضوء تلك القاعدة شكك بعض المحللين بآفاق التحالف الروسي ـ الإيراني، فكل منهما عينه على الآخر تتسم بالحذر البالغ، حيث توجد تصريحات وأفكار معلنة من الطرفين ولحد الأمس القريب جداً. وعلى المدى التاريخي توجد أحلام إمبراطورية عند الطرفين، وكل منهما على طريقته الخاصة. وعلى الوطنيين أن يأخذوا بالحسبان حسابات الخبراء الإستراتيجيين لبعض الدول التي تملك قوة إستراتيجية أو تتوهمها، لإن هؤلاء يحسبون المستقبل ويعملون من أجله بطريقة مختلفة عن الدول التي تشعر بالإندحار. وهؤلاء الخبراء ليس على غرار من نسميهم بالخبراء الإستراتيجيين في وسائل الإعلام العربية، فعيون موسكو تطل بحذر الى طهران والى أبعد منها، والأخيرة لها داخل روسيا جذور دينية وعرقية، ولا سيما أن الأقلية الإسلامية في روسيا تصل الى نحو 20% وفق أغلب التقديرات، وخلال التعاون الثنائي المشترك بين البلدين في الأزمة الراهنة بسورية ظهرت بعض ملامح التدافع الثنائي الناعم نسبياً خلال تعاونهما، الذي يشي في بعض حلقاته بالحذر وعدم الإرتياح.

هناك بعض الوجاهة فيما يُطرح في الصحافة وفي بعض أوساط الحركة الوطنية السورية بأن التدخلات الخارجية وتفاقمها ربما يكون بين بعض إفرازاته وأسلحته عند الحاجة أو الضرورة اللجوء الى خلق كيانات تفتت البلاد وفق منطق قوة النفوذ ومصالح الأقطاب الدولية ولحد ما لمصلحة الأقطاب المحلية المساعدة.

وقد يزيد من وجاهة تلك المخاوف ما قاله البروفيسير بوريس أوسفياتسوف رئيس مجلس خبراء الأمن في البرلمان الروسي وأستاذ العلوم السياسية وعضو أكاديمية الأمن والدفاع وحفظ النظام الروسي في مقابلة تلفزيونية مع قناة آر تي الروسية مع الصحفي العراقي المقيم في موسكو سلام مسافر، أذيعت في الإسبوع الثاني من الحملة الجوية الروسية على سورية. ففي معرض إجابة المسؤول الروسي حول: متى طلبت اللاذقية وطرطوس الإنضمام إلى روسيا؟. قال: "قبل قرنين ونصف في عهد الإمبراطورة كاترين ..." وأضاف: "لا نريد السيطرة على بقع وأراض، إننا أكبر بلد من حيث المساحة، يجب أن نبحث في مشاكلنا، لدينا من النفط والغاز والثروات نتاجر فيها".

وحين سأله المحاور عن إمكانية قيام تحالف عسكري روسي ـ أمريكي لمحاربة داعش في سورية والعراق؟. قال: "إن ذلك أمر بعيد، واللهجة الأمريكية تغيرت، ويمكن أن نرسم سياستنا ونتخذ القرار بأنفسنا، نحن دولة كبرى، وغنية بالثروات، ونستطيع أن نتخذ القرار بأنفسنا، سأعطيكم مثالاً من التاريخ القديم، حين إستلمت كاترين الثانية، إستلمت الإمبراطورية الروسية، وإنضمت إليها القرم، فإن سكان اللاذقية وطرطوس منذ قرنين ونصف القرن طلبوا الدخول في عداد الإمبراطوية الروسية، لماذا لم يحصل ذلك، التاريخ يصمت، إن طبيعة الأحداث والتاريخ لا تتحمل توجهات خبيثة، وإن قيادتنا تتحدث مراراً وتكراراً وتطلب وتحاول إقناع الناس فيما لا يجب إقناع بها، لم يعد مجالاً للإقناع، إن الفوضى التي تجري في سورية حالياً، والتي جرت في العراق يمكن أن تحصل في أي مكان، نتذكر الولايات المتحدة كم عام مضى على أحداث 11 من سبتمبر، كان هناك الإرهابيون إنتحاريون، ولكن الإنتحاريين والإرهابيين ليس لديهم وطنية أو إنتماء، وما هي المعارضة الصلبة والمعتدلة إنها مفاهيم صعبة معقدة في حال حمل شخص السلاح ضد شعبه وبدأ بقتل النساء والأطفال والشيوخ، كيف يمكن تقيمه هل أنه من المعارضة المعتدلة أو الصلبة أنه فقط مجرم.". نَقلتُ النصَ كما هو، وفي أي تفسير متأني تظهر أوهام روسيا تجاه سورية جلية ولا تحتاج الى تفسير.

يلاحظ من النظرة الأولى الى تصريحات المسؤول الروسي أنه يسأل ويجاوب على هواه، وحاول أن يمرر ما يريد، ولكنه في ذات الوقت سرَّب من حيث يدري أو لا يدري تلك الأوهام الإمبراطوية تجاه أجزاء عزيزة وهامة من الأراضي العربية السورية. في الأيام الأولى للغارات الجوية الروسية على سورية التي بدأت على الطريقة الأمريكية أو محاكاة لها، وأبدت آلة الدعاية الروسية بعض الفجاجة والخفة والسطحية من خلال بيع قمصان بمتجر تابع لوزارة الدفاع الروسية في موسكو، وتحمل تلك قمصان صور الطائرات ومواقع الضربات الجوية الروسية، وتحمل صور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وشعار "أدعم الأسد" كذلك. وشملت الدعاية تمجيد السلاح الروسي، المستخدم في الحرب ضد ما يسمى بتنظيم "داعش"، كانت الحرب في سورية موضوع أغنية وطنية روسية ترجمت إلى اللغة العربية كذلك.

ليس بدعة الدعوة الى معرفة مختلف جوانب الحياة الروسية حاضراً وماضياً من خلال مختلف الدراسات بل وحتى من خلال التجارب والمشاهدات والإنطباعات الفردية للمساعدة في تحليل دور القيادة الروسية الحالية إتجاه منطقتنا.

وعلى هذا الصعيد أقتبس هنا من مقالة جميلة للكاتب الوطني العراقي محمد عارف موسومة بـ ـ الروسيا عام 2016 ـ نُشرت في 07 كانون الثاني/ يناير 2016، بعضَ الإستشهادات التي قد تساعد في رسم صورة أوضح عن روسيا، والكاتب درس في روسيا وبعض كتاباته توحي بأنه يكن إحتراماً وربما محبة لذلك البلد، وبإعتباره متخصص في الشؤون العلمية ومستشار في مجالين العلوم والتكنولوجيا يسعى الى أن يكون موقفه مؤسس على قاعدة علمية وغير عاطفية.

فقد نقل ولخص ببراعة إستثنائية في مقالته إستنتاجات أحدث دراستين عن روسيا، عن الوضع في روسيا الذي وصف بغير المعقول، هما: "روسيا ولعنة الجغرافيا"، للباحث البريطاني تيم مارشال، ضمن كتابه "سجناء الجغرافيا"، يقول تيم: "إذا أردت أن تفهم لماذا يفعل بوتين ما يفعله انظر في الخريطة"، فروسيا أكبر بلد في العالم مساحةً تطلُ على أوروبا وآسيا، وتضم غابات، وبحيرات، وأنهاراً، وبراري جليدية، وجبالاً، وتأتيها المشاكل من الأرض والبحر، فخلال 500 عام الماضية غزت روسيا أقوامٌ عدةٌ. البولنديون جاؤوها عبر السهل الأوروبي عام 1605، وأعقبهم السويديون عام 1707، ثم الفرنسيون عام 1812، وغزاها الألمان مرتين؛ عام 1914 وعام 1941.

وربما التقويم الذي طرحت "ناتاشا" زميلة الكاتب أو إستخلصه الكاتب من زميلته في جامعة "بطرسبرغ" له دلالة عميقة للغاية في الإقتراب من وصف روسيا: إنها عذبة، وحنون، وسخية، تصبح إذا خنتها عاتية، وفتاكة، وجليدية كشتائها روسيا الذي أهلك جيوش نابليون، وهتلر. ولكن في المقابل جغرافية روسيا الشاسعة، التي دَمَّرت خطوط إمدادات الغزاة الفرنسيين والألمان، جعلت الدفاع عنها مسألة صعبة، واضطرت زعماءها عبر التاريخ إلى اتباع استراتيجية التقحم خارجها كوسيلة للدفاع. والشاغلان الرئيسيان لروسيا؛ انكشافها براً، وحرمانها من موانئ على المياه الدافئة، سببُ ضم "بوتين" شبه جزيرة القرم عام 2014، لمواجهة تطويق حلف شمال الأطلسي "الناتو" الذي أرادت أوكرانيا الانضمام إليه. وروسيا، منذ أول قياصرتها "إيفان الرهيب"، في القرن السادس عشر، مدّت حدودها إلى جبال الأورال شرقاً، وبحر قزوين، والبحر الأسود جنوباً، وأشادت "قلعة الشيشان" على جبال القوقاز، لصد الغزاة المغول، والعثمانيين، والفرس.".

والكتاب الثاني عن روسيا الموسوم بـ "من خنادق العالم متعدد الأقطاب"، وأخذ المؤلف إسماً مستعار "ذا سيكر" The Saker أي «الصقر» بالعربية، ويقول عنه عارف "كان والده ضابطاً بالجيش القيصري، وعمل هو باحثاً عسكرياً في أوروبا، ويعيش حالياً في فلوريدا، وتنشر مدونة تحمل إسمه نحو مليون صفحة شهرياً، يحررها كُتاب من أصول ولغات مختلفة، وخلافاً لمعظم الكُتاب الروس، الذين يحرصون على استخدام لغة دبلوماسية عند التوجه للرأي العام الغربي، يتحدث "ذا سيكرْ" بشكل مباشر، واستفزازي أحياناً، ويذكر أنه يهتم بجمهور أكبر يفضل "النقد النزيه، والمخلص" لما يسميها "الإمبراطورية الأنجلوصهيونية".

ويواصل عارف: "يضم ـ الكتاب ـ ثمانية فصول عن "روسيا والإسلام"، وفصولاً عدة عن علاقات روسيا وأوكرانيا، والغرب، والصين، وسورية، وإيران، وفصل عنوانه "الأنجلوصهيونية"، يتضمن شهادته الشخصية عن إنقلاب "يلتسين" الواقع تحت النفوذ الصهيوني.

ويعرض الكاتب توقعات "ذا سيكر" عن الأعوام القادمة التي ستشهد إضطرابات في روسيا بسبب الصراع بين معسكر "الأوروآسيويين" الذي يمثله بوتين، ومعسكر "الروس الأطلسيين" ويمثله رئيس الوزراء مِدفيديف حسب إعتقاده؟!! ويرى أن الروس الأطلسيين معادين للإسلام، وموالون لإسرائيل، ولكن في الوقت نفسه ليس جميع الروس "الأوروآسيويين" يقفون مع المسلمين، إلا أنهم جميعاً مع تعدد الأقطاب، ولا يرون مشكلة في قيام قطب إسلامي، وإن الظروف الوحيدة التي يعتبرون فيها الإسلام خطراً عندما تستخدمه الولايات المتحدة أداة لزعزعة البلدان التي تجرؤ على مناهضتها.

إن التوسع في عرض كل هذه الآراء من جانبي لا يهدف الى تصديق أياً منها أو دحره، بل يهدف الى الإشارة للنقاط التي تستحق الإهتمام من جانب كل وطني ليتلمس طريق وطنه دون نظرة عدائية أو مساندة لا تقوم على التحري والتدقيق، لأن غياب ذلك يزيد المخاطر المتفاقمة حول وفي بلداننا.

ولا بأس من النظر الى الموقف الأوكراني من ذات الرؤية والزاوية أيضاً، أعني الرؤية التي تبحث عن الحقيقة في أكوام الدعاية والأكاذيب والمصالح في حالتي التضارب أو التوافق، ومن موقع الإدراك لأهمية كييف لموسكو والعكس صحيح. يرى خبير الشؤون الروسية انغو مانتويفل بأن تقويم مكانة روسيا في الأزمة السورية ينطوي على محاولة لطمس دورها في أوكرانيا، ويرى في ذلك نوع من "ماسكيروفكا"؛ أي الخداع العسكري الروسي الذي إتبعه الجيس الروسي وجهاز المخابرات السوفيتي (كي جي بي) لخداع الغرب وصرف إنتباهه عن الأهداف الحقيقة لموسكو على الساحة الدولية، ويرى الأوكرانيون أن روسيا دعمت الأسد لصرف إنتباه الغرب عن أوكرانيا، فالكل يعلم أن الوضع في الشرق الأوسط وتشابك القوى والعوامل المحركة له في كل الأحوال لا تجعل المتدخل الخارجي فيه بوضع سهل، وربما يُشكل التدخل خطراً على المتدخل نفسه، هذا الى جانب التدمير المتواصل لشعوب المنطقة.

في الإسبوع الرابع للحملة الجوية الروسية على مواقع الجيش الحر وداعش في سورية، كان الإجتماع الرباعي: روسيا؛ أمريكا؛ السعودية؛ وتركيا، وبعد 25 يوماً من إنطلاق غارات موسكو الجوية في سورية تفتح ذراعيها للمعارضة حسب تصريحات سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي الذي اكّد على أن بلاده مستعدة أيضاً لمساعدة المعارضة من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، وثم جاء لاحقاً إجتماع فيينا نهاية تشرين الأول/ إكتوبر المنصرم.

إنطلق قطار المساومات بعد شهر كامل من القصف الذي قيل عنه بأنه لا نظير له، ولكنه لم يحقق حتى الآن نصراً تستطيع قيادة بوتين أن تفاخر به، إنه حرَّك قطار المساومات ولكن إتجاه القطار ستحدد مساره ما ستحصل عليه الأطراف المحركة، ويظل السؤال قائماً، إين مصلحة شعوبنا في حروب التدخل هذه؟

وليس شعوبنا فقط لن تربح شيئاً من حروب التدخل، بل سوف لن تربح ولن تستفيد الأطراف الإقليمية المتدخلة في تلك الحروب، فالأطراف الإقليمية تدفع على الأرض ثمناً مادياً وبشرياً أحياناً الى جانب الخسائر المعنوية. وعملياً فإن التدخل الروسي قد حول الدور الإيراني ودور حزب الله في سورية الى وقود في الأساس، وكذلك الحال بالنسبة لقوات الأسد نفسها، وتتواصل خسائر الشعب السوري وكل الأطراف المتصارعة والمتناحرة وحتى التي تريد السلامة فقط، إن الخسائر المدفوعة والتي ستدفع لن تكون حصيلتها بمستواها.

إن المفاوضات والمساومات الجدية ستكون بين موسكو وواشنطن، ولكن بيد الأخيرة خيوط كثيرة من خيوط اللعبة إذا شاءت أن تلعبها، وملامح الحل بدأت تتضح الهوينا. وحتى مسألة مَنْ الرابح أو الخاسر من الأطراف الدولية وحجم ربحه أو خسارته لا تعني شيئاً يَخدم مصالحنا الوطنية وأمن شعوبنا. وإن لعبة التحكم بالسلاح وإدارة تكالف الحرب بما فيها جوانبها البشرية تحددها الأطراف الممسكة بحبال الوضع الدولي، وليس الأمر يتعلق بمدى الثقة بهذا الطرف الدولي أو ذاك.

إن السلاح الأقوى الذي بأيدينا هو الوحدة الوطنية وإزالة الأوهام التي تفرق بين أبناء الشعب الواحد. وتقع على الجميع مسؤولية توفير مقومات الجدية الوطنية في الوقوف ضد حروب التدخل والتعصب بكل أشكاله ومنع إختلاق البؤر والأسباب المؤلمة للإحتراب. وبات من المعروف أن إرتكاب الأخطاء ليس من إختصاص الشعوب الصغيرة والضعيفة التي تتعرض لحروب التدخل فقط، وإنما الدول العظمى هي التي ترتكب الأخطاء الكبرى التي تقترب من حدود الجرائم ضد الإنسانية، ومن أكبر أخطائها التدخل العسكري، خاصة في بلد يمر بحالة ثورة.

وبديهي أنه يجب التمييز تمييزاً مطلقاً بين مواقف حكومات الدول العظمى والكبرى وبين شعوبها، ويجب عدم إطلاق أوصاف سلبية قاطعة إتجاه أي شعب، وفي كل الأحوال لا يمكن تجاهل منجزات العلم والتقنية التي حققتها الدول الكبرى والمتقدمة، ولكن في الوقت نفسه ينبغي الحذر من درسات العلوم الإنسانية في المعاهد التي تديرها الشركات العابرة، خاصة تلك الدراسات التي تخصصت بدراسة حالات الشعوب العربية؛ الإجتماعية منها والنفسية وغيرها، وذلك لأغراض لاتمت للعلم المجرد بصلة. ومن المهم للشعوب المتطلعة الى مستقبل أفضل أن تتعرف على حالة كل شعب لمعرفة موضع أقدامها.

إن علاقات الشعوب بموقف وسلوك حكوماتها مسألة في غاية التعقيد الى جانب الأهمية، وتحديد المسؤوليات عن تلك المواقف والسلوكيات سلباً وإيجاباً يجب أن يحظى بعناية فائقة، بعد الإقرار بأن المسؤوليات تقع على عاتق الحكومات حتى في ظل الحكومات التي تقف قريباً من إحترام مواقف الغالبية العظمى من شعوبها، كما إن الحكم على مواقف الشعوب في الظرف الملموس والحالة المعينة على وجه الدقة، يتطلب عناية فائقة في النظر إليها، وقد لا يكفي جهد باحث منفرد بصددها، حيث ينبغي النظر الى حلقات التطور التاريخي للبلد المعني من ناحية الوضع الإقتصادي والنظرية الإقتصادية الحاكمة في ذلك الوضع، ومدى التطابق بين النظريات المطروحة في نظام الحكم وممارساته الفعلية، وربما لا حصر مؤكد للموضوعات التي ينبغي أن تدرس لإصدار أحكام يمكن القول عنها إنها ربما الأكثر مصداقية، هذا الى جانب إشتراط توفر درجة عالية من الوعي الثقافي والعلمي والتجرد من موروثات الحقب الميتة والمظلمة ذات الوجه العبوس الذي لا يعرف الإشراق الإنساني.

أرى أنه من واجب أبناء منطقتنا الحرص كل الحرص على أن لا تكون المنطقة ميداناً لصراع الفيلة أو الضواري، ولا ينبغي أن يوضع في الإعتبار الأول المقارنات بين خصمين كبيرين أو أكثر يتصارعان أو يتصارعون فوق أراضينا، حيث لا أحد منهما أو منهم قد جاء لسواد عيون أبناء البلاد. إن الهدف واضح يقوم على أساس خدمة إستراتيجياتهم الخاصة فقط. ومن أكبرالأوهام عند الأطراف الوطنية الضعيفة إنها تتوهم بأنها تستطيع أن تتحايل على الأقوياء.

ماذا حصلنا من العدوان الأمريكي على بلادنا؟ لم نحصل من المحتل وحلفائه من أهل البلاد غير التمزيق والمزيد من المهانة وسلب الحقوق بكل أنواعها. وقد وقفنا ضد ذلك العدوان قبل وبعد وقوعه والى يومنا هذا. كما إن العدوان الروسي في سورية لن يكون يوماً لصالح الشعب السوري، ومن الغباء إستدعاء العدوان لأن المستدعي سَيُصبِحُ ورقةً في سوق نخاسة القوي، وسوف نرى وليس ذلك ببعيد.

يتبع ...



#عبدالحميد_برتو (هاشتاغ)       Abdul_Hamid_Barto#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوطنية الحقة وحروب التدخل (3)
- الوطنية الحقة وحروب التدخل (2)
- الوطنية الحقة وحروب التدخل (1)
- حملة التضامن مع إبراهيم البهرزي
- التصدي للفكر الظلامي المتعدد الأقطاب (3)
- التصدي للفكر الظلامي المتعدد الأقطاب (2)
- التصدي للفكر الظلامي المتعدد الأقطاب (1)
- نظرة الى دراسة إستطلاعية
- بين القرم ودمشق الشام
- التظاهرات نشاط سياسي حقق منجزاً
- ملاحظات موجزة حول كتاب آرا خاجادور
- بوتين و نيمتسوف
- أعداد النازحين واللاجئين أكبر مما نتوقع
- عراقيو بوهيميا يتضامنون مع شعبهم
- الإقامة بين العنوان والمتن
- آرا خاجادور ونبض سنينّه
- من الكوفة الى الأنبار
- شكري بلعيد يُقدم الدليل
- الإحساس بالإضطهاد الطائفي
- موسوعة الوراقة والورّاقين


المزيد.....




- وحدة أوكرانية تستخدم المسيرات بدلا من الأسلحة الثقيلة
- القضاء البريطاني يدين مغربيا قتل بريطانيا بزعم -الثأر- لأطفا ...
- وزير إسرائيلي يصف مقترحا مصريا بأنه استسلام كامل من جانب إسر ...
- -نيويورك تايمز-: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخ ...
- السعودية.. سقوط فتيات مشاركات في سباق الهجن بالعلا عن الجمال ...
- ستولتنبرغ يدعو إلى الاعتراف بأن دول -الناتو- لم تقدم المساعد ...
- مسؤول أمريكي: واشنطن لا تتوقع هجوما أوكرانيا واسعا
- الكويت..قرار بحبس الإعلامية الشهيرة حليمة بولند سنتين وغرامة ...
- واشنطن: المساعدات العسكرية ستصل أوكرانيا خلال أيام
- مليون متابع -يُدخلون تيك توكر- عربياً إلى السجن (فيديو)


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالحميد برتو - الوطنية الحقة وحروب التدخل (4)