أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالحميد برتو - بوتين و نيمتسوف















المزيد.....


بوتين و نيمتسوف


عبدالحميد برتو
باحث

(Abdul Hamid Barto)


الحوار المتمدن-العدد: 4738 - 2015 / 3 / 4 - 18:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قرأت قبل أيام مقالين لصحفيين عراقيين مغتربين إثنين، أحدهما تناول الموقف غير المحايد للإعلام العربي تجاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، متهماً الصحفيين العرب من خلاله، بأنهم يكتبون تحت تأثير الإعلام الغربي، على حد قوله، وهو إتهام قد يكون له ما يبرره على صعيد الصحافة الرسمية، ولكن تعميم الإتهام لا ينسجم مع توخي الموضوعية. وإكتفى الكاتب في مقاله بتسطير مآثر بوتين وعرض بعض المعلومات عن شخصيته في جوانبها المشرقة، كما يراها، ووصفها بالشخصية ذات الهيبة والتأثير، ولكن ذلك الناقد للإعلام العربي بصدد موقفه من بوتين، لم يكلف نفسه حتى الإشارة ولو الى زلة لسان واحدة أو موقف يُمكن مساجلته لبوتين، وسار صاحبنا من حيث يدري أو لا يدري على نهج مَنْ شن عليهم نقده. ثم أليس من حقنا أن نسأل: هل هنالك إعلام عربي أصلاً؟. أليس من الأصح القول عن ذلك الإعلام أنه يصدر باللغة العريية وحسب؟.

والمقال الثاني تناول حادثة إغتيال المعارض الروس بوريس نيمتسوف ليلة الجمعة في موسكو، ومن المعلوم أن نيمتسوف شغل منصب النائب الأول لرئيس الحكومة الروسية في التسعينات من القرن الماضي، ثم تحوَّل للمعارضة، وبات من أبرز وجوهها. وبادر الكاتب الى إصدار أحكام تؤكد الإجماع على تبرئة ساحة الرئيس فلاديمير بوتين وحكومته من العملية، مؤكداً على أن الإغتيال ليس إسلوب بوتين ويتنافي وأخلاقياتيه ووزنه كزعيم دولي وتاريخي بالنسبة لروسيا، وأصدر حكماً قاطعاً على أن القتيل نيمستوف والمعارضة الليبرالية التي يمثلها، لا تُشكل خطراً على نظام بوتين، ولكنه أكد فقط على صخبها الذي وصفه بالعالي.

إن بعض أحكام وتصورات كاتب المقال الثاني، الذي تناول من خلاله مقتل المعارض الروسي قابلة للنقاش. والمقال بصفة عامة لا يستدعي التوقف عنده، خاصة في الجوانب ذات الطبيعة الخبرية، على الرغم من أنه غرف من حوض واحد. ولكن المثير هو إصدار الكاتب للأحكام عن الحادث بسرعة ويقين، لم يتجرأ عليهما حتى إعلام الكرملين نفسه، مما خفض سقف الإحترام لمثل تلك الأحكام القطعية، خاصة بعد أن كاد الصحفي المتحمس للإدارة الروسية أن يقول: إن نيمتسوف قتل نفسه. لقد سار الصحفيان معاً، ولكن كلاً من موقعه على منهج واحد مفاده: إما حلو كله أو مر كله، أو من ليس معي فهو ضدي.

تلك الحرارة التي وجدتها في المقالين تركت إنطباعاً أن بعض مغتربينا ليسوا معنيين بالتجارب والتطورات العالمية الواسعة، التي لم تعد تحتمل هذه الدرجة العالية من اليقين، دون مبرر مقبول أو معقول. ولم يحاول أي من الصحفيين الإقتراب حتى من المساحة النسبية المتاحة أمام الصحافة الروسية نفسها؛ (ملكيون أكثر من الملك)، أو من المهارة الغربية في إطعام القراء ما يسعون الى تأكيده أو نشره أو تعميم للتاثير على الرأي العام، والغربيون يعتمدون نظام الجرعات في زرع المعطيات، وليس عبر الدفعة الواحدة لكي يسهل إبتلاعها، وهنا أعني الإعلام التابع للإحتكارات تحديداً. وكان من الواجب والضرورة أن ينقل كل منهما من جانبه بحدود موضوعه بأمانة المعطيات المتوفرة، وأهم وجهات النظر السائدة حول بوتين أو عن إغتيال نيمتسوف. إن من المهم أن يكون لقراء العربية مصادر تفرض إحترامها من خلال التمسك بالموضوعية، وبما يخدم الوعي العام، الذي يتعرض في الظروف الراهنة الى التهشيم بأكثر الوسائل همجية وعدم إحترام لإنسانية الإنسان.

بالنسبة الى بوتين لا يوجد إختلاف عند أغلب المتابعين على أن شعبيته في الفترة الأخيرة بين الروس قد وصلت الى أعلى درجاتها، خاصة بعد إستعادة شبه جزيزة القرم، حسب وصف البعض، أو إحتلالها حسب وصف البعض الآخر. ويحظى دعمه للإنفصاليين في منطقة الدونباس جنوب وجنوب شرق أوكرانيا بإرتياح معظم الروس، ولكن الدعم الشعبي الروسي بصورة عامة كان بدرجة أقل في الدونباس من حالته في القرم، وذلك على الأقل بفعل حساب المخاطر المحتملة. وعلى صعيد تصاعد شعبية الرئيس الروسي تعددت التفسيرات أيضاً وفق مصالح ومواقف كل طرف، ومدى قربه أو بعده عن بوتين. إن البعض ذهب في تفسيره حد إتهام الشعب الروسي بأنه إعتاد على وجود قيصر، وقسم أشار الى أن بوتين يريد إستعادة أمجاد الإتحاد السوفيتي السابق، أو على الأقل إستعادة النفوذ داخل دول الإتحاد نفسه، وهناك مَنْ يُشير الى أن بوتين يريد أن يمد نفوذ بلاده الى دول شرق ووسط أوروبا، والى جنوبها بصفة خاصة، أو مَنْ يرى بأن بوتين يجيد لعبة الضغط على الغرب بحدود معينة لإستعادة بعض الهيبة المفقودة لروسيا، أما أصحاب الشكوك الواسعة فقد تحدثوا عن توزيع أدوار بين واشنطن وموسكو بحدود معينة وفي بعض المواقع الدولية، وكل حسب حجمه وقدراته وتحالفاته.

وربما النقطة الأبرز في سياسة بوتين، التي أثارت جدلاً واسعاً، وتضاربت بصددها المواقف والقراءات، هي تلك التي تتعلق بالموقف الروسي من ثورة الشعب السوري، حيث بدت روسيا وكأنها تتحدى الغرب بقوة لا سابق لها منذ إنهيار الإتحاد السوفيتي. وهنا أيضاً تضاربت التقديرات بين مَنْ يرى بأن بوتين يبني سياسة تخدم شعبه بكل شجاعة، ومن يرى أن سياسته قد مررت المشروع الأمريكي لإعادة تأهيل الأسد، مؤقتاً على الأقل. ولا يوجد دولياً في الوقت الحالي مَنْ هو معني أو مهتم بأعمال الأسد، الذي خاض ويخوض حرب إبادة ضد شعبه بأكثر الوسائل إجراماً وحشية، حيث شرد نصف الشعب السوري داخل البلاد وخارجها، وتضافرت جهود الجميع في الوقت نفسه لكي يتسلط الإرهابيون من كل حدب وصوب على إرادة وحياة الشعب السوري الى درجة محاولة إجهاض ثورته في ظل ظروف إعاد رسم حدود المصالح لكل الأطراف الدولية.

لم يحاول الصحفيان، كل بحدود موضوعه، أن يتجشم بعض التعب بتقديم مواقف الأطراف المعنية بالموضوعين، أي بدلاً عن كيل المديح الصافي، أو الهجوم على الآخرين من الضفة الأخرى، العمل على عرض أهم تصورات القوى المعنية، لكي يتسنى للقراء الإطلاع، ولهما بعد ذلك إطلاق الأحكام، ولكن على الأقل بعد أن وفرا للقراء بعضاً من الجهد، وبما يفتح أمامهم الطريق للإقتراب من واقع الصورة القائمة. وربما توجد ضرورة للتنبه أن روسيا اليوم ليست الإتحاد السوفيتي، وإن روسيا دول رأسمالية ومازالت في خطواتها الأولى على هذا الطريق، وهي دولة ريعية في بعض جوانب إقتصادها.

ومن جانب آخر فإن التاريخ الحديث لروسيا أيام الإتحاد السوفيتي يحمل صفحات طيبة ومساهمات إيجابية في الخط العام تجاه مصالح الدول العربية: موقف موسكو من حرب السويس عام 1956؛ ودعم الثورة العراقية عام 1958؛ وبناء السد العالي في مصر؛ وبناء العديد من المصانع في معظم الدول العربية، وتحظى المرحلة السوفيتية بإحترام وتقدير شعوب المنطقة، خاصة في إطار الحد من العدوان الإستعماري لبعض الدول الغربية عليها، هذا الى جانب الدعم المتواصل لحقوق الشعب الفلسطيني العادلة.

هل لنا أن نتفق في ظل الأوضاع القائمة دولياً على أن لعب الكبار هو في غاية الوضوح بين أطرافه المباشرين، وفي غاية السرية والتكتم على كل الناس، وما السيول الإخبارية التي نسمعها يومياً إلا لإضافة المزيد من إرتباك على اللوحة، وليس لما يساعد في وضوحها. كما إن إكذوبة الحرص على الشعوب ومسرحيات حقوق الإنسان قد تعمل حيناً، وقد تتجمد حيناً آخر حسب مصالح القوى الكبرى، وليس حسب الضرورة المدعاة. وهل لنا أن نلاحظ أنه عندما تتكامل خطط أحد الأطراف المسيطرة دولياً نرى الآخر المعترض يكتفي بالإدانه، ومن ثمة يخفيف كثافة حملته الإعلامية والدعائية، وإن الطرف الأضعف يتنازل عن موقع سابق الى موقع آخر أقل منه أهمية، ولكنه قد يؤدي الغرض المطلوب أو معظمه على الأقل، فعلى سبيل المثال هل يمكن أن ينطبق هذا التقدير على محاولة روسيا أن تبحث عن موقع في قبرص أو اليونان على أساس الأخوة الأرثدوكسية قبل أن تنضج الظروف في سوريا بإتجاهات ليس في صالحها.

الغرب حين يريد الضغط على بوتين تبدأ ماكنته الإعلامية بمحاولات شيطنته، كما جرت شيطنة غيره بحق أو بدون حق، ففي يوم واحد قالوا عنه أنه يُشكل خطراً على النظام العالمي، وأضافوا بأنه يعاني من مرض التوحد، وزيادة في التبشيع، قالوا عنه أنه يضرب زوجته ضربناً مبرحاً، يذكر أنهم قالوا عنه قبل حين غير بعيد أنه مطلق. ومن الغباء السياسي أن نقول مثل هذا الكلام سوف لن يضر ببوتين أو غيره على طريقة ياجبل ما هزك ريح.

لنكتفي حالياً بهذا القدر حول المقال عن بوتين، الذي ظل يدور كاتبه حول الإشادة والإعجاب، متجاهلاً ما يدور سواء من جانب أنصار بوتين أو خصومه. أما المقال الثاني حول إغتيال بوريس نيمتسوف، فقد إكتفى الكاتب الآخر بذكر البعض القليل عن حادث إغتياله، كما وردت في الإعلام الروسي، والنقد هنا لا يريد أن يدخل في مجال تقويم الإعلام الروسي، فالنقد هنا ينصب على طريقة عرض نتف منه منتقاة من جانب صاحبنا، وأيضاً ليس هذا هو المهم وموضع النقد الكلي، ولكن المهم وموضع النقد ينصب على الأحكام المتسرعة عن حادث من هذا النوع، وهذا موقف لا يخدم العدالة، ولا الرأي العام، ولا أي شيء، فالصحفي ليس قاضياً، بل إن دوره المفترض هو البحث عن واقع الأحداث ومحركاتها، وليس إعطاء الأحكام المطلقة واليقينية، التي لم يطلقها بهذا الوضوح الأتباع أو الخصوم، بل إن الإعلام الروسي نفسه لم يتجرأ على تجاوز حقيقة إنتظار نتائج التحقيق، وبقية أحكامه وتصوراته وأهدافه يمررها بصيغة إحتمالات مجردة، أو نقلاً عن أطراف أخرى وحسب. إن مجرد نقل كل أو ملخص دقيق عن أي حدث يساعد كثيراً في إظهار صورة قريبة من الحدث نفسه، وليس من المناسب الإعتماد على مصدر واحد أو عدة مصادر ولكنها من وجهة واحدة معينة، وكلما جرى تناول طروحات جميع الأطراف كلما ساعد ذلك على تبيان الحقائق أو الإقتراب منها إعلامياً.

لقد غطى الإعلام الروسي الحادث بعناوين كبيرة على النحو التالي: قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في رسالة التعزية لـ"دينا ايدمان" والدة بوريس نيمتسوف إن مقتله خسارة لا تعوض فقد ترك بصماته في الحياة السياسية والعامة الروسية. وقال متحدث بإسمه: إن الرئيس أدان قتل السياسي المعارض بوريس نيمتسوف، وقال إنها ربما تكون جريمة قتل عن طريق قاتل مأجور.

من جهتها، قالت لجنة التحقيق في بيان لها: إن عملية الإغتيال تم التخطيط لها بدقة، ويعتقد أن دوافعها سياسية. وأضافت: إن "التحقيقات تجري حالياً على عدة مستويات. بداية، قد يكون هدف القتل هو الإستفزاز وزعزعة إستقرار الوضع السياسي في روسيا، فيصبح نيمتسوف ضحية تم تقديمها على مذبح أولئك الذين لا يوقفهم شيء أمام تحقيق اهدافهم السياسية. وألقى عدد من وسائل الإعلام بمسؤولية الجريمة على القوميين الروس، ولكن ديمتري ديومشكين القيادي في منظمة الروس القومية نفي نفياً قاطعاً أي دور للقوميين.

ومن جانب آخر لم يذهب التحقيق بعيداً عن "روح العصر"، حيث جرت الإشارة الى أن السلطات تدرس ضلوع الإسلاميين بعملية الإغتيال، وإن المتشددين الإسلاميين إرتكبوها ضد نيمتسوف، خاصة وإنه يهودي. كما لم تستبعد لجنة التحقيق فرضية وجود علاقة بين الإغتيال والنزاع في أوكرانيا، وأشار المتحدث باسمها فلاديمير ماركين الى أحتمال أن يكون متطرفون من أطراف النزاع يقفون وراء العملية. ونسب الإعلام الروسي الى الرئيس الشيشاني رمضان قادروف ترجحه، أن تكون "الأجهزة الخاصة الأوكرانية نفذت حكم الإعدام الصادر بحق نيمتسوف عن إحدى العواصم الغربية". ونُقل عن موقعه في "إنستاغرام" قوله: "ما من شك في أن جريمة قتل نيمتسوف دبرتها الأجهزة الخاصة الغربية، التي تسعى جاهدة إلى إثارة النزاع الداخلي في روسيا. إنها عادتهم ليقرّبوا المرء أولاً، ثم يجعلونه قرباناً لكي يتهموا القيادة السياسية". وعلى طريقته المعهودة عزف حول الحادث فلاديمير جيرينوفكسي، زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي، الذي رأى بأن مقتل نيمستوف له صلة برفيقة المجني عليه؛ عارضة الأزياء الأوكرانية آنّا دوريتسكايا. وتواصل التحقيق طراحاً إحتمالات شتى بشأن مقتل نيمتسوف، فالى جانب إحتمال القتل العمد الهادف إلى زعزعة الوضع السياسي أشار الى إحتمال وجود عداوات شخصية.

وفي الداخل الروسي، كان ردود فعل الشارع الروسي على مقتل نيمتسوف، كما يرى ايفان ميلنيكوف المسؤول في الحزب الشيوعي الروسي بأن الإغتيال "عمل إستفزازي دموي يهدف الى إطلاق الهستيريا المعادية لروسيا في الخارج. وحذر الرئيس السوفيتي الأسبق ميخائيل جورباتشوف من جانبه من خطر القفز الى الإستنتاجات. وقال: إن "بعض القوى ستحاول إستغلال القتل لمصلحتها، إنها تفكر في كيفية التخلص من بوتين.

ولكن المعارضة الروسية من جهتها ترى أن الإغتيال هو الثمن الذي يجب دفعه، لأن بوريس نيمتسوف، حسب إعتقادها، ناضل لسنوات لتصبح روسيا بلداً حراً وديموقراطياً. وذكر إيليا جاشيم أحد قادة المعارضة، بأن ليس لديه شك في أن الهدف الرئيسي هو تخويف الناس، وإثارة الرعب في نفوس من لديهم وجهة نظر مختلفة عن السلطات، مستدركاً بقوله أن بإمكانهم إخافة بعض الناس، ولكن غالبية الناس ممن دعموا نيمتسوف، وشاطروه الرؤية سيواصلون النضال. وقال ميخائيل كاسيانوف وهو زعيم معارض بارز آخر ورئيس وزراء سابق في عهد بوتين: أنْ يُقتل زعيمٌ للمعارضة بجانب أسوار الكرملين هو أمر أبعد من الخيال ... لا يوجد سوى تصور واحد، وهو أنه قُتل لأنه قال الحقيقة.

ويرى الكاتب فلاديمير فوينوفيتش أن النظام الحاكم مشارك بهذه الجريمة، لأنه في الأوقات السابقة ومع المعلومات التي تمتلكها السلطات العليا وبتواطؤ معها، فقد جرى تصعيد الكراهية والترويج لها بين مختلف الأطراف. ووصف جاري كاسباروف بطل العالم السابق للشطرنج الأجواء السياسية في عهد بوتين، سواء في الخارج أو في روسيا، بأنها أجواء كراهية وعنف، وإن الدم شرط أساسي لإظهار الولاء. وتابع قوله: "المسألة ليست في أن يكون بوتين هو الذي أصدر الأمر بقتل بوريس نيمتسوف، المسألة هي في ديكتاتورية بوتين ودعايته المستمرة عن أعداء الدولة.

كما يرى سيرجي ميتروخين، وهو زعيم ليبرالي معارض في مقتل نيمتسوف ضربة لروسيا. ويعتقد اناتولي تشوبيس كبير موظفي الكرملين في عهد الرئيس الراحل بوريس يلتسين، بأن هناك دعوة للكراهية في موسكو، وإنتقد المسيرة المؤيدة لبوتين، التي أطلقت الإسبوع الماضي ورفعت شعاراً يقول: اقضوا على الطابور الخامس، ثم يقتل بوريس نيمتسوف اليوم. وأضافت ايرينا خاكامادا، وهي شخصية سياسية روسية، عملت مع نيمتسوف، بأن مقتل رفيقها إرهاب وإستفزار تخطى الحدود، وسيشكل نقطة تحول في روسيا. ما تقدم يعكس بإيجاز حالة الغضب السائدة في صفوف المعارضة الروسية، وربما يزيد من قتامة العلاقات بين الحكومة والمعارضة تواصل وتصاعد مثل تلك الآراء.

وبديهي أن حدثاً من هذا النوع أن يثير ردود فعل دولية متنوعة ومتدرجة في ألوانها ودرجاتها وأغراضها، خاصة في الظروف الراهنة، التي ينصب فيها الإهتمام الدولي والغربي بدرجة رئيسية على تطورات الأزمة الأوكرانية، فهناك الكلام البروتوكلي للمنظمة الدولية، فقد أدان الأمين العام للأمم المتحدة بان جي مون إغتيال زعيم المعارضة الروسي نيمتسوف. وقال المكتب الصحفي للأمم المتحدة في بيان له إن القتل الوحشي لنيمتسوف في موسكو في 27 شباط/ فبراير صدم الأمين العام، وأعرب البيان عن إدانته للإغتيال، ودعا الى مثول الجناة أمام العدالة بسرعة، وقدم تعازي الأمين العام لعائلة نيمتسوف وأصدقائه وأنصاره.

أما الغرب فقد سعى الى إستثمار المناسبة لغمز روسيا من البلطيق إبتداءً، وأبرزت الصحافة الغربية تصريحاً لـ اندريوس كوبيليوس رئيس الوزراء الليتواني السابق، تفيد بأن نيمتسوف كان ينوي طلب اللجوء السياسي الى ليتوانيا عام 2012، خشية تعرضه لإضطهاد من جانب الكرملين. وأبرزت تلك الصحافة تصريحات رئيسة ليتوانيا داليا غريبوسكايت، التي جاء فيها أن إغتيال نيمتسوف يظهر بأن روسيا تغرق في ظلمة الرعب ضد شعبها.

هذا مع إشارات الى أن الإغتيال ليس الحادث الأول، الذي يتعرض له معارضون روس، وتناولوا مقتل المعارض الروسي ألكسندر ليتفينينكو، الذي قضى في عام 2006 في لندن إثر تسميمه بمادة البولونيوم المشعة، تجدر الإشارة إلى أن ألكسندر ليتفينينكو هو عميل سابق في الإستخبارات السوفياتية (كي جي بي) لجأ الى المملكة المتحدة. وكذلك مقتل رجل الأعمال الروسي ديمتري كوفتون في أحد فنادق لندن مسمماً بمادة البولونيوم أيضاً. وهذا مع تركيز على أقوال بعض المعارضين، الذين عبروا عن خشيتهم على حياتهم، وأن يلحق بهم مصير كاتبة التحقيقات الصحفية انا بوليتكوفسكايا، التي قتلت رمياً بالرصاص أمام منزلها في موسكو عام 2006.

وعلى الصعيد الرسمي الغربي، أثار مقتل نيمتسوف ردود فعل عديدة، ركزت على إدانة الإغتيال، والدعوة الى إجراء تحقيق عاجل وشفاف، وإمتداح القتيل، ومن بين المسؤولين الذين كانت لهم مداخلات واسعة بهذا الصدد: الرئيس الأميركي باراك أوباما؛ وزيرة خارجية الإتحاد الاوروبي فيديريكا موغيريني؛ وزير الخارجية الاميركي جون كيري؛ رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون؛ وكذلك المنظمات غير الحكومية، ومنها هيومن رايتس ووتش، التي دعت السلطات الروسية الى التحقيق في مقتله بشكل موضوعي.

وأبدى الرئيس الأوكراني بيترو بوروتشنكو إهتماماً مميزاً، وقال عن نيمتسوف بأنه كان جسراً بين أوكرانيا وروسيا، وهذا الجسر دمره رصاص قاتل، مشيراً الى أن الأمر ليس صدفة. وانطوى كلام بوروتشنكو على إتهامات، مؤكداً على أن نيمتسوف أغتيل لأنه كان ينوي الكشف عن أدلة تثبت ضلوع روسيا في الصراع، الذي تشهده أوكرانيا. وأثنى بوروشينكو على نيمتسوف، وقال إنه معارض شرس للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأضاف بأنه كان قد أبلغه قبل إسبوعين بأن لديه أدلة على دور روسيا في الأزمة الأوكرانية وسوف يكشف عنها.

أكتب هذا التعليق تحت ضغط الشعور بأن مسؤولية الكتابة ليست بالمستوى الضروري عند بعض المغتربين، وبما يتناسب مع الحالة المؤلمة، التي تمر بها بلادنا، خاصة حين أقارن بين الفترة الى كان فيها للكلمة هيبة ودور وبين فترات ضعف المسؤولية. ويبدو أن البعض في الخارج نسى دوره، كما هو حال عدد غير قليل من العائدين.

تحتفظ ذاكرة الشعب العراقي بصورة جميلة عن المشردين السياسيين، الذين عادوا للوطن بعد تموز 1958، وكيف إلتحموا مع الناس دون إمتياز يذكر، وتكرر الحال عام 1964، وكيف كان الشعب يحترم العائدين، والناس تقارن اليوم بين الذين عادوا سابقاً وحالة الزهد التي تطبع سلوكهم، وبين الذين جاؤوا مع وبعد الإحتلال عام 2003، حيث تدافع الكثيرون منهم، إن لم نقل أغلبهم على المناصب الحكومية، وفي الغالب دون جدارة مناسبة، وتكالبوا على نهب المال العام وغيره من الجرائم، وعلينا أن نقارن نظرة الناس الى العائدين من الخارج في تلك الحالات المذكورة وحتى بالإسم ... ونرى.

ويبدو أن الحال هو نفسه بين الكتاب والمثقفين في المرحلتين أيضاً، أو الأدق في الحالتين، وأهم ما تنبغي الإشارة إليه، هي نوعية إستقبال الناس للكتابات بحسهم الصادق، الذي يتلمس كل شيء، حيث الأصالة أو المنافقة في المغتربات والمكتسبات الشخصية في الوطن، وعلى حسابه. ولا تمر على الناس كتابات في أكثر الحالات تأخذ طابع الوجبات السريعة. في كل الأحول تظل الكلمة الصادقة المبنية على تحليل الوقائع بموضوعية، ومن كل المصادر والجوانب، هي التي تؤدي الدور المتوخى، وتزداد جمالاً كلما إرتبطت أكثر بالمصالح الجوهرية للناس والأوطان، وهذا معيار دقيق تُختبر من خلاله الأقوال والأعمال.

وأخيراً، روسيا في كل الأحول دولة مهمة بل مهمة للغاية، وهي شبه جار للدول العربية، وليس هناك ما يلوث العلاقات التاريخية بين المنطقتين، وأن الغرب لم يتعود النظر الى روسيا كصديق، كما إن بعض الدول الأوروبية لا تبدي إرتياحاً لروسيا على الرغم من العلاقات المشتركة حتى خلال فترة الحرب الباردة من خلال منظمة الأمن والتعاون في أوروبا؛ أقدم المنظمات الأوروبية المتبقية من عهد القطبية الثنائية، كما إن لروسيا بعض المطاليب في بعض دول الجوار، حيث لم تقرر أو ترسم الحدود النهائية لتلك المطالب، وذلك يعود لعوامل تاريخية مديدة، وتشير بعض الدراسات الأوراسية الى أن تاريخ روسيا الذي يمتد الى أكثر من ألف عام لم يعرف الحدود الثابتة. إن أهمية روسيا ودورها الإقتصادي والسياسي والديبلوماسي يتطلب من المغتربين العراقيين والعرب عامة تناول الشؤون الروسية على نحو غاية في الدقة، وبما يخدم المصالح المشتركة وحق التعارف الجدي بين الشعوب، ويتسم بالموضوعية، ولا ينطلق من مواقع الولاء أو العداء.



#عبدالحميد_برتو (هاشتاغ)       Abdul_Hamid_Barto#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أعداد النازحين واللاجئين أكبر مما نتوقع
- عراقيو بوهيميا يتضامنون مع شعبهم
- الإقامة بين العنوان والمتن
- آرا خاجادور ونبض سنينّه
- من الكوفة الى الأنبار
- شكري بلعيد يُقدم الدليل
- الإحساس بالإضطهاد الطائفي
- موسوعة الوراقة والورّاقين
- وداعاً أبا عواطف
- جيفارا: قوة المثل الثوري
- الفيلسوف مدني صالح وعطرالأرض


المزيد.....




- نقار خشب يقرع جرس منزل أحد الأشخاص بسرعة ودون توقف.. شاهد ال ...
- طلبت الشرطة إيقاف التصوير.. شاهد ما حدث لفيل ضلّ طريقه خلال ...
- اجتياج مرتقب لرفح.. أكسيوس تكشف عن لقاء في القاهرة مع رئيس أ ...
- مسؤول: الجيش الإسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر لاجتياح رفح
- -سي إن إن- تكشف تفاصيل مكالمة الـ5 دقائق بين ترامب وبن سلمان ...
- بعد تعاونها مع كلينتون.. ملالا يوسف زاي تؤكد دعمها لفلسطين
- السيسي يوجه رسالة للمصريين حول سيناء وتحركات إسرائيل
- مستشار سابق في -الناتو-: زيلينسكي يدفع أوكرانيا نحو -الدمار ...
- محامو الكونغو لشركة -آبل-: منتجاتكم ملوثة بدماء الشعب الكونغ ...
- -إيكونوميست-: المساعدات الأمريكية الجديدة لن تساعد أوكرانيا ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالحميد برتو - بوتين و نيمتسوف