أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي سيريني - موطئ قدم الإنسان الشرقي المتشقق















المزيد.....

موطئ قدم الإنسان الشرقي المتشقق


علي سيريني

الحوار المتمدن-العدد: 5027 - 2015 / 12 / 28 - 03:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في خضم صراع الثقافات المهيمن كشبح ماثلٍ أمامنا، مسكوت عنه في آدائه، لا يبوح بمضمونه كما هو، بل يقدم نفسه بنعومة تشبه نعومة الكائن المتوحش اللابس لبوس ملائكة الرحمة؛ تطرح الموازين نفسها، غير مفارقة عنا ولو للحظة، لـتُـقـيم، شئنا أم أبينا مقارنات صارخة، لا مفر منها، بين عقائدنا وتراثنا وثقافتنا، مع ما لدى الآخرين مثلها.
والآخرون الذين تطرح العفوية التلقائية المقارنات بيننا وبينهم، هُمْ على الدوام الغربييون المتفوقون علينا اليوم في شتى طرق الحياة.
عشت في الغرب أكثر مما عشت في أي بلد آخر على حدة. ما لاحظته في طبيعة وآداء الغرب، المترابط والمتناسق والمنسجم، أنه مع إنفتاحه الكبير وشجاعته الأكبر، لكنه لا يأخذ من غيره أي شئ يُصنـّـف في دائرة الأيديولوجيا والعقائد وتصورات الحياة. قد يأخذ من هنا وهناك وسيلة، أو طريقة، أو فكرة مبتكرة؛ لكنه يأخذها ويصبغها بصبغته، ثم يطورها بشكل يفقدها هويتها الأصلية، وكأنها لم تكن موجودة على أرض الواقع، قبل أخذ الغرب إيّاها وإستعمالها أو تطويعها لغاياته.
هنا في الغرب، كل شئ يخص الغرب، يتمتع بقيمته ووجوده وآدائه. الدين والتراث والثقافة والفلسفة والتاريخ، كل ذلك، يدور في فلك منسجم متناسق وذو هوية حضارية متحدة متآلفة.
هنا في الغرب، حين تدرس الفلسفة على سبيل المثال، لا تعرف الهويات القومية للفلاسفة، أو أنها غير ذات أهمية حتى تذكر. إذا كنت تريد أن تعرف هويات الفلاسفة، منذ القدم وإلى اليوم، فما عليك إلا أن تذهب بنفسك وتبحث عن هوياتهم القومية والإثنية، لأن الجميع هنا يُعرّف بإطار جامع وبمسرى واحد وبمجرى متآلف، وهو ما يسمى بـ (الغربي) أو الهوية الغربية المتكونة من التراث المسيحي/اليهودي كبعد ثقافي وديني، والتراث الروماني كبعد قانوني وسياسي.
هكذا شأن الحضارة الغربية المتناسقة المتآلفة المستقرة والمزدهرة.
تأريخياً، أخذ الغرب من الآخرين (وكثيراً من المسلمين) العلوم التجريبية كالطب والكيمياء والهندسة...الخ، وطرق ووسائل تطوير جوانب الحياة، لكنه لم يأخذ الدين والتراث والعقيدة، حتى حين كان المسلمون في القمة والغرب في حضيض. الإصرار والصبر والعمل الدؤوب غـيّـر الموازين حتى وجد الغربييون أنفسهم في القمة.
في الشرق، أرى الآية معكوسة. الشرقييون مستهلكون لإنتاج غيرهم. يعلمون علم اليقين أنهم تخلفوا عن الركب تخلفاً كبيراً. والشرقي اليوم، يعيش إضطراباً وتانافراً وتنابذا كبيراً بينه وبين مثيله الشرقي. نعی-;-ش الی-;-وم أسوأ الصراعات العنصرية‌ بی-;-ن القومی-;-ات والإثنی-;-ات والمذاهب والجماعات السی-;-اسية‌. فضلاً عن هذا، يعيش هذا الإنسان مرض جلد الذات، الذي يلقح عقله بإستمرار بأنواع الأوهام والأكاذيب التي ترديه ضحية مبتذلة منبوذة، عند نفسه وعند الآخرين.
الشرقي اليوم يزن بميزان مختل، دون أن يشعر، في تقييم نفسه والآخر. فحين يرى تخلفه وتطور الآخر، فهو لا يرى سوى مظاهر كليهما. مثلا يرى غنى الغربي وفقر نفسه، وتكنلوجيا الغرب وعوزه هو إليها، ورقي الغرب وفاقته له. وإذ يستدعي المنطق البسيط لفهم الأشياء، أن يذهب الشرقي منحى إصلاح هذه الجوانب، كأن يجد الفكرة المبتكرة والوسيلة الناجعة، وأن يستحوذ على ما يبلغ به مصاف الإنسان الغربي في التكنولوجيا والعلم والإقتصاد والمال، نجده يقفز إلى ما هو ابعد من هذا كله، إلى حيث ليس له علاقة بما آل إليه وضع الإنسان الغربي من تقدم وإزدهار مادي. يقفز نحو إيمان الإنسان الغربي وكيفيته، وثقافته وتقاليده، وتصوره للحياة، أي المظاهر الخاصة التي يتمتع كل شعب أو قوم بما يميزه عن غيره. ومرمى هذا القفز يكمن في أن إنساننا الشرقي يريد أن يصل إلى ما وصل إليه الغربي، عبر تقمص ما يفيض من الغربي من مظاهر لا علاقة لها بمناحي العلوم والتكنلوجيا، بل هي جزء من الموروث الذي نقله الأجداد إلى الأحفاد بعفوية، ليس بالضرورة عبر الفحص والتدقيق الموضوعي، لأن التراث كالنهر يتدفق بما هو دون تمييز بين غث وسمين. وفي هذا الدرب، تزامنا مع حدة جلد الذات، يقوم الشرقي ويقعد وهو يبجل تقاليد الغربي وطريقة حياته، لاعناً في نفس الوقت ما لديه من تقاليد وطرق حياة، لا ذنب لها في تأخر الإنسان الشرقي على أصعدة العلم والتكنلوجيا.
لذلك، فليس من الغريب أن تجد من المحيط إلى الخليج، جيشا عرمرماً عاطلاً عن العمل إلا من عمل واحد، وهو الهجوم غير المنقطع على كل ما يمت بصلة إلى الدين والتراث والتقاليد الشرقية. ويُعرّف لنا هذا الجيش، بأنه طليعة الثورة التقدمية للمشرق. وهذه الطليعة، تتضمن عددا هائلا من الكوادر المكدسين في أجهزة ومؤسسات سلطات قمعية فاسدة. هذا العدد الهائل، يتم تسويقه لنا، على أنه العقل الفذ والمتنور والتقدمي الذي لا بد من الخضوع لما يقوله ويرسمه لنا. ودونك اليوم، هذا التسويق عبر أجهزة الإعلام والثقافة، يطرح أمواجاً من ألوفٍ غثاء، غثاء الزبد، إعلاميين، كتّاب، "مفكرين"، "أكاديميين"، وسياسيين... شغلهم الشاغل هو توظيف كل شئ ضد ما لدينا من تراث و تقاليد ودين، لإثبات أن هذه كلها هي العائق أمام تطورنا، وعليه إن شئنا ركوب مركب التقدم، فما علينا سوى لبس ما يلبسه الغربي، وتلوين شعرنا بلون شعره، وأكل ما يأكله، والمشي كما يمشي، وكما يتحدث وكما يقوم ويقعد ويغني ويرقص...الخ.
ومنذ حوالي قرن، تذهب جهود الإنسان الشرقي هذا المنحى الذي، إلى ساعتنا هذه، لم يحقق ما وعدنا به من الإستواء مع الغرب، بل أضحت الهوة بيننا وبين الغربيين أكثر مسافة وأشد إيلاما. وفوق ذلك نتشرذم وننشطر وننقسم بعداوة وبغضاء أكثر فأكثر أدى على سبيل المثال ببعض مكوناتنا ان يتبرأ من 14 قرنا من تاريخ حافل وغني، وأدى ببعض آخر أن يبدأ رحلة البحث عن الأديان الغابرة، باعتبارها تشكل الهوية القومية له، كبعض الترك، وبعض الكـُرد، وأبعاض أخرى كالأقباط والفرس والأمازيغ... الخ.
وحتى لا يبقى القارئ في جوّ من المبهم، أطرح له مثالاً بين الألوف، من مصر التي أراها "رائدة" في هذا المجال. كثر في الآونة الأخيرة، تزامنا مع إنقلاب الطغمة العسكرية الباحثة عن الشرعية، الحديث عن سوء التراث والتقاليد والدين. وتقوم أجهزة الإعلام بتسويق أسماء تُضَخّم بكمياتها، يُطرح بعضها على أنه أكاديمي تعلم في الغرب. وينحصر فكر وحديث هذه الأسماء في مواضيع معينة فقط، من قبيل تاريخ بعض الصحابة، أو روايات الحديث عند البعض الآخر... وهلم جرا. وكأن أكاديميتهم الغربية لم تحصل إلا على هذا الصنف من الفن والعلم. وإزاء الأبهة والإطراء والآداء المبهرج لهذا الكائن في الشاشة الموظفة له، ليس عليك سوى تناول عصا ما، لترفع أسفل المعطف الغربي لممثلنا، لتري القوم "المغمور" أو المخمور (لا فرق)، ما يستقر تحته من جهل يقطر عفونة، لا يزيد من صاعـنا في التقدم والعلم، إلا نقصاً، يعرّضنا للسخرية والشفقة لدى الغربي نفسه قبل غيره، إذا ما اطـّـلع على المشهد، مع أنه تاريخياً لا يهتم إلا بما لديه كما سلف ذكره.
وعلى الطرف الآخر، نجد أنفسنا أمام غزو عسكري تدميري مستمر ضدنا من قبل الغرب، لا قبل لنا به إلا قليلا. هذا الغزو دمّرنا على الدوام منذ قرطاج وقبله إلى عصرنا الراهن، ولم يبلغنا أي ضفة من ضفاف غربية، يُطبـَّـل لها كنموذج أرقى وأصلح للحياة. إذن نفتقد إلى حماية شأفتنا وتخومنا، ومازلنا نفتقر إلى الإبتكار وفن تطوير العيش كما هو بائن.
على أنني سأقدم نموذجين، يدحضان كل ما يطبل له في عالمنا الشرقي من أوهام مبتذلة وأكاذيب عارية.
يعيش شعب كوريا الشمالية، تحت ظل سلطة، قد تكون الأسوأ على الصعيد العالمي. لكن هذه السلطة تملك تكنلوجيا الردع، مما أوقف أعدائها الغربيين عند تخومهم، خائفين من مجرد التفكير بغزوهم تحت أي ذريعة كانت. أما اليابان وكوريا الجنوبية، فهما شديدي الإلتزام والتعمق في تراثهما ودينهما وتقاليدهما. لكن هذا الإلتزام وهذا التعمق، لم يمنعا كلتا الدولتين، من بلوغ مصاف الدول المتقدمة عالميا.
دولنا الشرقية غير قادرة على حماية أنفسها، من دون عون خارجي، لأنها لا تملك سلاح الردع والتوازن. وإذ سخّرت أكثرية أجهزة دولنا من أجل هدم الدين والتراث والتقاليد، فما وجدنا أي تطور علمي وتكنلوجي في مقابل ذلك. فأصبحنا عرضة لما هو كائن اليوم من دمار وهلاك وسخرية. لماذا حدث هذا وكيف؟ الجواب لأن الثالوث الأقدس يحكمنا منذ سقوط الدولة العثمانية. ماهو هذا الثالوث الأقدس؟ سأتناول ذلك في المقال القادم.
3 ديسمبر 2015



#علي_سيريني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التناقضات المضحكة في السياسة الكُردية
- كيف حوّل الغربييون والصفوييون بعض الأكراد إلى مطايا يركبونها ...
- لماذا حاول الغرب وإيران إفشال عملية السلام بين الكُرد والدول ...
- الكُرد من إمتطاء الإستقلال إلى مطية لإيران والغرب
- إختراع وكالة الإستخبارت المركزية الأمريكية لفكرة -نظرية المؤ ...
- هل التكالب الدولي على الشرق سببه -إرهاب- الدولة الإسلامية
- مركب الآمال في شط الضياع
- الإختراق الإيراني في كُردستان حبلٌ من حبائل تدمير المنطقة
- السعودية لن تسمح بسقوط نظام بشار الأسد
- عملاق في دشداشة بيضاء يستقبل فأرا
- لماذا تدفع دول النفط بالحركات الإسلامية إلى الجهاد في ساحات ...
- أنين قلبي حسرة على كُردستان
- موقع أهل القرآن بين العدالة والتطبيل للظلم
- كيف بدأت الإصلاحات الدينية في أوروبا المسيحية في القرون الوس ...
- الوداع الأخير للنضال القومي الكُردي والجنازة الى جانب العروب ...
- هدايا ليبرالية من مكة المكرمة إلى فرعون مصر
- لماذا تقف السعودية وإيران مع دول الغرب ضد الربيع العربي
- أين أخطأ الإخوان المسلمون
- تمهيدا لإقامة دولة الأقباط تحويل مصر إلى سوريا أخرى
- لمحة عن الرينيسانس في أوروبا


المزيد.....




- الرئيس الجزائري: البشرية فقدت أمام معاناة الفلسطينيين في غزة ...
- شاهد: الاحتفال بمراسم -النار المقدسة- في سبت النور بكنيسة ال ...
- مجهولون يعتدون على برلماني من حزب شولتس في شرق ألمانيا
- تصاعد الخلافات في جورجيا بعد طرح مشروع قانون مثير للجدل يرفض ...
- هاليفي يوجه رسالة للجيش الإسرائيلي من وسط غزة
- الجيش الإسرائيلي ينشر فيديو يوثق غارة جوية استهدفت بلدة طير ...
- مسؤول إسرائيلي: التقارير عن صفقة سيتم الكشف عنها يوم السبت س ...
- جنرال فرنسي: باريس ليست مستعدة الآن للمشاركة في النزاع الأوك ...
- تقرير عبري: البرغوثي قد يطلق سراحه إلى غزة ضمن المرحلة الأول ...
- نشطاء يرشقون بالبيض القيادي اليميني المتطرف الفرنسي إريك زمو ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي سيريني - موطئ قدم الإنسان الشرقي المتشقق