|
لا شك أنه ثمة ما يستحق فعلا أن يُعاش في هذه الحياة!!
حميد طولست
الحوار المتمدن-العدد: 5007 - 2015 / 12 / 8 - 08:52
المحور:
الادب والفن
لا شك أنه ثمة ما يستحق فعلا أن يُعاش في هذه الحياة قرَّرت في هذا اليوم أن أضرب طيلة نهاره عن مشاهدة الفضائيات التلفزية التي تعوّدت متابعتها ، وأتوقف عن الاستماع للإذاعات التي ألفت الإنصات لبرامجها ، وأحجم عن فتح مواقع الصحف والمجلات الإلكترونية التي دأبت على الإبحار في فضاءاتها مُباشرة بعد الاستيقاظ ، وأمتنع عن التهام محتويات الصحف الورقية التي تقدحها المقهى التي ارتادها ، وذلك ، حتى لا يصلني ما اعتادت أن تهطل به تلك الوسائل على رؤوسنا ، من أخبار مآسي الأحداث المفجعة ، وما تمطره من أنباء الحروب، والمظالم، والفقر، والمأساة الإنسانية ، وما تحبل به من قصص مفاسد نخب المثقفين والساسة ورجال الدين ، واقتتالهم الموجع للعقل والقلب .. قفلت هواتفي ، وتنكرا لتكنولوجيات الفايس بوك والتوتير وكل مشتقاتهما .. وسعيت إلى لقاء من أرقني الشوق لرؤيتهم ، من أحب الأصدقاء ، وأجل الرفاق ، وألطف المعارف ، الشيء الذي تم لي بعون الله وفضله ، فاجتمعت بمن أرتاح لرفقتهم ، وعشت وإياهم لحظات سعادة افتقدناها في أجواء مقهى "السي قاسم" - القريبة من محطة قطار العاصمة العلمية الجميلة- واستمتع صحبتهم بفناجين قهوتها المتميزة ، التي يعدها "علال" بهدوء وتقنية عالية ، تحولها من مجرد مشروب يذهب مفعوله ويمضي سريعا ، إلى إحساس وشعور طافح بالمودة والحب ، آه كم أحببنا قهوة السي قاسم ، لم نحبها لمذاقاتها المتعددة ، إذ "ليس هناك - كما يقول درويش -مذاق اسمه مذاق القهوة، لأن القهوة ليست مفهوما وليست مادة واحدة وليست مطلقا، لكننا أحببناها لعمق دلالاتها الاجتماعية والنفسية ، التي كانت تنتزعها من نوعية الجلسة وقيمة الحضور المشارك فيها ، والمرتبطة في الغالب الأعم بالمثقفين أكثر من أي مشروب آخر، لأنها بلا منازع مشروب الجمال الأدبي والذوق الفني الراقي، الذي تقاس به درجة ذوق الشخص وأناقته النفسية ، ولن أكون مبالغا إذا ما قلت إن الاستمتاع بنكهة القهوة يرتبط ارتباطا وثيقا بنفسية شاربها وشخصيته ، وأوقات شربها ، وطرق إعدادها ، ونوعية الماعون المستعمل في شربها وكل طقوسها - التي تظل كطقوسِ الحُب تمامًا ، كلاهما إدمان وكلاهما لذّة وكلاهما مزاج أيضًا .. ورغم تباين نظرتنا لنفس القهوة ، واختلاف الطقوس التي نمارسها بيننا كمدمنين في شربها ، إلا أننا نتفق على نفس النتيجة ، التي هي أننا كلنا نستمتع وننتشي بشربها ، عفوا باحتسائها ، لأن القهوة لا تشرب شرب الهيم ، بل تحتسى أو ترتشف بمزاج عال ورائق ، في فناجين خاصة بها ، كـ"كاس بوصرة" التي يستطيب بعض مدمنيها التلذذ بها فيها دون غيرها ، وأن الرشفة الأولى ، متعة، لا تعادلها متعة ، وكأنها رشفة من رضاب أنثوي ، يبادلنا مشاعر الود والوفاء ويشعرنا بالسعادة ، ويكفي من القهوة لكل مغرم ولهان بها ، رشفة من زبادها ، الطافي على أرجاء سطح الفنجان، وما يتصاعد منها من أبخرة كما زوبعة صغيرة ، تمور بروائح البن النفاذة الزكية ، ليذهب عنه العياء والخمول والتقاعس والروتين اليومي ، ويبعث فيه النشاط والحيوية ، ويؤثر على مزاجه وإنتاجيته. ولعل أهم ما يتعلق بطقوس الاستمتاع بالقهوة ، والذي تعتبره الغالبية العظمى من عشاقها جزء لا يتجزأ منها، والذي نستطيع من خلاله تميز محترفها عن غيره ، هو كوب الماء البارد، المرافق لفنجانها ، وابتسامة النادل الذي يقدمه ، والنديم والجليس ، الذي نرتاح لوجوده ومشاركته الإحساس بسعادة احتساء فنجان القهوة. إنه والله لشعور لا يوصف ، وخاصة إذا أُحتسيت القهوة على أنغام نقاشات جادة ، أو مستملحات طريفة ، أو موسيقى هادئة ، بعيدا عن كل أخبار ما يعيشه العالم من مآسي ومفارقته غرائبية تملأ على الناس حياتهم .. حميد طولست [email protected]
#حميد_طولست (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيفما تكونوا يكون إشهاركم !!
-
إن للأحداث الكبيرة ذيولاً ليست في الحسبان
-
وفاة فاطمة المرنيسي رزء فادح للمغاربة .
-
مليونا قارئ شهادة إبداع أعتز بها ..
-
المرأة وقدرها في المجتمع ؟
-
أحوال المسلمين في فرنسا بعد 13 نوفمبر !!
-
مجتمع مريض وبحاجة إلى إعادة تنظيم !!
-
حادث باريس تشويه لصورة الإسلام الوضاءة
-
إلى طاحت البقرة ، كيكثروا الجناوا-..
-
عندما تستهدفك الأعداء!!
-
هاجس الرحيل !!
-
رتباط الموسيقى والأغاني بالشعب ومشاعر الناس .. أغنية - صوت ا
...
-
روعة الشتاء في- فاس الجديد -
-
المسألة أكبر وأخطر من مجرد لحية !!
-
نظرية نكيران حول الزوجات والصاحبات !!
-
قدرة الروائح على استدعاء الذكريات ..
-
محاربة الفساد مسؤولية لا تقبل التأجيل ..
-
لماذا لم أكتب عن السنة الهجرية كعادتي !!
-
حلم الرحيل!!
-
الحزن بالطين عند قدماء المصريين !!
المزيد.....
-
فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
-
وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف
...
-
-الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال
...
-
-باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
-
فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
-
مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
-
إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر
...
-
مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز
...
-
الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
-
اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|